تراجع عدد سكان بلدية قسنطينة خلال السنوات الأخيرة إلى حوالي ربع مليون نسمة، بعدما كان يقارب نصف مليون نسمة قبل سبع سنوات، حيث سجلت مختلف المندوبيات انخفاضا محسوسا بعد عمليات الترحيل المختلفة التي استفاد منها المواطنون طيلة السنوات الماضية، في حين فقدت مندوبية سيدي راشد، التي يمثل وسط المدينة الحيز الأهم منها، ما يقارب 72 من قاطنيها، إلا أن مندوبية القماص تتصدر القائمة من حيث الكثافة العمرانية في الكيلومتر الواحد بما يقارب 7500 نسمة، بينما يصل معدل الكثافة عبر البلدية إلى حوالي 4300 نسمة في الكيلومتر المربع.
سامي حباطي
وكشفت الدورة الاستثنائية للمجلس الشعبي لبلدية قسنطينة، المنعقدة أول أمس الأحد، عن عدد السكان الجديد في مدينة قسنطينة استنادا للأرقام المتوصل إليها في آخر إحصاء، حيث قدمت أمام أعضاء المجلس للمصادقة على مشروع تعديل المداولة رقم 112 لجلسة 2 جويلية 2023، المتعلقة بإنشاء ثلاث مندوبيات جديدة، فيما ورد في ديباجتها أنها تُقدم من قبل رئيس المجلس بـ«مقتضى مراسلة مكتب القرارات الإدارية ومداولات البلدية رقم 721/2024 المؤرخة في 4 أفريل 2023 المتضمنة تعديل المداولة بعنوان سنة 2024 مع تصحيح إجمالي السكان لكل المندوبيات على حدة حسب إحصائيات سنة 2023 حتى يتسنى البت فيها».
سيدي مبروك الأولى في عدد السكان
ويبلغ إجمالي عدد سكان بلدية قسنطينة بحسب مخرجات آخر إحصاء، أكثر من 256 ألف نسمة، حيث يتركز أكبر تجمع لهم في مندوبية سيدي مبروك التي تتساوى فيها المساحة العمرانية مع المساحة الإدارية بخمسة كيلومترات مربعة، فيما يبلغ عدد سكانها 34 ألفا و871 نسمة موزعين على أحياء سيدي مبروك والمنصورة والدقسي عبد السلام والإخوة عباس، كما تصل الكثافة العمرانية في المندوبية إلى حوالي 7 آلاف نسمة في الكيلومتر المربع الواحد.
وتأتي المندوبية البلدية «القماص» في المرتبة الثانية، إذ تحصي 32 ألفا و126 نسمة موزعين على 15.2 كيلومترا مربعا من المساحة الإدارية و4.3 كيلومترات مربعة من المساحة العمرانية التي تتشكل من أحياء القماص وسيساوي ولوناما وحي 1 نوفمبر 1954، فيما تقدر الكثافة السكانية مقارنة بالمساحة العمرانية في المندوبية بما يقارب 7500 نسمة في الكيلومتر الواحد.
أما المندوبية البلدية «التوت»، فتشغل المرتبة الثالثة من حيث عدد السكان، حيث تحصي 24 ألفا و470 نسمة موزعين على 19 كيلومترات مربعة من المساحة الإدارية، في حين تتوزع المساحة العمرانية في المندوبية على 4 كيلومترات مربعة فقط تتشكل من أحياء «التوت» وبومرزوق والجذور وتحصيص رمضان بن عبد المالك، ما يجعل الكثافة العمرانية فيها تقدر بحوالي 6 آلاف نسمة في الكيلومتر المربع الواحد. وتتساوى المساحة الإدارية والعمرانية في مندوبية «المنظر الجميل»، حيث تبلغ 4 كيلومترات مربعة، في وقت تأتي فيه في المرتبة الرابعة من حيث عدد السكان، إذ يبلغ 24 ألفا و53 نسمة يقطنون بأحياء المنظر الجميل وفيلالي وجنان الزيتون والمنشار، في حين تتجاوز الكثافة السكانية في المندوبية 6 آلاف نسمة في الكيلومتر المربع.
وترِد المندوبية البلدية الزيادية في المرتبة الخامسة بعدد سكان لا يتجاوز 23 ألفا و944 نسمة موزعين على مساحة إدارية مقدرة بـ47 كيلومترا مربعا، إلا أن المساحة العمرانية للمندوبية لا تتجاوز 6 كيلومترات تتشكل من أحياء الزيادية والباردة وجبل الوحش وتافرنت، كما أن الكثافة العمرانية في المندوبية تصل إلى حوالي 4 آلاف نسمة في الكيلومتر الواحد.
من جهة أخرى، تسجل مندوبية 5 جويلية 1962 تباينا في المساحة العمرانية التي لا تتجاوز 6 كيلومترات مربعة والمساحة الإدارية التي تصل إلى 13 كيلومترا مربعا تطبعها المساحات الخضراء الغابية والخضراء، حيث جاءت في المرتبة السادسة من ناحية عدد السكان بـ22 ألفا و54 نسمة موزعين على أحياء 5 جويلية 1962 وبوالصوف عبد الحفيظ والمنطقة الصناعية «الرمال»، بينما يقدر معدل الكثافة العمرانية فيها بما يقارب 3700 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد.
ويتوزع السكان بشكل متساو تقريبا بين مندوبية بوذراع صالح ومندوبية ابن الشرقي المستحدثة، حيث يصل عددهم في بوذراع صالح، الواردة في المرتبة السابعة، إلى 20 ألفا و99 نسمة يقيمون بأحياء البير وبوذراع صالح والشهداء وشاليهات الإخوة عرفة «الزاوش»، وشاليهات بكفوس بحي المالح، فيما تتطابق المساحة العمرانية مع المساحة الإدارية للمندوبية بـ2.8 كيلومتر مربع، إلا أن الكثافة العمرانية مرتفعة في المندوبية إذ تتجاوز 7 آلاف نسمة في الكيلومتر الواحد.
أما مندوبية ابن الشرقي التي تشغل المرتبة الثامنة من حيث عدد السكان، فتحصي 20 ألفا و85 نسمة موزعين على أحياء ابن الشرقي وقرية صالح باي «الغراب»، إلا أن المساحة العمرانية لا تتعدى 3 كيلومترات مربعة من أصل 24 كيلومترا مربعا من المساحة الإدارية، لذلك فإن الكثافة السكنية مرتفعة أيضا في المندوبية بما يقارب 6700 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد.
سيدي راشد تتراجع إلى المرتبة التاسعة في عدد السكان
ويثير عدد سكان المندوبية البلدية سيدي راشد الانتباه، فرغم أنها تشمل القلب العمراني النابض لمدينة قسنطينة، متمثلا في وسط المدينة وأهم المحاور الأساسية للتسوق وتمركز المقرات الإدارية والمعالم السياحية والتاريخية والثقافية، كما أنها كانت قبل بضع سنوات الثانية من حيث التعداد السكاني، إلا أنها تأتي اليوم في المرتبة التاسعة بما لا يتجاوز 15 ألفا و255 نسمة موزعين على أحياء المدينة القديمة ورحماني عاشور «باردو» وسيدي مسيد وقيطوني عبد المالك وكدية عاتي وحجرة بن عروس في المنية، فيما تتربع المندوبية على مساحة 5.5 كيلومترات مربعة يتساوى فيها الحيز العمراني مع الحيز الإداري بما يعادل حوالي 2800 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد. أما المرتبة العاشرة، فتشغلها مندوبية زواغي سليمان بعدد سكان لا يتجاوز 13 ألفا و366 نسمة موزعة على 4 كيلومترات مربعة من الحدود العمرانية من أصل 10.5 كيلومتر مربع من الحدود الإدارية، حيث تضم أحياء هضبة زواغي وجيريك و1100 مسكن ومطار محمد بوضياف بكثافة سكانية مقدرة بحوالي 3400 نسمة في الكيلومتر المربع.
ويقترب عدد سكان المندوبية البلدية «القنطرة» من سابقتها، حيث جاءت في المرتبة الحادية عشرة بعدد سكان مقدر بـ13 ألفا و2 نسمة موزعين على 3 كيلومترات مربعة من المساحة العمرانية المتساوية مع المساحة الإدارية بكثافة عمرانية تصل إلى حوالي 4300 نسمة في الكيلومتر المربع، بينما تضم هذه المندوبية أحياء باب القنطرة والأمير عبد القادر وبوشامة وبيكاسو ولوصيف.
وتتذيل المندوبية البلدية المستحدثة «سركينة» الترتيب، إذ ترِد في المرتبة الثالثة عشر بتعداد 6 آلاف و3 نسمة موزعة على 3 مساحات عمرانية مقدرة بـ3 كيلومترات مربعة من أصل 10 كيلومترات مربعة من المساحة الإدارية، فيما تصل فيها الكثافة السكنية إلى حوالي 2000 نسمة، كما أنها تضم أحياء ابن شيكو والمنى وتحصيص سركينة.
أما المندوبية البلدية المستحدثة «العيفور» فجاءت في المرتبة الثانية عشرة بعدد سكان مقدر بـ6 آلاف و689 نسمة موزعة على 11.4 كيلومترا مربعا من المساحة العمرانية من أصل 18.5 كيلومترا، بينما تصل الكثافة العمرانية فيها إلى حوالي 587 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، كما تضم أحياء العيفور وهضبة عين الباي والنخيل وحي الموظفين وشعاب الرصاص.
القماص تسجل أعلى كثافة عمرانية
وتتربع بلدية قسنطينة على مساحة إدارية إجمالية مقدرة بـ177.5 كيلومترات، بحسب وثيقة مشروع المداولة، حيث تمثل المساحة العمرانية فيها 62 كيلومترا مربعا فقط، أي ما نسبته حوالي 35 بالمئة من المساحة الإجمالية للبلدية، في حين تبلغ الكثافة السكانية بناء على أرقام الإحصاء الأخير، ما يساوي حوالي 4100 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، كما أن القماص تتصدر القائمة من حيث الكثافة العمرانية في الكيلومتر، تليها سيدي مبروك وبوذراع صالح بأكثر من 6 آلاف في الكيلومتر المربع، ثم تأتي مندوبيات التوت والمنظر الجميل وابن الشرقي، ثم الزيادية والقنطرة و5 جويلية وزواغي، بينما تقترب الكثافة العمرانية بسيدي راشد مع سركينة بما بين ألفين و3 آلاف نسمة في الكيلومتر، فيما تتذيل العيفور القائمة.وتُنبه المعطيات التي تتضمنها وثيقة مشروع المداولة عند مقارنتها مع تعداد السكان الذي عرضه المجلس الشعبي البلدي بمناسبة اليوم الوطني للبلدية في 18 جانفي 2020، وتحوز النصر نسخة عنه، إلى تقلّص عدد السكان بشكل كبير في غضون حوالي 7 سنوات، حيث كانت مدينة قسنطينة تحصي في عام 2016، 475 ألفا و510 نسمة موزعة على 11 مندوبية آنذاك، أي أن التعداد الإجمالي انخفض بنسبة تفوق 46 بالمئة، فيما يلاحظ أن وسط المدينة المتمثل في مندوبية سيدي راشد وبعض النقاط المحيطة قد عرف تراجعا كبيرا في السكان بنسبة تقارب 72 بالمئة، بعدما كان يضم أكثر من 54 ألف نسمة في 2016. ويمكن أن يلاحَظ هذا الأمر في وسط المدينة من خلال انعكاسه في العدد القليل من التلاميذ المسجلين في المدارس الابتدائية في كل سنة دراسية، فضلا عن نقص الحركية فيه خلال الساعات الليلية.وتعتبر مندوبية القنطرة الثانية من حيث تراجع عدد السكان، حيث كانت تضم أكثر من 34 ألف نسمة لتنخفض بحوالي 63 بالمئة، بينما تأتي سيدي مبروك في المرتبة الثالثة بتراجع يفوق 53 بالمئة، بعدما كانت تحصي قبل 7 سنوات أكثر من 75 ألف نسمة. وتتساوى نسبة انخفاض التعداد السكاني بشكل تقريبي بين مندوبية المنظر الجميل التي تراجعت بحوالي 50 بالمئة، والتوت والزيادية (أكثر من 48 ألف سابقا) مع سركينة (أكثر من 49 ألفا سابقا) بحوالي 49 بالمئة، بينما تأتي القماص (أكثر من 48 ألف سابقا) في مستوى التراجع نفسه مع 5 جويلية (أكثر من 34 ألف سابقا) وزواغي مع العيفور (أكثر من 30 ألف سابقا)، حيث تتراوح نسبة التراجع في كل منها ما بين 33 و35 بالمئة. أما بوذراع صالح مع ابن الشرقي فيسجلان أدنى نسبة من التراجع بحوالي 22 بالمئة فقط، حيث كانت بوذراع صالح تحصي أكثر من 51 ألف نسمة في 2016. ورغم التراجع في عدد السكان الذي تشير إليه المعطيات الإحصائية، ما تزال الحركية كثيفة خلال النهار في مدينة قسنطينة، خصوصا في التجمعات التي تستقطب المواطنين من أحياء وبلديات أخرى، مثلما يسجل في العديد من محاور وسط المدينة، على غرار المحاور التي تتجاور فيها المحلات التجارية، مثل شوارع عبان رمضان وبلوزداد ونهج بودربالة ومدخل شارع عواطي مصطفى وشيتور وزعموش والعربي بن مهيدي وشارع ديدوش مراد و19 جوان، بالإضافة إلى أزقة المدينة القديمة التي يقصدها المتسوقون، خصوصا خلال الفترة الصباحية، على غرار رحبة الجمال ورحبة الصوف والرصيف، لكن هذه الأحياء سرعان ما تصبح شبه خاوية من حركة المارة بمجرد نهاية أوقات الدوام، كما أن بعض التجار يشتكون فيها من تراجع مستوى نشاطهم، رغم أن أسعار العقارات التجارية فيها ما زالت مرتفعة.
ويعزو قاطنو المدينة القديمة هذا الوضع إلى عمليات الترحيل الواسعة التي استفاد منها السكان بوسط المدينة في إطار القضاء على السكن الهش، على غرار ما سجل في السويقة السفلى التي تتهاوى فيها كثير من البنايات القديمة بعدما تركها أهلها، فيما شهدت مختلف أحياء مدينة قسنطينة انتقال الآلاف من العائلات منها إلى الأحياء الجديدة بعد استفادتها من صيغة السكن العمومي الإيجاري أو الصيغ السكنية الأخرى، رغم بقاء كثير منها مقصدا للمواطنين الباحثين عن التسوق أو التجوال، مثل سيدي مبروك بشقيه العلوي والسفلي أو الدقسي أو الجهة الشمالية الشرقية من المدينة، وهو ما ينعكس أيضا في الازدحام المروري الذي تشهده، في مقابل تحول بعض الأحياء الأخرى إلى مقصد للباحثين عن السكينة بسبب عدد قاطنيها القليل. س.ح