الباحث عبد المليك مرواني يتقفى أثر علماء قسنطينة عبر العصور
يعكف الباحث في تاريخ الأندلس عبد المليك مرواني، على إعداد موسوعة لأهم علماء قسنطينة، منذ عهد الفاتحين و إلى غاية تاريخنا المعاصر، ليتوج بها بحثا معمقا قام به بغرض التعريف بإسهامات رجال المدينة في مجالات العلم و الفكر و الأدب، وهو عمل يشمل بالعموم ما يعادل 120 اسما، بحث في آثارهم و كتبهم بالاعتماد على مراجع بحثية و مكتبية عديدة، بالإضافة إلى استعانته بوثائق من الأرشيفين الألماني و الإنجليزي، ليتم كتابه الموسوم « الجواهر الثمينة في ذكر علماء و أولياء قسنطينة»، و الذي اختار له اللغة الفرنسية و قدم لنا نبذة عن مضمونه.
أسمــاء بوقــرن
كتبهم موجودة في أرشيفي إنجلترا و ألمانيا
خلال لقائنا معه، أخبرنا الباحث، بأن كتابه قيد الإنجاز، هو وليد استطلاع أجراه في شوارع المدينة، لرصد مدى معرفة أبنائها بأسماء علمائها وأعلامها، ولأنه لاحظ تكرار بعض الأسماء دون غيرها، قرر إنجاز موسوعة عن أهم علماء المدينة بالاعتماد على مراجع عربية و فرنسية، و أرشيف بعض الدول الأجنبية كألمانيا و إنجلترا، حيث توصل إلى بعض الوثائق و الكتب التي تشير إليهم و تؤرخ لأعمالهم في مجالات الرياضيات و علم الفلك و التاريخ و العلوم الإسلامية، كما وقف على ترجمات عديدة لإنتاجهم الفكري.
يشير محدثنا، إلى أن فترة الفتح الإسلامي تعد من أهم المحطات التي رسمت معالم الخارطة العلمية لقسنطينة، ولذلك فهي تستحق اهتماما أكبر من قبل الباحثين، لتصحيح بعض المغالطات و فهم أمور عديدة، فالمدينة كما قال، فتحت على يد عبد الله بن جعفر ـ و ليس أب المهاجر دينار، كما هو متداول، وقد كلف بن جعفر حينها الظفر ابن حسن السلمي، بنشر الإسلام فيها، فكان بذلك أول عالم جليل عرفته المدينة ليتوالى عليها بعده الكثيرون منهم إبراهيم بن فايد القسنطيني و أبو قاسم محمد بن عيسى و أبو الحسن العباسي و غيرهم.
أبو العباس أحمد القلشاني القسنطيني ..باحث بمنزلة الخوارزمي
من أبرز الأسماء التي يرتبط ذكرها بمدينة قسنطينة تاريخيا، نجد حسب الباحث، العالم أبو العباس أحمد القلشاني القسنطيني، رجل حظي في زمنه بمنزلة الخوارزمي، حيث يعد أكبر عالم رياضيات في تلك الحقبة، وقد اشتهر بشرح مدونة رسالة ابن زيد القيرواني و بكتابه المعنون «الرحلة «، وهو عمل تحدث فيه عن مشواره العلمي من الأندلس إلى المغرب الأقصى، عمل العالم كقاض في تونس، و دفن في المسجد القديم الذي بنيت على انقاضه ثكنة حي القصبة بقسنطينة.
أبو العباس أحمد بن الخطيب عالم المنطق و الفلك
و في العهد الحفصي اشتهر عالم آخر يدعى أبو العباس أحمد بن الخطيب ابن قنفد القسنطيني، وعرف بإسهاماته في مجالات العلوم الإسلامية و الفلك و المنطق و غيرها، تميز باعتماده على نوع شعري يعرف « بالأرجوزة»، لتسهيل حفظ و تدوين المعارف و ترسيخها و قد ترجمت أعماله من قبل باحثين فرنسيين منهم فانيو و شاربونوا، نذكر منها كتاب «الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية» يحصي في رصيده 29 كتابا، بينها ما يبحث في مجال الطب على غرار «أرجوزة» تعليمية، قال الأستاذ مرواني، بأنها لا تزال محفوظة في المكتبة الوطنية بباريس.
وحسب محدثنا، فإن الاطلاع على بعض أعمال الرجل أمر ممكن جدا، نظرا لتوفرها فبالرغم من تآكل أغلفة عدد منها، إلا أنها صالحة للقراءة على غرار عناوين « تقريب الدلالة في شرح الرسالة» و « أنوار السعادة في أصول العبادة» و «صلة الإسلام بالنبي عليه السلام» ، ناهيك عن ترجمة « أنس الفقير و عز الحقير» لوالي تلمسان سيدي بومدين.
و من مؤلفاته في علم الفلك توجد كتب « تيسير الطالب في تعديل الكواكب» و« و تحصيل المطالب و تكميل المآرب» و« القنفدية في إبطال الدلالة الفلكية» و«سراج التُقات في علم الأوقات» و «القول في الرسوم، الأسترولاب» ، زيادة على توفر أرجوزة من 245 بيتا.
و ترك في الرياضيات عناونين عديدة منها «حط النقاط عن وجوه أعمال الحساب» و « التلخيص في شرح التلخيص» ، و «مبادىء السالكين في شرح رجز بن الياسمين»، أما في علم المنطق فنذكر « إيضاح المعاني في بيان المباني « و «تلخيص الأمل في شرح الجمل» ، كما كان للتاريخ نصيب من انجازاته حيث كتب عن تاريخ الدولة الحفصية، كما كتب في الأدب العربي و ترك عدة عناوين منها «تفهيم الطالب في مسائل بن الحاجب» و «الابراهيمية في مبادئ اللغة العربية» و غير ذلك.
و قد اختلف الباحثون في تاريخ وفاته ، حسب محدثنا، الذي اكتشف و بعد قراءة أحد أشعاره، بأنه لم يفارق الحياة عند سن 67 عاما كما تم تداوله، و إنما تجاوز سن 81 سنة، وفقا لمضمون ييت شعري جاء فيه « مضت 60 عاما من وجودي و ما أمسكت عن اللعب و اللهو..و أصبحت عند حلول إحدى و ثامنة عند كسل و سهو..فكم لبن الخطيب من خطايا فضل الله يشملها بعفو».
عمر الوزان .. أستاذ العلماء الذي رشح لمنصب شيخ الاسلام
خلال العهد العثماني، برز في المدينة العالم عبد القادر الراشدي و كان مفتيا حنفي المذهب، عاش خلال فترة صالح باي بن مصطفى الذي حكم بايلك قسنطينة من 1771 إلى 1792، و قد شارك في إحدى المعارك سنة 1785، ضد الأسطول الإسباني كما عينه صالح باي على رأس لجنة كانت مكلفة بالإصلاح التربوي و العلمي، و كانت اللجنة مكونة من الشيخ العباسي و الشيخ شعبان بن جلول، حيث فتح حينها مدرستين تعليميتين بجامعي سيدي لخضر و سيدي الكتاني بسوق العاصر.
و من بين كتبه نذكر «متسعات الميدان في إثبات وجه الوزن و الميزان» و «تحفة الإخوان في تحريم الدخان» و هي دراسة أعدها لإثبات خطورة التدخين ، كما كتب قصيدة يتحدث فيها عن الغزو الأجنبي بعنوان « حوادث الظهر تتعالى كل ما ظهرت».
و يعتبر العالم عمر الوزان، من أشهر علماء قسنطينة، تخرج على يده الكثير من العلماء و قد عرض عليه منصب شيخ الإسلام، مكان سيدي عبد المؤمن، الذي قتل بسبب قيادته لمقاومة ضد الأتراك، ناهيك عن منصب قاضي في العاصمة فرفض بحجة تقدم سنه، توفي سنة 1780، ودفن حينها في مسجد « الشيخ أفوناس» في الموقع الذي يحتله حاليا المسرح الجهوي محمد الطاهر الفرقاني.
أحمد بن مبارك القسنطيني مؤرخ لم ينصفه التاريخ
عالم آخر من علماء قسنطينة، لم ينصفه التاريخ رغم تخصصه فيه، هو المؤرخ أحمد بن محمد المبارك القسنطيني، ولد سنة 1790و توفي 1870، كتب عن المدينة كثيرا و يعرف عنه بأنه تربى في ميلة مع أعمامه الذين كانوا مسؤولين عن زاوية أبو العطار أحمد بن مسعود القسنطيني.يشير الكتاب كذلك، إلى العالم محمد الصالح بن مهنة صاحب 57 مؤلفا، رجل عانى كثيرا مع الاستعمار الفرنسي ، وقد أعيد طبع و نشر بعض كتبه، خلال تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، على غرار كتاب بعنوان» حلو الكلمات في وصف خير الأنام فتح الرحيم الرحمن بشرح نصيحة الاخوان».
و للشعراء نصيب
وإلى جانب تاريخ العلماء، ستشمل الموسوعة فصلا يتحدث عن أبرز شعراء المدينة، على غرار أحمد بن عبد الرحمن الشهاب و أبو العباس بن أبي القاسم بن خلوف القسنطيني، الذي عرف عنه عشقه للموشح و عطائه في شتى المجالات وهو شاعر ولد سنة 1425 و توفي 1494، يوجد ضريحه في منطقة سيدي محرز في تونس.
يذكر الكتاب أيضا الشيخ الحسن بن علي القسنطيني، و هو من عائلة بن لفقون إضافة إلى الشيخ علاوة بن زايد القسنطيني الذي تخصص في المديح الديني و كتب أكثر من 30 قصيدة، لا تزال تغنى إلى يومنا من قبل فرق العيساوة. تذكر الموسوعة أيضا، الشيخ حداد قاسم الرحموني القسنطيني الذي اشتهر بحبه للهجاء، لحد لفت انتباه الفرنسيين الذين ترجموا أشعاره، كما كتب في المحجوز و قد تغنى بقصائده عدد من فناني قسنطينة.
فصل خاص بمالك بن نبي
سيعمل الباحث إلى جانب ما ذكر أيضا، على إعادة الاعتبار لبعض الأسماء المعاصرة، من أمثال العالم الشيخ لحبيباتني و لقبه الحقيقي مرازقة، الذي يعد من كبار العلماء الذين استهدفهم الاستعمار الفرنسي، وكذا العالم محمد الصالح بن مهنة مؤلف 57 كتابا، وفي ختام حديثنا إليه، أوضح الاستاذ مرواني، بأن بحثه لا يزال متواصلا و سيسعى جاهدا لإنصاف أسماء أخرى، كما سيخصص محورا للحديث عن مالك بن نبي، أحد أبرز رواد النهضة الفكرية الذي لم ينل حقه من التأريخ كما قال. أ.ب