أحيا سكان ولاية قالمة يوم، الخميس، ذكرى أخرى من ذكريات مجزرة البسباسة الدامية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي يومي 6 و 7 مارس 1956 في حق المدنيين العزل، انتقاما من هجمات الثوار الموجعة، التي طالت ثكنات و تجمعات العدو بالقاعدة الشرقية، المتاخمة للحدود الشرقية الواقعة بولايات قالمة، سوق أهراس، و الطارف.
إحياء الذكرى هذه السنة كان تحت الشعار الرسمي «ذكرى و عبرة...جرائم لا تسقط بالتقادم» و كانت السلطات المدنية و العسكرية في مقدمة الحاضرين بموقع المجزرة، التي عرفتها مشاتي و شعاب و جبال منطقة البسباسة، التي تحولت في تلك الأيام إلى حمام من الدماء، في واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبها العدو الفرنسي في حق الشعب الجزائري خلال سنوات الاحتلال.
في هذا اليوم المشهود من تاريخ الجزائر، استعمل العدو كل أنواع الأسلحة لقصف المنازل و حرقها، و إعدام ما لا يقل عن 356 من سكان المنطقة، بينهم أطفال و نساء لم ترحمهم الآلة العسكرية الفرنسية، و قرر جنرالات العدو، الذين أشرفوا على المجزرة تجميع هؤلاء العزل بمنطقة البسباسة و إعدامهم رميا بالرصاص و الحرق، انتقاما من قتلى معركة البطيحة و بعدها عملية جريئة، نفذها جيش التحرير ضد قاعدة عسكرية فرنسية، بمنطقة لحنانشة الواقعة اليوم بالقرب من الحدود بين ولايتي قالمة و سوق أهراس، حيث غنموا أسلحة كثيرة و فروا باتجاه جبال حمام النبائل و الدهوارة، و كان السكان في استقبالهم هناك استقبال الأبطال، لكن قوات العدو واصلت مطاردتهم، و اتهمت هؤلاء السكان بالتستر على منفذي العملية، و تقديم المساعدة لهم، و بأمر من الجنرال بيجار تقرر جمع أكبر عدد ممكن من الرجال و النساء و الأطفال، بالمنطقة الريفية الواسعة، و من السوق الأسبوعي بحمام النبائل، و صدرت الأوامر بقتل كل المعتقلين من المدنيين العزل، و إضرام النار في المنازل، و مصادرة كل الممتلكات في واحدة من أبشع المجازر المنسية، التي ارتكبها العدو الفرنسي في حق المدنيين الجزائريين خلال حرب التحرير. و حسب المؤرخين المهتمين بتاريخ الثورة بمنطقة قالمة، الذين تحدثوا للنصر في وقت سابق فإن مجزرة البسباسة تعد جريمة حرب لا يمكن السكوت عنها و نسيانها، و قال الدكتور محمد شرقي أستاذ التاريخ بجامعة 8 ماي 1945 بقالمة، بأن ما وقع في البسباسة مجزرة في حق المدنيين العزلة، و جريمة حرب و إبادة عرقية ضد السكان المحليين، و ليست معركة كما يعتقد البعض، مضيفا بان المعركة تكون بين فصيلين مسلحين، و ما وقع في البسباسة كان تصفية انتقامية، قام بها عساكر العدو الفرنسي، ضد هؤلاء الضحايا، انتقاما من العملية الشجاعة التي نفذها جيش التحرير، ضد القاعدة العسكرية بمنطقة لحنانشة بسوق أهراس. و مازالت آثار المجزرة الرهيبة إلى اليوم بالمنطقة الجبلية الوعرة، حيث ترقد أجساد الضحايا جنبا إلى جنب، بالمقبرة التي أقيمت هناك لدفن الضحايا، و مازالت أيضا آثار الاستعمار و الحرب و الدمار تخيم على المنطقة إلى اليوم، فقر و عزلة و جراح غائرة لا تنسى و انتظار طويل لجبر الضحايا و الاعتراف بالجريمة.
و تعمل السلطات الولائية بقالمة منذ عدة سنوات، على تغيير واقع المنطقة من خلال مشاريع تنموية هامة، لتحسين الوضع المعيشي الصعب لبقايا السكان الذين فضلوا البقاء صامدين فوق الأرض.
و قد بدأ واقع البسباسة و كل مشاتي بلدية الدهوارة و منطقة حمام النبائل الثورية، يتغير من سنة لأخرى بعد إصلاح الطرقات و فك العزلة و مد شبكات الكهرباء و الغاز و المياه و بناء مرافق الخدمات، كان آخرها يوم الخميس، عندما دشنت و أطلقت والي قالمة حورية عقون مرافق للرياضة و مشاريع للغاز و الماءّ، ببلديتي الدهوارة و وادي الشحم، لكن المأساة الدامية مازالت تسكن القلوب و تنكأ الجراح، كلما حل شهر مارس شهر الشهداء و البطولات.
فريد.غ