الجمعة 29 نوفمبر 2024 الموافق لـ 27 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

مُؤرخون وأساتذة يؤكدون في لقاء بجــامعة منتوري: تـرجمة الأدب تلعب دورا كبيرا في استرجاع التاريخ المسلوب


ناقش أمس، مؤرخون وأساتذة ومترجمون شاركوا في يوم دراسي تحت عنوان « الذاكرة، الشهادة والترجمة»، احتضنته كلية الآداب واللغات بجامعة منتوري قسنطينة1، أثر ترجمة الأدب في استرجاع التاريخ الجزائري، مؤكدين على أهمية تمرير الذاكرة والوعي التاريخي عبر الترجمة الأدبية التي تمثل أداة أساسية في نقل موروث الشعوب وتوثيق تجاربها، كما شددوا على ضرورة بناء سرديات بديلة تنبع من الذاكرة الجماعية الجزائرية.

وبحسب الدكتورة مونية بلقشي، أستاذة محاضرة بقسم اللغة الفرنسية بجامعة منتوري1، فإن الإيديولوجيا الاستعمارية عملت في كثير من الأحيان على نقل «حقائقها» الخاصة، التي تم تحديدها من خلال إرادة السيطرة على التاريخ الأصلي وتشكيله بحيث يخدم أهدافها الخاصة، لذلك شكلت حسبها، عملية إعادة رسم التاريخ ومسح ذاكرة الماضي، والتحكم في نشر المعلومات جزءا من عملية التهجين الثقافي لشعب كامل.
كما يبدو أن هدف هذه الرغبة يتجلى في إرادة واضحة للإدماج القسري للأرض وأهلها الذين تم تجريدهم من ذاكرتهم، وأصبحوا قادرين على تلقي تاريخ مصنع وفقا لرؤية المنتصرين، مؤكدة أن التاريخ يكتب على يد المنتصر.
وبالرغم من أن المنتصرين قد يكتبون التاريخ في لحظة معينة، إلا أن التاريخ ليس ثابتا كما علقت، لأن هناك دائما إمكانية لإعادة كتابته وتقديم وجهات نظر جديدة، كما يحدث مع التاريخ المنسي أو التاريخ المخبأ الذي يكشفه المؤرخون والنقاد من خلال العمل الجاد في البحث والتحقيق. وأشارت في سياق متصل، إلى أن العديد من الأبحاث أظهرت أن التاريخ الذي تم التلاعب به يمكن استعادته وتصحيحه، من خلال العمل الدؤوب والتحقيق في الوثائق والتوثيق والبحث المعمق الذي يقيم الحقائق المخفية أو المغيبة من قبل السرديات الاستعمارية.
تعقيـدات كتــابة تاريخ الجــزائر إبان المرحــلة الإستيـطانيــة
من جهته، أوضح المؤرخ حسني قيطوني، أن الاستعمار كان له تأثير كبير في طريقة كتابة التاريخ الجزائري، فاحتلال الجزائر كان استعمارا استيطانيا بحسبه، وعند حدوث أي احتلال من قبل قوة خارجية، تسعى هذه القوة لامتلاك التاريخ الخاص بالبلد المحتل لذلك من الضروري أن تتعرف هذه القوة على تاريخ هذا البلد، ولكن من خلال منظور يخدم مصالحها الخاصة.
وذكر المتحدث، أنه بين عامي 1830 و1870، كتب الفرنسيون تاريخ الجزائر بشكل أساسي، مركزين على المعارك العسكرية والتنظيم الإداري، فضلا عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولكن دائما من وجهة نظرهم كمستعمرين، مؤكدا بأن قصة الجزائريين وكفاحهم وثقافتهم وإنجازاتهم كانت تُهمش بشكل كبير.
وأكد قيطوني، أنه تم حرمان الجزائريين من فرصة رواية تاريخهم بأنفسهم لأن الاستعمار دمر مساجدهم ومدارسهم ومؤسساتهم الثقافية، كما أن الأرشيفات التاريخية كانت تهيمن عليها وجهات نظر المستعمر، وتم مسح أصوات المستعمرين من هذه السرديات.
من جهته، أوضح المترجم هارون حمادو، في مداخلته أهمية الترجمة الموجهة للذاكرة من خلال دراسة أعمال أدبية تسلط الضوء على فترات مختلفة من تاريخ الجزائر، وبين أن الدافع الأول للعمل في الترجمة التاريخية هي الرغبة في جعل تاريخنا في متناول شريحة واسعة من الناس.
وعلى الرغم من أن غالبية النصوص التاريخية مكتوبة باللغة الفرنسية، فإنه من المهم للغاية حسبه، إعادة بناء تاريخنا والحفاظ على ذاكرتنا الجماعية من خلال ترجمة هذه النصوص، لأن ذلك سيسمح للأجيال القادمة بفرصة معرفة ماضيها.
ويضيف المتحدث، أن الإشكالية الرئيسية بالنسبة للجيل الحالي تكمن في أن العديد من الشباب يواجهون نصوصا تاريخية مكتوبة بالفرنسية، وهي لغة قد لا يتقنها الجميع لذلك يجدون صعوبة في قراءة وفهم النصوص، مما يخلف فجوة بين الأجيال ويحول دون قدرتها على الوصول إلى تاريخهم الخاص.
مشددا، على ضرورة ترجمة هذه النصوص التاريخية إلى لغات يمكن الوصول إليها، لكي تتمكن هذه الأجيال من استيعاب ماضيها وزيادة معرفتها بتاريخها، وكذا التأكيد على أهمية هذه النصوص التاريخية باعتبارها عناصر أساسية لفهم هويتنا وتراثنا الثقافي.
التـرجمة مـا بعد الاستعـماريــة وتحـدي تفكـيك المـــشروع الاستــعماري
وأكدت أستاذة الترجمة بجامعة باتنة 2، راضية تومي، أن أغلب المؤرخين يعتبرون، أن كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد، يمثل لحظة مهمة في ظهور الدراسات ما بعد الاستعمارية، و يعد نقطة تحول رئيسية في الطريقة التي يتم بها فهم وتحليل العلاقة بين الشرق والغرب، وأضافت، أن سعيد قام بفك التمثيلات التي أنشأها الغرب عن الشرق مستعرضا كيف أن هذه التمثيلات كانت محورية في تعزيز الأيديولوجيات الاستعمارية.
وأوضحت الأستاذة، أن إدوارد سعيد عرض من خلال منهج نقدي عميق كيف أن «المعرفة» التي كان يتم إنتاجها عن الشرق لم تكن سوى تجليات ثقافية للتسلط الغربي على الشعوب الشرقية، بل وكانت جزءا من مشروع أوسع للهيمنة الفكرية والثقافية. وأوضحت المتحدثة من جهة أخرى، أن بعض المتخصصين يرون أنه يمكن اعتبار الطبيب النفسي فرانتز فانون، من الرواد الأوائل في مجال الدراسات ما بعد الاستعمارية، ففي مؤلفيه «المعذبون في الأرض» و»جلد أسود، أقنعة بيضاء»، قدم فانون نقدا حادا للاستعمار، مبرزا تأثيراته النفسية والاجتماعية على الشعوب المستعمرة.
وأضافت، أنه من خلال تحليله العميق للتجربة الاستعمارية، كشف فانون عن الكيفية التي يمارس بها الاستعمار تأثيره على هوية الأفراد والمجتمعات، مما جعل أعماله مرجعا أساسيا لفهم الاستعمار من زاوية نفسية وفكرية.
وأوضحت تومي، أن الدراسات ما بعد الاستعمارية هي جزء من الدراسات الثقافية، وتتنوع بتعريفات مختلفة، من بين هذه التعريفات ما يتمثل في دراسة المستعمرات السابقة لأوروبا منذ فترة استعمارها، ودراسة تأثير الإرث الاستعماري على تلك المستعمرات، وكيف تكيفت معها أو قاومتها، متابعة بالقول بأن هذه الفترة التاريخية تبدأ عموما من القرن الخامس، وهو العصر الذي شهد تكثف عملية الاستعمار.
وأضافت، أن الدراسات ما بعد الاستعمارية تركز على دراسة الثقافات والأمم من خلال منظور العلاقات القوية التي تربطها بالثقافات والأمم الأخرى، ومحاولة لفهم كيف خضعت الثقافات المستعمرة للثقافات الاستعمارية، وكيف تكيفت معها أو كيف تمردت عليها.
وأشارت الأستاذة، إلى أن دراسة العلاقة بين الترجمة والإمبراطورية أو الترجمة كإمبراطورية بدأت في الثمانينات من القرن العشرين، وذلك بعد ملاحظة أن الترجمة كانت دائما تؤدي دور قناة ساعدت في الفتح والاحتلال الإمبريالي.
ولم يكن الأمر بحسبها، يتعلق فقط بأن يجد الغزاة الإمبراطوريون وسيلة فعالة للتواصل مع رعاياهم، بل كان أيضا وسيلة سمحت لهم بإخضاعهم وفرض سلطتهم عليهم، وأضافت أن الترجمة في الإمبراطورية كانت تعني أيضا اختيار المترجمين وتدريبهم ليصبحوا وسطاء بين المستعمرين والمستعمرين.
وأشارت تومي، إلى أن مارتن غراي، لم يذكر الأدب ما بعد الاستعماري المكتوب باللغة الفرنسية في البلدان التي استعمرتها فرنسا، و أوضحت أن نظرية الأدب ما بعد الاستعماري تشمل نوعين من الأدب، أدب البلدان الاستعمارية، الذي يعتبر أن الشعوب المستعمرة متخلفة و همجية وآكلة للحوم البشر، ومن الأمثلة على ذلك العاصفة لويليام شكسبير، وقلب الظلام لجوزيف كونراد.
ثانيا الأدب الذي نشأ في البلدان المستعمرة، والذي يفضح أكاذيب المستعمرين من خلال كتابة الروايات والشعر لتفنيد أفكار القوى الاستعمارية حول الشعوب المستعمرة، وكان هناك تيار ناشئ من هذا الأدب يروج للوطنية وبناء الهوية المفقودة، على سبيل المثال «الأشياء تتداعى» لتشينوا أتشيبي، والحريق لمحمد ديب.
وأوضحت المتحدثة، أن الترجمة كانت لفترة طويلة خاضعة لسيطرة الإمبراطورية بهدف خدمة أهدافها الاستعمارية والإمبريالية، وبالتالي فإن العديد من الترجمات كانت تنقل الخطاب الاستعماري والإمبريالي. مضيفة، أن النقاد والكتاب ما بعد الاستعماريين سلطوا الضوء على الأضرار التي تسببها هذه الخطابات الاستعمارية في العديد من الروايات مؤكدين، على أهمية الترجمة ما بعد الاستعمارية التي تفكك السرد الاستعماري من خلال «التشويش السردي» الذي يرد على الأكاذيب والخطط الاستعمارية، بخطاب مضاد يعيد القيمة للثقافات المحلية ويمنح الصوت للشعوب التي كانت مستعمرة سابقا.
وأكدت في سياق منفصل، إلى أن مفهوم الذاكرة البديلة يشير إلى الروايات التي تسلط الضوء على وجهات نظر غالبا ما تنسى أو تهمش في التاريخ الرسمي، بحيث تستخدم الروايات المصورة تقنيات سردية ورسومية لعرض الأحداث بطريقة ذاتية، مما يتيح للقارئ استكشاف أصوات وتجارب لا تعبر عنها دائما في السرديات التاريخية التقليدية. تقدم هذه الأعمال بحسبها، تاريخا آخر من خلال إعطاء صوت للجماعات المهمشة وكشف الحلقات التي تم إخفاؤها بشكل كبير من السرديات السائدة.
لينة دلول

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com