فضح الزلزال العنيف الذي ضرب المغرب منذ أيام نظام المخزن وكشف مرة أخرى عن طبيعته وحساباته السياسية الضيقة حتى وإن كان الأمر يتعلق بقضايا إنسانية تخص في المقام الأول حياة أبناء شعبه.
و الواقع أن العديد من الدول، و الكثير من المراقبين، ووسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية في العالم وقفت مشدوهة أمام قرار المخزن رفض المساعدات التي اقترحت عليه من طرف أكثر من 60 دولة في العالم عقب الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز ومراكش و المناطق المحيطة بهما والذي خلف لحد الآن الآلاف من القتلى والجرحى.
حيث وبعد وقوع كارثة الزلزال شرعت العديد من الدول في عرض تقديم المساعدات الإنسانية والتقنية إلى المغرب لإنقاذ الضحايا العالقين تحت الأنقاض أولا، و لتجاوز المحنة بينها الجزائر، لكن نظام المخزن وبعدما أخذ وقتا طويلا - بالنظر لحجم الكارثة التي تتطلب سرعة التدخل- قبل المساعدات من أربع دول فقط هي اسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، ورفض العروض المتبقية.
وهذا الرفض المبهم جعل الكثير من الأسئلة تطرح هنا وهناك من طرف حكومات الدول التي تقدمت بعروض المساعدة و أيضا من طرف الجمعيات النشطة في المجال الخيري والإنساني ومن طرف وسائل الإعلام والمراقبين على حد سواء.
وإذا كانت حكومة نظام المخزن في الرباط قد خرجت إلى العالم مبررة عدم قبول المساعدات بقولها أنه بعد عملية تقييم للوضع فهي ليست بحاجة إلى هذه المساعدات، فإن الواقع الذي كان يرزح تحته المنكوبون فضح بشكل كبير هذه الادعاءات، حيث بينت العديد من الفيديوهات التي صورها مواطنون مغاربة في المناطق المتضررة حجم الكوارث التي حلت بهم والتي يعيشون فيها بعد أيام من وقوع الزلزال.
وقد أظهرت مقاطع الفيديو هذه مواطنين وهم يصرخون لحالهم ويؤكدون غياب الدولة هناك بشكل تام، وعدم وصول أي مساعدات إليهم منذ وقوع الزلزال، بل وتحدثوا عن بقاء أحياء تحت الأنقاض حتى ماتوا، دون الحديث عن جثث الضحايا التي ظلت تحت الأنقاض لعدة أيام وبقاء الذين نجوا من الموت دون ماء ولا مؤونة ولا أي مساعدات، وهناك مقاطع أخرى أظهرت مواطنين مغاربة آخرين يتحدثون عن موت أطفال ناجين من الزلزال من البرد بسبب عدم وصول أي مساعدات إليهم ومبيتهم في العراء ليلا.
وفي أحد المقاطع ظهر جثمان أحد ضحايا الزلزال وهو محمول على ظهر حمار بسبب عدم وصول أي مساعدات إلي تلك المنطقة وعدم فتح الطرق، و عدم توفر سيارات لنقل الموتى إلى مصالح حفظ الجثث في المستشفيات أو إلى المقابر لدفنها.
و في الواقع فإن هذه الصور أثارت استغراب الرأي العام العالمي من عدم قبول نظام المخزن المساعدات المعروضة من قبل العديد من الدول وخلفت حملة تعاطف واسعة مع المنكوبين الذين لا حول ولا قوة لهم في مثل هذه الحالات.
و أثارت هذه الصور كما ظهر ذلك في الفيديوهات المنشورة تساؤلات المغاربة أنفسهم الذين لم يفهموا سبب قبول المساعدات من أربع دول فقط ورفض الباقي، كما حظيت هذه المسألة باهتمام الصحف ووسائل الإعلام العالمية خاصة منها الإعلام الفرنسي الذي تناول هذا الأمر بشكل واضح، وكذلك الإعلام الألماني والأمريكي بدرجة أقل.
وإذا كان الجميع يتفق على أن كل دولة لها سيادة وهي حرة في اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة لوضعها، فإن خبراء في مجال الاستجابة للكوارث يؤكدون أن هناك قواعد حيال قضية جهود الإنقاذ الدولية والمساعدات الكارثة عقب الكوارث وضعها الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر بين عامي 2001 و 2007 حسمت هذه المبادئ التوجيهية القضايا الخلافية التي أعاقت عمليات الإنقاذ الدولية في الماضي.
وبموجب هذه القواعد فإن جهود الإنقاذ والاستجابة للكوارث يجب أن تشرع فيها السلطات المحلية في الدولة التي تقع فيها الكارثة ثم تأتي فرق الإنقاذ الدولية بعد أن تقوم حكومة الدولة المعنية بتوجيه دعوة للمساعدة.
وقد أثير جدل كبير في فرنسا من قبل وسائل الإعلام حول عدم قبول المغرب المساعدات المقدمة من باريس للمنكوبين، على الرغم من أن فرنسا حليف سياسي واستراتيجي للنظام المغربي في كل الحالات وعلى مدى عقود طويلة من الزمن، وقد دفع هذا الجدل الإعلامي بمسؤولين فرنسيين إلى التدخل عبر تصريحات متتالية للتخفيف من هذا الجدل والتأكيد على أن العلاقات بين البلدين عادية.
لكن وبغض النظر عن كيفية قبول المساعدات الخارجية في مثل هذه الكوارث فالواضح أن نظام المخزن وضع المعايير السياسية في المقدمة على حساب المعايير الأخلاقية وحجم المآسي التي خلفها الزلزال، في قبول عروض المساعدات المقدمة من هذا الطرف أو ذاك، و هذا واضح للجميع ولا يحتاج إلى تفكير كبير.
وإذا كانت أي دولة في العالم عند وقوع كوارث طبيعية فيها قد ترفض بعض المساعدات المقدمة من طرف بعض الدول بسبب خلافات تاريخية أو سياسية بينها مفهوما ويبقى محصورا في حالات قليلة فقط، فإن ما وقع في حالة زلزال المغرب يبقى غريبا وحالة خاصة وفريدة في تاريخ الكوارث، لأن نظام المخزن رفض المساعدات المقدمة من أغلبية دول العالم وحتى من دول صديقة و حليفة له، وهو ما يفهمه الرأي العام العالمي في وقت يعاني فيه الآلاف من المنكوبين من وضع مزر ومأساوي اتضح فيه تواضع الإمكانيات التي سخرت لعلميات الإنقاذ.
والأكيد أن طريقة تعامل المخزن مع هذا الزلزال الذي حصد أرواح الآلاف من أبناء الشعب المغربي الشقيق تكشف مرة أخرى الوجه البشع لهذا النظام الذي تثنيه عن ألاعيبه حتى رائحة الموت.
إلياس -ب