حذّر مختصون في علم النفس التربوي والتعليم المكيف، من المبالغة في التحضير لنيل الشهادة، ونبهوا لبعض الأساليب وصفوها بالسلبية التي باتت تقترن بالتحضير لشهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا، والتي تزيد حدتها مع اقتراب موعد الامتحانات الرسمية، كما تتنوع أشكالها، وتشكل في مجملها عوامل ضغط تضاعف التوتر لدى الممتحن، وقد تؤدي لرسوبه، وتبدو في معاملة أولياء كالاستثمار المادي في الدعم التعليمي، وحتى أساتذة يحاولون استدراك دروس لتلاميذ متأخرين.
إيناس كبير
ولعل أكثر ما يرتبط بهذه الامتحانات القلق والتوتر الذي يصاحبهما، ويُترجم في الاهتمام المفرط بالدراسة والمراجعة، بالرغبة في تحقيق معدلا ممتازا، استجابة لرغبة العائلة أو أحد أفرادها، بعد أن كان حلما لدى بعضهم لم يتمكنوا من تحقيقه، ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية كالرسوب، أو التأثير على صحة التلميذ النفسية والفكرية.
مبادرة «بسيكو بيس» لتخفيف التوتر النفسي
نبهت الأخصائية النفسانية سليمة دحماني، وأستاذة علم النفس التربوي والتعليم المكيف، نبيلة عزوز، في حديثهما للنصر، من الآثار الجانبية لهذا الضغط، الذي يحاصر الممتحنين بشكل مستمر، حتى على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد بمثابة متنفس بعد وقت المراجعة، أين تقابلهم عشرات المنشورات التي تتحدث عن شهادة البكالوريا على سبيل المثال، من قبيل «أشر لشخص تتمنى أن يتحصل على الباك»، «نديو لباك وتفرح الوالدة»، ناهيك عن انتشار إعلانات لدورات مراجعة يُكثف النشر حولها مع بداية العد التنازلي للامتحانات، ونماذج لأسئلة امتحانات رسمية مرفقة بمنهجية الإجابة الصحيحة.
زيادة الضغط والتوتر على المقبلين على امتحانات رسمية، دفع جمعيات إلى إطلاق مبادرات للتحضير النفسي القبلي للتلاميذ، لضمان تحضير نفسي يساعد على التخفيف من حدة التوتر، على غرار مبادرة «بسيكوبيس»، التي استحدثتها جمعية «صوت الشباب»، تضم طاقما مكونا من ثلاثين مختصا في علم النفس، يتنقلون إلى المؤسسات التربوية وكذا لمراكز الامتحان لضمان أيضا مرافقة نفسية خلال فترة اجتياز امتحاني شهادتي المتوسط والبكالوريا.
الاستثمار المادي في الدعم التعليمي يزيد حدة الخوف
ويشكل نيل الشهادة هاجسا لدى الأولياء، حسب الأخصائية النفسانية، سليمة دحماني، التي أرجعت أسبابه إلى رغبة الأولياء في بلوغ الأبناء مستوى تعليمي جيد لضمان مستقبلهم المهني، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بشهادة البكالوريا التي تعد أول شهادة يُحَصِّلها الإنسان في الحياة، تفتح له آفاقا كثيرة، فضلا عن قيمتها الاجتماعية.
وأردفت بأن النجاح أيضا يعد مظهرا من مظاهر الفرح في المجتمع، خصوصا إذا كان الممتحن هو الطفل البكر، حيث يتفاءل الآباء بنجاحه على أمل أن يسير باقي إخوته على هذا الطريق، ونظرا إلى الرعاية الخاصة التي يوفرها الآباء أثناء فترة تحضير أبنائهم للامتحانات من كل الجوانب، فضلا عن الأموال الكبيرة التي يستثمرونها على غرار شراء الكتب الخارجية، وكراريس التمارين، والملخصات، ناهيك عن مصاريف الدروس الخصوصية، كل هذا ترى دحماني أن الأولياء ينتظرون النجاح حتى ينسوا تعب سنوات في مرافقة أطفالهم والحرص على تعليمهم، وعقبت بأن الاستثمار الزائد يؤثر سلبا على الطفل ويجعله يشعر بالخوف من نتيجة الامتحان.
وفي هذا الجانب قالت أستاذة علم النفس التربوي، نبيلة عزوز، إن الطفل يتقاسم مع أبويه الحالة نفسها، فيشعر بهما عندما يكونان مرتاحين، أو قلقين، وهو ما تترجمه التصرفات التي يقومان بها، وأتبعت عزوز، بأن الولي في الفروض العادية تجده يتعامل بشكل عادي مع الوضع، إلى غاية وصول الامتحانات الرسمية، فيصبح مهتما بصفة مفرطة بكل ما يقدمه الأستاذ في القسم، ثم يوجه ابنه إلى الدروس الخصوصية، ويجمع له ما ينتشر على شبكة «الانترنت» من دروس، ومقترحات، وتمارين، حيث ترى بأن هذه التصرفات تضاعف الضغط لدى الممتحن، ولا يستطيع استحضار المعلومات التي راجعها، أو يركز على مادة دون أخرى.
متى يتحوّل التوتر إلى قلق غير طبيعي؟
وأوضحت الأخصائية النفسانية، سليمة دحماني، بأن التوتر لدى الإنسان يعد رد فعل طبيعي، خصوصا يوم الامتحانات، وأعقبت بأن غيابه يؤدي إلى عدم الشعور بقيمة الشيء، وبالتالي فإن الفرد لا يمنحه العناية الكافية، وشرحت بأن التوتر يفرز هرمون «الأدرينالين»، الذي يمنح نشاطا للفرد فيتخذ بذلك وضعية التأهب، والضغط الناتج عنه هو تذكير للمخ بأنه سيكون أمام تجربة مهمة، تضيف، بأن التلميذ في هذه الحالة عليه أن يعرف كيف يسيطر على قلقه حتى لا يتخذ منحى سلبي.
من جهتها ذكرت أستاذة علم النفس التربوي، نبيلة عزوز، مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى القلق، بعضها مرتبطة بالتلميذ كالحشو الموجود في المنهاج، تأخير التحضير للامتحانات والمراجعة إلى آخر شهر، وتحجج بعض الأستاذة بضيق الوقت ودفع الممتحنين إلى الدروس الخصوصية، وفي هذا الخصوص علقت الأستاذة قائلة «إن المعلومات التي يتلقاها التلاميذ في الدروس الخصوصية تختلف عن تلك التي تكون في القسم، لأن أسلوب التلقين يختلف لدى الأساتذة، وهذا ما يزعزع ثقة التلميذ بأستاذه في المؤسسة»، مردفة بأن هذه الضغوط النفسية تؤثر على الجسد وتسبب الإرهاق لدى التلميذ خصوصا إذا كان يقضي الليل كله في المراجعة، رغبة في حفظ ومراجعة أكبر قدر من المعلومات حتى يجيب بطريقة صحيحة على الأسئلة الممتحن فيها.
أمهات يحجزن مقاعد لدى الطبيب النفساني
وكشفت الأخصائي النفسانية، سليمة دحماني، بأن بعض الأمهات يصل بهن الأمر لزيارة الطبيب النفساني بحثا عن تقليل الضغط، وأرجعت ذلك إلى الاعتبارات الاجتماعية والشخصية التي تبني عليها تحصل ابنها على الشهادة، وذكرت بعض العبارات التي تشاركها الأمهات من قبيل « بعت مجوهراتي في سبيل تدريس أبنائي»، فيما تتحدث أخرى قائلة «ابنتي تنام، وأنا أبقى مستيقظة لانتظار موعد المراجعة»، تضيف دحماني بأن أسلوب التواصل أيضا مع الأبناء يتغير وينحصر الحديث في توجيه الملاحظات والأوامر، وعلقت بأن هذا القلق الزائد يجعل الطفل يتعامل مع امتحان نهاية السنة على أنه أمر مخيف.
كما تطرقت للحديث أيضا عن المنافسة بين العائلات في تدريس أبنائها من أجل المباهاة، والذي يتخلله في كثير من الأحيان المقارنة بين التلاميذ، موضحة بأن هذا التصرف يثبط من عزيمة الممتحن حتى لو كان معدله في السنوات الأخرى ممتازا، والذي قد يتراجع مستواه عند اجتياز الامتحانات الرسمية.
ناهيك عن أن هذا التصرف يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس، وفقا للأخصائية، ويتسبب في ارتباك الممتحن أمام الورقة، حيث يزداد لديه معدل «الأدرينالين»، الأمر الذي يؤثر على التنفس العميق لديه، وفقدانه للتركيز، كما يمنعه من الاسترخاء العضلي والذهني، وأضافت بأن التلميذ في هذه الحالة يتهيأ له بأن عقله أصبح صفحة بيضاء ونسي كل الدروس التي راجعها،
وعقبت دحماني، في هذه الحالة يكون الممتحن فاقدا للوسائل التي تساعده في السيطرة على توتره لأن الأولياء لم يركزوا على تنميتها لديه، وبالتالي لا يستطيع تهدئة نفسه واسترجاع تركيزه فيغرق في الخوف، داعية إلى ضرورة الوعي بأن مواضيع الامتحانات النهائية هي الدروس ذاتها التي كان يتلقاها الطفل طوال سنوات دراسته مع تحيين بعض المعلومات، وإضافة معطيات جديدة، والتوسع قليلا، وتجنب التعامل معها على أنها صعبة.
«فوبيا» الامتحانات يرافقها شبح التخصص
وترى الأخصائية النفسانية، سليمة دحماني، بأن غالبية التلاميذ فاقدون للاستقلالية في اتخاذ قراراتهم، ولا يستطيعون تحديد ما يريدون، تقول، إنها صادفت خلال السنوات الفارطة ممتحنين في شهادة البكالوريا لا يعرفون التخصص الذي يريدون اختياره، وعند سؤالهم يجيبون «لا أعرف المهم أن أتحصل على الشهادة من أجل أمي وأبي».
وقالت إن هناك أولياء يمارسون ضغطا رهيبا، من أجل تحقيق معدلات ممتازة تؤهل لاختيار تخصص معين يستجيب لرغبتهم، وفي أحيان كثيرة يكونوا سببا في إحباط التلميذ محدود المستوى، موضحة بأن التحفيز يعد وسيلة تشجيع للممتحن، حيث قسمته دحماني إلى تحفيز داخلي نابع من التلميذ، فتجده يملك هدفا يريد الوصول إليه، أو يطمح لدراسة تخصص معين، حيث يعمل على تجسيده، ويوظف أساليب منطقية للوصول كالتنظيم الوقت، واعتماد برنامج في المراجعة.
وتحفيز خارجي كالهدايا والوعود التي يتحصل عليها من والديه، موضحة، بأن الدافع هنا يتلاشى مع أول عقبة تواجهه، ونصحت بالتركيز على التحفيز الداخلي ومساعدة الطفل من الناحية النفسية وتعزيز ثقته بنفسه.
بدورها دعت أستاذة علم النفس التربوي، نبيلة عزوز، إلى مراعاة الفروقات الفردية، ومعدلات الذكاء أثناء رسم مستقبل الطفل، ونبهت إلى أن اختيار التخصص بطريقة عشوائية دون الاهتمام بميولات الطفل يعد خطأ كبيرا يؤثر على مستقبلهم، خصوصا من يتعرضون للرسوب فيما بعد.
مهمة الأولياء المرافقة الصحية وليس السيطرة
وقد نصحت، الأخصائية النفسانية، سليمة دحماني، الأولياء بالتواصل مع أبنائهم، حتى يتعرفوا على رغباتهم وحاجياتهم، فيستطيعون بذلك توجيه طموحاتهم، قائلة إن مرافقة الممتحنين يجب أن تكون إيجابية ترتكز على النصيحة والإرشاد بدل السيطرة، فضلا عن تعليم الطفل الاستقلالية على أن يكون مسؤولا عن قراراته، دون أن يغفلوا تلقينهم قيمة العلم وكيفية تذليل الصعوبات حتى يكون الانتقال من مرحلة إلى مرحلة ممتعا وخال من الضغط.
كما أكدت على أهمية الجانب النفسي للأولياء وكذا التلاميذ مع التحضير للامتحانات الرسمية، منذ بداية السنة الدراسية، مع مراجعة كل الدروس والمواد، وذكرت دحماني أن تنظيم الوقت واعتماد برنامج يمزج بين الدراسة والترفيه مهم حيث يجد الممتحن فرصة لتفريغ الضغط سواء من خلال ممارسة الرياضة، أو حضور مسرحيات.
إ.ك