حقّق «بودكاست» جريدة النصر الذي تم إطلاقه منذ 7 أشهر، نسب استماع مرتفعة وتخطى جمهوره حدود الجزائر إلى بلدان القارات الخمس، كما أظهرت دراسة تفصيلية حديثة أعدّها مؤسّسا منصة «قصرة بودكاست»، حول مدى انتشار هذا النوع من المحتوى الرقمي ببلادنا، أن تجربة النصر تُعتبر الأولى والوحيدة على مستوى الجرائد الوطنية، يأتي ذلك وسط اهتمام عالمي متزايد بالتدوين الصوتي الذي انتعش أكثر خلال جائحة كورونا.
* قراءة: ياسمين بوالجدري
تم إطلاق أول عدد من «النصر بودكاست» في 29 نوفمبر من سنة 2021، في إطار الانتقال الرقمي واستراتيجية تحديث المؤسسة، إلى جانب مواكبة التطور الحاصل في المشهد الإعلامي والوصول إلى فئات أخرى من المتلقين، وقد كانت هذه التجربة الأولى والوحيدة إلى حد اليوم بالنسبة للجرائد العمومية والخاصة وبوسائل الإعلام المسموعة والمرئية في الجزائر.
ويُبث «البودكاست» أسبوعيا في الموقع الإلكتروني للجريدة وعبر منصات «غوغل بودكاست»، «آنكور» و»سبوتيفاي»، إضافة إلى صفحة «الفيسبوك» لجريدة النصر والتي تضم اليوم أزيد من ربع مليون متابع، وقد تم إلى غاية 29 ماي 2022، إنتاج 24 حلقة تُبث بشكل أسبوعي، بمجموع 235 دقيقة، وبمعدل حوالي 10 دقائق لكل حلقة.
وناقش «بودكاست» النصر مواضيع عدة في مجالات مختلفة كالطب، السياسة، الاقتصاد، التكنولوجيا والمعلوماتية، الثقافة، الذاكرة الوطنية، البيئة، المرأة، التعليم وعلم الاجتماع وغيرها، وقد استضاف شخصيات مميزة وذات شهرة عالمية في مجالاتها، على غرار عالمة المناعة البروفيسور ياسمين بلقايد، والمبتكر الذي أدخل العربية السليمة للحواسيب، بشير حليمي، وكذلك عالم الفيزياء الذي أطلق عليه لقب «سفير المريخ»، البروفيسور نور الدين مليكشي، والبروفيسور حليمة بن بوزة عالمة الأحياء الجزائرية التي صُنفت من بين أفضل الباحثات في إفريقيا.
كما تمت استضافة شباب متخصصين في الاقتصاد والتاريخ والبيئة والمؤسسات الناشئة والمعلوماتية وغيرها من المجالات، مع الحرص على مواكبة الأحداث الوطنية والعربية والعالمية، والتي كان آخرها حادثة اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين
أبو عاقلة.
65 بالمئــــــــــة مــــــن جمــــهور «النصــر بودكاسـت» أقل من 34 سنــة
ومنذ إطلاق بودكاست النصر قبل سبعة أشهر، استمع إليه أزيد من 1230 مستخدما، 80 بالمئة منهم من الجزائر عبر معظم ولاياتها، وكان أكثر المستمعين من قسنطينة، الجزائر، ميلة، معسكر ثم الشلف، أما خارج الجزائر، فكان الجمهور من 39 دولة من كل القارات، أكبر نسبة منهم في فرنسا، تليها الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، الإمارات العربية المتحدة، ثم كندا.
والملاحظ هو أن «النصر بودكاست» يلقى اهتماما أكبر وسط فئة الشباب، بحسب الإحصائيات العامة التي يوفرها موقع «سبوتيفاي» لصناعي البودكاست، حيث أن 65 بالمئة من المستمعين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 سنة، وهو ما يعكس اهتمام هذه الفئة بهذا النوع من المحتوى الرقمي الفتي، ويترجم ذلك أكثر من خلال المحتوى الأكثر استماعا والذي تصدرته حلقة «الميتافريس» التي استضيف فيها الباحث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، الدكتور رياض بغدادي، كما أن أكثر التطبيقات المستعملة هي «أنكور» بنسبة 57 بالمئة، ثم «غوغل بودكاست» بـ 20 بالمئة، وهما تطبيقان يلقيان رواجا أكبر لدى الفئات الأصغر سنا.
وتم في الفاتح من شهر جوان الحالي، نشر دراسة تفصيلية حول البودكاست في الجزائر، وذلك من طرف جزائريين مقيمين في فرنسا، ويتعلق الأمر بالدكتور طه عرباوي المتخصص في البحوث العملياتية، و زبير عامر، المهندس في الإعلام الآلي والروبوتات الصناعية، وهما شابان تخرجا من المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي بالجزائر العاصمة، وكانا قد أسسا «قصرة بودكاست» الذي يعتبر من أشهر برامج البودكاست الحوارية في الجزائر، حيث بث إلى غاية اليوم أكثر من 60 حلقة.
لهـــذه الأسبـاب انتعش التدوين الصــــــــــوتي
وقال الدكتور عرباوي في حديث للنصر، إن العمل على هذا التقرير بدأ منذ أكثر من 6 أشهر، بهدف التعريف بالبودكاست ببلادنا، حيث تم جمع المعلومات والإحصائيات باستعمال خوارزميات خاصة، أظهرت وجود أكثر من 150 بودكاست جزائري، عدد كبير منها ظهر في 2020 خلال ذروة جائحة كورونا أين كان العديد من الأشخاص في منازلهم ولديهم متسع من الوقت لإنتاج هذا المحتوى، لكن عددا كبيرا منها توقف في 2021، مع بدء عودة الحياة العادية وعدم توفر الوقت الكافي للكثيرين للاستمرار في تقديم حلقات تتطلب عملا ومجهودا متواصلا، لذلك فإن نسبة البرامج التي صمدت إلى غاية سنة 2022 لم تتعد 47 بالمئة. وأضاف محدثنا، أن عدد الساعات المسجلة فاق ألف ساعة، وهو رقم يؤكد المختص في الإعلام الآلي بأنه لا بأس به، ويعبر عن كمية المعلومات التي يمكن أن نجدها عبر التدوين الصوتي والتي قد تكون وسيلة تعلم للمستخدمين، مشيرا إلى أن جريدة النصر تبقى الوحيدة التي لديها بودكاست لحد الآن، وهو أمر يُحسب، مثلما عبرّ، للنصر، خاصة أن كل الجرائد المحترمة في الوطن العربي وتلك العالمية، مثل «نيويورك تايمز» و «ذا غاردين»، أصدرت برامج بودكاست تكمّل الجريدة وتجلب مقروئية أكبر، ليتابع المتحدث قائلا «نتمنى أن تنتبه وسائل الإعلام لهذا الأمر، فالبودكاست يعتبر وسيلة أخرى لنشر المحتوى». ويرجع الدكتور عرباوي، تزايد جمهور البودكاست في السنوات القليلة الأخيرة، مقارنة بالإذاعات التقليدية، إلى إتاحة هذا النوع من المحتوى، للمستخدم، إمكانية اختيار المواضيع والاستماع إليها في أي مكان وفي أي وقت مع قدرته على تحميلها للعودة إليها وهو غير متصل بالانترنت، زيادة على ما توفره من إمكانية التواصل مباشرة مع صانعي البودكاست والتعامل معهم بشكل أسهل.
اللّغة الإنجليــزية «تتفــــــــــــوق» على الفرنسـية
وفي قراءة سريعة للإحصائيات التي أعدها الشابان، نجد أنه تم بث أزيد من 2100 حلقة للبودكاست الجزائري بمجموع يفوق 1370 ساعة، أي بمعدل 15 حلقة لكل بودكاست تم بثها إلى غاية الفاتح جوان من سنة 2022، مع معدل 27 يوما يفصل بين كل حلقة وأخرى، و 39 دقيقة لكل منها. والمثير للاهتمام، هو أن 56.4 بالمئة من مقدمي برامج البودكاست، كن إناثا. والملاحظ هو أن 61 بودكاست كان نشطا في الثلاثة أشهر الأخيرة، كما أن 56 بالمئة منها باللهجة العامية و35 بالمئة باللغة العربية، واللافت أن البرامج التي تبث باللغة الانجليزية أكثر من تلك التي يتم التحدث فيها بالفرنسية، فيما احتلت مواضيع المجتمع والثقافة، قائمة المحتوى، يليها التعليم والفنون والاقتصاد والعلوم ثم غيرها من المواضيع. وبيّنت الدراسة أن البودكاست ظهر في الجزائر سنة 2019 ولو بشكل محتشم بمجموع لا يتعدى 9 برامج، غير أن 2019 تحديدا شهدت إطلاق العديد من برامج البودكاست في العالم، لكن 20 بالمئة أطلق في 2020 و 50 بالمئة في 2021، و 65 بالمئة ظهر سنة 2022، بما يعكس اهتماما متزايدا بهذا النوع من المحتوى الرقمي الآخذ في الانتشار في عالم يشهد تغيرا متواصلا في سلوك متلقين صاروا أكثر تطلّبا، بما يحتم على وسائل الإعلام التكيف ومواكبة ما يحدث من تطورات، خصوصا أن التدوين الرقمي أصبح وسيلة مهمة لبناء الوعي في المجتمعات بحسب المتابعين.
ي.ب