بني مزلين، بلدية فتية شرقي قالمة انبثقت عن التقسيم الإداري للبلاد سنة 1984 واتخذت من القرية الفلاحية التي أقيمت تحت سفح جبال هوارة التاريخي موطنا لها لتبدأ مسيرة جديدة من التنمية الاقتصادية و الاجتماعية معتمدة على مقومات طبيعية وديموغرافية، وضعتها في صدارة البلديات المنتجة للغذاء والعمالة المتمكنة من الزراعة الحديثة التي أصبحت اليوم من بين التحديات الكبرى التي تواجه الجزائر المتطلعة
إلى أمنها الغذائي.
بني مزلين التي اختلفت الروايات حول تسميتها، سهل خصيب ونهر كبير وغابات كثيفة تمتد دون انقطاع إلى بني صالح معقل القاعدة الشرقية الحصينة، هي بلدية صغيرة لكنها تملك كل مقومات الازدهار والرخاء الاقتصادي والاجتماعي، لولا التغيرات المناخية المتسارعة التي بدأت آثارها تطال حوض سيبوس مهد الحضارات القديمة التي تعاقبت على المنطقة وتركت معالمها في كل مكان تروي قصة الإنسان الأول الذي عمر السهل الزراعي الكبير. النصر زارت بني مزلين وعاشت يوما مع أهلها المتطلعين إلى مستقبل جديد، مزارعين ومنتخبين و رعاة بقر وغنم ومؤرخين وكتاب وشعراء، لم يتوقفوا عن التغني بحقول القمح الذهبية وأشجار الزيتون وملاحم الثورة المقدسة التي صنعت أيامها الخالدة هنا بجبال وشعاب هوارة وقلعة فيالة وبير لعناني.
سلة غذاء
قرب الطريق الولائي 126 العابر لبني مزلين يسابق عبد الرزاق مرابطين ومساعدوه من العمال المدربين الزمن لتركيب نظام للسقي بالتقطير بحقل خصيب سيزرع طماطم صناعية بعد أيام قليلة، بإرادة و أمل يخوض عبد الرزاق تحديا صعبا هذا الموسم المتميز بنقص كبير في مياه السقي، قال لنا بأنه عازم على العمل ومن غير الممكن التخلي عن هذه الزراعة الإستراتيجية مهما كانت عواقب المناخ التي لم تعد تفرح منتجي الغذاء بسهل سيبوس منذ أمسكت السماء ولم تعد تمطر كفاية لتعبئة السدود والآبار الجوفية العميقة، وتسيل مجرى النهر الكبير.
يقول مرابطين عبد الرزاق متحدثا للنصر بأنه لن يعول هذا الموسم على نظام السقي القادم من سد بوحمدان، وسيأتي بالمياه من بئر يبعد 2.7 كلم عن الحقل، ويحتاج 3 محركات تعمل بالديزل، وما لا يقل عن 450 أنبوبا لجر المياه من بئر عميق مازال يحتفظ بمنسوب يكفي لموسم السقي الذي سيبدأ بعد أيام.
على مشارف القرية الفلاحية بني مزلين، كما يسميها أهلها، يعمل خليفي عبد الحق بحقلين للفول و"الجلبانة"، يقتربان من النضج، يبدو محصولا جيدا وعملا متقنا كما في حقول بصل وقمح مجاورة، كل الحقول هنا تعد بإنتاج وفير هذا العام.
يفتخر هؤلاء المزارعون بجودة العمل و التدريب المتواصل على تقنيات الزراعة الحديثة، فلا مجال هنا للصدفة والكسل والاتكال على الطبيعة وحدها، لهذا يقولون بأن مزلين صارت سلة غذاء حقيقية وموطن للعمالة المحلية القادمة من البلديات الجبلية التي تقل فيها فرص العمل، بينها حمام النبائل المجاورة التي تكاد تستحوذ على فرص العمل التي توفرها حقول الطماطم الصناعية والقمح والبصل والبقوليات بسهل بني مزلين الخصيب، هنا حيث يتجاوز مردود الهكتار الواحد من القمح عتبة الخمسين قنطارا، ومن الطماطم الصناعية الخير الوفير.
41 بالمائة من المساحة مستعملة
في الإنتاج الزراعي
حسب الإحصائيات التي قدمها لنا رئيس بلدية بني مزلين سمير غجاتيـ فإن مساحة البلدية تبلغ 61 كلم مربع منها 41 بالمائة تقريبا مستعملة في النشاط الزراعي والبقية ثروة غابية ومراعي. وقال رئيس البلدية بأن غالبية سكان بني مزلين البالغ تعدادهم نحو 6 آلاف نسمة يعيشون على الاقتصاد الزراعي وتربية المواشي، وكل ما كان الموسم الزراعي منتجا كلما ساد الرخاء بين السكان، و زادت فرص العمل المتاحة للعمالة القادمة من البلديات المجاورة.
ويعمل سمير غجاتي ومساعدوه من أعضاء المجلس الشعبي البلدي وطاقم الإدارة على دعم القطاع الزراعي والنشاط الرعوي بفتح المسالك الريفية وتزويد المنازل النائية بألواح الطاقة الشمسية، وبناء المزيد من خزانات المياه وتهيئة المنابع والآبار الجوفية الموجهة لسقي المحاصيل الزراعية الموسمية.
وينتظر سكان بني مزلين المزيد من السكنات الريفية التي تدعمها الحكومة، ولا توجد هنا أزمة العقار التي تعاني منها بلديات حوض سيبوس، وهو ما شجع المجلس الشعبي البلدي على طلب المزيد من السكنات الريفية ومرافق الخدمات لتشجيع السكان على الاستقرار بالمناطق الريفية ومواصلة العمل بقطاع الزراعة وتربية المواشي والمساهمة في الجهد الوطني الرامي إلى إنتاج المزيد من الغذاء.
ما كان للنشاط الزراعي أن يزدهر ببني مزلين لولا نهر سيبوس الكبير الذي ظل يروي الحقول الزراعية الواسعة ويزيد من خصوبتها وإنتاجها، و زادت أهمية النهر عقب إنجاز محيط السقي الشهير الذي وصل إلى بني مزلين وأحدث نهضة زراعية لم تشهدها المنطقة من قبل، وأصبح العمل بالحقول على مدار العام معتمدا على تقنيات الدورة الزراعية والمحاصيل الموسمية كالطماطم الصناعية والقمح و الفواكه والبقول.
ويواجه النهر اليوم أزمة جفاف بعد توقف عمليات الإطلاق من سد بوحمدان وتوقف جريان الروافد المغذية له، و صبحت محطة التصفية بمدينة قالمة مصدر الجريان الوحيد، لكن مخاطر التلوث تثير قلق المزارعين الذين يسعون للمحافظة على جودة الإنتاج، ولذا فإنهم لن يستعملوا المياه القادمة من مدن قالمة، بلخير وبومهرة أحمد هذا الموسم، وتحول الكثير منهم إلى زراعة القمح والبقول التي لا تحتاج الكثير من مياه السقي، وتعتمد على ما تجود به السماء من أمطار الشتاء والربيع، بينما لجأ مزارعون آخرون إلى استخراج إلى الآبار الجوفية المكلفة.
ويأمل سكان بني مزلين كغيرهم من سكان قالمة أن ينتعش سد بوحمدان وتسيل مجاري الروافد المغذية لسيبوس للمحافظة على الاقتصاد الزراعي الأخضر الذي يعد مصدر العيش لغالبية سكان المنطقة. ونمت حضارات كثيرة على ضفاف سيبوس، لكن أهميته لدى السكان المحليين زادت بعد بناء محيط السقي المتربع على مساحة تقارب العشرة آلاف هكتار بينها 1400 هكتار ببني مزلين وحدها.
الناظور قلعة لعلوم الدين
الناظور قرية تاريخية عريقة ببلدية بني مزلين، هي قلبها النابض ومرجعها الأصيل، هنا عاش الإنسان القديم وأقام حضارات متعاقبة تستمد قوتها من النهر العظيم والجغرافيا المتفردة في كل شيء. وقد أقام فيها الغزاة الفرنسيون محطة قطار ومخازن للقمح واستغلوا سكانها في أشغال البناء والزراعة محاولين تغيير الطبيعة الديموغرافية للمنطقة لكن أصحاب الأرض الشرعيين رفضوا الاستسلام وقرروا التمسك بهويتهم وجذورهم العريقة، فأقاموا معقلا لعلوم الدين لصد مشروع الغزاة الرامي إلى اجتثاث الهوية واللغة والدين.
زاوية الشيخ الحفناوي بديار بالناظور صرح علمي مازال صامدا إلى اليوم، تخرج منه أئمة وفقهاء وأدباء وكتاب وشعراء، قادوا الحركة الوطنية ومسيرة النضال الطويل وما بدلوا تبديلا. يقول شاعر بني مزلين رابح خلايفية بأن قريته التاريخية العريقة مازالت تتطلع إلى مزيد من التطور، منتظرا عودة القطار ليعمر خطوط السكة المهجورة، ويزيد من بهجة سيبوس وسهول القمح الذهبي الثمين.
أكثر من شاعر وقاص وأديب ومسرحي وفنان تشكيلي بالناظور اليوم، بينهم شهرة خلايفية أستاذة اللغة الفرنسية التي أبدعت خواطر كثيرة وتمرست في أدب الطفل وبلغت المنتديات والمجلات والمسابقات الدولية باقتدار، وهي فخورة اليوم بقريتها العريقة موطن الحضارة والإنسانية والإبداع.
جبال ومعارك خلدها التاريخ
الكتابة عن بني مزلين لا تكتمل دون الصعود إلى جبال وقلاع هوارة وفيالة وبير لعناني، حيث دارت أشد المعارك ضراوة أثناء حرب التحرير، ومازال حطام طائرات الغزاة هناك، ومقبرة تجمع رفات الأبطال الذي سقطوا دفاعا عن الدين والوطن والشرف.
معركة بير لعناني يوم 10 نوفمبر 1956،، معركة قلعة فيالة الأولى يوم 17 ماي 1957 ومعركة قلعة فيالة الثانية يوم 2 فيفري 1958 وملاحم كثيرة حول الأسلاك الشائكة وعلى خط العبور نحو القاعدة الشرقية الحصينة، هنا سالت دماء الأبطال من عدة ولايات تاريخية، وهنا انكسرت شوكة الغزاة و ولوا مدبرين مدحورين من أرض ليست أرضهم و وطن ليس لهم. فريد.غ