الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

ملتقى أهل الإبداع بقسنطينة: مقهى «درب الحوزي» يحيي روح الموسيقى ويفتح ذراعيه للأدب

يحافظ مقهى درب سليم الحوزي بقسنطينة، على بريقه وجاذبيته كمقصد لأهل الفن والموسيقى، وقد عاد نشاطه بقوة هذه الصائفة و استيقظت روح الفن من جديد في المكان الذي ينشط منذ أكثر من عقدين من الزّمن، حيث عرفت الأسابيع الماضية برمجة عديد السهرات و القعدات التي جمعت وجوها وأسماء لامعة في مجالات فنية مختلفة كالغناء و العزف والتمثيل و الرسم، ولا يزال المقهى قاطبا للمواهب الشابة التي تفضل أن تنطلق من حضنه الفني لتبحث لها عن مكان بين عديد الأصوات الصاعدة في قسنطينة.

ويشكّل مقهى درب سليم الحوزي، ببلدية قسنطينة، ملتقى لكل مولع وشغوف بالفن الراقي، إذ يجمع بين جدرانه في سهرات فنّية ألمع الأسماء إلى جانب الكثير من الأصوات الشابة في مختلق الطبوع الموسيقية على غرار المالوف و الحوزي والشعبي، كما ينتظر أن يتسع نطاق النشاط أكثر مستقبلا ليحتضن مبدعين في مجال الكلمة و الأدب.
لماذا درب الحوزي؟

زرنا المقهى خلال أمسية قسنطينية هادئة، وقد استقبلنا صاحبه محمد عزيزي بحفاوة كبيرة، سألناه عن أصل التسمية فقال إنها ترتبط بخلفيتين فـ»الحوزي» نوع غنائي جزائري، كما أنّ للكلمة دلالة ثانية هي موقع المقهى «محيوز» عن المدينة أي خارج المدينة، ففي الوقت الذي أنشأت في المشروع كانت منطقة بوالصوف غير عامرة بالسكان مثلما هو عليه الحال اليوم، مضيفا أنّه افتتح المقهى قبل 23 سنة، وفي ذلك الوقت كان عدد المباني قليلا جدا، لدرجة يمكن رؤية قبة مسجد الأمير عبد القادر من على سطح المقهى، وقد كان الناس يستدلون بصوت الأذان في المسجد الشهير للإفطار خلال أيام رمضان.
وتعود فكرة إنشاء المقهى الفني الثقافي درب سليم الحوزي إلى سنة 1982، وقد ولدت في إسبانيا حين تنقل محدثنا إلى هناك لمناصرة المنتخب الوطني لكرة القدم خلال منافسات كأس العالم، علما أن المقاهي الثقافية كانت موجودة في الأصل في قسنطينة في ذلك الوقت على غرار مقاهي بلعطار و بوليلة، وولد العيد و بوجمعة، مع ذلك فإن التجربة الإسبانية ألهمته للمضي قدما.
أوضح عزيزي، أنّه خلال تلك الرحلة استرجع بعض الذكريات وكيف كانت تلك المقاهي تحيي ليل المدينة، وتوقفت لاحقا إبان الثورة، كما تعرّف في إسبانيا على مواطن يمتلك مقهى في زواية منه آلة «قيتار» و قد كان يتيح فرصة العزف عليها و الغناء لمن يريد ذلك، فقرر بذلك استنساخ النموذج حين عودته إلى أرض الوطن، لينعش الذاكرة الفنية لأخل المدينة و يساهم في إبراز أنواع موسيقية جزائرية وإتاحتها للجمهور الذواق من المستمعين، وهو ما نجح فيه فعليا، حيث يقصد المقهى العديد من «النوستالجيين» الذين يبحثون عن خيط رائحة يعيدهم إلى الزمن الجميل.
شهرة وصلت إلى بلدان مختلفة
يلتقى في المكان كذلك، شعراء وكتاب ورجال سينما ومسرح، يجدون فيه فسحة للحديث عن المواضيع الثقافية، و قد كان الشاعر لقمان بن الشيخ الحسين من بين رواد المقهى الأوفياء كما أخبرنا عزيزي، مشيرا إلى أنه كان يجمع عددا من الشعراء من حين لآخر للحديث عن جديدهم.
وقال المتحدث، إن المكان لا يستثني أحدا ولذلك فقد شكّل المقهى رحما ولدت منه عديد المشاريع الفنية، فشهرته قد تعدّت الحدود كما عبر، مسترسلا:» في سنوات ماضية تشكلت توأمة بين بلدية قسنطينة وغرونوبل الفرنسية، و قد كان التبادل الثقافي ضمن البرنامج، وفي هذا السياق قدمت إحدى الجمعيات الفنّية الفرنسيّة للمقهى فأعجب أعضاؤها بالأجواء، واقترحوا فكرة تعاون فسافرت رفقة مجموعة من ستة فنانين بينهم ابني سليم، و قدمنا عرضا ناجحا جدا في غرونوبل».
ولفت محمد عزيزي، إلى أنّ الطاهر غرسة، الذي وصفه بأكبر «معلّم» للمالوف التونسي قدم إلى المقهى وشارك في «مقيل» قسنطيني، احتضنه المكان على هامش مهرجان المالوف، وغنى في تلك المناسبة أيضا وفد من المغرب على رأسه الشيخ «متيوي»، إلى جانب سليم فرقاني ووالده محمد الطاهر، وهو واحد من الأمثلة الكثيرة عن القيمة الثقافية و الفنية للمقهى.
الجميل في كل ما ذكر حسب المتحدث، هو أن الحفلات الفنية التي يحتضنها المقهى تقام دون تحضير مسبق أو برنامج مواعيد و لا تعرف تواريخ محدّدة، حيث تقام غالبا دون سابق تخطيط، مع ذلك فإنها عادة ما تكون يومي الاثنين والخميس على اعتبار أنّها ليلة عطلة الأسبوع التي تعرف ذروة الإقبال.
أخبرنا، أن مقهاه احتضن منذ مدة احتفالية بمناسبة عيد ميلاد الفنان حسان برمكي، أحياها هو شخصيا، وقال إنّه تمّ تأخير موعدها لأيام كي تصادف عطلة نهاية الأسبوع مراعاة لانشغالات الناس، كما أكّد أنّه تمّت فقط برمجة تاريخها دون الاتفاق مع الفنان ومؤدي السهرة، علما أنه يسبق مثل هكذا مناسبات في العادة، إعلان عن الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي.محدثنا، أكد أن درب الحوزي يفتح أبوابه لكل من يرغب في تجربة صوته أو إظهار براعته في العزف على الآلات الموسيقية أو التعلّم معبرا: «الدوام يذوّب الرّخام» وهو بدوره يعمل على تشجيع المواهب ودفعها للمبادرة، حيث ذكر أنّ عديد الفنانين انطلقوا بهذه الطريقة، لأن شهرة المقهى ترتبط بهذا النشاط تحديدا و نوعية مرتاديه من عشاق السماع والفن، فالغناء مثلا أمام محمد الطاهر الفرقاني ليس بالأمر السهل، لكنها فرصة أتيحت لشباب مروا على المقهى الذي يعد عميد المالوف من مؤسسيه. اليوم يقصد المكان نجوم من أمثال كمال بودة و حسان برمكي، ويحي لحول،ورضوان بلهولة، ويردد عليها الناس للاستمتاع بسماع غنائهم و عزفهم و لتجربة الأداء أمامهم كذلك. ويضيف عزيزي، بأنّه كثيرا ما يحتضن المقهى حفلات غير منتظرة يؤدي فيها النجوم إلى جانب الهواة حيث يبدأ الأمر بحوار أو نغمة وينتهي بحفلة جميلة تجمع فنانين و شبابا من جمعيات موسيقية يعزفون لحنا واحدا.
مشروع ركن أدبي
أسر لنا صاحب المقهى، أنه بعد سنوات من الاشتغال في جانب الموسيقى ينوي توسيع النشاط الإبداعي لرواد المكان، كي يشكل الأدب كذلك، حيث يفكر في تحويل المقهى إلى فضاء أدبي وتأتي الخطوة بغرض إضفاء طابع الرسمية على نشاط المقهى، إذ ذكر أنّ لجنة مختلفة الأسلاك قامت بخرجة ميدانية للمكان من أجل متابعة الإجراءات، موضحا أن هذا المسعى هو واحد من أحلامه الكثيرة المتعلقة بالفن، علما أنه كاتب وموسيقي من مواليد 19 أكتوبر 1947، شغل حياته بالثقافة والفن وفتن بقسنطينة وثقافتها وتراثها، قائلا إنّ حبّها يسير في دمه، وأنها من وهبته كل ما يملك لذلك قرر أن يعيش لخدمتها فنيا. يهتم عزيزي كذلك، بالكتابة وقد حاول أن يشتغل على جوانب من التراث على غرار الموسيقى وحتى المطبخ القسنطيني، ورغم بلوغه 77 من العمر، إلا أن شغفه لم يخبو كما قال، حيث يقضي يومياته في مقهاه في العمل على تأليف كتابين جديدين، ليكونا تتمة لمشوار بدأه وهو شاب عاشق لفكرة الإبداع حيث سبق له أن كان عضوا في أوركيسترا كازراك سنة 1964، ومنها تغذى ولعه بالموسيقى ليصبح في مرحلة لاحقة مكوّنا في الموسيقى الأندلسية بدار الثقافة مالك حداد، ويستمر كذلك طيلة 18 سنة كاملة توجها بمقهاه الفني الشهير.
إ.ق

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com