الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

لغة تخاطب و مرآة عاكسة للهوية

المستشرقون اعتمدوا على اللباس التقليدي في قراءة المجتمع الجزائري

أكد الأستاذ الدكتور نور الإسلام غدار، أستاذ الإعلام بجامعة قسنطينة، متخصص في بحوث السيميولوجيا و الدلالة، بأن اللباس يعتبر من أهم مظاهر الحضارة و مرآة عاكسة للهوية من منظور التاريخ و الثقافة، مشيرا إلى أن التنوع في اللباس التقليدي الجزائري، انعكاس للتنوع المجتمعي، فاللباس يرتبط بالجغرافيا و المناخ و بالواقعين الاقتصادي و الثقافي للمنطقة، و كلها خلفيات تظهر من خلال الدلالات السيميائية للباس أهل المنطقة أو الجماعة المعينة، و لعل ذلك، هو ما دفع الكثير من المستشرقين، إلى الاعتماد على هذه الجزئية في قراءة المجتمع الجزائري، عبر فك رموز الصورة، خصوصا صور النساء.
الأستاذ الباحث، أوضح في محاضرة قدمها نهاية الأسبوع، بمتحف الفنون و التعابير الثقافية التقليدية قصر الحاج أحمد باي بقسنطينة، بأن الصور التي التقطها المستشرقون و الكتابات التي قدموها حول المجتمع الجزائري، استندت في كثير من الأحيان إلى اللباس و اعتمدت على دلالاته في ترجمة العديد من المفاهيم و المعتقدات و تحديد بعض المخرجات العلمية و التفاصيل التي تخص مكانة المرأة في المجتمعات المحلية الضيقة على سبيل الحصر، إلى جانب مواضيع أخرى تعنى بالثقافة و الهوية و حتى الاقتصاد، حيث استشهد في مداخلته، بتحليل صورة لسيدة جزائرية بالقفطان المغاربي، و الحلي التقليدية، التقطها سنة 1888 المستشرق الأميركي  فريديرك آرثر بريدجمان، في إطار إعداد كتابه « شتاء في الجزائر» الذي ركز فيه على التراث الجزائري.
الصورة، كما قدمها صاحب العمل، هي انعكاس لجانب من المرجعيات الجزائرية التي ترتبط أساسا بالهوية الجندرية في فترة الاستعمار،  حيث بين الأستاذ غدار، بأن المستشرق اعتمد عليها، ليوصل بعض المعاني و الأفكار للجمهور الغربي، وهي أفكار منبثقة عن منطق منطقهم العلماني، و قد حاول من خلال دراستها و تحليل معانيها الإيحائية « معاني ظاهرية و تعيينية تضمينية تأويلية»، إبراز مدى التأثير الاستعماري على المجتمع المحلي، عن طريق تمظهرات اللباس، فتطور اللباس و كل تغيير يظهر عليه، يمكن أن يعبر مباشرة عن بعض الدلالات الدينية العقائدية و الثقافية، و حتى الجغرافية و الطبيعية.
 وذكر المحاضر، بأن المسشرقين على اختلافهم، قدموا قراءات عديدة للمجتمع، بالاستناد إلى لباس المرأة الجزائرية، وأنهم لم يكونوا دائما موضوعيين، حيث أن خلفياتهم كانت غربية و أهدافهم كانت ذات صلة بمدى انعكاس أثر الحضارة الغربية التي نقلها الاستعمار، على المجتمعات الأصلية، مع ذلك فإن دراساتهم قدمت الكثير من ناحية التوثيق للباس التقليدي القديم  و وصف بعض أشكال الحياة في تلك الفترة بما في ذلك الطبقية التي تبرزها ملابس وحلي النساء، ناهيك عن أن بريدجمان مثلا، درس علاقة الجزائريين بالمناخ من خلال الملابس و بين بأن الفرد المحلي لا يتأثر كثيرا بتغير الطقس.
اللباس مرادف للنص و يضاهي نظام اللّغة
من جهة ثانية، أبرز المتحدث، بأن اللباس يعد من المنظور السيميولوجي الموسع،  بمنزلة النص في خصائصه البنائية و الدلالية،  فاللباس يضاهي في تركيبته نظام اللغة و المعاني في الذهن،  إذ تتنوع التطريزات التي نجدها فيه بين البسيط الباهت وبين ما هو مركب آسر، لذلك فإن اللباس حسبه، يعتبر لغة نتواصل بها ونعبر من خلالها عن حالات اجتماعية ونفسية تشكل محيطنا وعلاقتنا، و اللباس أيضا نص يمكن تحديد قواعده البنائية و تفكيك شفراته لفهم معانيه و دلالاته.
هو  كذلك، ذاكرة الإنسان المعاصر و تجل لهويته ومحدد لثقافته، حيث يمكن لنا أن نرسمه بأسماء تعبر و تدل على انتمائنا وجذورنا التاريخية والثقافية، إذ يتكون اللباس من جملة من الأشكال و الخطوط و التدرجات اللونية التي  تكون مجتمعة فضاء رمزيا، تتفاعل داخله الدلالات لتشكل العديد من المعاني، وأساس هذا التفاعل و الترميز هو المرجعيات التي تمثل ثقافتنا وهويتنا، فنجد في الثقافة الجزائرية العديد من الألبسة والأزياء التقليدية، منها ما شكلته الجماعات المحلية على غرار الأمازيغية و الشاوية والترقية و غيرها،  ومنها ما جاء مع الفتوحات الإسلامية أو  ارتبط بالحكم العثماني، الذي جلب غذى الثقافة المحلية بالعديد من الأزياء والأنماط و التشكيلات، فنجد مثلا، القفطان كزي نسائي ينتشر في الكثير من المدن ، لكنه يختلف من ثقافة إلى أخرى.
ملابس الفرد تعكس هويته و قد تنبئ بسلوكه
 وعن إمكانية كشف اللباس عن جوانب من شخصية الفرد وانتمائه و معتقداته وما إذا كان له تأثر على السلوك،  يرى الباحث، بأن اللباس يتكون من جملة من التفاصيل الشكلية و اللونية التي تشكل معا بيئة رمزية ذات وظيفة محددة يستفيد منها الإنسان و يعيش بها،  حيث أنه من الضروري أن يعرف الإنسان كيف يستقرأ معاني اللباس، فمن أهم صفات اللباس هو كونه عاكسا للعديد من المعاني والدلالات الثقافية الدينية، إضافة إلى معان أخرى يستدل بها، حيث يساعد على فهم المحيط ويحدد مكانة الفرد و دوره في المجتمع كعنصر بنائي، كما أنه قد يؤثر على التعامل مع الأشخاص سواء كانوا نساء أو رجالا مثقفين أو متدينين لأن تشكيلاته الداخلية والخارجية تحدد الهوية الجندرية لمن يرتديه و تحدد سلوكه أو السلوك المتوقع منه، مثلا يرتدي الشص المتدين «القميص»، الذي يخلق لدى الناس رمزية تشتمل على العديد من التوقعات كأن يدل اللباس على أن صاحبه    « إنسان ملتزم ودوره ديني إصلاحي».
المتحدث، قال إن اللباس قد يلعب دورا آخر، يتمثل في الفصل بين الثقافات و التأريخ للجماعات المحلية، فأهميته تظهر في كونه واحدا من التعابير الثقافية والحضارية، فهو مقوم من مقومات الفرد والجماعات الإنسانية ورمز للانتماء و الهوية الجماعية، حيث يحمل العديد من الدلالات التي  تقترن بمهنة معينة أو مذهب أو  عقيدة أو فكرة، ويتجلى هذا بوضوح في  الظاهرة الدينية ، فمن يذكر البوذية مثلا، ترد إلى ذهنه مباشرة أزياء معتنقيها وألونها المتميزة وكذلك الأمر بالنسبة للإسلام المرتبط بالحجاب  وبأزياء معينة، وهي شكليات يزيد تعقيدها كلما تعمقنا أكثر في المذهب  والجماعة، وبالتالي فاللباس  يحمل مخزونا ثقافيا و دينيا هائلا وله أبعاد رمزية حضارية تعبر عن الفرد.
وإن كان اللباس الخاص بالجامعة خاضعا لقانون موحد، فإن ذلك لا يعني بأنه قادر على مسح كل الفوارق بين الطوائف و الأفراد، أكثر من قدرته على الحد منها، لأن القوانين تختلف من مجموعة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى، وكل فرقة تنظر إلى الثانية بنوع من العنصرية، فنجد مثلا، بأن الدول الغربية ذات الخلفية المسيحية، تحارب اللباس الإسلامي لدرجة سن قوانين تعاقب من يرتديه أما في الدول الإسلامية، فقد أصبح ينظر إلى الملابس الإسلامية  بنوع من الخجل وباتت مرادفا للرجعية والتخلف عند البعض، و هو ما أثر على الفئة المتدينة التي يصعب عليها الآن الاندماج بشكل سلسل في المجتمع، لوجود قوانين عرفية تحد من نشاطها.
 الموضة ألغت التنوع الثقافي تكريسا للعولمة
أما فيما يخص، الموضة ومدى تأثيرها على اندثار الموروث الثقافي المحلي   فإننا نجد حسب الأكاديمي،  بأن الجغرافيا هي أحدى أهم العوامل المتحكمة في التشكيلات الداخلية والخارجية للباس، وتتنوع الملابس وتشكيلاتها بتنوع الثقافات فالثقافات الغربية،  تختلف عن الثقافات الشرقية، كما أن للعولمة تأثيرا على نظم اللباس المحلية، لذلك  ترك الفكر الغربي بصمته على القيم المحلية وأثر حتى على السلوك الإنساني، لأن المنتجات الثقافية التي نستوردها ساهمت كثيرا في إضعاف هوية الإنسان العربي و  أضرت بكينونته الحضارية، إذ أصبح مرتبطا بشكل كبير بالشكل الغربي، كما أن الموضة لعبت دورا في إلغاء التنوع الثقافي وصاغت بالمقابل ثقافة عالمية موحدة، لها قيم  ومعايير موجهة، هدفها إذابة الخصوصيات الثقافية التي يرمز إليها اللباس.
هدى طابي

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com