تشكّل دعوة الوزير الأول إلى فتح قنوات الحوار مع جميع مكوّنات النسيج الوطني، بما في ذلك المجتمع المدني والنخب، توجها جديدا للسلطات من شأنه أن يمتصّ حالات التوتر، و يزوّد صانع القرار بأفكار ظلت خارج نطاق التداول، بسبب قصور واضح في الحوار والاتصال، كثيرا ما خلق عداوات صامتة وغير مبرّرة بين السلطات العمومية والنخب غير المهيكلة في التشكيلات السياسية أو التنظيمات التقليدية، والتي لا تجدُ في الغالب منابر لطرح مقترحاتها أو تُقابل بجفاء، ما يحرم المجموعة الوطنية من «ثروة» مهملة في وقت تحوّلت فيه المعرفة والأفكار إلى رأسمال حقيقي في المجتمعات المتقدمة.
فقوّة الاقتراح تأتي من النّخب العارفة التي تبني استنتاجاتها على معطيات واقعية تمّت معالجتها بأسلوب علمي، و من المجتمع المدني الحقيقي المسكون بهمّ خدمة محيطه والذي يكابد في الميدان، وليس من نخب سياسية تُنتج الإنشاء المعذّب أو جمعيات تستهدف الريع وتُقيم على الورق.
كما أن المساهمة الجماعية في اقتراح الحلول للمشكلات الطارئة،  وفضلا عن كونها تجسيدا لديمقراطية تشاركية، فإنها ترفع مستوى الإحساس بالمسؤولية بين المواطنين وتجعلهم  يتقبّلون القرارات “القاسية” التي يقتضيها تسيير الشأن العام في مراحل معينة، كما تجعلهم يتصدّون لكل مظاهر الفوضى والمساس بسكينتهم، لأن مظاهر التخريب أو الإضرار بالمصلحة العامة عادة ما تتغذى على الإحساس بالتهميش أو عدم الجدوى في المجتمع.
الدعوة المذكورة من شأنها، أيضا، أن تساهم في عملية التجديد الوطني، بإتاحة فرصة بروز وجوه جديدة في الحياة العامة، إذ لا يعقل أن تظل الكوادر الجديدة على هامش الحياة العامة سجينة وظائفها الثانوية، في وقت يحتاج المجتمع إلى حيويتها لإحداث ديناميكية من شأنها النهوض بالبلاد وتخليصها من حالات التخبّط  والخوف من المستقبل، بتقديم البدائل الاقتصادية التي كثيرا ما طرحت منذ بواكير بناء الدولة الوطنية وافتقدت إلى آليات التجسيد، كما لا يعقل عزوف الأجيال الجديدة عن العمل السياسي الذي يتسبب في عزلة قاسية للطبقة السياسية المدعوة إلى تجديد خطابها وأساليب عملها لأن العالم تغيّر، والأحزاب الكلاسيكية في الدوّل التي عادة ما نتخذها كمثال تواجه أزمة قد تعصف بوجودها، أمام صعود أجيال تتحدث لغة جديدة، وأمام التغيّر المتسارع لنمط الحياة ، وهو درس يجب أن يأخذه بعين الاعتبار المشتغلين في الحقل السياسي.
و فضلا عن كل ما سبق فإن انتهاج أساليب الحوار يقرّب بين الدولة والمجتمع الذي تتولى تدبير شؤونه، و يقضي على مسبّبات الاحتقان في مهدها، ومن شأنه معالجة أمراض البيروقراطية التي أرهقت المواطنين والدولة على حد سواء.
و إذا كانت الحكومة  قد أعلنت عن فتح باب الحوار وهي تنشد بناء إجماع  وطني في ظرف اقتصادي و جيوسياسي دقيق، فإن التطلّع إلى اعتماد الحوار كأسلوب عمل على الصعيدين المحلي والمركزي  يبقى مشروعا، بل أنه ضروري  من أجل إشاعة “ثقافة الحوار” في مجتمع  جرّب ويلات العنف الذي لا تزال ارتداداته تسجل إلى اليوم، ولا تزال أثاره ظاهرة، وليس خافيا أن العنف نتيجة لافتقاد هذه الثقافة.  
النصر

الرجوع إلى الأعلى