دعا أمس، باحثون في كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة 03، إلى ضرورة إجراء إصلاحات تشريعية لتوفير مناخ قانوني للمستثمرين يسمح بتقديم أعمال نوعية، والعمل من أجل تحقيق استقلالية السينما، مع فتح تخصصات جامعية تتعلق بالسينما، مؤكدين على أهمية الدراسات السينماتوغرافية الأكاديمية في تحقيق التوازن المعرفي.
الباحثون المشاركون في فعاليات ملتقى وطني حول واقع السينما التاريخية الجزائرية، قالوا إن الدراسات السينمائية الأكاديمية المتوفرة قليلة جدا بفعل غياب الخلفية التاريخية لبعض الباحثين، وكذا إلزامية ربط شراكات بين الجامعة ومراكز السينما، لبلوغ مرحلة صناعة سينمائية تاريخية ذات جودة وكم، للتصدي لمخاطر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة، التي قد تشكل أداة من أدوات تحريف الحقائق في ظل غياب الإنتاج.
نظم الملتقى بكلية علوم الإعلام والاتصال والسمعي البصري، بجامعة صالح بوبنيدر قسنطينة 03، تحت عنوان «السينما التاريخية الجزائرية قضايا وإشكالات»، وتطرق لدور الأكاديمي كشريك أساسي في القطاع السينمائي، الذي يعد إحدى الأدوات المخلدة لنضال الشعب الجزائري والمساعدة على الفهم الأعمق لتاريخ الثورة التحريرية، من خلال توثيق مشاهد واقعية وصور شخصيات ثورية.
وقال رئيس الملتقى البشير عمارة، بأن السينما التاريخية وسيلة تعليمية تساعد على ترسيخ التاريخ، وتستدعي تفعيل الدور الأكاديمي كشريك فعال وأساسي في النهوض بالقطاع السينمائي وتصحيح مساره من خلال معالجة بعض العثرات التي تسببت في تراجعه، وحالت دون تقديم أعمال تاريخية تستجيب لتطلعات الجمهور وتغذي زاده الثقافي.
وتحدث بذات الخصوص، كل من أستاذي الإعلام والاتصال الدكتورين محمد لمين فوميدي، و عبد الجبار بوطمين، عن واقع وآفاق الاهتمام الأكاديمي بمواضيع السينما التاريخية الجزائرية، حيث استعرضا دراسة ميدانية حول واقع البحث العلمي في مجال السينما التاريخية، من خلال طرح تساؤل علمي فحواه، كيف تشكل مواضيع السينما اهتمام الباحثين؟»، كما عالجا في مداخلتهما المشتركة أهمية الدراسات السينمائية التاريخية في تحقيق التوازن المعرفي، في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي، وما يفرضه ذلك من أهمية مضاعفة للنهوض بالصناعة السينماتوغرافية.
وقدم الباحثان، تحليلا لمضمون دراسات علمية في مجال السينما التاريخية لقياس درجة اهتمام الباحثين بالمواضيع التاريخية، من خلال العلم على 14 أطروحة دكتوراه تناولت قضية السينما التاريخية الجزائرية، من بين أكثر من 200 أطروحة دكتوراه تمت مناقشتها في الفترة ما بين الفاتح جانفي 2015 إلى غاية أواخر شهر أكتوبر 2024.
وقاما بدراسة مسحية ومقابلتين مع مسؤول تخصص السينما محمد إبراقن، والبروفيسور جمال شعبان شاوش، رئيس فرقة ثورة التحرير الوطني في السينما الجزائرية المعاصرة، قاسا من خلالهما أكاديميا، مدى اهتمام الباحثين بمواضيع السينما التاريخية مقارنة بالمجالات الأخرى، وكيف يتجلى الاهتمام الأكاديمي بذات المواضيع لدى الباحثين بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 03، ونوعية المواضيع التاريخية التي يتم تناولها، ومستقبل هذا النوع من الدراسات في ظل التحولات الرقمية التي يشهدها المجال، وخصوصية الحقيقة التاريخية بين ثنائية السرديات التاريخية والمقصود بها المراجع والشهادات وغيرها، وبين المعالجة الإعلامية للحدث التاريخي في صيغته السينمائية، وكيف ينعكس ذلك على تبني الباحثين للقيم في أبحاثهم، فضلا عن مستقبل المواضيع المرتبطة بالسينما التاريخية في ظل بروز بعض المخرجات التقنية الحديثة.
وتطرق الدكتور محمد لمين فوميدي، لأهمية الدراسات التاريخية من حيث تحقيق التوازن المعرفي لدى الطالب والباحث، الذي ينطلق من مكتسبات ماضية من أجل بناء معرفة متكاملة أساسها التاريخ ومحركها الحاضر، فضلا عن الأهمية السياسية لدراسة مواضيع السينما التاريخية التي تكمن في اعتماد السينما كوسيلة اتصال خاصة في ظل الاستفزازات المتكررة والتهجم الممنهج على التاريخ الجزائري، وهنا يبرز دور السينما الجزائرية التي لها حسب الباحث، القدرة على التصدي لمثل هذه الاستفزازات والدعايات المغرضة من خلال توضيح المنجز التاريخي الأصيل للثورة الجزائرية ونقله للأجيال والرد بشكل دبلوماسي على كل الهجمات.
الخلفية التاريخية مهمة في الأبحاث السينمائية التاريخية
وقدم الباحث في ختام مداخلته، نتائج تحليل مضمون الأطروحات ووجد بأن أغلب الدراسات التي شملها البحث هي دراسات سيميولوجية تستهدف الأبعاد الدلالية الضمنية القيمية التي تضمنتها الأفلام السينمائية، خاصة فيلم دورية نحو الشرق، والذي حصد النصيب الأكبر في دراسات الدكاترة.
مردفا، بأن الكتابة عن الحقيقة التاريخية هي نقل وقد يبتعد عن الموضوعية والأمانة، ومن المواضيع التي اهتم بها الباحثون كما أوضح، التركيز على القيم الوطنية لنقل تضحيات أجدادنا لتحرير الوطن،وقيمة الأمة الجزائرية، ليخلص إلى أنه واقع مظلم في ظل عدم امتلاك باحثين للرصيد التاريخي المعرفي عن الثورة الجزائرية والأحداث التاريخية، وبالتالي عدم امتلاك القدرة على إجراء أبحاث في المجال.
كما أشار، إلى أسباب أخرى تتعلق بعدم تحرير قاعات السينما التي ظلت مغلقة وتغير النظام السياسي، وكذلك النظرة الضيقة للسينما على أنها مجال للفرجة وغياب النظرة الكلية التي تقوم على كونها صناعة إعلامية تساعد في حماية الجينات الهوياتية من الاستهداف الخارجي.
وشدد المتدخل، على ضرورة تثمين البحث العلمي في مجال دراسات السينما من خلال فتح تخصصات سينمائية، ودعوة الباحثين الجزائريين للالتفاف حول هذا المشروع الذي يرسخ الذاكرة الجزائرية ويضمن تناقلها بين الأجيال، كذلك الاعتماد على المنهج التاريخي في الدراسات والانطلاق من دراسات ترتبط بالمجتمع الجزائري،والتركيز على مستقبل الدراسات التاريخية في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي والذي وصفه بالغامض، نظرا لخصوصية تقنيات هذه التكنولوجيا القائمة على التحيز، ما قد يسبب تزييف الحقيقة التاريخية.
الدراسات الأكاديمية تساهم في الارتقاء بمستوى الأعمال السينمائية
من جهتها، تطرقت الدكتورة أمنة شريفي، إلى موضوع الحقيقة التاريخية، في مداخلة تضمنت دراسة ميدانية من وجهة نظر بعض الباحثين الأكاديميين والسينمائيين ضمن الحقل السمعي البصري، حيث قالت بأن هناك من الأعمال السينمائية ما وقع في فخ تحريف الحقائق في بعض الأعمال التاريخية، بسبب عدم تحري الدقة والموضوعية، وهو ما يعاب على واقع السينما التاريخية، وما حال دون تقديم أعمال مناسبة للجمهور.
وهنا كما عبرت، يكمن دور الدراسات التاريخية السينمائية وكيف تساهم في تقديم حقائق تاريخية بناء على أبحاث معمقة ودقيقة، تحول دون الوقوع في فخ المغالطات التاريخية، التي تتسبب في تقديم صورة مشوهة وضبابية عن تاريخنا الحافل بالتضحيات في سيبل تحرير الوطن من قبضة المستعمر، وبالتالي الارتقاء بمستوى الأعمال التاريخية السينمائية.
كما تساهم الدراسات الأكاديمية للسينما التاريخية حسبها، في اكتشاف النقائص لتداركها في أعمال لاحقة، ودعت الأستاذة إلى ضرورة ربط الصلة بين الجامعة و المراكز السينمائية، وعقد شراكات للتخلص من العراقيل والإجراءات الإدارية التي تؤرق الباحثين وتحول دون حصولهم على أرشيف تاريخي وسينمائي، وبالتالي التمكن من تخليد وقائع الثورة المجيدة وانتقاء مواضيع تاريخية هادفة ومعالجتها فنيا باستخدام أحدث التقنيات.
كما قدمت الدكتورة ليلى بولكعيبات، بعض المقترحات حول إجراء إصلاحات تشريعية لتوفير مناخ قانوني للمستثمرين يسمح بتقديم أعمال نوعية، والعمل من أجل تحقيق استقلالية السينما لتكون بعيدا عن أشكال الضغط، فضلا عن تشجيع ثقافة السينما عبر الحملات التحسيسية، مع ضرورة تكثيف الجهود لاستعادة مكانة السينما.
وقدم المكلف بالإعلام على مستوى الديوان الوطني للثقافة والإعلام بقسنطينة، عبد الله بن جعفر، الإستراتيجية الجديدة التي يتم انتهاجها من أجل استعادة جمهور السينما واستقطاب جمهور من مختلف الفئات، وكذا اعتماد أحدث تقنيات العرض السمعي البصري.
أسماء بوقرن