يواجه أولياء خلال الدخول المدرسي خوف أطفالهم من يومهم الأول في القسم، حيث يبدي الصغير رفضه لهذا التغيير الذي يقطع ديمومة مكوثه في البيت، فيما أوضح أخصائيون بأن الأهالي يمكنهم التعرف على هذه المخاوف من خلال بعض الأعراض التي تظهر على الطفل، مؤكدين على أهمية التأهيل النفسي الجيد، ووقوف المعلم إلى جانبه واحتوائه حتى لا تؤثر الحالة على مستقبله التعليمي.
إينــــاس كبير
يصعب على أطفال تقبل فكرة الانفصال عن الأم و الالتحاق بالمدرسة فتصبح مهمة الولي بإقناع صغيره بالدخول إلى القسم مضنية جدا، ويكون قرار العودة به إلى المنزل أمرا حتميا أحيانا خصوصا في الأيام الأولى من استئناف نشاط المدارس، وهناك من الآباء من يعجز عن استيعاب خوف طفله فيتصرف بطريقة خاطئة تؤزم الوضع مثل تعنيف الصغير أو إجباره على الدخول إلى القسم بالقوة، ما يجعل التجربة صعبة وصادمة للتلميذ.
تخوف الطفل من الدخول المدرسي طبيعي ومنطقي
وبحسب ما أوضحته، الأخصائية والمعالجة النفسانية هدى زياد، فإن مخاوف التلميذ في الابتدائي تختلف عن مخاوف المراهق الذي سينتقل إلى المتوسطة، حيث يكون الخوف في الحالة الأولى مرتبطا بفقدان الوالدين فيتصور الطفل أنهما سيتركانه في المدرسة دون عودة، أما بعد اليوم الأول فيكون السبب تعرض الطفل لمشاكل مع المعلمين، أو صعوبات التعلم.
وعلقت زياد بأن، بعض الحالات التي التقت بها في عيادتها لأطفال يعانون من هذه المشاكل، بلغت حد الرفض الكلي لفكرة المدرسة و التعلم.
ثم عرجت الأخصائية، للحديث عن المخاوف التي يفكر فيها تلاميذ السنة أولى متوسطة، والتي ترى بأنها تشبه نوعا ما تلك التي يعاني منها الطفل في الابتدائي، لكن مع اختلاف في المرحلة، وذكرت الخوف من تغيير الوسط والانتقال إلى مستوى آخر، وعدم القدرة على التعود على الأساتذة بعد أن كان التلميذ في الابتدائية يتعامل مع أستاذ واحد.
كما تحدثت أيضا، عن توجيهات الأولياء التي تأتي في غالب الأحيان بطريقة خاطئة ومبالغ فيها، وتزرع لدى التلميذ صورة مخيفة عن المتوسطة، وهي صورة ترتبط بالآفات الاجتماعية وقد يتلقاها الطفل أيضا من المحيطين به، خصوصا وأنه لم يتعرف بعد على هذا المكان الجديد الذي سيذهب إليه.وهناك أيضا من بين المخاوف، ما يتعلق بالمظهر الخارجي، وعلقت بأن الطفل بعد سن 12 سنة يعاني من خوف عدم التقبل، بالإضافة إلى خوف التحصيل الدراسي، ناهيك عن عدم القدرة على فهم نظام التعليم من قِبل التلميذ الذي يلجأ للانسحاب من الدراسة. وقالت الأخصائية، إن الأولياء يستطيعون التعرف على ما إذا كان طفلهم مؤهلا للدخول المدرسي أم العكس، من خلال بعض العلامات التي تظهر عليه، وأبرزت اضطراب النوم الذي يترجم في الإصابة بأرق أو خمول وانقطاع الشهية و ألما في البطن، أو الإصابة بالقيء أو بالإسهال أو البكاء الهستيري و الصراخ، وهي أعراض تظهر على شخص يعاني من قلق عال. فيما تتمثل الأعراض التي تظهر عند المراهقين في الكوابيس و الانسحاب الاجتماعي و العزلة أو العصبية والعنف داخل المنزل.
عدم استجابة الوالدين قد تحول الخوف إلى حالة مرضية
وأوضحت الأخصائية، أن هناك أولياء يرتكبون تصرفات خاطئة في هذا الموقف مثل التعنيف أو العودة بالطفل إلى المنزل، وترى زياد، بأن طريقة التعبير التي يرفضها الوالد تعد الأصلح في نظر الطفل و مؤشرا على أنه يواجه خطرا.
وأفادت، بأن التعامل بعنف وعدوانية مع حالة الخوف التي يعاني منها يؤدي إلى تضخيم المشكلة و دفع الطفل لكتم مشاعره، ومع مرور الوقت يدرك بأن التعبير عنها يجب أن يكون بطريقة عنيفة.
وأردفت، بأن الطفل الذي سيصبح شابا مستقبلا سيتخذ مسارات أخرى خطيرة مثل الإدمان على المخدرات، والهروب من المنزل ومرافقة أناس خطيرين، أما في حالة تعامل الولي بعاطفة مبالغ فيها مع طفله الذي يرفض الذهاب إلى المدرسة، فتقول إنه يعلمه الهروب.
وترى الأخصائية النفسانية، بأنه من الأحسن فتح حوار مع الطفل يمكنه من التفريغ العاطفي، ويدرك من خلاله بأن مشاعره عادية كما يشعر بدعم والديه والأمان، أما في حالة عدم قدرته على مقاومة مخاوفه، فقالت المتحدثة، إنه من الأفضل استشارة أخصائي نفساني يوجههم ويعلمهم أسلوب الحوار الجيد مع الطفل، من خلال المقابلات التي تساعده على فهم ما يعاني منه.
ومن الطرق التي تساعد الأولياء على دعم أطفالهم في حالة الخوف وذكرت زياد، العلاج بالتحفيز الذي يسبقه طمأنته وتعريفه بمنبع خوفه وأفادت، بأن التحفيز يجب أن يكون منطقيا وفي حدود الاستطاعة كاستخدام عبارات من قبيل «أنا هنا»، «عندما ينتهي دوامك سوف ستجدني» مع تنفيذ الوعد، بعدها يمكن رفع هذه التحفيزات، مثلا مكافأة الصغير دون المبالغة في ذلك، وفي حالة عدم قدرة الطفل على تجاوز الحالة، نصحت الأخصائية بعرضه على معالج نفساني لأن وضعه قد يتفاقم ويتحول إلى حالة مرضية.
هكذا يتم تأهيـل الأطفال المتعلقين بالهواتف
ومن أساليب التأهيل النفسي التي ترى الأخصائية بأنها تساعد الطفل على تقبل المدرسة، تخفيف الضغط و عدم ربط المدرسة بالتحصيل العلمي والنقاط فقط و الابتعاد عن الشروط وتحبيب الطفل في العلم، مع اقتناء الأدوات المدرسية التي يرغب بها، ومساعدته على إدراك أن الدراسة تعني علما وكلما تعلم شيئا فهو فائدة له.
كما تحدثت الأخصائية عن الأطفال المتعلقين بالهواتف، وقالت إن هذه الفئة يجب أن تتحضر قبل الدخول المدرسي، وخلال العطلة الصيفية حيث يحاول الأولياء ضبط برنامج لاستخدام أبنائهم للهواتف لا يضر الطفل ولا يسبب مشكلا في المنزل. وعن تعامل المعلمين مع الطفل الذي يعاني من مخاوف متعلقة بالدخول المدرسي، قالت زياد، إن الطفل في هذه الحالة يقوم بما يُعرف بالإسقاط فيسقط حب الوالدين على المعلم، لذلك فقد نصحتهم بالتعامل معه وفقا لشعوره من خلال تحفيزه عن طريق الحلويات وفهم تخوفه وتشجيعه مع تجنب استخدام العنف.
صبر المعلم و عطفه يؤثران على المشوار الدراسي للطفل
ترى أستاذة التعليم الابتدائي سعيدة عرزور، بأن المعلم يجب أن يكون مربيا ثم معلما في هذه المرحلة لأن الطفل سيأتي بنفسية بيته، ولا يملك معلومات عن الوسط الذي هو فيه.
وقالت، إن خمسين بالمائة من التعامل مع التلميذ يكون سيكولوجيا مع متابعته خطوة بخطوة إلى غاية أن يندمج ويدرك بأنه أصبح ينتمي إلى ميدان تربوي. أما عن تقديم الدروس قالت عرزور، إن الأستاذ يجب أن يجسدها في شكل لعبة، مع تحويل القسم إلى فضاء مملوء بأشياء يلتقي بها الطفل في حياته اليومية، مثل الأشكال و الألوان و الإشارات مع استخدام الإيحاءات وتوظيف الموسيقى حتى لا يكون الدرس جافا.
وأكدت الأستاذة، بأن التلميذ الذي يخاف من المدرسة أول مرة، يمكن أن يصبح من النخبة، وقالت إنها لمست ذلك خلال تجربتها التعليمية في الابتدائي، حيث نصحت بضرورة احتواء التلميذ في هذه المرحلة وتجنب جرح مشاعره خصوصا بواسطة الكلام، وعلقت الأستاذة في هذا السياق بأن التعليم هو عمل إنساني لأن المعلم يتعامل مع البراءة وفي حالة الخطأ يمكن أن يكون سببا في كره التلميذ للمدرسة.
وعن تحضير الطفل للسنة الأولى ابتدائي، أوضحت الأستاذة، بأنه لا يحتاج إلى ذلك، والأفضل أن يمارس أنشطة ترفيهية مثل الرسم و التلوين والأشغال اليدوية، أما تحضيره فهو عبارة عن ضغط، وأردفت بأن التلميذ يجب أن يتعرف بداية على المكان الذي يقضي كل يومه فيه، أما تدعيمه معرفيا فيكون بعد الدخول للمدرسة. إ.ك