تتواصل حملة الاستفزازات الفرنسيّة المُمنهجة ضدّ الجزائر، من خلال تصريحات يوميّة لوزراء في الحكومة، يحاولون تغطيّة الصعوبات التي يواجهونها في معالجة الأزمة السياسية والوضع الاقتصادي بالتهجّم على الجزائر وتحميلها مسؤوليّة كل إخفاقاتهم، وتحويلها إلى وقود في الصّراع على خلافة الرئيس الحالي الذي يواجه حالة «تمرّد» من وزير الداخلية الطامح ووزير العدل الذي يتموقع في الصراع.
ويبدو أنّ «مناهضة الجزائر» أصبحت غذاء جيّدا للنخب السيّاسيّة في هذا البلد، فهي ترفع الأسهم في استطلاعات الرأي وتجعل حامل الصّفة مطلوبًا في وسائل الإعلام، بدءًا من الإذاعات التي تفتتح يومها بالجزائر وانتهاءً بالقنوات التلفزيونيّة المُوجّهة التي لا تتخلى عن الطّبق الجزائري في سهراتها، حيث يجتهد ساسةٌ ومعلّقون في نبش قواميس السّوء بأسلوبٍ يجعلنا نتساءل: أهذه، حقا، هي فرنسا التي تمنح الدروس للآخرين؟
من السّذاجة أن نعتقد بأن بعض الحوادث، كطعن شخص مختلّ من أصول جزائريّة لآخر، وراء هذا الجنون الفرنسي، و سيعفينا برونو روتايو من التساؤل، حين يعدّد ما أغضب فرنسا ويتعلّق الأمر بوقف الامتيازات التي كانت تُمنح في وقت سابق لشركاتها، ومعاملتها على قدم المساواة مع الشركات العالمية الراغبة في الاستثمار، وتدريس اللّغة الانجليزية في التعليم الابتدائي في توجه رأت فيه باريس خسارة كبيرة لموقع ظلت تحتكره لغتها، وهي التي جعلت من اللّغة والثقافة أداة هيمنة وأسلوب «بقاء» في المستعمرات القديمة، خصوصًا وأن أذرعها لا تزال تعمل على استقطاب النّخب و رسكلتها بالشكل الذي يخدم مصالحها ولنا في الكاتبين «صائدي الجوائز» خير مثال على ذلك، كما أن عودة الحس الوطني في الجزائر لا يساعد المؤسسة الكولونيالية في نسختها الجديدة، وهو ما عبر عنه روتايو بإضافة مقطع معادي لفرنسا في النشيد الوطني، حسّ لا يُلائم مزاج الرّجل الذي يفضل ما يقوله أصدقاؤه الذين يشاركونه العشاء، لأنّهم لا يكفون عن هجاء أصولهم !
بالمختصر المفيد فإن التوجهات الجديدة للجزائر التي ترفض التفريط في سيادتها أو المساومة في قراراتها والتي تعمل على إعادة بناء اقتصاد منفتح على الشراكات، هو ما يقلق فرنسا، وهو سبب الحملة التي يمكن اعتبارها أسلوب «ضغط» ، يُترجم أيضا في اتخاذ مواقف استفزازيّة بهدف إزعاج أو مساومة الجزائر، كالموقف الداعم للمغرب في قضيّة الصحراء الغربية أو إجراء مناورات عسكرية على الحدود الغربيّة مع مملكة لا تقيم أي اعتبار للسيادة، في رسالة فحواها إنّنا قد نصل إلى المواجهة ولنا دولة وظيفيّة قد نستخدمها في ذلك.
وإذا أضفنا كلّ ما سبق إلى لوثة الحنين إلى الماضي الاستعماري التي يعاني منها أولئك الذين لم يهضموا، إلى اليوم، استقلال الجزائر فإنّنا سنحصل على تشخيص المرض الذي تقاوم فرنسا علاجه، رغم كلّ ما قيل عن التقدّم الذي سُجل في ملف الذاكرة بهدف معالجة فترة مؤلمة في تاريخ البلدين وبناء علاقات جديدة على أساس المصالح المشتركة.
وواضح أنّ الحملة الحاليّة، هي استمرار لسياسات تديرها مخابر ظهرت في «استضافة» مطلوبين لدى العدالة الجزائرية، واللّعب على التفرقة بين الجزائريين و استهداف أبناء الجاليّة لتأليبهم على الوطن الأم من خلال التلويح بعقاب جماعي بمنع شركات النقل الجوي والبحري من العمل في فرنسا، وممارسة نوع من «المكارثية» مع الجزائريين، وصولا إلى الحديث عن ترحيل متطرفين تربوا تحت الرعاية الفرنسيّة وفيهم الذين أٌرسلوا للقتال في عدة مناطق توتّر، وانتهاء بقصّة تقديم مهلة للجزائر التي تتحلى إلى حد الآن بضبط النفس، مع اتخاذ ما يجب اتخاذه وفق الأعراف الدبلوماسيّة.
وربما احتاج «صغار ذئاب» السياسة في فرنسا إلى مراجعة التاريخ القريب، ليعرفوا بأن الأسلوب المُنتهج لا يجدي نفعًا مع الجزائر التي طوت اليوم مرحلة من مراحل «العلاقات السامّة» وتتطلّع إلى علاقة متكافئة من دون ابتزاز أو مساومة.
س-ب