الدفع الإلكتروني انتقال تفرضه الجائحة و تفرمله الذهنيات
لا يزال استخدام بطاقة الدفع الإلكتروني محدودا في أوساط الجزائريين، رغم ما توفره من مزايا أهمها الآنية و إمكانية استخدام الرصيد بسلاسة، ناهيك عن تخفيف تداول العملة النقدية التي تعد اليوم من ناقلات العدوى الفيروسية، فرغم التوجه لاعتماد أجهزة الدفع في العديد من الفضاءات التجارية و الخدماتية، إلا أن وتيرة تعميم العملية تبقى بطيئة جدا لأسباب أبرزها ضعف الثقة في التعاملات النقدية الالكترونية ومحدودية استخدام التكنولوجيا عموما أو ما يعرف بالأمية المعلوماتية.
لينة دلول/ هـ .ط
أمية معلوماتية و غياب حلقة الثقة
أصبحت المعاملات الورقية مع ظهور جائحة كورونا، من السلوكيات اليومية التي تشكل تهديدا للصحة، وقد حذر المختصون والأطباء كثيرا من الأمر، وشاهدنا مع ذروة ظهور الوباء تجارا يعقمون النقود و آخرين يستخدمون القفازات لإمساكها وغيرها من الحلول التقليدية، التي يشيع اللجوء إليها في العادة في ظل نقص الاهتمام بالبدائل الحديثة على غرار الدفع الالكتروني، فرغم توفر أجهزة الدفع إلا أن غالبية المحلات التجارية في بلادنا لم تعتمدها كوسيلة للتعامل المالي بين البائع والشاري، ورغم أن الإحصائيات تشير لوجود أزيد من 9 ملاين حامل لبطاقة الدفع الإلكترونية في الجزائر، إلا أننا لا نزال نشاهد طوابير الدفع في العديد من المؤسسات التي أقرت النظام الجديد، والسبب هو جهل الكثيرين بالمعلوماتية و بطرق توظيف التكنولوجيا في التعاملات اليومية، ناهيك عن ضعف الثقة في هذا النوع من العمليات، بسبب بعض المغالطات الشائعة كفكرة سحب البطاقة لأكثر من مبلغ الفاتورة و خصم ثمن الخدمة الإلكترونية والتحويل الغير آمن للمال من حساب لآخر.
سألنا بعض المواطنين عن مدى اعتمادهم على الدفع الالكتروني في قضاء حاجياتهم، فأجمع كثير منهم، على أنهم يفضلون التعاملات النقدية المباشرة وأنهم لا يثقون كثيرا في الصرافات الآلية، وقد اتضح من خلال حديثنا إليهم، بأن أكثر عملية يقومون بها في الغالب، هي سداد فواتير الانترنت عن بعد، كونها عملية مؤمنة و سارية المفعول منذ مدة طويلة حسبهم، أما فيما يتعلق بباقي التعاملات فتبقى محل شك كما قالوا، خصوصا وأن رسالة تأكيد التحويل قد تتأخر وقد لا تصل أحيانا، ناهيك عن خوفهم من تعرضهم للسرقة في حال سحبوا من أرصدتهم عن طريق الهاتف أو آلة الدفع الصغيرة، والأدهى أن بينهم من أكدوا، بأنهم يملكون البطاقة الذهبية لكنهم لا يستخدمونها أبدا ويفضلون الصك الورقي هناك أيضا من اضطروا كما قالوا، لاستخدامها مؤخرا بسبب الجائحة ولولا ذلك لما فعلوا.
تأخر في التزود بأجهزة الدفع في الصيدليات و المحلات بـقسنطينة
أجرينا استطلاعا ميدانيا بعدد من المحلات و الفضاءات التجارية و الخدماتية بقسنطينة، لنقف على مدى توفر أجهزة الدفع الالكتروني و نسبة استخدامها، فلاحظنا إجمالا بأنها تكاد تنعدم بما في ذلك داخل الصيدليات، بالمقابل وجدنا بأن استخدامها شائع في المؤسسات القابضة كمركز البريد وشركة الكهرباء والغاز ومؤسسة المياه وغيرها، فيما يتفاوت الاعتماد عليها في الفضاءات التجارية الكبيرة « مراكز تجارية أو سوبيرات».
يأتي هذا، في وقت فرضت فيه الحكومة إجبارية تعميم أجهزة الدفع الإلكتروني بالنسبة للتجار على مستوى محلات الجملة والتجزئة وذلك بداية من الفاتح جانفي الجاري، حيث شرعت البنوك في توفير أجهزة « تي بي أو» مجانا للتجار وكان البنك الوطني الجزائري قد باشر قبل أيام، حملة تحسيسية واسعة لإقناع المواطنين والزبائن بضرورة اعتماد بطاقة إلكترونية للدفع «سي إي بي» ، مع التأكيد على أن هذه العملية آمنة بنسبة مائة بالمائة، كما وقع البنك والاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين بروتوكول اتفاق يتضمن تطوير الدفع الالكتروني، ويهدف إلى تنفيذ برنامج تطوير عن طريق تعميم أجهزة الدفع الالكتروني واستعمال التطبيق النقال « ويم باي» للدفع والقبض، ناهيك عن دمج أجهزة الدفع المقتناة من قبل التجار، في شبكة القبول البنكية «سي إي بي» و ضمان المرافقة للتصديق التي تسمح بقبول الدفع الالكتروني.
استخدام محتشم للبطاقات المغناطيسية
تحدثنا مع بعض الباعة و أصحاب المحلات عن مدى استخدام الزبائن لبطاقات الدفع، فعلمنا منهم، بأن الأمر نادر الحدوث، و السبب حسب بائع ألبسة رياضة،راجع إما لعدم امتلاك الكثيرين للبطاقات أو لجهلهم بإمكانية استخدامها فيما قال بائع آخر، بأنه لا يحبذ أن يدفع له عن طريق الجهاز بل يفضل الحصول على ثمن السلعة نقدا، مبررا ذلك بالأعطاب التي كثيرا ما تصيب الأجهزة و تطبيقات الدفع معلقا : « كثيرا ما تصليني رسالة التأكيد متأخرة جدا، وهو ما يزعجني لأنني لا أملك وسلة أخرى للتأكد من تحويل المبلغ لحسابي فعليا».
وأخبرتنا صاحبة محل لبيع مواد تجميل، بأنها من المؤيدين لفكرة الدفع رقميا، لما لذلك من فوائد وقائية، مضيفة، بأنها قدمت طلبا لاقتناء جهاز الدفع لكنها لم تحصل عليه بعد.
تجار آخرون سألناهم عن مدى استعداداهم للانتقال الرقمي فقالوا بأن مؤهلاتهم المعرفية لا تسمح لهم باستخدام أجهزة الدفع هذه، وأنهم يخلطون بين الأرقام ولا يجيدون التعامل مع الوسائل التكنولوجية، ما قد يوقعهم في الأخطاء، وقال لنا البعض، بأن هناك زبائن لا يجيدون هم أيضا استخدام البطاقات ويفضلون الطرق التقليدية للدفع خوفا من إدخال أرقام خاطئة.
نقلة نوعية في ظرف سنة
و تشير إحصائيات مجمع المنفعة الاقتصادية لخدمات الدفع الآلي، بأن عدد البطاقات البنكية المتداولة في الجزائر دون احتساب البطاقات الائتمانية «فيزا» و «ماستر كارد» ارتفع بـ 13 بالمائة خلال السداسي الأول من سنة 2021 بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، بما يعادل 9.45 مليون بطاقة من بينها 30 بالمائة مفعلة.
و يقدر عدد البطاقات البنكية بـ 1.740.025 بطاقة، مقابل 27.983 بطاقة أعمال و 7.676.218 بطاقة ذهبية، وقد بلغ عدد التجار الذين انضموا لمنصة الدفع عبر الانترنت 105 ( بزيادة قدرها 118.75 بالمائة، مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية)، فيما وصل عدد المعاملات عن طريق البطاقات البنكية عبر الانترنت إلى 3.574.461 بطاقة أي (بزيادة 133,93بالمائة).
أما عن قيمة المعاملات عبر الانترنت فقد بلغت 4.395.618.724,47 دج، أي (بزيادة 133,66بالمائة)، وفيما يخص السحب عن طريق الموزعات الآلية، فإن الحظيرة الوطنية تحصي 3.030 موزعا آليا دون وضع أي موزع جديد منذ 2020، بلغ عدد عمليات السحب عبر البطاقات البنكية من الموزعات 38.281.517 معاملة بمعدل زيادة قدره (17,33 بالمائة)، و بلغت قيمة المبالغ المسحوبة عبر البطاقات البنكية من الموزعات الآلية 767.787.382.000 دج أي ( بزيادة 31,05 بالمائة).
وفيما يتعلق بالدفع عن طريق نهائيات الدفع الالكتروني، فقد بلغ عدد الأجهزة الموضوعة لدى التجار 38.422 جهازا بزيادة قدرها 28,37 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، ووصل عدد المعاملات عبر الأجهزة إلى 1.047.172 ، أما قيمة المبالغ المدفوعة عبر هذه النهائيات فبلغت 6.997.690.891,77 دج أي ( بزيادة تعادل 514,98 بالمائة).
وبخصوص الدفع و السحب، فقد بلغت قيمة المبالغ المدفوعة عن طريق هذه الآلية 767.787.382.000 دج، أما عن معدل المبلغ الإجمالي المدفوع بالمقارنة مع المبلغ المسحوب فيقدر ب1.48 بالمائة.
* الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي
ضعف البيئة الرقمية سبب الخوف من التعامل مع الآلة
يؤكد خبير الاقتصاد محفوظ كاوبي، بأن عنصر الثقة مهم جدا لتوسيع دائرة التعاملات الإلكترونية فيما يخص القطاع المالي عموما، مشيرا إلا أن المنظومة الاقتصادية لا تزال بعيدة عن التوجه نحو هذا المجال، لأن المرور إلى الدفع الإلكتروني يوجب إرساء بنية تحية مسبقة للدفع الرقمي.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن توسيع دائرة التعامل بهذه الأجهزة، مرتبط بالميكانيزمات و الآليات التي تقدم الحماية والمنفعة للمتعاملين، مثل إعفاء التجار من الضريبة المهنية بنسبة 10 بالمئة، و تخفيض نسبة معينة من المبلغ الإجمالي للمشتري الذي يستخدم البطاقة المغناطيسية، مضيفا بأن التحفيز شرط أساسي لتحقيق التحول الرقمي أكثر سرعة.
و أوضح المتحدث، بأنه و بالرغم من الأهمية التي توليها الدولة لمسعى رقمنة الاقتصاد، إلا أن هذه العملية لا تزال في مرحلتها الأولى و يميزها تأخر كبير في الانتشار و استعمال على مستوى قطاعات الصحة و التعليم و الصناعة و التجارة، مضيفا، بأن ضعف تدفق الإنترنت سبب آخر لتأخرنا في توسيع دائرة الدفع الالكتروني، لأن التعطل المستمر للأجهزة يوقف عمليات الدفع، و يعرقل سرعة التدخل لإصلاحها، وهي جزئيات يجهلها التاجر الذي يجبر على الانتظار و يضطر لخسارة الزبون حامل البطاقة.
وحسب المتحدث، فإن إن سرعة تدفق الإنترنت تعتبر عاملا أساسيا في التأثير على ديناميكية تطوير الرقمنة وتصوراتها المستقبلية، كما أن الاهتمام بالشبكة العنكبوتية يعمل على تحسين حوكمة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتسريع التطور التكنولوجي، وبالتالي فإن قوة الشبكة تكثف من استخدام مختلف التقنيات وتعميمها بسهولة.
ل. د/ هـ .ط