قسنطينة والمسرح ..علاقة تمتد إلى 19 قرنا
تمتد علاقة مدينة قسنطينة وسكانها بأبي الفنون، إلى نهاية القرن الثاني بعد الميلاد، خلال الحقبة الرومانية و بالضبط في عهد الإمبراطور سبتيميوس سيفيريوس، كما توضح كتابة حجرية تعود إلى ذلك العصر الغابر، و توجد عديد المؤشرات و الأدلة بأن ساحات العرض بقسنطينة، تعود إلى بداية القرن الرابع بعد الميلاد ، كما قال للنصر الدكتور الباحث حسين طاوطاو، مدير مركز عين مليلة للبحث في تاريخ الإنسان و التاريخ القديم.
صرحان متشابهان في قسنطينة و إيطاليا
و في كتاب الإدريسي «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، الصادر في القرن 11 الميلادي، أشار إلى وجود مسرح روماني بقسنطينة، يشبه مسرح مدينة تاورمينا الإيطالية، الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي لجزيرة صقلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، في شكله وعمارته وهندسته، و هو لا يزال متواجدا هناك .
في حين أوضح الدكتور طاوطاو، أن المسرح الروماني بقسنطينة مشيد على الطريقة اليونانية ، موضحا أن النمط اليوناني يٌبنى في منحدر أرضي و تسند حجارته لحوافه، بينما يتم بناء المسرح على النمط الروماني على أرض مسطحة، ومسرح قسنطينة من النوع الأول.
و قد ذكر الإدريسي في نفس الكتاب « مدينة قسنطينة تقع على قطعة جبل منقطع، مربع فيه بعض الاستدارة، لا يتوصل إليه إلا من جهة باب غربها، ليس بكثير السعة، وهناك مقابر أهلها حيث يدفنون موتاهم، ومع المقابر أيضا بناء قائم من بناء الروم الأول، وبه قصر قد تهدّم كله إلا قليل منه، وبه دار ملعب من بناء الروم شبيه بملعب ثرمة من بلاد صقلية «.
وعن موقعه أكد الدكتور طاوطاو أن مسرح قسنطينة الروماني، كان متواجدا بين باب الوادي ومنارة مسجد سيدي بوقصابة الذي بنيت مكانه مقر البريد المركزي حاليا، و كذا العقار الذي بني على أرضيته فندق «إيبيس»، و عندما احتل الفرنسيون المنطقة اكتشفوا بأن السكان يطلقون على المكان « فندق الروم «، و أضاف أن فرنسا بعد أن احتلت المدينة نقلت حجارة المسرح الروماني و استعملتها في بناء مدينة جديدة، على غرار ثكنة القصبة في الطابية العليا.
نسخة من أوبرا باريس
و عندما استقر الفرنسيون بقسنطينة قاموا ببناء أول قاعة عروض مسرحية سنة 1851 في ساحة نمور، أول نوفمبر حاليا، في موقع سوق بومزو، لكنها احترقت في جانفي سنة 1878 جراء طبيعة بنائه بالخشب، ليتم فتح قاعة عرض أخرى في حي دار الباي، الواقعة بين الطريق الوطني، شارع جورج كليمنصو سابقا، ثم الطريق الجديدة و شارع العربي بن مهيدي حاليا، وشارع كرمون، نهج فرنسا، المسمى حاليا بديدوش مراد، ثم ظهر مسرح السيرك الصيفي، وأخيرا بني المسرح الحالي سنة 1883 والذي يعد نسخة مصغرة من دار الأوبرا بباريس، و قد بني على أنقاض المبنى الذي كان مقرا وثكنة عسكرية للجيش الإنكشاري، سنة 1883 و الذي يعد نسخة مصغرة من دار الأوبرا بباريس. للعلم يرجع تاريخ مشروع أوبرا قسنطينة إلى سنة 1854 ، أين قام المهندس بول غيون بانجاز الدراسة الهندسية على عقار مساحته الإجمالية 9 آلاف و 289 مترا مربعا، وانطلقت أشغال تجسيد المشروع سنة 1861 واستمرا طيلة 22 سنة، لتسفر عن تحفة فنية فاخرة في نمط العمارة الإيطالية الكلاسيكية.
و تبرز في واجهة المبنى التماثيل والأقواس والأعمدة المزدوجة الضخمة، مما منحه خصوصية المسارح التقليدية العتيقة النادرة في العالم، ويتسع ل450 متفرجا، موزعين على المدرجات والشرفات و المقصورات ، وتزين سقفه الذي يأخذ شكل قبة، رسومات وزخارف، إلى جانب مجسمات ثنائية و ثلاثية الأبعاد.
«البطل» أول مسرحية تقدم بعد الاستقلال
و قد انطلقت أشغال بنائه سنة 1877 وانتهت سنة 1883، على أنقاض ثكنة عسكرية للجيش الإنكشاري، ليزين وسط المدينة، وكان أول عرض مسرحي فيه يوم 06 أكتوبر 1883، تحت عنوان « الشرارة « وهو عرض أوبرالي وآخر يحمل عنوان « حراس الملكة «، حسب الباحث في تاريخ المسرح محمد غرناوط. علما بأن أول مسرحية قدمت بعد استقلال الجزائر من الاستعمار الفرنسي، عنوانها « البطل» و قد قدم الدور الرئيسي الشريف جيلاني، أول مدير لمسرح قسنطينة الجهوي، و هي من إخراج عمر بن مالك، أول مدير للثقافة بعاصمة الشرق. ص. رضوان