المجالس الشعبية ودورها في الثورة التحريرية
إن الذين عينتهم الثورة في هذا النظام لم ينصفهم التاريخ بالشكل المطلوب، بعدما انتهى معظمهم إلى الشهادة عبر التصفية الميدانية والاعدام القضائي والسجن والتنكيل. كما أن دور هذه المجالس لم يسلط عليه الضوء بالقدر الكافي مقارنة مع التنظيم العسكري للثورة، خصوصا وأن منطقة الشمال القسنطيني (الولاية الثانية فيما بعد) كانت على ما يبدو السباقة في تأسيس هذه المجالس الشعبية. إنّ الأرشيف الاستعماري وما تبقى من وثائق الثورة يشهد على الدور المحوري الذي لعبه «النظام» في دعم «الذراع العسكري» بمعنى جيش التحرير الوطني، بل يمكن القول أنه الأكسجين الذي لم يكن ممكنا للتنظيم العسكري التحرك والعيش دونه كما عبّر عن ذلك البشير شيهاني «سي مسعود» عند قيادته لمنطقة الأوراس النمامشة وتحديدا بعد اكتشافه لمخططات الجنرال بارلونج (le général Parlange) الهادفة إلى خنق الثورة وقلب الحاضنة الشعبية، ما جعله يضع مخططا مضادا، بعث بنسخة منه إلى قائد الشمال القسنطيني يوسف زيغود «سي أحمد». ما أقترحه هنا هو الولوج في وثائق الأرشيف وإعطاء نماذج من هذا النظام في الشمال القسنطيني وتحديدا في ناحية السمندو التاريخية التي شملت بشكل أساسي المناطق الواقعة بين دوار الخرفان في بلدية أولاد احبابة حاليا ودوار بني صبيح في بلدية غبالة الحالية، وهذا بالتقسيم السابق لتطبيق قرارات مؤتمر الصومام.
المادة الوثائقية وتنوّعها
تعود وثائق الثورة التي تتحدث عن «المجالس الشعبية» إلى فترة مبكرة من عمرها ومعظمها استولت عليها القوات الاستعمارية خلال عمليات عسكرية مختلفة. فأقدم أثر نجده في الوثائق التي تعود للقائد يوسف زيغود «سي أحمد» والتي عثرت عليها السلطات الاستعمارية في عين الدردارة شمال غرب سيدي مزغيش في 1 أوت 1955. وتفيدنا أيضا الوثائق التي ضبطتها قوات الاحتلال في 22 نوفمبر 1955 بالحمري شمال سيدي مزغيش خلال استشهاد البشير بوقادوم عن وجود تعليمات تخص هيكلة المجالس الشعبية انطلاقا من المشتة إلى الدوار. ونجد بعد ذلك قوائم للمجالس الشعبية في الوثائق التي صادرتها القوات الاستعمارية بجبل الوحش في 26 أفريل1956 والتي تعود لناحية قسنطينة بقيادة صالح بوبنيدر «صوت العرب»، والوثائق التي عثرت عليها القوات الاستعمارية بوادي أونين والتي تعود لناحية السمندو بقيادة محمد الصالح ميهوبي «بلميهوب» وهذا في 14 سبتمبر 1956 وفي وثائق مجلس دوار بني والبان التي استولت عليها القوات الاستعمارية خلال عملية عسكرية كبيرة بمنطقة زكرانة أيام 23 و24 و25أفريل1957. كما نجد أثرا كبيرا لأعضاء المجالس الشعبية في الوثائق الأمنية والعسكرية الفرنسية المبنية على تحليل الوثائق المصادرة وعلى عمليات استنطاق الموقوفين والأسرى والمعلومات الاستخباراتية. فعلى سبيل المثال يحتوي أرشيف ما وراء البحار على علبة كاملة تحت عنوان «النظام السياسي-الإداري المتمرد» والذي يعطي لنا فكرة على الأهمية التي أولتها السلطات الاستعمارية للنظام المدني للثورة في الدواوير والمشاتي.
في الأصل: استنساخ نظام حزب الشعب- حركة انتصار الحريات الديمقراطية
كان تحكم السلطات الاستعمارية في المجالات الريفية قائما على الشنابط أو حراس الدوار والﭭياد بالإضافة إلى الأعضاء الجزائريين المنتخبين في المجلس البلدي وجماعات الدوار والوقاقفة. كان وقاف المشتة هو بمثابة النظام القاعدي للسلطة الاستعمارية، ولهذا عمل حزب الشعب الجزائري منذ تأسيسه على انشاء خلايا نضالية قوامها الفلاح بهدف نشر أفكاره وتوعية الفلاحين ومواجهة ممثلي السياسة الاستعمارية. ومع بداية تحضيرات الثورة في الشمال القسنطيني خصوصا في ناحيتي السمندو و الحروش، عمل القائد مراد ديدوش» سي عبد القادر» ورفاقه على انشاء نظام مدني مرافق للتنظيم المسلح انطلاقا من المشتة ووصولا إلى الدوار. فإذا كانت شهادة العقيد علي كافي قائد الولاية الثانية تؤكد على تلبية الجزائريين لدعوى الاستقالة الجماعية من المجالس البلدية ومجالس جماعات الدوار، وبالتالي انهيار البنية الاجتماعية المندمجة في الإدارة الفرنسية، حتى وإن لم تكن بشكل كامل مع ربط عملية انشاء المجالس الشعبية بالتحاق الشعب بالثورة عقب هجمات 20 أوت 1955. لكن شهادة المجاهد محمد قديد مسؤول ناحية الحروش خلال تحضير وتفجير الثورة تؤكد ما ذهبت إليه من خلال هيكلة الدواوير والمشاتي بإنشاء أفواج من المناضلين يكون على رأس كل واحد منها مناضل رغم بعض فوارق الصلاحيات التي ستتمتع بها المجالس الشعبية لاحقا. وبالنسبة للناحية الغربية لمنطقة الشمال القسنطيني، فشهادة لخضر بن طبال «سي عبد الله» تجعل من شهر ماي 1955 البداية الفعلية لوضع أسس «النظام» في الدواوير والمشاتي.
وتؤكد وثائق البشير بوقادوم-الذي خلف سماعين زيغد في قيادة ناحية سكيكدة في بداية نوفمبر 1955- بوجود تعليمات تخص هيكلة مشاتي الثورة بتعيين وقاف كمسئول على المشتة وشيخ عند وجود ثلاث مشاتي وقايد عند وجود تسع مشاتي وخليفة عند وجود ثلاث قيادات. ويهدف هذا التنظيم إلى جمع الاشتراكات وإيواء مخازن الحبوب والمواد الغذائية بصفة عامة وأحيانا الأسلحة على مستوى المشاتي، تحت حراسة مسبلين مزوّدين ببنادق صيد. وتبيّن وثائق "البشير بوقادوم" وجود البريد وأعوان استعلامات الثورة في المشاتي.
بمناسبة الانتخابات النيابية الفرنسية المقررة في 2جانفي1956، أمرت جبهة التحرير الوطني في بيان لها كل أعضاء المجالس البلدية ومجالس الجماعة والمشاركين في الانتخابات بالاستقالة أو الانسحاب وإلا مواجهة التصفية الجسدية قبل الفاتح جانفي من نفس السنة، وكل من يبقى في منصبه يعتبر في نظر الجبهة خائنا للوطن. أحدث هذا القرار زلزالا سياسيا لدى الإدارة الاستعمارية، وذلك بعد الاستقالات الجماعية التي عرفت مجالس الجماعة على مستوى الدواوير كما ورد في تقرير سري لسوبريفي دائرة قسنطينة بتاريخ 9 جوان 1956. واعترف التقرير بانقطاع أخبار المشاتي والدواوير عن رؤساء البلديات، وبالتالي أصبحت خارج سيطرة الإدارة الفرنسية. كانت هذه الملاحظة هي إشارة أولى في المادة الأرشيفية الفرنسية لخروج المجالات الريفية عن السيطرة وأصبحت إدارتها عن طريق جيش وجبهة التحرير الوطني التي شكلت ما أطلقت عليه بالنظام، وهو رمز لتنظيم سياسي وإداري ثوري.
تشكل النظام من مسئول عام للدوار (قايد أو شيخ) أو مسؤول عام لأكثر من دوار (آغا)، ومسئولين للمشاتي (وقاف)، حيث حددت مهمة مسئول المشتة في جمع الاشتراكات والزكاة والتبرعات وتنظيم الحراسة بالتناوب، وتزويد جيش التحرير الوطني بمختلف المعلومات ومراقبة العملاء والمشبوهين، واستقبال وتأمين المأوى لأعضاء جيش التحرير الوطني، كما يقوم مسئول المشتة ومساعديه بتحضير قوافل التموين، وتوزيع المنح العائلية على أسر الشهداء والمجاهدين، وتسجيل الحالة المدنية وتبليغها لمسئول الدوار، بالإضافة إلى حل المشاكل اليومية للسكان من خلال نظام القضاء. استعملت سلطات الاحتلال كل الوسائل لمحاربة النظام، خصوصا بعدما تحققت من التحاق عدد كبير من الأعيان به كما يؤكده تقرير للقائد العام للجيش الاستعماري بقسنطينة في تقرير مؤرخ في 10 ديسمبر 1959، وكان تخوف السلطات منه هو ناتج عن دعمه للثورة من جهة وتأثيره على تنظيم الاستفتاء.
مؤتمر الصومام يؤكد على إنشاء المجالس الشعبية
إن انشاء المجالس الشعبية في الشمال القسنطيني كان سابقا بكثير لاجتماع قادة الثورة في الداخل في الصومام بتاريخ20 أوت 1956، بل يمكن القول أن المجتمعين تبنوا نظرة القائدين يوسف زيغود «سي أحمد» ولخضر بن طوبال «سي عبد الله الميلي» بضرورة هيكلة الجماهير الشعبية لتكون الركيزة الأساسية لتحركات جيش التحرير الوطني ومده بالمؤونة والمقاتلين وتوفير المعلومات وتسهيل حركة عناصره في الميدان، مع التركيز على ضرورة انتخاب المجالس الشعبية بطريقة ديمقراطية. وما يمكن الإشارة إليه هو تكييف عدد أعضاء المجالس مع عدد أعضاء مجالس التنظيم العسكري بمعنى مجلس الخمسة كما نجده في القسمات والنواحي والمناطق والولاية. وتثبيتا وتنظيما لما ذهب إليه مؤتمر الصومام أصدرت قيادة ولاية الشمال القسنطيني الجديدة «منشورا» باللغة الفرنسية حرره أمين كتابها عبد العالي بن بعطوش « سي علاوة» وهذا في 15 ديسمبر 1956 تحت رقم 3، بمعنى ثالث منشور تصدره القيادة الجديدة التي خلفت يوسف زيغود «سي أحمد». إن موضوع المنشور «مهام المجالس الشعبية» يعطي لنا معلومات كاملة حول «النظام» المدني للثورة من حيث تشكيل لجان المشاتي والدواوير بموازاة مع التنظيم العسكري لجيش التحرير الوطني، حيث تقرر انتخاب لجان هذه المجالس مع ضرورة انتخاب أيضا رئيسا للمجلس وأعضائه المكلفين بالمهام الأمنية والتموين والمهام المالية والإدارية. وحدد بدقة مهام كل من رئيس المجلس والأعضاء كل في حدود تخصصه، ليشكل بذلك المنشور وثيقة عمل المجالس. وتبين وثائق عبد العالي بن بعطوش بعدما أصبح المسؤول السياسي في مجلس الولاية الثانية على الأهمية التي أولتها قيادة الثورة للمجالس الشعبية خصوصا المنشور رقم 13 المؤرخ في 25 جويلية1957 المتعلق بالتعليمات التي وضعها جيش التحرير الوطني لمنع الشعب من الاستسلام للسياسة الاستعمارية وسياسة الأرض المحروقة، وبعد هذا التاريخ أصبحت المجالس الشعبية حاضرة بشكل أكبر في الأوامر التي أصدرتها قيادة الولاية الثانية على غرار تلك التي اتخذتها في اجتماعها المنعقد في 1 نوفمبر 1958 برئاسة العقيد علي كافي.
لمحة عن تأسيس المجالس الشعبية في بعض الدواوير
مما لا شك فيه أن هيكلة نظام المشاتي والدواوير قد بدأت في عمق ناحيتي السمندو و الحروش والتي أدمجها اجتماع التوميات في ناحية واحدة وهي الوسطى والتي اشتهرت باسم السمندو. ولهذا كانت دواوير المنطقة خصوصا الصوادق والخرفان وخندق عسلة و امسونة وأولاد مسعود والغرازلة و المجابرية وبني براهيم والسفرجلة ووادي السبيخة الميدان الأول الذي جرى فيه تطبيق النظام في الفترة السابقة لأول نوفمبر 1954 ووصولا إلى ماي1955. ونعرف في هذا النظام أسماء عدة كان لها دور هام في ذلك، التحق عدد منها فيما بعد بالنظام العسكري للثورة.
وما لبث أن توسع النظام بتوسع الثورة حيث شرع قادتها في هيكلة المشاتي والدواوير على غرار دوار بني والبان الذي تولاه محمد فيلالي ثم زايد بوالربوحات أو دوار أولاد براهم مع مسعود بن حميدة «بوشاعت» ورابح حيون «التبوحيشات» وعلي حيون والحسناوي حيون ومحمد خناوي. كما توسع النظام في الأشهر اللاحقة لمارس 1955 ليشمل دواوير ﭬطارة خصوصا مع أبرز رئيس مجلس فيه وهو السعيد زيتوني المدعو بن سي عمار ثم هيكلة بقية المناطق والدواوير الأخرى في الأشهر اللاحقة خصوصا الدواوير التابعة لبلدية القل المختلطة والدواوير التابعة لبلدية الميلية المختلطة والدواوير التابعة لبلدية عزابة المختلطة وغيرها.
(يتبع)
اختيار مناضلين من الحركات الوطنية ويتمتعون بثقة السكان
إذا ما قدمنا قراءة سوسيولوجية لمسؤولي الدواوير والمشاتي فإن القاسم المشترك هو انتخاب أشخاص يحظون بثقة السكان من حيث مكانتهم الاجتماعية أو الدينية أو النضالية. وتشهد الملاحظة الخطية التي سجلها الشيخ بلقاسم فنطازي آخر قائد عام للمنطقة الثانية بالولاية الثانية على المنشور المنظم للعملية والمشار إليه أعلاه على هذا التوجه لانتخاب أعضاء مناضلين في الحركات الوطنية خصوصا من الذين انتسبوا لحزب الشعب الجزائر-حركة انتصار الحريات الديمقراطية. فعلى سبيل المثال بالنسبة للمحيط الشمالي لمدينة قسنطينة تم اختيار علي سداح وحسين بلمخ المدعو الآغا في مجلس دوار السفرجلة التابع لبلدية السمندو. فالأول ينتمي للجيل النضالي الأول في المنطقة وتحديدا إلى نهاية الثلاثينات وله مكانة خاصة في المنطقة وكان أحد أعضاء أول خلايا حزب الشعب ببلدية السمندو، والثاني هو أحد تلامذة معهد الشيخ عبد الحميد بن باديس وخريج جامع الزيتونة ويحظى باحترام كبير لدى سكان الدوار. وفي دواري وادي السبيخة وبني براهيم مركز بلدة السمندو، اعتمدت السلطة بصفة أساسية على علي حسيني المسؤول السابق لشعبة العلماء المسلمين الجزائريين بالسمندو وعضو أول خلية لحزب الشعب بدوار وادي السبيخة حيث تعرض للسجن بعد مظاهرات 8 ماي 1945. وفي دوار بني والبان المجاور كان اعتماد الثورة على محمد فيلالي ثم زايد بوالربوحات بالنظر لمكانتهما لدى سكان الدوار وخلفيتهما الدينية. وفي دوار أولاد براهم المجاور، اعتمدت الثورة على شخصيات مشهود لها بالسيرة الحسنة من حفظة القرآن خصوصا وخير مثال عن ذلك الحسناوي حيون خريج زاوية سيدي أحمد الزواوي الواقعة في أعالي بلدة ابن زياد الحالية، ونفس الملاحظة تنطبق على معمر بوعمامة أحد شيوخ القرآن في المشاتي الواقعة في المجالات الاستيطانية جنوب غرب دوار بني حميدان. وفي دوار بني حميدان والمشاتي التابعة لبلدية الحامة وبيزو (ديدوش مراد) كان الاعتماد على المناضل العريق وأحد شيوخالتعليم القرآني وهو المختار جبار المدعو العيدوني الذي كان عضوا بمكتب قسمة حزب الشعب-حركة انتصار الحريات الديمقراطية بالحامة. وفي دوار ﭬطارة، كان اعتماد النظام بصفة أساسية على رجل انتمى لعائلة دينية وأحد حفظة القرآن وهو السعيد زيتوني المدعو بن سي عمار، الذي عمّر في مجلس هذا الدوار من ربيع 1955 وإلى غاية القاء القبض عليه في سبتمبر 1960والحكم عليه بـ 23 سنة سجنا، خصوصا وأن الدوار يتحكم في مسالك حيوية تربط مدينة قسنطينة بجبال الميلية، والذي حل به مرارا قادة الثورة على غرار يوسف زيغود «سي أحمد» ولخضر بن طبال «سي عبد الله» ومحمد الصالح ميهوبي «بلميهوب» والعربي بن رجم وعلاوة بوضرسة ومسعود بوجريو وصالح بوذراع وعبد المالك قيطوني وعمار ﭬوﭬة ومصطفى فيلالي وأحسن زغدودي المدعو ساعد اللبان وغيرهم كثير.
نماذج من تركيبة المجالس الشعبية في المحيط القسنطيني
عرفت مجالس الدواوير والمشاتي تغيرات كبيرة نظرا لالتحاق عدد من أعضائها بالتنظيم العسكري نتيجة تعرف السلطات الاستعمارية عليه أو توقيف أعضائه أو حتى التصفية الميدانية، ولهذا سأكتفي بسرد بعض الأمثلة وفي أوقات محددة فقط تقع في معظمها في القسم الغربي من ناحية السمندو التاريخية.
دوار وادي السبيخة ودوار السفرجلة(1956)في بلدية السمندو (زيغود يوسف حاليا): لهما موقعا استراتيجيا لتحكمهما في مجموعة من طرق الامداد باتجاه المراكز الخلفية لجيش التحرير الوطني وانتماء عدد كبير من المجاهدين لهذين الدوارين – على غرار دوار الصوادق أحد أهم المعاقل الأولى للثورة في الشمال القسنطيني- والمشرفين مباشرة على بلدة السمندو:حسين بلمخ: آغا الدوارين
محمد خروفة: شيخ دوار السفرجلة
دوار وادي السبيخة:مروش مواتسي بن محمد: قايد، بلقاسم عيدوسي بن مسعود: شيخ يشرف على مجموعة من الوقاقفة مثل حميد وشفون وقاف مشتة عين دالية، ومحمد زوﭬار بن صالح وقاف مشتة قصر النعجة، ولخضر بورورو: وقاف مشتة سيدي لخضر إلخ.
دوار بني والبان (1956): من أهم دواوير الثورة في تلك الفترة، حيث انتشار مراكز جيش التحرير في مشاتي زكرانة ووادي أونين وغيرهما واتصاله مباشرة بالمناطق الغابية في دواري الدنايرة وبني صبيح، والتحاق عدد معتبر من أبنائه بصفوف جيش التحرير الوطني. رئيس المجلس: زايد بوالربوحات وأعضاء المجلس هم محمود بغريش والعربي شلي والشريف بكوش، ويشرف هذا المجلس على عدة مشاتي مهيكلة بنفس الطريقة منها على سبيل المثال مجلس مشتةبوخلوف برئاسة مسعود لزغد بن أحمد وعضوية أحمد عياش بن أحسن والصيفي نوارة بن أحمد.وفي عام 1959 ونتيجة تحويل زايد بوالربوحات إلى النظام العسكري، أصبح مجلس الدوار يتشكل من الحاج بلوصيف رئيسا وبعضوية أحمد بلعطوي ومحمد بومزعر وعبد الله رجم طبعا بمعية مسؤولي المشاتي وجندرمة النظام وقضاة منهم سي محمد فيلالي (بغريش) وعمار رجامة.
دوار أولاد براهم (1957):يشكل حاليا القسم الشمالي من بلدية بني حميدان، وهو من الدواوير الاستراتيجية للثورة التحريرية بحكم طبيعته الجبلية وتحكمه في سلاسل التموين والتنقل من مدينة قسنطينة وبلدتي الحامة وبيزو (ديدوش مراد حاليا) باتجاه مراكز جيش التحرير الوطني بدواوير بني صبيح وبني والبان والدنايرة. رئيس المجلس مسعود بن حميدة المدعو بوشاعت وعضوية معمر بوعمامة وعبد الله جعفر المدعو الموسطاش ورابح حيون «التبوحيشات».
دوار بني حميدان (1957): يقع في أراضي زراعية غنية بإنتاج الحبوب ويشكل حاليا المنطقة الوسطى للبلدية الحاملة لنفس الاسم، حيث شكل المصدر الأساسي لإمداد مراكز جيش التحرير بهذه المنتجات، كما كان يتحكم في طرق التموين، خصوصا الطريق الذي يمر عبر الصفصافة ومشتة السطارة (مركز محفوظ بولمدايس) باتجاه الحمري (مركز عبد الله جعفر :الموسطاش» أو عبر مشتة دار الفويني (عائلة زيتوني بن سي عمار). رئيس المجلس الساحلي لكحل بوهزةالمدعو بوالشعيرات وعضوية رابح دحدوح المدعو «عزيز» ومصطفى بوعبلو وأحمد شروانة بن الزواوي والسعيد شروانة بن أحمد.
دوار ﭬطارة (1959): من الدواوير الهامة بالنسبة للثورة نظرا لتموينها لمراكز جيش التحرير ومرور عدد من طرق التنقل عبره والتحاق عدد من أبنائه بصفوف النظام العسكري للثورة. رئيس المجلس السعيد زيتوني المدعو بن سي عمار وأعضائه الطاهر يخلف بن السعيد وعيسى ميلاط ومحمد ﭬاسي ومسعود بلغريب.
مجالات المستوطنين ومشاتي الحامة وبيزو (1956): من أهم مصادر تموين الثورة بالحبوب وتحكمها في شبكة التنقل من مدينة قسنطينة باتجاه المراكز الخلفية لجيش التحرير الوطني. رئيس المجلس المختار جبار المدعو العيدوني ويشرف على المشاتي التالية: مشتة شعبة المذبوح اللوطانية(قدور غمراني)، شعبة المذبوح الفوقانية (الحواس بن ﭬمرة بمساعدة رابح برحال)، مشتةبوخلف(البشير بن خزناجيكشانبيط النظام وفي مسؤولية المشتة كل من العربي زﭬرور وعبد الله معادي ومولود سياري)، مشتة عين بن سبع (الشيخ علي طويهرات)، مشتة ركاني (عمار بوشامة)، مشتةبرﭬلي(أحمد عليوش بمساعدة صالح بيوض)، مشتةالزويتنة(الحسين بوخريسة)، مشتة الغيران (أحمد حيمون)، مشتةبشير(أحمد عياش)، في حين تولى مسؤولية شانبيط مشاتي الحامة الساسي حميدشي من مشتةبرﭬلي. وفي قايد دوار مجالات الأملاك والدوار ببلدية بيزو عيّن على رأسها مختار بن خليل من مشتة بني مستينة. وكما في الدواوير الأخرى، فقد عيّن كتاب خاصين بالنظام السياسي والإداري للثورة حيث شغل عيسى طبجون هذا المنصب قبل توقيفه.
كسار لقلال مع دوار بن زكري (1956): يقع في القسم الجنوبي الشرقي من بلدية بيزو (ديدوش مراد حاليا) وله أهمية كبيرة نظرا لوقوعه على خط امداد رئيسي يربط مدينة قسنطينة بالمراكز الخلفية لجيش التحرير الوطني عبر جبل الوحش: علينغيش وقاف المشتة.
مشتةتافرنت وما حولها بجبل الوحش (1956): وقاف المشتة: مسعود عمارة
الخروب (1956): حمو بلحرش
السلطات الاستعمارية تعلن الحرب على المجالس الشعبية
بعد تركيزها لجهود «تأمين» البلدات والمزارع وطرق المواصلات، تفرغت السلطات الاستعمارية إلى شن عملياتحرب على «نظام» جبهة التحرير الوطني في المناطق الريفية. ففي تعليمة خاصة وسرية رقم 542/2000 المؤرخة في 18 أوت 1956، وضع الوزير المقيم بالجزائر روبار لاكوست (Robert Lacoste) الخطوات الأولى للكفاح ضد النظام السياسي والإداري للثورة، حيث يعترف بانتشاره بقوة لدى السكان الجزائريين في المناطق الريفية ومن ثمّ لا يرى فارقا بين المناضل فيه وبين عضو جيش التحرير الوطني. كما يقرّ بأنه عبارة عن إدارة متكاملة لتسيير شؤون الأهالي ويتكفل بتموين وحماية وتقديم معلومات وتوظيف «العصابات المسلحة»، ووضع إجراءات ميدانية في محاولة لتحطيمه بشكل كامل. على المستوى المحلي، في تعليمة سرية لبريفي قسنطينة موريس بابون(Maurice Papon) مؤرخة في 19 جوان 1957 وتحمل عنوان «تعليمة حول الكفاح ضد الجهاز السياسي والإداري المتمرد»، نجد تفاصيل في ست صفحات للإجراءات التي طالبت السلطات الاستعمارية بتطبيقها لكسب «رهان المعركة»، وذلك بإبعاد «سكان البلاد» عن تأثير جبهة التحرير الوطني، حيث لا فرق بين القضاء على «العصابات المسلحة» والنظام السياسي والإداري «المتمرد»، حيث أن هذه الأخيرة هي عمود «الدعم اللوجستي الداخلي للعصابات المسلحة». ولهذا دعى البريفي ومن ورائه القادة العسكريين إلى تدمير الجهاز السياسي والإداري للثورة تطبيقا لتعليمات الوزير المقيم بالجزائر. كان الهدف من ذلك كما حددته التعليمة السرية هو الحماية الذي تهدف إليها عمليات القمع، والإقناع الذي يهدف إليه النشاط البسيكولوجي. ولتحقيق هذه الأهداف، دعت التعليمة إلى تشكيل مراكز عملياتية للاستعلامات(CRA) . تتشكل من فرق المحققين المنتمين للشرطة والجندرمة وأيضا فرق كوموندوس تابعين للجيش. كان الهدف هو تدمير «النظام» وتعويضه بالنظام الإداري والسياسي الاستعماري وبالتالي فصل الشعب عن الثورة، حيث حددت التعليمة الجهات المستهدفة داخل نظام جبهة التحرير الوطني وهم المسئولين السياسيين وجامعي الضرائب والاشتراكات والممونين وجندرمة النظام وأعوان الاستعلامات وأعضاء المجالس الشعبية والقضاة والمرشدين والمراقبين.
ولتحقيق ذلك دعت التعليمة صراحة إلى التوقيف العشوائي للسكان والاستنطاق العنيف، حيث يحتفظ بالأشخاص المشبوهين ويطلق سراح الباقي بأسرع وقت. وبمجرد تفكيك النظام السياسي والإداري لجبهة التحرير الوطني في المشتة أو في الدوار وقطعه عن جيش التحرير الوطني، يباشر المركز العملياتي للاستعلامات عملية إحصاء سكان المشاتي وجمع الضرائب بشدة وتوزيع بطاقات هوية، ويتبعها نشاط بسيكولوجي قوي تقوم به السلطة العسكرية والسلطة المدنية في آن واحد، بهدف «شراء» ثقة السكان وإبعادهم عن الثورة، وذلك بتوزيع المواد الغذائية تحت الرقابة وتوفير الرعاية الصحية والمساعدات الاجتماعية. وفي الأخير تشكيل مجموعات من الحركة أو الدفاع الذاتي لضمان عدم عودة عناصر جيش التحرير الوطني للمنطقة مقابل أجر شهري مغري.
كانت هذه التعليمة بمثابة إعلان حرب على المشاتي والدواوير باستعمال كل وسائل القمع والإعدامات الميدانية والمحاكمات القاسية كما سنرى، ولهذا فإن عمليات التوقيف العشوائي والتصفيات الجسدية أصبحت حاضرة بقوة في يوميات الدواري والمشاتي. وبدأت السلطات الاستعمارية في استعادة المبادرة من جديد عبر تعيين مسئول أو كبير المشتة ليكون بمثابة الوسيط في تعامل السلطات مع السكان. وأكثر من ذلك هو ارتكاب هذه القوات لمجازر جماعية ضد السكان على غرار ما وقع بمشتة جنان الباز بدوار أولاد براهم في 2 ماي 1956 بقتل 27 مناضل ومواطن خلال عملية انزال جوي وقائمة المجازر في هذا الإطار طويلة جدا خصوصا خلال سنوات 1956 و1957 و1958.
المجالس الشعبية: ركيزة أساسية للثورة
ورد في ملاحظة مخطوطة على منشور الولاية الثانية بقلم الشيخ بلقاسم فنطازيعبارات تقييم لدور المجالس الشعبية في الثورة التحريرية نقتبسها كما هي: «ملاحظة حول المجالس الشعبية وانتخاباتها الحرة. فعلا اعتبرها قفزة نوعية لتحصين الثورة بالجماهير. لا يخفى على أحد تنظيم سير الحركة الثورية وتعبئة الجماهير للعمل باطمئنان من أجل التحرر. شرعت الثورة في تأطيرها بمسؤولين للشعب تعينهم حسب فراسة وتقييم المسؤول في أغلب الحالات من مناضلين الحركات الوطنية وخصوصا من حزب الشعب ان وجدوا، وكان حجم العمل كبير ليل نهار، والمتطلبات كثيرة وشاقة، تسيير الرسائل والأفواج المتنقلة وحمل المؤن والحراسة في الليل والنهار وتحضير الطعام والمساكن والمخابئ». إن دور المجالس الشعبية في الثورة التحريرية كان كبيرا على جميع الأصعدة وشكل سندا محوريا للتنظيم العسكري وصمام أمان للحاضنة الشعبية للثورة وابعادها عن المؤسسات الاستعمارية.