دعا أمس، أكاديميون مختصون خلال أشغال ملتقى حول «الفلسفة والراهن» بقسنطينة، إلى ضرورة تقريب الفلسفة من الواقع دراسة وتفكيرا، بالإضافة إلى تحرير الذات العربية والمنتمية إلى العالم الثالث من التبعية إلى الفلسفة المركزية الغربية، بحيث يتوجّه الاهتمام للبحث في قضايا نابعة من واقع المحيط الذي يعيش ضمنه.
واحتضنت كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة عبد الحميد مهري قسنطينة 2، فعاليات الملتقى الوطني حول «الفلسفة والراهن»، حيث قال رئيس الملتقى البروفيسور، هشام معافة، في كلمته الافتتاحية إنّ الفلسفة ينبغي أن تكون على صلة بالسياق الحالي والمشكلات المرتبطة به، مذكّرا بعبارة لـ«هيغل»، «الفلسفة هي الفكر في عصره»، وأشار إلى أنّها كناية عن كل فكر فلسفي يشرح معناه ودلالاته من توترات الحياة ونوازلها، لافتا كذلك إلى أنّ الفيلسوف ابن واقعه.
وأضاف المتحدّث أنّ الفلسفة هي الإطار الذي يفهم من خلاله الإنسان العالم ويفعل داخل نطاق حياته الخاصة بما مكّنته له من أدوات للكشف عن الحقيقة، معتبرا أنّها فن إجادة العيش في هذه الحياة، كما أنّ الفعل الفلسفي هو استجابة «أنطولوجية» وعملية لمتطلبات الوجود في العالم ورغبة في تغيير الواقع الإنساني نحو الأفضل، بالأخص حسب، معافة، أنّ الإنسان يعيش في عصر لا ينبغي فيه للفلسفة أن تدير ظهرها لواقع سقطت فيه كل الأقنعة عن الأنسنة الغربية وفضحت نرجسية هذه الأخيرة ومركزيتها مسقطة العقلانية الأنوارية.
وأردف المتحدّث أنّه على الفكر الفلسفي أن يغيّر في ضفّة الهامش مركز الثّقل في الاهتمام، فبدل استلهام مقولات المركز باعتباره النموذج الثقافي والحداثي، مثلما عبّر عنه البروفيسور، عليه البحث عن الذات، تحريرا لها من الهيمنة الغربية، فيفكّر خارج الكونية التي صاغ الغرب قواعدها ورتّبها ترجيحا لمصالحه، إذ يرى المتحدّث أنّ مبادئه لم تعد تستجيب لتعايش الحريات، وأضاف أنّه ينبغي التأسيس لفلسفة مقاومة غرضها ابتكار فضاءات عمومية جديدة عابرة للأوطان تستجيب لجميع الحريات وتؤسس لقواعد العيش المشترك، يكون للهامش على حدّ تعبير المتحدّث، نصيب في لدن المركز.
وأوضح للنّصر على هامش الملتقى البروفيسور، معافة، أنه يفترض أن لا تكون الفلسفة بعيدة عن واقع الإنسان والمعيش اليومي، ولا ينبغي للفيلسوف أن يظل ينظر إلى «الموجود بما هو موجود» مثلما كان عليه فلاسفة اليونان، حيث تعتبر مواضيع بعيدة عن الحياة المعاشة، وإنّما يجب الانطلاق من الواقع ليتم فلسفته فهما له بغية تغييره.
وأكّد المتحدّث أنّ المقاومة تعتبر فلسفة وتدعو إلى التحرّر وعدم الاستكانة للمستعمر، مضيفا أنّ الملتقى يعتبر دعما للمقاومة الفلسطينية ورجالاتها، مؤكدا أنّه ينبغي تغيير مقاليد التفلسف من التبعية إلى الغرب وعقلانيته الموحشة إلى أخرى تحرّر العقل العربي والإسلامي والمركزية الغربية، ذلك أنّ الحداثة العقلانية لهذه الأخيرة التي كانت ترفع شعارات العدالة، العيش المشترك، الانفتاح على الآخر والتواصل معه، قد سقطت أمام وحشية العدوان الإسرائيلي.
وذكرت البورفيسور بقسم الفلسفة بجامعة قسنطينة 2، نورة بوحناش، أنّ المعايير الكونية المفروضة على العالم تخصّ الإنسان الأوروبي، كما أنّها فلسفة قومية غربية، انطلاقا من اليونانية التي اعتبرت معجزة تقول المتحدّثة، رفض الغرب أن تكون لها وصال بالعالم الشرقي، ورأى أنّها امتداد أوروبي فأقصى لذلك كل أفكار العالم. وتضيف المتحدّثة أنّه عندما يتم الاختبار والنّظر في فهارس الكتب تلاحظ صفات تنقص من قيمة أفكار الآخر، فعلى سبيل المثال تقول إنّ الفكر الشرقي القديم غني فتح عالم الحضارة الإنسانية، غير أنّ الغرب يصفه بكونه عملي لا يرتقي إلى مستوى التنظير الغربي، وبالتالي هناك صفات تطلق على ثقافة الآخر بغرض محوها.
وأردفت المتحدّثة أنّ خانة الفكر الإسلامي غير موجودة، فالقفزة تكون من العصور الوسطى إلى الحديث، فتغيّب المرحلة الحضارية التي كانت تسود العالم في الفكر الإسلامي، فالفلسفة التي رسّمت على أنها وحيدة هي مظهر من مظاهر استعمار العقل الإنساني، والتحرّر منها يكون بإنشاء ذات مغايرة للذات الغربية وثقافة خاصة وكذا حقلا مفاهيميا ونظريا يخص أدوات العالم الثالث والعربي.
وتقول البروفيسور، بوحناش، إنّ محاضرتها الافتتاحية حول الفلسفة البديلة أو فلسفة المقاومة هي تقديم موجّه للمثقّف الجزائري مفاده أنّه عندما قلّد وكرّر الفلسفة الغربية لم ينجز شيئا، ولفتت أنّ كل الأطروحات في العالم العربي تقليد للغرب، وعليه ينبغي على الفيلسوف الذي يعيش في العالم الثالث والعربي أن يهتم ويفكّر في ذاته وبوسائله ولا إشكال في الاستفادة من وسائل الآخر.
ومن جهته يرى الدكتور بجامعة أبو القاسم سعد الله الجزائر 2، أحمد كشي، في مداخلته حول راهن القيمة من «الفلسفة العالمة» إلى «الفلسفة الحية» أنّه لا يمكن تحديد الدور الذي تلعبه الفلسفة في المشكلات التي يعاني منها الإنسان في العصر الحالي إلا من خلال تحديد ماهية الفلسفة وتعريفها، ذلك أنّ الكل يعرّفها انطلاقا من مجال نشاطه وتخصّصه، وبالتالي ليس هناك اتفاق حول الفلسفة ومنه لا يمكن تحديد الوظيفة التي تؤديها هذه الأخيرة في الحياة العامة. وأضاف المتحدّث أنّه في العادة يتم الانطلاق من طبيعة الممارسة الفلسفية التي يقوم بها الباحث لتحديد مجالها، وعليه يعتبر كشي، أنّه لابد من تحديد الفلسفة من ناحية الماهية.
إسلام. ق