الجائحة وندرة الحليب ينعشان تربية الماعز
عادت كثير من العائلات البسيطة، في مناطق مختلفة من واد سوف، إلى الاستثمار في الطبيعة، لتوفير احتياجاتها الغذائية خصوصا في ظل الندرة التي تعرفها بعض المواد مثل الحليب حيث زاد الاهتمام بتربية الماعز كحل بديل لضمان ما يكفي للاستهلاك الشخصي، ولما لا بيع الفائض من الإنتاج للمهتمين بالمنتجات الطبيعية التي يكثر الطلب عليها منذ بداية الجائحة.
منصر البشير
ومع احتدام مشكل الندرة في مادة الحليب الأساسية لغذاء الجزائريين وصعوبة الحصول عليها، فقد قررت الكثير من العائلات السوفية، خصوصا القاطنة بالمناطق الريفية والبعيدة نوعا ما، الاعتماد على الطبيعة في إنتاجها، من خلال تربية حيوانات الماعز الحلوب، وتخصيص أماكن مناسبة للاهتمام بها بما يوفر عليها عناء التنقل إلى المحلات و الفضاءات التجارية للحصول على أكياس الحليب، التي قد تنفد قبل وصولهم، فيضطرون إلى شراء الأنواع المعلبة مرتفعة الأسعار وهو ما لا يتوافق مع قدرتهم الشرائية والمعيشية.
الأزمة تنعش سوق الماعز
ويؤكد بعض من تحدثنا إليهم، بأن هذا الحل مناسب جدا خصوصا لمن يملكون مساحة كافية لتربية الحيوان، والدليل على نجاح التجربة حسبهم، هو زيادة الإقبال على شراء الماعز وتربيته، حيث أن سوقها عرفت نشاطا ملحوظا في الآونة الأخيرة، إذ يتراوح سعر العنزة بين 15 ألف إلى 25 ألف دج بالنسبة للسلالات المحلية، فيما يرتفع السعر إلى الضعف عندما يتعلق الأمر بالسلالات المستوردة.
وقال عمي مسعود، القاطن ببلدية النخلة، جنوب ولاية الوادي بأنه بعدما كان قد تخلى قبل سنوات عن تربية الماعز، رغم أنها مهنة أجداده، عاد إليها هذه السنة، بسبب الظروف، حيث اقتنى أكثر من ثلاثة رؤوس، لتوفر له يوميا، ما يناهز ثماني لترات من مادة الحليب الطازج، الكافية لتغطية حاجة أسرته وبيع الباقي للجيران.
أما عمي مختار، الذي استقبلنا في بيته بقرية العقيلة، أقصى جنوب الولاية، فقد أكد، بأنه لم يتوقف أبدا عن تربية الماعز وضاعف من عددها مؤخرا، وذلك لكثرة الطلب على الحليب الطازج، حيث يبيع يوميا ما يزيد عن 50 لترا، لمحلات تجارية يتنقل بينها كل صباح لتوزيع منتوجه.
ويقول الحاج العربي.م، من بلدية الرباح، بأنه اشترى عنزتين قبيل رمضان الماضي، وذلك بعد مرض أحد ولديه و زيادة حاجته للحليب الطبيعي، الذي كان يشتريه مقابل 120 دج إلى 150 دج للتر الواحد، إلا أنه وبعد احتدام مشكل الندرة وانعكاس ذلك سلبا على وفرة حليب الماعز، قرر تربية حيواناته الخاصة لينتج ما يحتاجه بنفسه.
حظائر للماعز على أسطح المباني الحضرية
من جهتها، أضافت خالتي فوزية، بأنها استغلت القروض المصغرة الممنوحة من طرف الدولة، لتستثمر في أزمات الندرة وتدخل بدورها عالم الإنتاج، حيث بدأت مشروعا فلاحيا صغيرا يتمثل في تربية الماعز و الدواجن بقريتها المتواجدة جنوب بلدية الرباح، وقد ساعدها على ذلك امتلاك زوجها لمزرعة صغيرة ترعى فيها الماشية التي تعود عليها يوميا بما يعادل أو يزيد عن 20 لترا من الحليب، تحتفظ ببعضه و تبيع الباقي طازجا أو كلبن منزوع الزبدة.
أما ياسين موظف بإدارة عمومية، فأخبرنا، بأنه قام بشراء رأسين من الماعز، و وضعهما لدى صديق يملك حظيرة خارج المدينة، حيث يوفران له ما يحتاجه أبنائه من حليب، ويتصرف صديقه فيما يتبقى من إنتاج و يزود دكانا محليا بجزء منه، هذا في وقت يستغل بعض سكان التجمعات الحضرية بوسط المدينة أسطح البنايات، لتوفير أماكن لتربية رأس أو اثنين من الماعز بغية توفير الحليب لأبنائهم و لبعض المرضى الذين هم بحاجة ماسة إليه.
وقد علمنا من تجار ينشطون في الأسواق الأسبوعية للماشية بالوادي، بأن هناك زيادة في الطلب على الماعز الحلوب من طرف المواطنين، وذلك بهدف توفير حليب طازج وصحي لأبنائهم، علما أن نشاط البيع و الشراء امتد إلى غاية مواقع التواصل الاجتماعي ولم يعد مقتصرا على الأسواق.
وقال الحاج لمين، موال وتاجر ماشية قابلناه بسوق الاثنين الأسبوعي بقرية الخبنة، ببلدية النخلة، بأنه لاحظ انتعاشا كبيرا في بيع وشراء الماعز خلال الأشهر الأخيرة بمدينة الوادي، وهو ما جعله يتنقل إلى مختلف الأسواق الأسبوعية لتوفير طلبات زبائن يقصدونه حتى خارج أوقات نشاطه، من أجل شراء الماشية.
وأكد حسين.د، فلاح ومربي مواشي ببلدية الطالب العربي الحدودية، بأن العديد من عائلات بلديات الشريط الحدودي عادت إلى تربية الماعز لتوفير الحليب اليومي، خاصة وأن المسافة إلى وسط المدينة بعيدة، والأسعار تعرف ارتفاعا مع استمرار مشكل الندرة، و يبيع عمي الحسين، صاحب قصابة بوسط المدينة، أزيد من 50 لترا من حليب الماعز يوميا، كما أخبرنا هو أيضا، حيث يعرض منتوج بعض المربين الصغار الذين ينتجون حليب البقر كذلك، كونه ثاني نوع مهم من حيث الطلب، وقد وصلت أسعاره مع استمرار الجائحة إلى حدود 80 حتى 120دج للتر.
وحسب، عدد من مربي الماعز الذين قابلناهم خلال جولة في الأرياف، فإن هذه الماشية تساهم منذ القدم، في توفير الغذاء للسكان، حيث تعد تربيتها سهلة نوعا ما، لأنها تأكل من بقايا الأطعمة و قشور الخضر والفواكه، الأمر الذي يخفف كذلك من أثر التلوث في المنطقة، خصوصا وأن فضلاتها تستعمل كسماد للنخيل.
* طارق عاشور بيطري
العلاج الجيد للماعز مهم لضمان نوعية الحليب
يؤكد الطبيب البيطري طارق عاشور، بأن تربية الماعز تتطلب الاهتمام بالجانب الصحي للحيوان، من خلال مراقبته بشكل دوري و عرضه على البيطري لتجنب إصابته بالأمراض و تلافي عشوائية العلاج التي قد تنعكس سلبا على نوعية ما ينتجه الحيوان من غذاء.
وأضاف البيطري، بأنه يتعين على المربي عدم إعطاء الحليب سواء لصغار الماعز أو للإنسان خلال فترة تلقي الحيوان للأدوية والمضادات الحيوية، وذلك لتجنب الأمراض المنقولة عن طريق العدوى أو عبر استهلاك الحليب أو اللحم، مشيرا، إلى أهمية التركيز على العلف الطبيعي في تغذية الماعز الحلوب، إلى جانب بعض الأغذية التي تساهم في إدرار أكثر للحليب، خاصة الأعشاب والحشائش القابلة للزراعة حتى داخل البيوت، ناهيك عن منح الحيوان فرصة للحي الطبيعي.
* حسان كثير أستاذ محاضر بكلية الطب
لبن الماعز أقرب غذائيا لحليب الأم
يقول الدكتور حسان كثير، أستاذ محاضر بكلية الطب والصيدلة بجامعة باجي مختار بعنابة، بأن لبن الماعز يعد الأقرب من حيث القيمة الغذائية إلى حليب الأم، لاشتراكهما في الكثير من المكونات التي يحتاجها جسم الإنسان، مقارنة مع باقي الأنواع الأخرى على غرار حليب البقر.
و أشار المتحدث، إلى أن حليب الماعز عبارة عن مستحلب من الدهون تأتي في شكل كريات دهنية تحتوي على عناصر في حالة مذابة مثل “اللاكتوز” وبروتينات مصل اللبن، وأخرى في شكل “غرواني» ذات جزيئات مبعثرة مجهريا، مضيفا، بأن أهمية حليب الماعز تكمن في احتوائه على كميات أكبر من المعادن والفيتامينات الضرورية للإنسان، مقارنة بحليب البقر ناهيك عن احتوائه على نسبة قليلة من الدهون مما يجعله خيارا بديلا للمصابين بأمراض الدم والشرايين، زيادة على مذاقه الحلو قليلا ونكهة الخاصة و بياضه الناتج عن نقص مادة “البيتا كاروتيتن».
وقال محدثنا، بأن شرب لبن الماعز، مفيد لمساعدة الجهاز الهضمي على امتصاص المعادن والفيتامينات المتواجدة في الأطعمة التي يتم تناولها مع الحليب، ناهيك عن تحفيز الجسم على إنتاج هيموغلوبين الدم، مما يجعل منه شرابا صحيا ينصح به يوميا للأشخاص الذين يعانون من فقر الدم وهشاشة العظام كما ينصح به، للأشخاص الذين يعانون من مشاكل جلدية مثل الأكزيما و حب الشباب. و تساهم السكريات قليلة التعدد في حليب الماعز، كما أضاف على تحفيز البكتيريا النافعة الموجودة في الجهاز الهضمي بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة منها في إنتاج الطاقة دون الحاجة إلى تخزينها رغم احتوائها على أحماض ذهنية.
مع ذلك ذكر المتحدث، بعضا من الأضرار التي قد يتسبب فيها حليب الماعز للإنسان، خصوصا ما تعلق بالحساسية وتهيج الجهاز الهضمي، بفعل سكر اللاكتوز المتواجد في حليب الماعز، مضيفا، بأن درجة امتصاص الجسم لحمض الفوليك الموجود في حليب الماعز، أقل مقارنة بحليب البقر، لذلك فإن تناول الأطفال لحليب الماعز غير المدعم بحمض الفوليك، قد يسبب إصابتهم بفقر الدم.
م. ا