يُعتبر الفنان لزهر رحال مثالا بارزا للإبداع المستدام، حيث يقوم بتحويل مخلفات النخيل مثل السعف والجذوع، إلى أعمال فنية رائعة ولوحات معبرة، تحمل في طياتها جمال الطبيعة وثراء التراث الثقافي كما يُظهر التزاما عميقا بمبادئ إعادة التدوير، مما يعكس وعيه البيئي ويعزز من أهمية الاستدامة في الفن.
لينة دلول
وحسب ما أكده للنصر، فإن أعماله تتميز بالتنوع والإبداع، حيث يجسد من خلالها مفهوما جديدا للجمال والفن، ويشجع المجتمع على رؤية القيمة الجمالية في ما يعتبر غير نافع بالنسبة للآخرين.
رحلة فنان بين الأشكال والمواد
يبلغ لزهر رحال ابن مدينة سيدي عقبة بولاية بسكرة، 61 سنة قضى جزءا مهما منها في ممارسة النحت، حيث تخرج كما قال للنصر، من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة عام 1988، وتخصص فن الخزف، ومنذ ذلك الوقت وهو يكتب رسائل إبداعية عميقة من خلال إبداعاته، التي لا تعكس فقط جماليات الشكل، بل أيضا قصة تتحدث عن الهوية والانتماء.
وعلى الرغم من تخرجه بشغف كبير للعطاء والإبداع، إلا أنه واجه صعوبة في العثور على فرصة عمل تتناسب مع تخصصه، لذلك اتجه إلى التعليم وعُين مدرسا للتربية الفنية التشكيلية في إحدى الثانويات، واستمر في هذا المنصب حتى تقاعده المبكر في عام 2015 كما أوضح.
وقال الفنان، بأنه ورغم عدم تمكنه من ممارسة فن الخزف بسبب عدم توفر الورشة والموارد المالية بعد تخرجه من المدرسة، إلا أنه لم يستسلم للأمر آنذاك، حيث استخدم موهبته في فن الرسم بالألوان المائية الشفافة معبرا عن جمال العمران والبنايات القديمة، ومستلهما من الحياة اليومية في الأسواق، بالإضافة إلى ذلك، خاض تجربة النحت من خلال إعادة تدوير مادة الكرتون، ليصنع أشكالًا فنية مميزة تشمل الوجوه والمعالم الهندسية والزخارف.
بداية فن الرسكلة
كما أضاف لمسة فريدة باستخدام الألوان ذات اللمسة لذهبية ليمنح أعماله طابعا خاصا، موضحا بأنها تعكس إبداعا وعمقا فنيا.
أخبرنا، أن رحلته مع الرسكلة بدأت بفكرة بسيطة حين قرر تحويل « كرتون علب البيض» إلى عجين ورق، هذا التحويل أتاح له الحصول على مادة تشبه الطين، استخدمها لصنع مجسمات فنية فريدة، مثل قبب النخل، وحسب ما أكده الفنان، فإن هذه التجربة حققت نتائج جيدة للغاية ما دفعه لتوسيع نطاق إبداعه.
وأضاف المتحدث، بأنه في إحدى المرات قرر صنع نموذج لنخلة وأضاف إليه عناصر زخرفية مصنوعة من مخلفات النخيل أيضا، دمجها مع الكرتون بطريقة فنية مميزة، متابعا بالقول:» صنعت كل تلك القطع من مواد كانت تُعتبر نفايات ستُرسل إلى المكب، لكني رأيت فيها إمكانيات للإبداع لم تكن واضحة للآخرين».
متابعا في ذات السياق، بأن هذه التجربة ساهمت في تعزيز وعيه بأهمية إعادة التدوير واستخدام المواد المتاحة بطريقة مبتكرة، مؤكدا أنه كان يعمل على استغلال ما يعتبر نفايات لصنع أشياء جميلة تبين إمكانية تجديد دورة حياة بعض المواد و بالتالي التقليل من رميها و حماية البيئة بطريقة مبتكرة عن طريق فن مستدام،وهو ما يضفي قيمة أكبر لأعماله.
إبداع من مخلفات النخيل
قال لنا، إنه قرر لاحقا خوض تجربة جديدة في فن النحت باستخدام مجموعة متنوعة من المواد مثل الصفيح والخشب والقماش، ليقدم أول عرض من مواد الاسترجاع خلال فعاليات تظاهرة عاصمة الثقافة العربية بقسنطينة، مشيرا إلى أن المعرض لاقى إقبالا وإعجابا كبيرين وكان ذلك النجاح بحسبه، بمثابة دافع لمواصلة استكشاف إمكانياتيه الفنية.
بعد تقاعده في عام 2015، عاد إلى عالم الصناعة الفنية، مستخدما عجين الورق ومخلفات النخيل، وكانت العودة تمثل بداية فصل جديد من الإبداع، حيث بدأ يقوم بزيارات إلى الغابات مستلهما من جمال الطبيعة وما تقدمه من مواد خام، مثل ليف النخيل والجذوع والسعف.
مؤكدا، بأنه اختار البقايا التي تحمل أشكالًا جميلة وغريبة، رغم أنها كانت تعتبر من النفايات، لكنه رأى فيها إمكانيات فنية هائلة، موضحا أنه بفضل التفاعل الدائم مع الطبيعة تمكن من صناعة تحف فنية تعكس أهمية البيئة وتبرز ثراء المحيط.
وقال المتحدث، بأن هذه التجارب ليست مجرد عمليات فنية، بل أيضا رحلة استكشاف وارتباط عميق بالطبيعة، مما يضفى بُعدا أعمق على أعماله ويجعلها تعبر عن رؤية فنية فريدة تعكس تجربته الشخصية وعشقه للفن والطبيعة.
ومنذ ذلك الحين قرر محدثنا، أن تكون كل أعماله مستوحاة من شجرة النخيل، مستلهما من النصوص القرآنية التي تبرز قيمتها وأهميتها، حيث كان موضوعه الفني الأول هو «العرجون القديم» الذي ذكر في القرآن، وهو رمز يحمل معاني عميقة تتعلق بالبركة والعطاء.
وقال لزهر رحال، بأنه اتخذ من النخيل محورا رئيسيا في لوحاته الفنية، حيث استمد إلهامه من جميع مشتقات هذه الشجرة المباركة، و كان هذا الاختيار حسبما عبر، يعكس حبه للفن وارتباطه بجذوره الثقافية، مضيفا بأن كل أعماله الأخيرة تظهر جمال النخيل، لأنه يستخدم جميع عناصره مثل الليف والجذوعه، وصولًا إلى عناصر أخرى مثل نوى التمر والعرجون.
أستخدم تدرجات اللون البني فقط
قال الفنان، بأن لوحاته تتميز بتفاصيل دقيقة تحمل طابع النخيل، حيث يستخدم تدرجات اللون البني فقط، مما يضيف دافئا طبيعيا على الأعمال مؤكدا، بأنه يستخدم تقنيات متعددة مثل التشابك والغراء، بالإضافة إلى نجارة الخشب، لتكوين أشكال فنية تعبر عن جمال المواد المستخرجة من النخيل.
وأوضح، بأنه أنتج مجموعة متنوعة من التحف الفنية التي تعكس رؤيته الفريدة وإبداعه الشخصي، من بينها لوحات ثلاثية الأبعاد عددها حوالي 40 عملًا، بالإضافة إلى مجسمات فنية تمثل نتاجه في فن النحت المستقل، متابعا بالقول، بأن هذه الأعمال تصور التراث الثقافي الغني لمدينة بسكرة، و تعتبر مواد تشكيلية تعكس الهوية المحلية، وليست مجرد حرف تقليدية.
وقال، بأنه يركز بشكل كبير على الأشكال والتكوينات الحديثة في أعماله، كما تمكن من تطوير أسلوبه الخاص الذي يجمع بين التقليدي والحديث، مما يضيف عمقًا إلى كل عمل يقدمه.
وأكد، بأنه يمتلك نحو 90 عملا، وقد عرض منها 46 عملا في معارض متنوعة وفي الفنادق أيضا، مما يدل على تنوع إبداعه واهتمام الجمهور بأعماله، موضحا بأنه لم يتأثر بفنانين أو مدارس فنية معينة، بل يعتمد على إبداعه الخاص ورؤيته الفردية، ليترجم مشاعره وأفكاره من خلال خاماته وأشكاله الفنية.
وقال رحال، بأنه شارك في العديد من المهرجانات والمعارض، ومن بين أعماله البارزة، لوحة استثنائية بطول 1 متر و20 سم، وعرض 1 متر و20 سم، صنعت بالكامل من مواد النخيل، لتعكس قدرته على الابتكار واستخدام خامات غير تقليدية.
وقال، بأن آخر معرض له أقيم ببسكرة، حقق تفاعلا كبيرا من قبل الجمهور، كما لقيت أعماله إعجابا على منصات التواصل الاجتماعي، وتم تداولها بشكل كبير وتناقلها متابعون في عديد الصفحات، مما يعكس تأثيره في الساحة الفنية.
وأوضح الفنان، بأن الفنادق تشكل النسبة الأكبر من زبائن فنه، وهو أمر مهم كما قال، لأنه يسهم في دعم الحركية السياحية، ويعكس اهتمامه بمد جسر بين الفن والمجتمع المحلي، كما يسعى من خلال هذه الأعمال، إلى تقديم تجربة فنية فريدة تجذب الزوار وتعزز تقديرهم للتراث الصحراوي.
أعمالي تعكس الالتزام بالاستدامة و إعادة التدوير
تتميز منحوتات الفنان بكونها صديقة للبيئة، وهو ما يعود إلى التزامه العميق بالحفاظ على البيئة واستدامتها، كما أشار في ذات السياق، إلى أن هناك اهتماما متزايدا بإعادة التدوير كوسيلة فنية واقتصادية في الوقت ذاته.
موضحا، بأن هذه الطريقة لا تساهم فقط في تقليل النفايات، بل أيضا تعكس وعيا اجتماعيا وصحيا، حيث تعتبر المواد المعاد تدويرها أقل ضررا للصحة و للبيئة.
وأكد الفنان، بأنه يسعى إلى نشر هذه الرسالة وإلهام الآخرين للاستفادة من المواد المتاحة بطريقة مبتكرة، مما يسهم في بناء مجتمع فني أكثر استدامة ووعيا.
وأشار رحال، إلى أن هناك عدة صعوبات واجهته في مسيرته، من أبرزها كيفية تخزين مخلقات سعف النخيل بطريقة تضمن الحفاظ على جودتها وسلامتها، بالإضافة إلى التحديات الصحية التي يتعرض لها نتيجة استخدام الغراء وكذا الغبار الناتج عن عملية النحت، مما يتطلب منه اتخاذ تدابير احترازية أثناء ممارسة عمله الفني.
ل.د