أكد أمس الباحث والمؤرخ الفرنسي كريستوف لافاي لـ «النصر»، بأن اعتذار فرنسا للجزائر دون الاعتراف بجرائمها المرتكبة أثناء فترة حرب التحرير لا يجدي نفعا مادامت الحقيقة غير معترف بها، وأكد الباحث صاحب فيلم «الجزائر.. وحدات الأسلحة الخاصة» الذي أثار ضجة حول الجرائم الفرنسية بالجزائر، بأن الجزائر تعرضت لحرب كيميائية غير مبررة تماما خلال حرب التحرير، باستخدام أسلحة محظورة دوليا، بموجب بروتوكول اتفاقية جنيف خلال الحرب العالمية الأولى.
وقام الباحث خلال مداخلته بقاعة المحاضرات الكبرى لجامعة باتنة 01، بعرض وثائق وصور وفيديوهات بعضها يخضع لطابع السرية، جمعها خلال أبحاثه طيلة 10 سنوات، وهي تدين ممارسات الاستعمار الفرنسي بالجزائر بتقتيل المدنيين والمجاهدين في صفوف جيش التحرير الوطني.
جنود فرنسيون كانوا بين ضحايا استعمال الأسلحة الكيماوية بالجزائر
تطرق الباحث الفرنسي كريستوف لافاي من جامعة بورقوني بمرسيليا أمس، خلال مداخلته إلى استخدام فرنسا للأسلحة الكيماوية، في الفترة الاستعمارية الممتدة من 1956 إلى 1962، وقال في النقاش مع الأساتذة الباحثين من جامعة باتنة، بأن استعمال تلك الأسلحة الموروثة من الحرب العالمية الأولى، لم يكن مبررا بأي وجه حتى وإن كانت عديد الدول الاستعمارية قد استخدمته أيضا، مشيرا إلى حظر استعمال الأسلحة الكيماوية في تلك الفترة بموجب اتفاقية جنيف لسنة 1925، مضيفا بأن فرنسا خرقت تلك الاتفاقية خلال حرب التحرير باستخدامها لإبادة المدنيين كما المجاهدين بجيش التحرير الوطني.
و وثق الباحث عبر الفيلم الوثائقي الذي ساهم في إنجازه مع المخرجة كلير بييه « الجزائر.. وحدات الأسلحة الخاصة» الذي عرض جزء منه بقاعة المحاضرات شهادات لجزائريين ممن عايشوا حادثة غار أوشطوح بجبال الأوراس إلى جانب شهادات واعترافات لجنود عسكريين فرنسيين في تلك الحقبة، والذين تعرضوا بعد سنوات من استخدام الأسلحة الكيميائية إلى أمراض ومضاعفات صحية، حيث أبرز الفيلم مشاهد لشهادات حية لهؤلاء الضحايا من الجانبين الجزائري والفرنسي، وقال كريستوف لافاي إن ما حدث في غار أوشطوح بالأوراس وراح ضحيته 118 مدنيا، يمثل عينة من جرائم ارتكبت في مناطق أخرى بالجزائر باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وأبرزت مقاطع شهادات وصور وفيديوهات تحصل عليها الباحث الفرنسي طيلة عشر سنوات من فترة بحثه عن استخدام الأسلحة الكيميائية بالجزائر بشاعة المستعمر الفرنسي، حيث أبرز من خلال أحد مقاطع الفيديو كيف يستخدم العساكر الفرنسيون أشخاص قال بأنهم رعاة غنم أو مدنيين عزل كدروع بشرية، ويبرز الفيديو الذي تم عرضه كيف قام جنود فرنسيون بربط شخص، وهو عار من الجهة العلوية بجسده لإقحامه على الدخول لمغارة بهدف تحذير المجاهدين المختبئين والطلب منهم الخروج، وأضاف الباحث الفرنسي بأنه في حال عدم الانصياع من طرف المجاهدين المختبئين في المغارة، يتم استخدام الغازات الكيميائية السامة سواء من أجل إخراجهم أو قتلهم.
وأكد كريستوف لافاي، بأن بحثه حول الأسلحة الكيميائية بالجزائر في الحقبة الاستعمارية يؤكد استخدامها المنهجي بموافقة سياسية آنذاك في الفترة الممتدة من 1956 إلى 1962، وقال بأن شهادات جنود فرنسيين تبرز اكتشافهم لأول مرة استخدام الأسلحة الكيماوية بالجزائر أثناء حرب التحرير، وأشار لإحدى الصور التي تبرز كيفية استعمال أسلحة كيميائية من طرف جنود فرنسيين، وقال بأنه استعان بأرشيف ومذكرات أولئك الجنود للوصول إلى حقيقة استعمال الأسلحة الكيميائية، مشيرا لتكوين وحدات وفرق خاصة كانت قد نفذت في مناطق متفرقة بالجزائر119 عملية في الفترة الممتدة من 1957 إلى 1959.
الأرشيف سيدين فرنسا بجرائمها والاعتراف بها خطوة للتفاهم
وقال لافاي، بأن ما يؤكد قرار فرنسا استخدام الأسلحة الكيميائية، هو تعمدها إنشاء وحدات خاصة لاستعمال الأسلحة الكيميائية لولوج مناطق التضاريس الوعرة، من خلال استخدام الغازات السامة، مبرزا ذلك بصور ومشاهد فيديوهات جمعها في إطار بحثه، لاستخدام الغازات السامة في المغارات والكهوف الجبلية والكازمات التي يمكن أن يختبئ فيها جنود جيش التحرير الجزائري، منها حادثة غار أوشطوح بالأوراس التي وقعت بتاريخ 22 و23 مارس 1959.
وأضاف لافاي بأن استعمال الأسلحة الكيميائية، هو امتداد لطرق الحرق والإبادة الجماعية التي انتهجت ضد سكان القرى والمداشر، والتي لم تستثن لا الإنسان ولا الحيوان، لتأتي بعدها عمليات استخدام الأسلحة الكيميائية، على غرار استخدام الغازات السامة من طرف وحدات خاصة، وقال بأن أطرافا فرنسية تحاول نكران هذه الحقائق.
وتطرق لافاي إلى أسئلة، يقول بأنها طرحت نفسها حول مخلفات تلك الأسلحة والغازات الكيميائية على البشر وعلى البيئة فيما بعد استخدامها، وهو ما حفزه على البحث بجمع شهادات جنود فرنسيين راحوا ضحية تلك الغازات بعد أن أصيبوا بأعراض ومضاعفات صحية خطيرة، ناهيك عن الضحايا الجزائريين الذين سقطوا بسبب تلك الأسلحة والغازات السامة المحظورة.
واعتبر الباحث الفرنسي كريستوف لافاي، بأن الوصول للحقيقة والاعتراف بها ليس أمرا سهلا ومتاحا، وقال في هذا الصدد بأن كشف الأرشيف الفرنسي لا محالة سيدين فرنسا بجرائم ارتكبت خلال الحقبة الاستعمارية، ومع ذلك أكد بأن اعتراف فرنسا بجرائمها يعد خطوة أولى للتسامح والتفاهم مع الجزائر، وفي ذات السياق أكد على أهمية التعاون في الكشف عن الحقيقة خلال الحقبة الاستعمارية، وأضاف بأن ما قام به من بحوث طيلة 10 سنوات ليس أمرا سهلا، مؤكدا استمراره في عمله البحثي.
ولدى استماعه لمداخلات باحثين في التاريخ من جامعة باتنة 01، أكد الباحث الفرنسي لافاي على أهمية التعاون والتنسيق في جمع وتوثيق الشهادات الحية وإيلائها الأهمية، معتبرا طريقة جمع الشهادات في ظل صعوبة الوصول إلى الأرشيف طريقة عملية لها مصداقية في الوصول للحقيقة والحفاظ على الذاكرة قبل زوالها، كما أكد على أهمية ترجمة الشهادات من وإلى العربية والأمازيغية والفرنسية، وقال بأن توثيق التاريخ الشفهي له من الأهمية في ظل صعوبة الوصول إلى الأرشيف، مضيفا بأن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري لا مبرر لها حتى وإن وجدت لها فرنسا مبررات تلجأ لها بحجة حماية المدنيين من المجاهدين على غرار ما وقع بغار أوشطوح.
يـاسين عـبوبو