تغزو المقاطع السريعة مواقع التواصل الاجتماعي وتتداول بشكل واسع بين النشطاء، لاستحواذها على انتباه المتلقي لقصر مدتها واستهداف اهتماماته، فضلا عن تكرارها، وهي مقاطع في الغالب طريفة ولا تتضمن محتوى هادف حسب مختصون، قالوا بأنها رفعت معدل الإدمان الرقمي وتهدد سلوك الأفراد وتشتت انتباههم، وقدموا في حديثهم للنصر ما يخفيه نمط المحتوى السريع من أضرار، تبدأ بالإدمان على متابعتها وتنتهي بعواقب وخيمة على الحياة الاجتماعية والصحة النفسية والجسدية.
«الريلز» من الأنماط الرقمية التي تدعمت بها مواقع التواصل لتصبح أكثر هيمنة على عقول النشطاء، لخاصيتها الملائمة لنمط الحياة السريع، وذلك لقصر مدتها وطرافتها، فبالنظر للخاصية التي أنشئت على أساسها هذه المقاطع الجذابة، نجدها مسلية وتعبر عن ما يحدث في الحياة اليومية في مدة لا تزيد عن 90 ثانية، وتنتشر عبر موقع فيسبوك وكذا إنستغرام وتيك توك، يقول مختصون أنها متنت العلاقة بين المتلقي والعالم الافتراضي وزادت من معدل الإدمان الرقمي، بعد أن أصبحت لدى شريحة واسعة ملاذا يجعلها في منأى عن ضغوط الحياة والمآسي التي تتخبط فيها مجتمعات ويعزلها عن مشاهد الانتهاكات التي تقترفها قوى كبرى، غير أن تأثيرها أبلغ في حال الإفراط في التعرض لها، خاصة ما تعلق بالمحتوى الهابط، وفق ما نبه إليه نفسانيون، قاموا بدراسات وتوصلوا لما تلحقه من تأثيرات سلبية على حياة الفرد، كتشتيت الانتباه وتضييع الوقت والتهاون في القيام بالمهام اليومية.
* الدكتور موسى جنحية مختص في علم النفس
المقاطع السريعة تدخل الفرد في عزلة
قال الدكتور موسى جنحية، أستاذ بقسم علوم التربية وعلم النفس بجامعة جيجل، في حديث للنصر، أن المقاطع السريعة تستحوذ على اهتمام نشطاء العالم الافتراضي، وهذا لقصر مدتها واستهداف اهتمامات الأفراد ومواكبة الأحداث، فضلا عن تكرار تداولها، لهذا تأخذ وقت المشاهد وتلهيه عن أساسيات الحياة، وتؤدي حتى للإدمان عليها، وتصبح ملاذا مفضلا للترفيه وحلا للهروب من الواقع، ليجد الفرد نفسه لا إراديا يلجأ لها كلما شعر بضيق، لتتحول مشاهدتها لسلوك قهري من الجهاز النفسي، وهنا تترك عواقب وخيمة، كالإرهاق العقلي الذي ينجم عن التكرار السريع للمحتوى السريع، لأن العقل سيجد نفسه أمام مقاطع متنوعة المواضيع وهذا يضغط على العقل ويتعبه بسبب كثرة المعلومات سواء المرئية أو الصوتية،
في حين، يضيف المتحدث، أن العقل بطبيعته يحتاج إلى التوازن الفكري، كما أن أغلب المواضيع يمكن أن تشوه الواقع وتوقع العقل في تناقض بين الخطأ والصواب، وهذه المقاطع تشتت الانتباه بشكل كبير جدا، وتلهي المتعرض عن أمور الحياة كالدراسة والصلاة وحتى عن بعض الحاجيات البيولوجية مثل الغذاء والنوم، كما أنها تؤثر سلبا على العلاقات الاجتماعية والأسرية وتدخل الفرد في عزلة، وتصبه باضطرابات نفسية، وقد تؤثر أكثر على الصغار كونهم في مرحلة بناء الشخصية، خاصة عند التعرض للمحتوى الرديء الأكثر انتشارا، الذي يتسبب في بناء شخصية غير سوية، كما تتسبب حتى لدى الكبار في تحريك نفسية الفرد ما يخلق تفاعلا نفسوجسدي (بين النفس والجسم)، ليصبح بذلك الجسم خاضعا لرغبة الجهاز النفسي بشكل لا إرادي، وبالتالي يكون الأثر سلبيا على التحصيل الأكاديمي والمهني على حد سواء.
رغم كل ذلك إلا أن تأثير مشاهدة هذه المقاطع السريعة يختلف باختلاف مدة المشاهدة، حسب الأستاذ موسى، فكلما زادت مدة التعرض لها زاد حجم الضرر، فالإفراط في مشاهدتها يؤدي للإدمان الرقمي ويكسب الفرد نوعا من اللاإرادية وعدم القدرة على التحكم في نفسه، وبالتالي اتخاذ قرارات سريعة وغير عقلانية، كما أن المشاهدة المستمرة تفقد الفرد تواصله مع الغير سواء الأسرة أو المجتمع، مردفا بأن الضرر يكون أكثر عند ربط وقت المشاهدة بأمر ما، كمشاهدتها قبل النوم، وباختلاف محتوى المقاطع، حيث ينصح باختيار محتوى مفيد، خاصة بالنسبة للصغار، في ظل انتشار المقاطع الرديئة، ولتجنب الإدمان على مشاهدتها، ينصح المتحدث بضبط مدة لها، خصوصا إذا كان للفرد متسعا من وقت الفراغ، و يفضل عدم استعمال الهاتف بكثرة كونه يقود غالبا ودون إدراك إلى هذه المقاطع، كما لابد أ ن يركز الفرد في ترتيب أولوياته والتركيز على الحياة اليومية ومجرياتها، ويوصي الأستاذ بالاستغلال الجيد للوقت من خلال التركيز على أولويات الحياة اليومية، واستثماره في أمور مفيدة، مثل الرياضة و القراءة.
* الأخصائية النفسانية نوال بوغابة
الريلز ..حقنة مخدرة للعقول
من جهتها قالت النفسانية نوال بوغابة بأن «الريلز» بمثابة حقن مخدرة لعقول الأجيال، وبات من الضروري استغلال الاهتمام بنمط المحتوى السريع في تمرير رسائل مفيدة لضحد المحتوى الهابط والمدمر للعقول وللنفس، وهو ما بدأنا نلحظ بوادره في بعض المقاطع المتداولة، سواء مقاطع توعوية أو دينية وحتى تعليمية، لصد المحتوى الذي يصدره الغرب من خلال هذه التقنيات الحديثة.
محدثتنا أردفت بأن استغلال المقاطع السريعة لم يعد مقيدا بالمحتوى الترفيهي والموسيقي، وإنما تم إدراج محتويات ثقافية كتلك المقاطع المتضمنة أسئلة وأجوبة، وهي محاولات للتغلب على المحتوى الرديء المهيمن على مواقع التواصل، والذي يحقن المتعاطين لها بجرعات سلبية، لهذا من الممكن أن تستغل في تطوير مهارات الأشخاص وزيادة الانتباه، مردفة بأن الانتشار المتسارع للمقاطع المقتضبة وكثرة التعرض لها، غير بوصلة حياة الكثيرين دون وعي منهم، من خلال غرس أفكار جديدة وتغيير العادات وحتى المعتقدات، كما تؤثر على الجانب النفسي بشكل كبير جدا، خاصة بالنسبة للأطفال والمراهقين الذين يقل معدل الوعي لديهم، اذ يلجأون لتطبيق المحتوى الذي يتعرضون له، وقد تدخل الفرد في عزلة وتجعله يعيش شعور الوحدة ويصل لحد الاصابة بالاكتئاب.
أ ب