تحظى ألعاب العقل أو ألعاب الذكاء، باهتمام متزايد من قبل أولياء يعتبرونها مهمة جدا للاستثمار في مواهب أبنائهم و استغلال أوقات فراغهم على أكمل وجه، و تعد هذه الألعاب آسياوية المنشأ نوعا من التدريب على التفكير والتركيز، خصوصا الشطرنج و ما يعرف كذلك بـ « الكوريدور» و «السوراكارطا» و «الكو-آه»، وقد حقق تلاميذ من قسنطينة نجاحا فيها، وانتقلوا من مرحلة التسلية إلى محطة التنافس في مسابقات وطنية ودولية.
إيناس كبير
تغير مفهوم اللعب لدى الأطفال، مع ظهور حاجيات معرفية جديدة فرضها التطور الرقمي، حيث أصبح الطفل في حاجة إلى اكتساب لغات ومهارات التواصل في ظل سطوة التكنولوجيا التي فرضت اهتمامات جديدة ومختلفة عن الألعاب التقليدية، وصار الصغار مشدودين أكثر إلى هذا العالم، لدرجة أن نشاطات بسيطة مثل الرسم والموسيقى باتت تمارس على الهواتف والألواح الإلكترونية عبر التطبيقات الذكية، وهو ما ضاعف ضرورة الاهتمام أكثر بالجانب الترفيهي للطفل و انتقاء الأفضل له.
ولتطوير هذه المهارات يبحث آباء عن أنشطة مختلفة تحفز مواهب أطفالهم وتفجرها، فيما يجدها آخرون بدائل مفيدة لتحرير أبنائهم من سيطرة الأجهزة الإلكترونية، وهو ما أصبحت توفره مراكز تعليم وتدريب بقسنطينة، حيث تجذب الصغار للمشاركة في أنشطة حديثة ومتنوعة، تجمع بين الترفيه والتعلم، ليطوروا بفضلها قدراتهم الإدراكية وذكاءهم فضلا عن تلقينهم استراتيجيات ذكية للتعامل مع إشكاليات مختلفة وذلك من خلال أنشطة بيداغوجية وألعاب عقل متنوعة، ولجعل النشاط أكثر فائدة ومتعة، يفتح القائمون عليها أمامهم أبواب المشاركة في مسابقات وطنية ودولية ما يجعل الصغير يتعرف على مستويات أكثر احترافية.
تجربة جديدة
تقول رئيسة مركز «يوريكا» للتدريب والتعليم، نورة بوزيتونة، إن تعريف الطفل على أنشطة مفيدة تساهم في تطوير مهاراته الإدراكية وتنمية ذكائه، هي واحدة من أهداف المركز، فضلا عن نشر فكرة اللعب المفيد لدى كل أطفال الجزائر، لذلك فقد خصصت على مستوى مركزها، نواد لأنشطة مختلفة على غرار المطالعة و الشطرنج، و الفنون مثل الرسم والموسيقى لإخراج الطفل من روتين الدراسة وجعله يعبر على قدراته ويستمتع بممارسة هواياته في محيط داعم أين يتشارك الجميع نفس الاهتمامات.
ويضم المركز أيضا، وفقا لمديرته، كفاءات نقلت إليه خبرات دولية في مجال ألعاب العقل التي يؤطر ممارسيها أستاذ خاض تجربة مهمة في بريطانيا، قائلة إنه كان يتابع هذا النشاط في المدارس هناك، أين يقضي الطفل أوقات الراحة في ممارسة ألعاب تنمي الذكاء، كما تُقام لها مهرجانات دولية، وأُنشأت لفائدة تعليمها مراكز عديدة متخصصة.
وتضيف بوزيتونة، بأن مبدأ هذه الألعاب هو تحفيز الطفل على التفكير وتعلم المنافسة، فضلا عن إبعاده عن الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وألعاب العقل فكرة جديدة كليا تشمل نشاطات تعرف بـ «كوريدور»، «سوراكارطا»، «كو-آه».
ووفقا للمتحدثة، فإن هذه الأنشطة تتم عبر مراحل، المرحلة الأولى تضم ثلاث ألعاب تدريبية، ويتدرج الطفل في إتقان ممارستها حسب الفئات العمرية والقدرات التي يتمتع بها، وقد نظم المركز، بحسب مديرته فعالية في ألعاب العقل تحت إشراف مؤطرين من العاصمة حيث استمتع الأطفال الذين حضروا بهذا النشاط الذي خلق جوا مفعما بالحماس والمنافسة، كما أفادت المتحدثة، بأنهم يحضرون الأطفال حاليا للمشاركة في مسابقات وطنية ودولية في ألعاب العقل.
من جانبه، أوضح مسير مركز «يوريكا»، منجي بولمدايس، أن الأطفال يتعلمون من خلال هذه الألعاب التفكير النقدي والتحليلي، كما تساهم في زيادة تركيزهم والمحافظة على الانتباه، فضلا عن تنشيط الذاكرة، وتعلمهم حل المشكلات التي تواجههم، والتخطيط والتنظيم، وكذا زيادة الثقة بالنفس والقدرة على الإبداع والتفكير من خلال المنافسة مع أشخاص آخرين.
وبحسب بولمدايس، فإن كل مرحلة يتخطاها الطفل تجعل قدراته تتطور بشكل سريع، قبل الانتقال إلى مراحل متقدمة بشكل سلس وسهل، وعلق مسير المركز، بأن مدة حل اللغز تتقلص إلى خمس دقائق فقط في المراحل المتقدمة من الألعاب، بينما تأخذ المرحلة الأولى الخاصة بالتدريب 15 دقيقة من وقته.
و تتمثل لعبة كوريدور مثلا، في أنها سلسلة ألغاز ورموز يعتمد الطفل على ذكائه وانتباهه لحلها،وهي لعبة مغامرة يستخدم فيها اللاعبون مهاراتهم الذهنية لجاوز بعض العقبات والخروج من متاهات أو غير ذلك، حيث يتعلمون من خلالها وضع استراتيجيات الصمود و التحرك دون خطأ.
أما سوراكارطا، فهي لعبة ذكاء إندونيسية الأصل، تناسب الأطفال من سن 7 سنوات و تشبه إلى حد ما لعبة الشطرنج من حيث المبدأ واستراتيجية اللعب و الاعتماد المطلق في الفوز على التفكير الذكي و التخطيط، وهو تقربا نفس الأسلوب المعتمد في غالية ألعاب العقل الأخرى التي يقترحها المركز على منتسبيه، والتي يرتكز الهدف منها على تعليم الطفل كيفية الاستفادة من وقته وتوجيه تركيزه و استغلال طاقته في ممارسة شيء مفيد.
وإلى جانب ذلك فإن المركز، يقدم مجموعة من الأنشطة ذات الصلة التي تهدف جميعها إلى تحفيز ملكة التفكير عند الطفل، ويهتم كثيرا بإشراك المنتسبين إليه في المسابقات ذات البعدين الوطني و الدولي، لتثمين الدور الذي تقوم به النوادي التدريبية في تكوين جيل قادر على المنافسة في مجالات الذكاء على اختلافها.
مسابقات دولية تمكن الطفل من الانفتاح على العالم
وتعد هذه النوادي كما تضيف السيدة بوزيتونة صاحبة المركز، مختبرا لتدريب الصغار وتحضيرهم للمشاركة في مسابقات دولية ووطنية، حيث تحدثت عن تمثيل الجزائر في الأولمبياد العالمية للغة الإنجليزية «إيبو»، في طبعاته الثلاث، حيث كانت المشاركة الأولى رمزية واقتصرت على ثلاثة أطفال فقط، أما في العام الثاني فقد ارتفع عدد المشاركين ليصل إلى حوالي 40 طفلا، تأهلوا إلى المستوى الثاني، فيما وصلت طفلة إلى المرحلة الاستدراكية، لكن تعذر عليها الانتقال إلى تركيا للمشاركة في النهائيات، بينما وصل عدد المشاركين في طبعة السنة الجارية إلى تسعة أطفال، وقد تأهل واحد منهم إلى المستوى الثاني، حيث أوضحت مديرة المركز، أن المشاركين يُقسمون حسب الفئات العمرية.
وسجل المركز كذلك، مشاركته لأول مرة في مسابقة «مكين» للقراءة دورة جوان 2024، وهو مشروع هدفه بحسب المتحدثة، تعزيز فعل القراءة وسلوكيات المطالعة لدى الصغار، من خلال إكسابهم مهارات متنوعة مثل القدرة على تحليل الأفكار والاستفادة منها، والقراءة المتأنية وقالت إنه تم تنظيم مجموعة من الأنشطة تحت إشراف أستاذة أطرت ورشات لتعليم المشاركين الصغار الإلقاء والتعبير، فضلا عن برمجة مجموعة من الأنشطة لتلقينهم أساليب القراءة المثمرة.
وأتبعت بوزيتونة، بأن المسابقة عرفت مشاركة ثلاثة أطفال منخرطين في المركز، وقد احتل الطفل القارئ عبد الوكيل بوطويل المرتبة الثانية على مستوى ولاية قسنطينة متأهلا إلى النهائيات التي ستقام في العاصمة، وعن الأجواء التي ميزت الفعالية، عبرت رئيسة مركز «يوريكا» للتدريب والتعليم، بأن الأطفال كانوا متحمسين، وقد تحلوا بروح المنافسة والرغبة في تحقيق الفوز.
وأردفت، بأن الهدف من هذه المشاركة، هو تعزيز فعل المطالعة لدى الطفل والعودة إلى الكتاب، ليس فقط باللغة العربية وإنما باللغات الأجنبية أيضا، وهو ما دفعهم لإنشاء نواد للغات والمطالعة، منها نادي عبور، أين يجتمع الأطفال كل يوم ثلاثاء لمطالعة كتب مختلفة، وأفادت بأنهم يطمحون أيضا لإنشاء ناد آخر للكبار.
إيناس كبير