اختتمت أمس، بالمتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية، قصر الحاج أحمد باي بقسنطينة، فعاليات الطبعة السابعة لتظاهرة جسور التواصل لتراث الحواضر، بمشاركة عدد مهم من إطارات مختلف المتاحف العمومية الوطنية، في يوم دراسي حول التصوير «الفوتوغرامتري» في تثمين المجموعات المتحفية.
أطر ورشات الملتقى، كل من الباحثين في المعهد الوطني للآثار، بجامعة الجزائر 2، البروفيسور محمد العرباوي، والبروفيسور سليم عنان، اللذين قدما مداخلة مشتركة، عرض شقها النظري تعاريف ومفاهيم عامة حول التصوير في ميدان علم الآثار، فيما استعرض الشق العملي نماذج متحفية ومبانيَ أثرية طُبقت عليها هذه التقنية.
وتطرق الباحثان إلى أحدث التقنيات الرقمية المستخدمة في التوثيق والإنتاج الرقمي للمواقع واللقى الأثرية، مؤكدين على أهمية تزويد المؤسسات المتحفية والثقافية ومراكز البحث المتخصصة في الآثار، بعتاد متطور يساهم في الحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي، وكذا سهولة نقله افتراضيا للتعريف به سواء لدى أفراد المجتمع، أو حتى عرضه خارج الجزائر أثناء المشاركة في المحافل الدولية، كما تحدثاعن أهمية الأرشفة الرقمية للتراث حفاظا عليه من عمليات السرقة، لمساعدة الجهات الأمنية في استرجاعه في حالات تعرضه لجريمة السرقة.
ووصف البروفيسور سليم عنان، عملية التوثيق الرقمي للتراث بأنها عملية مهمة وسهلة في الآن ذاته تتطلب فقط عتادا ذا جودة عالية، وهي تُعنى وفقا له، بتسجيل كل ما يخص الأثر المراد ترميمه بداية من تاريخه وأهميته الفنية، وصولا إلى أبعاده وأشكال الزخارف التي يحتوي عليها، كما عرض مزاياها وشرح الطريقة الصحيحة لالتقاط الصور، موضحا بعض الأخطاء التي يقع فيها الباحثون والأثريون ما يجعل النتائج المتحصل عليها غير دقيقة، مؤكدا على مراعاة بعض الشروط في عملية الإنتاج الرقمي للتحف، لاسيما التي تخص معالجتها، حيث نبه إلى موضوع تحميل الصور، ثم مراقبة جودتها، فترتيبها مع مراعاة نسبة التداخل بينها.كما أشار المتحدث، إلى الأساليب المستخدمة في عملية الأرشفة والحفظ الرقمي، مثل التصوير الفوتوغرافي الذي يعطي صورة تفصيلية للتحفة، وتقنية «الستيريوسكوبی» لإنشاء تأثيرات ثلاثية الأبعاد عبر عرض صورتين لنفس المشهد من زوايا مختلفة، ومن تطبيقاته الشهيرة، ذكر الأفلام ثلاثية الأبعاد، من خلال عرض فيلمين بزاويتين مختلفتين أين يتمكن المشاهد من ارتداء نظارات خاصة لرؤية العمق، إلى جانب التصوير الفوتوغرافي ثلاثي الأبعاد، حيث يتم التقاط صورتين بزاويتين مختلفتين تحاكيان الرؤية البشرية، فضلا عن الواقع الافتراضي.واستفاد الحضور من بعض النصائح التي قدمها البروفيسور، للحصول على نتائج جيدة ودقيقة، أبرزها اختيار آلة تصوير ذات جودة، الانتباه إلى الإضاءة، وتجنب عملية التكبير والتصغير، وكذا تنسيق الصورة حتى تسهل عملية معالجتها.من جهته، قال البروفيسور محمد العرباوي، إن ميدان علم الآثار شهد تطورا ملحوظا في استخدام التكنولوجيا في كل الفروع، سواء تعلق الأمر بالصيانة والترميم، وحتى في نوعية الآثار لاسيما اللقى التي تعود إلى ما قبل التاريخ، وفي هذا السياق قدم عرضا توضيحيا لنتائج توصل إليها التصوير الفوتوغرامتري، تمثلت في صور نهائية لمواقع أثرية، على غرار موقع أثري لمنزل يعود للفترة الإسلامية، وتجربة رقمنة قناع «غورغون» الروماني العملاق، الموجود في حديقة موقع متحف عنابة، كما عرض نموذج رقمي لتحفة أثرية تعود إلى ما قبل التاريخ.
وتحدث عرباوي أيضا، عن مزايا جهاز المسح الليزري ثلاثي الأبعاد شارحا طريقة عمله، وتطرق أيضا للحديث عن الطباعة البلاستيكية كبديل عن القولبة الجبسية تفاديا لتسمم التحفة الأصلية وتخربها، حيث تساعد التقنية حسبه، على نسخ المعالم مهما كان حجمها، والتسويق لها كتحف أثرية رمزية تروج للسياحة وللتراث الثقافي في الجزائر.وأبرز المتحدث، بعض العراقيل التي يمكن أن تواجه الأثري خلال تصوير المادة الأثرية من الموقع، ونبه إلى عناصر مشوشة بإمكانها أن تشوه النموذج الرقمي، مؤكدا على التقاط أكبر عدد ممكن من الصور التي تكون ذات جودة، وتصوير كل عنصر زخرفي لوحده في حال كانت القطعة تحتوي على كثير من التفاصيل، كما نصح بالقيام بملاحظة شاملة للموقع قبل الشروع في تصويره للحصول على عمل متكامل ومتجانس.
وعرف اليوم الدراسي كذلك، عرض صور ثلاثية الأبعاد للقى أثرية بتقنية التصوير «الفوتوغرامتري»، لكل من المتحفين العموميين الوطنيين لولايتي تبسة وسطيف، والمتحف العمومي الوطني البحري، وقدم ممثلون عن المتاحف المذكورة تجاربهم في الحفاظ على التحف الأثرية، منها أنفورات رومانية تعود لما قبل التاريخ، والقرن الأول ميلادي، وكذا إبريق خزفي يعود للفترة الوسيطة، وجرة فخارية، فضلا عن عرض نموذجين ثلاثيي الأبعاد لقطعتين أثريتين نادرتين هما مصباح زيتي على شكل قدم، وكوب روماني نادر جدا توجد نسخة واحدة منه في متحف تبسة. وعلى هامش التظاهرة، قالت مريم قبايلية، مديرة المتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية، قصر الحاج أحمد باي، إن اللقاء يأتي في وقت نعيش فيه ثورة رقمية، حيث أصبح من الممكن نقل التراث الثقافي من العالم الواقعي إلى العالم الرقمي، بما يسمح للباحثين والجمهور بالوصول إلى هذه القطع الأثرية من أي مكان وفي أي وقت .
وتضيف قبايلية، بأن التكنولوجيا الرقمية ساهمت في ابتكار العديد من التقنيات والبرامج الجديدة في مجال المسح الأثري أو الأرشفة الرقمية وغيرها، أبرزها تقنية التصوير «الفوتوغرامتري» التي تساعد على نقل الواقع بدقة مذهلة فهي ليست مجرد تقنية تصويرية بل وسيلة علمية مبتكرة تسمح بإعادة إنشاء الأبعاد الحقيقية للقطع الأثرية بدقة خصوصا النادرة منها، وتتيح أيضا استكشاف تفاصيل قد تكون مخفية أو غير مرئية بالعين المجردة، كما يمكن من خلال هذه التقنية التأكد من الحفاظ على التراث الثقافي للأجيال القادمة. وعرفت التظاهرة في يومها الثاني ، تقديم ورشة تطبيقية لإطارات المتاحف العمومية الوطنية المشاركة، بإشراف من الأستاذين الباحثين محمد العرباوي، وسليم عنان، للتعريف ببعض التطبيقات التي يمكن استخدامها في الحياة اليومية للمتاحف الوطنية العمومية. إيناس كبير