دورات التنمية البشريـــة تكلــــف الجزائريين المــــلايين و تنتـــهي بشهــــادات فارغـــــة
برزت قبل سنتين مراكز التكوين في مجال التنمية البشرية، كتوّجه جديد في الجزائر، سرعان ما تحوّلت إلى قبلة للشباب و خريجي الجامعت، الباحثين عن نافذة أمل تسمح لهم بولوج عالم الشغل من خلال وظيفة توفرها الشهادات التي تزعم هذه المراكز بأنها مصادقة دوليا إذ تصل تكاليفها إلى 80 ألف دج، اكتشف الكثيرون بعد دفعها بأن ما تسوّق له هذه المراكز مجرّد أوهام، نظرا لغياب هذا التخصص في سوق العمل بالجزائر، وعدم الاعتراف به مطلقا.
شباب كثر وقعوا ضحية التسويق الإعلامي الكبير لمراكز التنمية البرية، التي تعرض تخصصات مختلفة على غرار تكوين المدربين و البرمجة اللغوية العصبية، فضلا عن تقنيات التخطيط و تطوير الذات، الطاقة بالعلاج و التخطيط الاقتصادي المتطور، و دورات القيادة و إدارة الحوارات، إدارة الأعمال و إدارة الموارد البشرية، الإرشاد الأسري و التأهيل التربوي،الصحة النفسية، التسويق الحديث، إضافة إلى خدمة العملاء و المبيعات الإدارة الحديثة، و ما إلى ذلك من تخصصات يزعم مبتدعوها بأنها تشكل مستقبل سوق التشغيل في مختلف الدول العربية بما في ذلك الجزائر.
و الملاحظ أن هذه المراكز التي تؤكد تفرعها من معاهد و كليات دولية كجامعة كارولاينا الأمريكية، إضافة إلى المركز الأمريكي للتدريب، ومراكز أخرى، تعرض على منتسبيها شهادات دولية مقابل دورات تكوين مغلقة تستمر من 3 إلى 11 يوما، مقابل مبالغ مالية معتبرة تتراوح بين 5000 إلى 80 ألف دج، إذ تعادل هذه الشهادات كما تروج له مراكز التنمية البشرية، الشهادات الجامعية من حسب المستوى.
ومن بين العروض التي يقدمها واحد من أشهر المراكز بالوطن العربي و الجزائر، شهادة الماجستير والدكتوراه المهنى الموثقه حكوميا، و هي شهادة تفتح الباب أمام حاملها للإلحاق بأهم الوظائف، خصوصا كونها تحوز على اعتراف دولي و تسمح لحامليها بتسهيل إجراءات السفر إلى أي دولة لاستكمال الدراسة، و إجراء الأبحاث اللازمة بمساعدة كبار المتخصصين و المدربين الدوليين، كما يؤكده المركز من خلال الدعاية الإعلامية التي يطلقها عبر مواقع لتواصل الاجتماعي.
هذه الإغراءات دفعت بالكثير من الشباب وبالأخص خريجي الجامعات إلى الاستدانة أحيانا لدفع أقساط الدورات التكوينية، التي يعلن عنها عن طريق الانترنت عادة، وذلك طمعا في الحصول على شهادة بوزن دولي تعادل قيمتها حلم الحصول على وظيفة الأحلام، قبل أن يصطدموا بواقع أنه مجرد تسويق للأوهام، وأن الشهادات التي دفعوا الكثير للحصول عليها لا تساوي قيمة شهادة مركز التكوين المهني و التمكين، لأن المؤسسات الاقتصادية الجزائرية لا تعترف بها أساس سواء بالنسبة للقطاع الخاص أو العمومي، كما أن التخصصات التي تعرضها غير مطلوبة في سوق العمل.
أيوب بومعراف، خريج جامعة قسنطينة أكد لنا بأن تجربته كانت جد فاشلة مع دورات التنمية البشرية، إذ سبق له أن دفع مبلغا هاما للالتحاق بدورة تكوين مدربين دوليين التي تعد الأعلى كلفة، قبل سنتين اضطر حينها لوضع كافة مدخراته المالية بهدف الحصول على شهادة دولية توفر له وظيفة محترمة، موضحا بأن الدورة التدريبية جرت بمركز تكوين إطارات المستخدمين لمؤسسات المعوقين بقسنطينة، وكانت مغلقة و بتأطير من مدربين دوليين من تونس و الكويت و الجزائر، استمرت لمدة 11 يوما، حيث تنوعت أشغالها بين ورشات نظرية حول التوجه أو الإقناع و لغة الجسد و التخطيط وغيرها من المفاهيم، و انتهت بحصول على شهادة عالمية في التدريب ، قال بأنها كلفته 8ملايين سنتيم و لم تنفعه لا على الصعيد المهني و لا حتى الشخصي، لأنه اكتشف بعد انتهاء الدورة بأن ما تم تلقينه لمشتركيها وعددهم 30 شابة شابة، هي مجموعة من المعلومات العامة و المتفرقات لكن بطريقة منهجية.
محدثنا أوضح بأن غالبية دورات التنمية البشرية، لا تقدم الجديد من الناحية التطبيقية، وهو ما يجعلها غير مفيدة مهنيا، وهو نفس الموقف الذي ذهب إليه زين العابدين، خريج كلية الحقوق بجامعة قسنطينة، مؤكدا بأنه سبق له وأن خضع لدورة تدريبية لمدة ثلاثة أيام في الجامعة مقابل 3000دج، دخلها حسبه حوالي 40 طالبا و طالبة، ليتحصلوا في النهاية على شهادات موقعة من قبل، أحد أشهر المختصين في التنمية البشرية و صاحب واحد من أشهر المراكز، لكن الغريب في الأمر أن الشهادات تحمل توقيعه رغم وفاته.
حمزة.ب، مدرب تنمية بشرية معتمد لدى واحد من بين أشهر المراكز المعروفة على الصعيد العربي، أوضح بأن النجاح في مجال التنمية البشرية يتطلب التدرج في التكوين، والتخصص، وهو أمر يتطلب الكثير من الوقت و المال و السفر لتلقي تدريب متخصص في المركز الأصل، وعلى يد كبار المدربين الدوليين، مشيرا إلى أنه شارك في أزيد من 12 دورة تدريبية مختلفة، بالجزائر و تونس و الأردن و أمريكا.
أما عن طريقة عمله، فقد أوضح بأن المؤسسة التي يعمل لحسابها، تقوم عادة بتأجير مراكز مختلفة على مستوى مناطق معينة، و تفتح باب التكوين في أحد التخصصات أمام الراغبين في الالتحاق به، مع ضبط قائمة محدودة من المسجلين لضمان تدريب نوعي و مكثف يكون عادة دربيا مغلقا، طبعا مقابل مبلغ مالي محدد، لسداد نفقات الإطعام و الإقامة للمتدربين، أما المدرب فيحصل على نسبة من الأرباح تتحدد بحسب عدد الأشخاص الذين يلتحقون بالدورة.
محدثنا أشار إلى وجود بعض الأشخاص لا علاقة له بالمجال، يستغلون شهرة التنمية البشرية كمجال علمي جديد يشهد إقبالا، للاسترزاق من خلال استغلال اهتمام الشباب به، موضحا بأن بعض المراكز تنشط بطريقة غير معتمدة أساسا.
نور الهدى طابي