زاد الاهتمام مؤخرا بطبيعة العلاقات الاجتماعية وتضاعف الاجتهاد لجعلها إيجابية أكثر، فصار التدقيق في التفاصيل مهما جدا، بما في ذلك تفاصيل الهدايا التي يتبادلها البعض بمناسبة أو دونها، كنوع من التعبير عن الحب أو العرفان أو تقدير الصداقة، و في ظل البحث عن أفكار جديدة ومختلفة و السعي المستمر للتميز، راجت موضة « الهدايا الشخصية»، التي تحمل جزءا من هوية الإنسان، وأصبحت مطلوبة جدا لدرجة أن هناك محلات باتت تتخصص في بيعها، فيما اتخذت شابات نشاط صناعتها حرفة ومصدر دخل لهن.
وتتمثل الهدايا الشخصية، في كل قطعة فريدة ومختلفة تهدى للإنسان ولا يملك شخص آخر مثيلا لها، لأنها قد تكون صممت لأجله خصيصا مثل سوار أو قلادة يحملان اسم أو صورة المعني، أو قطعة خزف ترمز لمهنته، كأن يطلب شخص من حرفية في الخزف فناجانا أو حاملة أقلام أو أي تحفة تشير إلى وظيفة طبيب الأسنان أو المحامي أو المهندس أو غير ذلك.
كما تقدم محلات هدايا وتحف على مستوى مدينة قسنطينة، خدمة تدخل في هذا الإطار، حيث يمكن للزبون أن يختار أية قطعة من المحل مهما كانت و يعطيها طابعا شخصيا، عبر كتابة رسالة محبة قصيرة عليها، مع تزيينها بالحروف الأولى من اسم المعني، وكل ذلك باستخدام بحبر ذهبي، فتصبح الهدية شخصية و موجهة لفرد بعينه.
تفاصيل تضاعف القيمة المعنوية للهدية
يقول طارق، صاحب محل بيع الهدايا والأفراح «بيغ بانغ» المتواجد بمدينة الخروب، بأن الهدية الشخصية وسيلة فعالة للتواصل العاطفي وبناء العلاقات الإنسانية، مضيفا بأنها أداة للتعبير عن التفاعل الإيجابي بين الأفراد.
وأوضح المتحدث، أن الهدية كانت في الماضي تحمل طابعا رمزيا جدا، حيث كانت تعتبر في كثير من الأحيان مجرد واجب اجتماعي أو تقليد خاص بالمناسبات مثل الأعراس وأعياد الميلاد والاحتفالات الدينية، قد كانت قيمتها تزيد كلما كانت ثمينة أو مكلفة أكثر، حتى إن هناك من يحرجون من تقديمها في حال كانت لا تتماشى مع العرف السائد أو الموقف الاجتماعي.
ومع مرور الزمن، تغيرت هذه الفكرة بشكل جذري بحسب البائع، خصوصا في ظل التأثير المتزايد لمواقع التواصل، التي أعادت ضبط بعض المفاهيم بشكل مختلف، بما في ذلك مفهم الهدية وطريقة تقديمها وقيمتها، حيث أصبحت الهدايا تقدم اليوم بشكل أكثر عفوي وبدون الحاجة إلى مناسبة محددة، وهو ما يلاحظه من خلال عمله اليومي في المحل واحتكاكه بزبائن عادة ما يخبرونه بقصة الهدايا وهو يقوم بتحضيرها ولفها.
مشيرا، إلى أن العديد من الناس بدؤوا يُهدون أحبائهم من دون مناسبة كطريقة منهم للتعبير عن الحب و التقدير، أو حتى للاعتذار، كما تقدم الهدايا في حفلات التخرج وحتى في الاحتفالات اليومية مثل تواريخ معينة بين الأصدقاء أو الأزواج، كتاريخ أول لقاء وتاريخ ذكرى سنوية سعيدة. هذه التغييرات بحسبه، جاءت نتيجة لتحولات اجتماعية وثقافية جعلت الهدايا أكثر شيوعا كوسيلة للتواصل والتعبير عن المشاعر الشخصية، على سبيل المثال، قد يقدم شخص هدية لوالدته أو لزوجته في أي وقت من العام دون انتظار عيد الأم أو عيد الميلاد.
اهتمام بالغ بشكل و طريقة التقديم
وأضاف المتحدث، بأن التطور مس طرق تقديم الهدايا ففي الماضي كانت تقدم بشكل بسيط أو تقليدي، بينما يمكن اليوم أن تأتي في صناديق مميزة شفافة أو ذهبية أو ألوان مختلفة أهمها الأحمر والأسود والأرجواني، مع تغليف فني يعكس شخصية المهني بالهدية، مع إضافة لمسات شخصية مثل نقش الاسم عليها أو إرفاقها برسالة صغيرة، لجعلها فريدة وأكثر خصوصية.
هذه التفاصيل الصغيرة بحسبه، تعكس الاهتمام الكبير بالشخص الذي ستصله الهدية، وهو أمر يضاعف جدا من قيمتها المعنوية حتى وإن كانت هدية بسيطة لا تعدو فنجانا لشرب القهوة أو قطعة ديكور للمكتب.
وأضاف طارق، بأن الفضل في تغيير ثقافة الهدية، يرجع إلى مواكبة المحلات لكل جديد، حيث أصبحت فضاء لتقوية الروابط الإنسانية وحل الخلافات، وذلك لأن الهدية اليوم أصبحت أكثر من مجرد شيء مادي، بل وسيلة لإظهار المشاعر والتواصل العاطفي، مما يعكس تطورا في مفهوم الهدايا والعلاقات الاجتماعية بشكل عام.
وأشار، إلى أن مستقبل بيع الهدايا في ظل التطور التكنولوجي والمنافسة المتزايدة في السوق يبدو مشرقا وأكثر تنوعا، حيث سيكون التحدي الأكبر هو دمج الابتكار التكنولوجي مع البعد العاطفي للهدية، مثل استخدام أساليب مبتكرة كالطباعة الحرارية و الرسم ثلاثي الأبعاد و غير ذلك.
كل هدية تعكس قصة إنسانية
وتابع المتحدث بالقول، في هذا المحل شهدنا العديد من المحطات التي نفتخر بها، والتي تعكس دور الهدايا في إعادة بناء العلاقات الإنسانية، ومن بين المواقف التي أثرت فيها، قصة زوجين كانا على وشك الانفصال بسبب خلافات مستمرة، لكن أحدهما قرر أن يقدّم هدية خاصة للطرف الآخر كعلامة على الرغبة في إصلاح العلاقة.
مضيفا، بأن الهدية اختيرت بعناية فائقة لتعبر عن شخصية الزوجة، وكانت تحمل رسائل مشاعر حقيقية، وقد كان لهذا الفعل تأثير كبير في تغيير مجرى الأمور بينهما، حيث بدأ الزوجان في الحديث بصدق وفتحا صفحة جديدة معًا، وعادا إلى المحل مرارا لشراء هدايا لأجل مناسبات مختلفة.
وأكد طارق، بأنه كان شاهدا كذلك على قصة مؤثرة لأب وابنه كانا متخاصمين لمدة طويلة بسبب اختلافات في الرأي وسوء الفهم، ليقرر الابن في نهاية المطاف أن يختار هدية رمزية ومعبرة للأب، تكون بمثابة بداية جديدة لعلاقتهما. وعندما تسلم الأب الهدية، تأثر بشكل كبير وكان لذلك دور كبير في كسر الجمود بينهما، ليتحدثا من جديد ويعيدا بناء العلاقة بينهما بشكل أقوى وأكثر تفاهمًا، حتى إن الأب قصد المحل ليهدي ابنه شيئا خاصا ومميزا بدوره.
وتُظهر هذه المواقف بحسبه، كيف أن الهدية الشخصية، ليست مجرد شيء مادي، بل يمكن أن تكون أداة فعّالة للتواصل العاطفي وحل الخلافات، حيث تساهم في إعادة بناء الثقة وتقوية الروابط بين الأفراد.
وأضاف المتحدث، أنه يواكب التطورات والتحديثات الجديدة في عالم صناعة الهدايا من خلال تتبع كل جديد على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال بأنه يركز على الإتقان والابتكار في كل هدية يصنعها، لذلك حافظ على زبائنه وصار ينافس العديد من المحلات ومن جميع الولايات، كما أن ثقة الناس به وسمعته الطيبة لعبت دورا كبيرا في ذلك. وقال، بأنه يشعر بالامتنان والفخر، عند تقديمه المساعدة لكل شخص لا يعرف ماذا سيهدي لحبيبه، ويفرح عندما يرى ملامح الرضا على وجه زبونه.
هدايا يدوية مميزة تصنع بكل حب
من جانبها قالت ماجدة، شابة تختص في صناعة تحف من الخزف و الفخار و الريزين، بأن جزءا مهما مما تبدعه أناملها يكون عبارة عن هدايا شخصية، وهي بالعموم كؤوس وفناجين وعلاقات مفاتيح و حاملات أقلام و لافتات لأجل المكاتب و مزهريات و قوالب للشموع أو المصابيح، تصنعها بكثير من الحب لأجل زبائنها.
وقالت، إن هؤلاء يطلبونها لأجل إهدائها لأحبائهم و يفضلون التحف المصنوعة يدويا لأجل رمزيتها العالية، لأنه يمكن التحكم في تفاصيلها وتصميمها بالطريقة التي تتناسب مع ذوق وشغف و اهتمامات المعني بالهدية، كما أنها تكون قطعة فريدة و وحيدة لا يملك أحد آخر ما يشبهها الأمر الذي يجعلها مهمة جدا وتعبر تقدير الفرد للآخر ومدى خصوصية العلاقة بينهما.
وأخبرتنا ماجدة التي تشتغل كذلك في مجال الديكور، بأن زبائن هداياها هم أزواج وأصدقاء وزملاء، وطلبة جامعيون وحتى تلاميذ مدارس، ولذلك فإن أسعارها تكون مدروسة جدا تنطلق من 500دج إلى 3000دج، لأن القيمة المعنوية للهدية التي تصنعها تكون أهم بكثير من قيمتها المعنوية.
لينة دلول