الشاعر الطيب طهوري يطرح النسخة الإلكترونية من ديوان «مقابر عربية»
أصدر مؤخرا الشاعر الطيب طهوري مجموعة شعرية جديدة عنوانها «مقابر عربية»، عن دار الباهية للنشر الإلكتروني، في نسخة إلكترونية تقع في 66 صفحة، تضم 15 قصيدة بين قصيرة وطويلة، اشتركت في تيمات «الوطن»، «الذات»، «الإنسان»، «المآسي العربية»، بلغة تحاكي الألم، الخيبات، و تمزقات الذات و الإنسان، و الأوطان و الشعوب العربية النازفة، المطوقة بأناشيد الضياع الذي جعل من الأوطان العربية مأدبة للخراب اليومي الذي ينخر جسد الشعوب و يقذف بها إلى شتات غير رحيم، حتى و إن كان الفرار من جحيم الوطن، لكن في الغالب الأعم أبانت الكثير من مواقع الشتات، أنها لا تقل جحيما عن الذي تركه اللاجئ العربي خلفه.
الديوان تصدرته مقدمة بقلم الشاعر جاءت تحت عنوان «ما يشبه المقدمة»، بدأها بجملة: «الشعر كما أتصوره، اللغة الشعرية كما أراها»، و هي مقدمة غاص فيها الشاعر في الشعر و سرد بعض رؤاه لهذا الفن، في مقاربة مفاهيمية تحيل إلى الشعر من وجهة نظره هو، كما يصف علاقته بهذا الفن و حالاته، باللغة الشعرية، وهنا يذهب إلى القول: «النص الشعري بقدر ما هو مغامرة في اللغة، خلق جديد لها و بحث دائم عن تجددها». و أكد في نص مقدمته على أن «الشاعر الحقيقي إنسان إنساني قبل كل شيء».
طهوري الذي لجأ لأول مرة إلى نشر مجموعته الشعرية الجديدة إلكترونيا، قال في رده عن سؤالنا حول الأسباب التي دفعته إلى ذلك: «لا أعتقد أن مبدعا ما، لا يرغب في أن يرى كتابه مطبوعا ورقيا و موضوعا على رفوف المكتبات، لا أعتقد أيضا أن أي أديب لا يتمنى أن يهدي كِتابه منشورا ورقيا إلى أحبته و المقربين منه».
طهوري، يرى من جهة أخرى، بأن لجوء الكاتب إلى النشر الإلكتروني في الجزائر، مرده إلى عراقيل كثيرة تحول دون أن يحقق أمنية النشر الورقي، إذ يؤكد: «أن تبحث عن نشر إبداعك من قِبل المؤسسات العمومية التابعة للدولة أو دور نشر، تحتاج إلى الكثير من الوساطات، و الوساطات عُملة رديئة و سلوك سيء بالتأكيد، و أن تُنشر لك تلك المؤسسات وتُبقي منشورك الإبداعي مخزنا لا وجود له في مختلف مكتبات بيع الكِتاب هو قتل له بالتأكيد، و قتل معنوي مؤلم جدا لصاحبه».
و أضاف صاحب «أفراح صعبة»: «لقد نُشرت لي أعمال إبداعية ثلاثة في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية، لكنها بقيت مكدسة في مخازن المكتبة الوطنية و وُزع القليل منها على دور الثقافة و بعض المؤسسات التعليمية، حيث لا أحد هناك يطالع الكِتاب أو يهتم به. كان ذلك مؤلما جدا لي، أن تبحث عن نشر إبداعك من خلال دور النشر الخاصة، فذاك يحتاج إلى مبالغ مالية يعجز الكثير من مبدعينا، إن لم أقل أغلبهم عن توفيرها، و في الغالب لا يستردون ما دفعوه من مبالغ لطباعتها، خاصة و أن سوق الكِتاب سوق كاسدة عموما. من منطلق كل ذلك لجأت إلى النشر الإلكتروني الذي أتصور أنه ما يزال ميدانا لم يُقتحم بشكل كبير في بلادنا، لكنني متأكد من أنه سيكون ملجأ الكثير من المبدعين الجزائريين».
طهوري يرى أن الكِتاب يتجه أكثر فأكثر نحو النشر الإلكتروني، خاصة في ظل أزمة اقتصادية مست و بشكل كبير هياكل و مفاصل كثيرة في البلد: «في هكذا وضعية اقتصادية شبه خانقة، لا يجد المبدع إلا النشر الإلكتروني ليوصل إبداعه إلى الآخرين، خاصة وأن هذا النشر، مقارنة بالنشر الورقي، لا يكلف كثيرا، و أن عبوره الحدود الجغرافية و الرقابية أمر مضمون، كما أن ما يتيحه من حرية فكر تتجاوز كثيرا ما يتيحه النشر الورقي».
و في الختام يستدرك في معرض حديثه عن معيار الجودة في ما يُنشر إلكترونيا: «صحيح أن هذا النشر الإلكتروني قد أتاح الفرص للغث و السمين من الفكر والإبداع لينتشرا، هذا أمر طبيعي، لابد منه، و البقاء هنا حتما للأرقى و الأجمل، طال الزمن أم قصر. ثم، من قال بأن النشر الورقي لا يسمح أيضا بنشر الغث من الفكر والإبداع؟ أليس الكثير مما يُنشر لا قيمة فكرية أو جمالية له سوى جيوب أصحابه الممتلئة التي سمحت لهم بنشره؟».
و من أجواء المجموعة نقرأ من قصيدته «أبجديات لخماسيات جزائرية»:
«اشتهيني هناك..هناكَ../ رحابا سماويةً وأغانيَ من شجر ونهارْ../ وترا في لظى العمرِ../
أبعد من حلمه..ها هناكَ../ و أقرب من جسدي للبذارْ/ قلت أمشي.. مشيتْ..
/ الجهات هنا مغلقة../ قدمي: غابةٌ../ ساعدِي: ليلها../ و رغيفي.. بكيتْ/
حين قابلتُني في فجاج القطا../ كنتُ أحجارَه الهرمه../ و رمادَ الدليلْ../
كان جسمي الخطى../ و المدى قِبلةً شططا/ لم يعد أحد يقرأ كفي../
الفناجين محشوة بالعويلِ../ الكؤوس مهشمةٌ../ والمياه دم خاثرٌ..».
نوّارة لحــرش