ما معنى أن نقدم قراءة في كتاب؟
هل تُمِكِّن إعادة القراءة للمراجعة وتحييد المعنى الأصلي من غيرها؟ أو أن تكون القراءة رجعا للصوت بل صدى للأصوات المنبعثة من هناك من الأباعد؟ أو أن يأتي الصوت من بعيد في شكل نوتات إنشائية عالية التنغيم، لتأتي هنا فتقتلع هوية القارئ؟.
أن تقرأ معناه أن تنتج خطابا للاعتراف، وتنسج بيتا أوَّلاً تُؤثث فيه فضاءً للضيافة، وأن تحتفي بتقاليد الضيف، وأن لا تكون القراءة إضافة في لغة وصفية تجتر المقولات والمفاهيم والتصورات، الضيافة بما هي مُرَجَّأة تُحاول التأسيس لعقلانية حوارية تتجاوز الصوت الواحد، والمُنشد الواحد، والمفكر الواحد، لتتعالى الصيحات في بيت الضيافة من خلال خلق فضاء حواري مبني على التقدير والاحترام.
أن نقرأ معناه، أن نتجاوز الإعجاب العاصف بالعقلانية الذي يُسَكِّنُ الوعي الحقيقي، يجعله نقطة نووية في الملفوظ الأول الذي رسمه لنا كِتاب «العرب والمسألة الاختلاف» الذي نُكبر فيه شجاعة المقول، وجرأة التَّقاوُل، تلك الدلالة المُتجاسرة التي أرادت أن تعبر اليقيني والجاهز وأن تضع كل الموروث جانبا لتعيد خلقه وتأمله على غير مثال.
فـــ «إسماعيل» بما هو تجلي للأبوية يعيد نسف الأبوية من محمول الاسمية «إسماعيل مهنانة» حيث تختزن الحرفية الاسمية تدليلا على معانقة اختصار أشكال الحُضور لتلك الأبوية، إسماعيل المُولَّهُ بأشكال الدلالة في إعادة تأمله لمبدأ الذاتية العضوي، لتخرج نحو إعادة ترتيب للعالم من خلال تعدد للإسماعيلية،
-كون إسماعيل أبا للعرب
-كون الإسماعيلية حركة باطنية
-كون إسماعيل كائنا مفكرا في الإسماعيليات الشكلية في مستوييها التاريخي والعرقي، هل تقبل هذه الأشكال التحول من الفردية إلى المتخيل؟ ليكون خطابا مختلفا لينفتح النقاش واسعا في فضاء الإحالة، أي ما يحيل إليه «الألف/الهمزة» تلك الحرفية الصامتة في قعر «سماعيل»smail بما هي فضاء يحيل على تجذيرات يهودية ومسيحية من «إسماعيل» بإضافة الهمزة إلى «سماعيل» بحذفها يتشكل منطوق الاختلاف داخل الانتكاسة الذي تصيب الاسم في حالة الحذف والإضافة، وهو ما يشتغل عليه «إسماعيل» المفكر بما يختزن داخله من نداءات مختلفة من الدلالة الحرفية إلى الدلالة التأويلية.
من «إسماعيل» المفكر، إلى «إسماعيل» أب العرب، إلى «سماعيل» بما يحيل عليه في الدلالات اليهودية والمسحية والإسلام،. إلى طريقة «الإسماعيلية» في التاريخ الغنوضي، هذه المنظورية من الجمالي إلى الأنطولوجي إلى التاريخي كلها تعود على نقطة البدء.
إسماعيل ضد «سماعيل» أو «إسماعيل» وإساءة «إسماعيل».. رحلة من التعنيف وتقتيل البطريركية والأبوية التي علقها إسماعيل في مواته «العرب ومسألة الاختلاف»، إنه قتل رمزي لأشكال الحضور، الأنا في الجمعي، نوع من حلحة المتخيل الذي بنته القصة الإسماعيلية عن الذبيح والقربان، والفداء، تلك الرمزية للكبش الثقافي الذي صار يختزن داخله المُكرَّرَ الطقسي الحاد الذي ارتبط ضمن فضاء قصصي تَنَامت وحداتهُ البنيوية لتصبح عقائد وتقنينات غاية في التعقيد.
تلك الإسماعلية وارتباطاتها بأشكال العرفانية القصوي من خلال مقدس الفداء والحلول والوحدة داخل فضاء الصحراء لتتنامى العقائد التوحيدية التي لم تخرج عن مكرور الصوت للنشيد الإمبراطوري الروم والفرس، أو هي استمرار للفضاء التوحيدي الفارسي والرومي، فتصبح الكلمة حاملة لنقيضها، فالهيلينية وما شكلته من اتساع تَأصَّلت لتصبح فيما يقول الباحث أصواتا مرتحلة في نداءات المؤمنين الجُدد الذين احتاجوا فقط لمدَّاح أعلى ينشد التفرد والعبقرية.
من هناك يحاول إسماعيل بحث ونبش طبقات التاريخي/الإبستيمي ليصل إلى هذا التنغيم الذي يعود كل مرة في شكل موجة تسونامي قوية ضد كل العدميات، وما هي في الأصل إلا ناتج عن وثنية، وبدل مقولة التعدد تأتي مقولة التوحيد فيُحلِّل سوسيولوجيا التعددية/الوثني، والتوحيد الإبراهيمي ويرجعهما إلى مصدر الانفتاح، الفضاء وانغلاقه بين وحدات المكي والمدني، ويحلل المرجعيات والسلاسل، والإنقطاعات، ويطرح أسئلة مرعبة، ويقدم كل مرة كبشا للفداء هو جسارة الخروج مما نحن فيه.
فهل وقف الباحث على منتهى ذلك؟ هنا فقط يحتاج الباحث إلى تأثيث التقناوية التحليلية وفق مبادئ غنوصية تُجنِّبه الوقوع في محظور متخيل، أن يتحول إلى ذبيح للأسئلة، حالة داخلية من الخوف تقيم في مناطق البياض المختلفة.
تُنبأ الحقول المعرفية التي شققها الباحث عن عقل موسوعي متوقد، لكنها موسوعية تحمل نزعة مهنية/احترافية فريدة على الاقتصاد الكلي بالبحوث، أو بورشة الإنهمامات التي فتحها إسماعيل الديني، والتاريخي، والسياسي والفلسفي، وكلها في جُبَّة مساءلة فينمو-أنطولوجية، إنها نوع من «تأويلية الحذر» الذي تتكلم بصمت شديد، مع استباحة شديد في طريقة تبخيسية للمفاهيم المغشوشة انطولوجيا، من مثل الهوية القومية، الأمة وغيرها من المفاهيم التي نبش فيها حفار القبور أو اشتغل فيها معول النقد، والمساءلة، ويمكنني أن أجمل القضايا التي بحثها ضمن الأسئلة التالية:
-سؤال الدين وعودة المكبوت من خلال تعريب تاريخي، وحفر في فضاء المجال الكروي للدين الإسلامي الذي يرتد إلى مجال هيليني.
-سؤال الهوية والبناءات المتخيلة للتوسع والهيمنة الذي مارسته الإمبراطورية الكولونيالية فهي امتدادات لردود أفعال تنتج عن تمركز ما.
-سؤال الهوامش والأقليات والمنفى، وما يستقر خلفها من قدرات نضالية، إنه تشعيب لا على الأقل ولا على الأكثر، لتشتغل المساءلة في أكثر من صعيد، وعلى أكثر من وجه حتى يمضي الحد والوجه ولا يبق غير الأثر، نوع من الحلولية في الدال.
إنها مساءلة عبثية تصل حد الغثيان والتلاشي والعدمي في توصيف متناهي في السخرية ليخرج إشكالية المسلم الأخير تخريجا انطولوجيا بالغا في التحليل، يتسمى بآليات التحليل النفسي والتحليل الأنطولوجي، ويمتح من هيدجر ونيتشة وهيغل وفوكو ليعالج مآزق الهوية بين رحاها السياسي والديني ضمن فضاء عولمي معقد.
كيف يمكننا أن نجد تأويلا للمختلف لذلك بدأ انطلاقا من البعد الجمالي، وكيف يمكن للفن أن يهزم السياسي والإيديولوجي، ليفجر اللغة، وليأتي الصوت من هناك كما في قصة سيدنا موسي «وجاء رجل من أقصى المدينة "يقول لموسي" إن الملأ يأتمرون بك»، لذلك حاول إسماعيل أن يجد بديلا حفريا في قلب تأويلية المؤامرة التي تحيل دائما على الدراسة الإستشرافية لتأسس تَعَربُنٍ للمسألة ضمن الإشكاليات الأنطولوجية الكبرى وخصوصا إشكالية الوعي الذي تنزلته لغة بشرية لتصبح إسلاما، وبالتالي هناك تماسف في تخريج الباحث بين:
-الوحي/ القرآن
-والإسلام الذي أصبح ممثلا سيميائيا للقرآن.
هذا السؤال المرعب الذي قد يحقق مقولة موسى إن الملأ يأتمرون بك، لذلك حاول إسماعيل عبر غنوصية شديدة أن يتجاوز المباشرة ليمرر قناعاته ضمن لغة إيحائية ورمزية، وعمل ملفوظ الأغيار ما في ممكنه دون توريط الذات، دون أن يؤسس ملفوظه على مباشرة تعكس قناعاته هذه الرقابة الداخلية مررتها اللغة عبر الاستحضار المكثف للضيوف من قبيل: نودلكه، بلانشير، أركون، عبد الله العروي، دون أن ينطبع في ذهنك أن هذه قناعات «إسماعيل» بالهمزة، بل هي قناعات «سماعيل» المستشرق، مع أنه حاول أن يتجاوز العائق الابستيمولوجي للدرس الإستشراقي إلى فضاء أنطولوجي رحب لتلج الموضوعات أفقها العام ويتحرك الفضاء العام نحو نقاش جذري. إن الفردي هناك ينطلق بحذر شديد من أجل إيجاد خلاص للجماعة من خلال إيجاد دوافع جديدة.