تسجل حرف يدوية وتحديدا الطرز والحياكة، انتعاشا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، بفضل مساهمة جيل جديد من الشباب المتعلم، أطلق العنان لإبداعاته الحرفية ليربط الماضي بالحاضر عن طريق العصرنة والتجديد، لمد جسر متين بين المنتج والمستهلك لمنتوجات تشكل واحدا من أهم روابط التعبير عن عراقة وأصالة الحرف الجزائرية التي تجمع اليوم بين الأصالة و المعاصرة.
وفي عالم يتميز بتوفر منتجات صناعية جاهزة منخفضة التكلفة، يبحث بعض الجزائريين عن الأصالة وعن المنتج الحرفي الحقيقي لما له من خصوصية إبداعية وروح فنية تعكس عراقته، خصوصا وأن هذه المنتجات متاحة كذلك بفضل النشاط الكبير للحرفيين الشباب في السوق الإلكترونية التي فتحت بابا واسعا لهم للترويج لكل ما تجود به أناملهم من قطع تحاك بكل احترافية ووفق تقنيات متوارثة، على غرار منتجات الحياكة و التطريز والماكرامي التي تعرف طلبا متزايدا باعتبارها من قطع الديكور المميزة.
نهضة
يصادف المبحر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صفحات عديدة تعرض منتجات متنوعة تشد الناظرين، وأغلبها أعمال يدوية دقيقة متقنة ومنجزة باحترافية كبيرة، كتلك القطع الفنية التي تصنعها ليندا، وهي شابة في 26 من العمر، فضلت التخصص في الطرز بعد تخرجها من الجامعة، واختارت أن تقضي أيامها في صناعة الحقائب الخفيفة و إنجاز لوحات فنية على القماش.قالت لنا، إن تجربتها مع الطرز خاصة وعلاقتها وطيدة مع الخيوط الملونة، التي تنسج بواسطتها لوحات فنية جميلة، بحيث تترجم في بعض الأحيان تفكير الجيل الجديد، بينما تروي في أحيان أخرى تاريخ الجزائر عبر صور الحايك، والمرأة الجزائرية، والخلالة ومختلف الأدوات النحاسية.
وتضيف أمال،وهي حرفية أخرى في نفس المجال، بأنها أنهت دراستها الجامعية واستقرت في وظيفة، ثم قررت العودة لممارسة هوايتها المفضلة والمتمثلة في نسج الصوف، وأنها تمثل شغفا بالنسبة لها، كما تمثل وسيلة للتخلص من الطاقة السلبية أو من توتر العمل، مؤكدة أنه وبعد أن بدأت في ممارسة النسيج كهواية، ثم وجدت نفسها تمارس حرفة وتسوق لمنتوج عرفت كيف تستقطب إليه زبائن من مختلف ولايات الوطن.
إبداع وتقنيات حديثة واستدامة
وتتميز بعض الحرف اليدوية التي تبدع فيها جزائريات بالجمع بين تقنيات الجدات مثل «القارقاف» و « الغرزة»، و التجديد الذي يسمح للمنتج الحرفي بأن ينافس في السوق، حيث يحقق هذا المزيج ديمومة الحرف واستمرارها عبر الأجيال بفضل قدرة كل جيل على تمييز بصمته الخاصة.
وأوضحت حرفيات في المجال، أنهن لم يكتفين بنقل الحرف التقليدية كما هي، وإنما عملن على دمج تقنيات جديدة تعلمنها عبر الإنترنيت، بحيث تقول فيروز، التي تداعب يداها خيوط الصوف الملونة لتنتج تحفا وقطعا فنية جميلة، إنها تعمل بشكل مستمر على عصرنة تصاميمها وتبحث دائما عن أفكار جديدة تساعدها على التسويق بسهولة، بينما تقول الحرفية ليليا المتخصصة في صناعة الماكرامي، بأنها تعتمد كثيرا على الجديد في عملها سواء بالنسبة للتقنيات أو الموديلات وحتى نوعية القطع التي تنتجها.
ترويج وتسويق على مواقع التواصل الاجتماعي
وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورا هاما في نهضة الكثير من الصناعات اليدوية، وفي مقدمتها الطرز والحياكة حسب الحرفيات، إذ يعمل الحرفيون عموما على الترويج لمنتجاتهم عن طريقها مع ضمان تمرير الصورة الحقيقية للزبون وبدقة كبيرة، من خلال الاستغلال الأمثل للتكنولوجيا في العمل سواء تعلق الأمر بجودة التصوير أو الفيديوهات الفنية القصيرة التي تؤدي غرض التسويق بشكل جيد.
وقالت من تحدثنا معهن من حرفيات، بأن التكنولوجيا قد ساعدتهن بشكل كبير في الترويج لمنتوجاتهن، مشيرات إلى أن أغلبهن جامعيات وحاملات لشهادات و يجدن إلى جانب ذلك توظيف التكنولوجيا والتطبيقات الذكية بشكل مناسب، وهو ما دفعهن إلى تحويل هواياتهن إلى مصدر دخل رئيسي أو إضافي، والعمل من خلال مواقع التواصل على بعث بعض العناصر المندثرة من موروثنا الثقافي في محاولة للمساهمة ولو قليلا في مسعى حمايته.
من جانب آخر، قالت الحرفية ليليا إن صفحات الترويج والتسويق للمنتجات الحرفية، أوجدت سوقا جديدة لهذه القطع التراثية و قد زادت الاهتمام بمنتجات الحرف عموما، وشجعت الحرفيين على الاستمرار في العمل و الابتكار والإبداع وكذا مزج العصري بالتقليدي، لتعود المنتجات الحرفية لتزين البيوت مجددا وليستخدم بعضها في تفاصيل يومية.وبسعي أبناء الجيل الجديد لمد جسر مع الماضي، عبر نسج خيوط متينة تجمع بين القديم والجديد، يبقى الأمل في عدم اندثار الحرف اليدوية والتطريز قائما.
إيمان زياري