تتصدر اللعبتان الإلكترونيتان "روبلوكس" و"فري فاير" قائمة الألعاب الأكثر شعبية في العالم وفي الجزائر، وهو صراع مظلم يغذيه إبحار لا متناه في عالم افتراضي يقوده مجرمون وشواذ، للإيقاع بالضحايا تغريهم العملات الرقمية الوهمية، وهو ما يحذر منه مختصون يطالبون الأولياء بفرض رقابة صارمة على نوعية المحتوى الإلكتروني الذي يتعرض له أطفالهم.
تسير الألعاب الإلكترونية على اهتمام نسبة كبيرة من الأطفال والمراهقين، إذ تحقق نسبة مشاركة خيالية خصوصا الألعاب المباشرة عبر الإنترنت التي تعرف مشاركة أكثر من لاعب من أكثر من دولة، دون اشتراط سن معين أو ضبط طريقة التواصل بين أطراف اللعبة ما يمكن أي لاعب من التواصل مع الآخر بشكل سري عبر محادثات خاصة، وهو ما يضاعف احتمالات الخطر خصوصا وأن هوية اللاعبين تكون مجهولة ومحمية بأسماء مستعارة.
إدمان إلكتروني
تتعالى أصوات عبر مجموعات أولياء الأمور على مواقع التواصل، ومن خلال صفحات بعض المختصين، للتحذير من التهديد الذي يتربص بالأطفال أقل من 13 سنة، والذين يمثلون أكبر نسبة ممن يدمنون هذا النوع من الألعاب الإلكترونية، و خصوصا لعبة "روبلوكس" التي سجلت عديد الشكاوى في العالم بخصوصها، بعدما اتضح تعرض لاعبين قصر الاستدراج من قبل شواذ يستغلونها لبلوغ أهدافهم المريضة.
في الجزائر، تعرف شعبية هذه اللعبة تزايدا رغم الجدل، وقد حاولنا استطلاع آراء بعض التلاميذ حولها لنقيس مدى تأثيرها، أخبرنا كل من معاذ صاحب 12 عاما، وأحمد ابن 11 سنة، أنهما يعشقان هذه اللعبة التي تجعل كل لاعب فيها مبرمجا يصمم ألعابه كما يريد، حتى يتمكن من حصد عملات رقمية وهمية تجعله يتصدر قائمة اللاعبين " الأساطير" أو الأكثر نجاحا فيها.
وحسبهما، فإن الأمر ممتع للغاية، لأن الحماس يزيد من مرحلة إلى أخرى، مع أن الشروط تصبح أكثر صعوبة و تعقيدا في كل مرحة، معترفين بأن الكثير من الدخلاء ينظمون إليهما أثناء اللعب، ليشكلوا فرقا متنافسة، ويحدث أن يطلب منهم هؤلاء القيام ببعض الأمور مقابل تحقيق عملات إضافية، وهذا ما اعتبره معاد تحد لكل لاعب يسعى لتحقيق المتعة التي تمنحها إياه اللعبة، مؤكدا أن شعبيتها كبيرة جدا في أوساط تلاميذ المتوسطات، وحتى في الطور الابتدائي.
أما التلميذ رائد صاحب 13 سنة، فتحدث عن لعبة"فري فاير" التي يعشقها هو ورفاقه في المدرسة، وهي أيضا واحدة من الألعاب الإلكترونية التي يجري التحذير من إدمان الأطفال والمراهقين لها، وقد علمنا من سمير صاحب 19 سنة، أنها لعبة شائعة جدا و تضم لاعبين من مختلف الأعمار بينهم راشدون، موضحا بأن فكرتها قائمة على أرض معركة يدخلها اللاعب ويحاول أن يبقى حيا، بعد أن يقوم بقتل 49 لاعبا آخر في جزيرة افتراضية، أين يحتاج لإستراتيجيات متقدمة ومهارات قيادية وقدرة على اتخاذ قرارات صعبة في الوقت الحقيقي.
الدكتورة في الذكاء الاصطناعي حياة سعدي
سياسات الشركات المنتجة وراء تفشي الاعتداءات في الألعاب
تقول الأستاذ المساعد في الذكاء الاصطناعي بالمدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، الدكتورة حياة سعدي، إن انتشار لعبة "روبلوكس" وغيرها من الألعاب الإلكترونية زاد مع فترة الحجر الصحي خلال جائحة كورونا، خاصة بين فئة المراهقين التي يسهل استدراجها، موضحة أن ذلك يدخل ضمن سياسات الشركات المنتجة لهذه الألعاب من خلال دراسة الزبون المستهدف أو ما يعرف بـ"اليوزر" لاعتماد التطبيق موضحة، أن فكرتها العامة "بريئة" ظاهريا، بالنظر إلى الصور التي لا تبعث على الخوف ونوعية الشخصيات الموجودة فيها.
وأوضحت، أن الخطر يكمن في سياسة اللعبة في حد ذاتها لكونها لا تحمي الأطفال، بل على العكس من ذلك، تقدم حماية للأشخاص الخاطئين الذين يشكلون الخطر الحقيقي، خاصة فيما يتعلق بالتحرش وإجبار الأطفال على تقديم صور وفيديوهات مخلة بالحياء مقابل العملات الوهمية، بينما قد تصل التحرشات إلى حد طلب الأرقام السرية لحسابات الأطفال بحجة أنهم يجيدون اللعب ويمكنونهم حصد عملات أكثر، ليصبح بذلك رفاق الطفل في اللعب أيضا عرضة لاعتداءات هؤلاء المجرمين.
الشركة في قفص الاتهام
وأشارت الدكتورة حياة سعدي، إلى تسجيل تجاوزات لا أخلاقية من طرف شريحة واسعة من المستخدمين، فضلا عن كون التطبيق الخاص باللعبة ليس فعالا فيما يتعلق بعملية المراقبة على الرسائل واللاعبين بسحب شهادة موظفين سابقين في الشركة، سبق وأن اتهموها بعدم توفير الحماية المطلوبة للأطفال من التحرش أثناء اللعب، كما حذرت من خطر تجاوز "التشات" أو المحادثة من داخل اللعبة، وإمكانية توسعها إلى محادثات عبر تطبيقات ومواقع أخرى كالسناب شات، محذرة من مغبة كل ذلك.
وأوضحت محدثتنا، بشأن التأمين في هذه اللعبة، أن الشركة المنتجة لها تعد المتهم الأول لعدم قيامها بواجبها فيما يتعلق بعنصر الحماية، ما فتح المجال أمام العديد من المؤثرين الذين أصبحوا يقومون بالمهمة في عمل يهدف لردع المجرمين وكشفهم وحماية الأطفال، وهو ما قالت بأنه تسبب في خسائر كبيرة للشركة التي احتجت بشدة على هذا العمل ووصلت الأمور إلى العدالة بحجة تشويه السمعة.
ودعت الباحثة في مجال الذكاء الاصطناعي، أولياء الأمور إلى ضرورة مراقبة الألعاب التي يلعبها أبنائهم، بداية بطبيعة اللعبة و الحسابات والدردشات، ومراقبة التدرج في الكلام، مع أهمية إظهار أن العالم ليس مثاليا ومن الضروري أخذ الحيطة والحذر خاصة في ظل عدم وجود حماية للأطفال بفعل سياسات ألعاب الأطفال التي تطلب مساعدة من شخص آخر، ولا يجب قبول أي مساعدة من أي شخص، وتحديدا فيما يتعلق بالصور والفيديوهات والخصوصيات، محملة الأولياء المسؤولية ومؤكدة، أن الأطفال ضحايا ويجب توعيتهم مسبقا بضرورة التحدث في حال تعرضهم للتحرش.
الأخصائية النفسانية دلال حمادة
تأثيرات الألعاب الإلكترونية السلبية التوعية هي الحل
من جانبها، تحذر الأخصائية النفسانية دلال حمادة، من التأثيرات السلبية الخطيرة لمثل هذه الألعاب، التي تشجع على العنف والقتل، ما يحول الطفل إلى شخص عدواني و يغذي السلوكيات السلبية لديه، فيكتسب نزعة لاستخدام العنف لحل مشاكله بطرق، زيادة على الإدمان بسبب البقاء أمام اللعبة لساعات طويلة، ما ينعكس على الدراسة و الحياة عموما.
و تحدثت الأخصائية كذلك عن القلق والاكتئاب، وقالت إنهما من بين مخرجات اللعبة، موضحة أن المنافسة المستمرة داخل اللعبة قد تولد القلق والاكتئاب المزمنين، بسبب الضغط النفسي المستمر خاصة إذا لم يع الطفل كيفية التعامل مع الفشل والخسارة بطريقة صحيحة، إلى جانب مشاكل التواصل الاجتماعي الحقيقي، فاللعبة حسبها، تعزل الطفل عن عالمه الحقيقي و تربطه بعالم مظلم وسط علاقات وشراكات مشبوهة داخل اللعبة.
ويسبب هذا الانفصال كما أوضحت، فقدان الطفل لمهارات التواصل الاجتماعي داخل الأسرة والمحيط، ويخلف صعوبة في بناء علاقات صحية، كما أشارت النفسانية إلى تأثير اللعبة على نظام النوم، بسبب السهر طويلا، ما يؤثر سلبا على الصحة الجسدية و والنفسية، ويشوش الانتباه والمزاج.
وللحد من تأثير الألعاب الإلكترونية على الأطفال، توصي بضرورة تعزيز التواصل مع الأطفال عبر الألعاب الواقعية، و الحديث عن مخاطر الألعاب الإلكترونية وتأثيرها السلبي على حياتهم، وفتح باب الحوار لمساعدة الأطفال على إيجاد حلول مشتركة، فضلا عن تشجيع الأنشطة البديلة خاصة ممارسة الرياضة والتواصل مع الأقران عن طريق اللعب لتكوين مهارات اجتماعية، مع أهمية تحديد وقت قصير اللعب بحيث لا تتجاوز ساعة في اليوم، ومراقبة محتوى اللعبة خاصة الآباء للتأكد من ملاءمتها لهم من حيث مستوى العنف واللغة المستخدمة وقراءة التعليقات للتمكن من تحديد مدى تأثيرها.
كما توصي بطلب المساعدة النفسية في حال ملاحظة أي تغييرات سلوكية على الأطفال، للتدخل المبكر الذي من شأنه أن يمنع تفاقم المشاكل مع أهمية توعية الآباء بأخطار هذه الألعاب لتحقيق توازن صحي بين اللعب وباقي المسؤوليات. إيمان زياري