السبت 2 نوفمبر 2024 الموافق لـ 29 ربيع الثاني 1446
Accueil Top Pub

المختصون أكدوا أن الأمر يستوجب تحقيقا علميا: فصيلة من النمل تشل نشاط تربية النحل بحدائق المنية بقسنطينة

يعاني مربو النحل في حدائق المنية ببلدية قسنطينة من توقف نشاطهم لعدة سنوات بسبب انتشار فصيلة من النمل التي تهاجم النحل، حيث أكدوا أنها حالت دون تمكنهم من إنتاج العسل واضطرت كثيرا منهم إلى تغيير أماكن التربية، بينما أوضح المختصون من جامعة الإخوة منتوري أن الأمر يستوجب تحقيقا علميا شاملا للإحاطة بالمسألة، خصوصا أن الأسرة العلمية لم تسجل من قبل نوعا من النمل الذي يهاجم النحل في الجزائر، باستثناء فصيلة واحدة تعيش في المنطقة الرطبة بالقالة في ولاية الطارف، كما ذكر المفتش البيطري لمديرية المصالح الفلاحية أن الأدوية الضرورية لمكافحة المخاطر التي تهدد النحل متوفرة، مشددا على ضرورة أن يستعين المربون بالمتابعة البيطرية.

تحقيق: سامي حباطي

وانطلقنا في جولتنا بحثا عن مربي النحل في منطقة المنية الواقعة في الجهة السفلى لمدينة قسنطينة على الجهة الشمالية الشرقية من الطريق الوطني رقم 27، حيث ما زالت تحافظ على النشاط الفلاحي بفضل الجِنان التي يشتغل أصحابها في زراعة الأشجار المثمرة على وجه الخصوص، وتوفر غطاء غابي بأطرافها نحو سيدي مسيد وبكيرة، بينما يخترق جزءا واسعا منها وادي الرمال انطلاقا من “شلال” سيدي مسيد. وقد التقينا ببائع ورود عند مدخل المنطقة، حيث سألناه عن مربي النحل في المنية، فأكد لنا أن هذا النشاط لم يعد موجودا، مشيرا إلى أنه قام بتربية النحل في سنوات سابقة، قبل أن يتوقف عن ذلك بسبب مشكلة ظهور فصيلة من النمل. ولفت محدثنا إلى أن المشكلة بدأت بالظهور تدريجيا منذ حوالي 10 سنوات، قبل أن تأخذ في التفاقم إلى أن أصبحت أمرا عاما بين المربين في المنية.
ورغم تأكيد محدثنا بأن السبب الرئيسي وراء توقفه عن النشاط يعود إلى مشكلة النمل، إلا أنه نبه بأن العديد من العوامل الأخرى أثرت على هذا النشاط بدرجة أقل، على غرار الجفاف المسجل في السنوات الأخيرة والذي أدى إلى نقص غذاء النحل، فضلا عن توجه أصحاب المزارع إلى زراعة أنواع مختلفة من الورود، فقد كانت المنية طيلة سنوات ماضية معروفة بنشاط مشاتل الورود والأزهار التي كان يتغذى عليها النحل، بينما أثر تغيير أنواعها للتكيف مع متطلبات السوق عليها أيضا، بحسبه.
وأضاف المصدر نفسه أن تراجع النشاط الفلاحي في المنية والمساحات الخضراء المحيطة بها كان له تأثير أيضا، خصوصا مع تزايد العمران في عدة أحياء قريبة، على غرار صالح باي وجبلي أحمد “الكانطولي” وحجرة بن عروس وغيرها، إذ تتغذى النحلة ضمن محيط يصل قطره إلى 8 كيلومترات، كما قال.
النمل يؤثر على الطيور و الأشجار المثمرة
وتوغلنا إلى داخل حي المنية عبر مسالك ترابية غير معبدة، حيث التقينا في طريقنا بشخصين متجهين إلى مسكنيهما وطلبنا منهما توجيهنا إلى مربي نحل قريبين، لكن المعنيين ردا علينا بأن هذا النشاط لم يعد موجودا في المنية البتة، قبل أن ينصحاننا بالتوجه إلى المكان المسمى “القنطرة الكحلة” على طريق ولاية ميلة في حال أردنا اقتناء العسل.
وعزا محدثانا توقف النشاط في المنية إلى السبب نفسه، مؤكدين لنا أن هذه الفصيلة من النمل لا تهاجم النحل فحسب، بل إن أضرارها تمتد حتى إلى صغار الطيور والعصافير في الأعشاش، مثلما قالا، فضلا عن أنها تهاجم الأشجار المثمرة وتقضي على ثمارها. وذكر محدثانا أنها انتشرت حاليا في محيط جميع المزارع والمشاتل الموجودة في المنية، حيث أوضح لنا أحدهما أنها تتغذى حتى على اللحوم، إذ يلاحظون انتشارها على لحوم أضحية العيد في حال عدم الإسراع في وضعها بالثلاجة، ناهيك عن أنها منتشرة داخل جميع المساكن في المنية.
وسألنا أحد مربي النحل الذين توقفوا عن النشاط في السنوات الأخيرة في منطقة المنية، بعدما كان ينتج كميات من العسل بشكل دوري، حيث أوضح لنا أن السبب الرئيسي لتوقفه يعود لدواعي مهنية وشخصية أخرى، إلا أنه أكد لنا أيضا وجود مشكلة انتشار نوع من النمل في السنوات الأخيرة، ما جعل المربين يعزفون عن وضع صناديق النحل في المزارع الموجودة في المنطقة.
وأضاف المصدر نفسه أن هذا الصنف من النمل لم يكن موجودا في هذه الحدائق، حيث شرح لنا بأن عدة حشرات تهاجم أعشاش النحل وتتسبب في تضرر نشاط التربية، لكن المبيدات المتوفرة وبعض الوسائل التقليدية تعتبر ناجعة في مواجهتها، باستثناء هذا النوع من النمل الذي لم يتمكن المربون في المنطقة من إيجاد حل للتعامل معه ما دفع بأغلبهم إلى التوقف عن النشاط أو تغيير مكان وضع الصناديق.
ووصف لنا المربي الأمر بكون هذا النوع من النمل ينتشر بكثافة في صندوق النحل ويهاجم النحل، قبل أن يسيطر على المكان فيدفع بها بعيدا، في حين قال إن انتشاره لا يتوقف على صناديق تربية النحل، بل يتسبب بخسائر أقلل ضررا لمحاصيل الأشجار المثمرة. وقد أضاف محدثنا أنه ينتشر داخل المساكن بشكل كبير، حيث أشار إلى أن جميع المبيدات والطرق التي يعتمد عليها المربون والفلاحون في المنطقة لم تُجد نفعًا في القضاء عليها أو منع انتشارها، بينما قال إنها “كانت موجودة على الضفة الأخرى من وادي الرمال الذي يمر عبر الحدائق الموجودة في المنية، قبل أن تجد سبيلها إلى الضفة الأخرى التي كان يستغلها الفلاحون في تربية النحل”.
الأساليب التقليدية للفلاحين فشلت في مواجهته
والتقينا في المنية بشاب ثلاثيني ما يزال محافظا على العمل في المزرعة العائلية بشكل جزئي، حيث اعتبر بأنه مطلع على مشكلة النمل منذ بدايتها، إذ ما يزال يتذكر تفاصيل انتشارها منذ حوالي عشر سنوات، مؤكدا لنا أنه لاحظ في مزرعته أن أنواعا أخرى من النمل لم تعد موجودة، مرجحا أن تكون “هذه الفصيلة قد قضت عليها هي الأخرى”.
وذكر لنا المتحدث أن النمل المذكور يهاجم يرقات النحل والجباح، فضلا عن أنه يقوم بالتهام العسل ومنتجات الخلية، بينما يهاجم النحل ويلتهم منه أيضا ليدفعه إلى المغادرة. ونبه المصدر نفسه أنه لجأ إلى عدة وسائل من أجل الحيلولة دون انتشاره والقضاء عليه دون جدوى، حيث يذكر استعمال أوانٍ يتم ملؤها بالزيت أو ببعض السوائل الأخرى، ثم تثبّت أسفل حاملات الجباح لمنع النمل من تسلقها، لكنه أكد لنا أنها لم تنفع، إذ دائما ما تجد طريقة للوصول إليها، فضلا عن أنه وقف على الأمر نفسه لدى المربين الآخرين.
وقال الفلاح الشاب إن مشكلة النمل تمنعه حتى من النوم في بعض الأحيان بسبب انتشارها في مسكنه، خصوصا خلال فصل الصيف، مؤكدا لنا أنه تخلى عن رغبته في الاستثمار في تربية النحل داخل مزرعته بسبب هذا الأمر، فضلا عن أن بعض المربين الذين كانوا يقصدون مزرعته لتثبيت صناديقهم قد غادروا وأصبحوا يختارون أماكن أخرى. من جهة أخرى، سألنا مربيا آخر ممن توقفوا عن النشاط عن الطريقة التي يصل بها النمل إلى الصناديق، فقال إنه لجأ إلى عدة حلول من أجل إنشاء حواجز مانعة، لكن بمجرد ما يلتصق كيس بلاستيكي بفعل الرياح أو ريشة من الأشجار بقاعدة الصندوق، يتسلقه النمل ليصل إلى الصندوق، كما أوضح أن المراقبة المستمرة لم تنفعه لأنه لا يستطيع البقاء بجانب الصندوق طيلة ساعات النهار والليل.
وقد لاحظنا مجموعة من النمل المسبب للمشكلة، بحسب المربين، متجمعة في مكان قريب من أحد المزارع، حيث أوضح لنا الشاب أنها الفصيلة المعنية، لكنه اعتبر من جهة أخرى أن وجودها يظل حدثا طبيعيا، مشيرا إلى أن بعض الفلاحين في المنية يقولون إنها كانت منتشرة على الضفة الأخرى من وادي الرمال قبل أن تنتقل إلى الضفة الثانية. وقد لاحظنا في حديثنا إلى المربين عدم استعمالهم لتسميات واضحة في وصف الأدوية التي استعملوها لمواجهة النمل الذي اشتكوا منه، حيث وصفها أحدهم بـ”المسحوق الأزرق” المبيد للنمل، مؤكدا لنا أنه لم يُجد في القضاء عليه.
وطرحنا المسألة على المفتش البيطري بمديرية المصالح الفلاحية لولاية قسنطينة، الدكتور مراد بن عامر، حيث أكد لنا أنه ينبغي على المربين عرض المسألة على البياطرة المختصين من أجل إرشادهم لاستعمال الأدوية المناسبة، كما أشار إلى أن عملية التربية ينبغي أن تخضع للمتابعة البيطرية والتحاليل المخبرية من أجل ضمان سلامة صناديق التربية ونوعية العسل المنتج فيها، بينما أوضح لنا أن كائنات “الفاروا” تمثل خطرا أيضا على صناديق النحل، لكنه نبه بأن الأدوية الضرورية لمواجهتها متوفرة في السوق ويمكن للمربين استعمالها.
ومواصلة لاستطلاعنا حول المشكلة المطروحة من قبل المربين، فقد تواصلنا مع الباحث المختص في علم البيئة من جامعة الإخوة منتوري بقسنطينة، الدكتور عزيز ملياني، حيث أكد أن الإحاطة بالأمر ينبغي أن تشتمل على طرح عدة تساؤلات علمية من أجل التوصل إلى تحديد المشكلة وتوصيفها، حيث تتعلق بتحديد فصيلة النمل الذي يشتكي منه المربون وسلوكه الغذائي وطبيعة المنطقة، بالإضافة إلى الأسئلة التي تقود إلى استبعاد الفرضيات الأخرى التي قد تطرح حول أسباب تضرر نشاط تربية النحل في المكان، لكنه نبه أن الحصول على تفسيرات علمية وافية يتطلب التواصل مع المختصين في تربية النحل والحشرات.

مسؤولة تخصص تربية النحل بجامعة قسنطينة 1، الدكتورة سارة إيمان بتينة
لم نسجل من قبل نوعا من النمل يهاجم النحل والمسألة تستوجب تحقيقا علميا
وقد تواصلنا مع الدكتورة سارة إيمان بتينة، مسؤولة تخصص تربية النحل ومنتجات الخلية بكلية علوم الطبيعة والحياة في جامعة الإخوة منتوري بقسنطينة، فأوضحت لنا أن العديد من الكائنات تهدد النحل، لكنها أكدت عدم تسجيل وجود فصيلة من النمل الذي يهاجم النحل أو يلتهم غذاءها في الجزائر أو في ولاية قسنطينة من قبل، باستثناء فصيلة واحدة من النمل تحمل التسمية العلميةCrematogaster Scutellaris، وتعيش في المنطقة الرطبة في القالة بولاية الطارف في المحيط الذي تطغى عليه أشجار الفلين، حيث أبرزت أنها تتغذى على منتجات الخلية على غرار العسل والعسل الأولي والشمع في حال عدم توفر منتجات الطبيعة الأخرى التي تعيش عليها، في حين لا تهاجم النحل لتتغذى عليه إلا في حال عدم وجود المنتجات الأخرى في الخلية، أي أن مهاجمة النحل تكون في آخر أولوياتها الغذائية، مثلما شرحت. وأوضحت محدثتنا أنها أشرفت على دراسة انطلقت منذ 2022، وشملت توزيع استبيان على مربي النحل في ولايتي ميلة وقسنطينة خلال 2023، حيث استهدفت تحديد الكائنات والمخاطر التي تسبب أضرارا لنشاط تربية النحل، مشيرة إلى أن أكثر من 90 مربيا أكدوا من خلال الاستبيان أن «الفاروا» والعث يأتيان على رأس قائمة المخاطر، فضلا عن أن مربين من منطقة بني حميدان بقسنطينة اعتبروا أن نوعا من الطيور يسبب ضررا أساسيا على نشاطهم، بينما لم يذكر المعنيون خطر النمل على النشاط. ونبهت الباحثة بأن المسألة المطروحة من قبل مربي النحل في منطقة المنية تستوجب تحقيقا علميا يشتمل على دراسة ميدانية ويأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل الأخرى التي تندرج ضمن نشاط تربية النحل، من بينها المحيط النباتي والحيواني والمناخ والطريقة التي ينتهجها المربون، وذلك من أجل تحديد فصيلة النمل التي يشتكي منها المربون بشكل علمي دقيق، ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء المشكلة.
وشرحت لنا الدكتورة بتينة أن كلا من النحل والنمل ينتميان لرتبة الحشرات ذوات الأجنحة الغشائية، فضلا عن أن كليهما يعتبران من الحشرات الاجتماعية التي تعيش في مجموعات ذات تراتبية اجتماعية، حيث توجد فيها الملكة والذكور والعاملات، بينما قالت إن لجوء النمل إلى التغذي على النحل ومنتجاتها قد يدل على انعدام الأغذية الأخرى في محيطها.
س.ح

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com