الأحد 13 أفريل 2025 الموافق لـ 14 شوال 1446
Accueil Top Pub

أناقة ورمز للهوية وقيمة ثابتة: القشابية .. جزائرية صامدة تستهوي الشباب والأجانب

يواصل حرفيون في مجال صناعة القشابية والألبسة التقليدية من المنتجات الصوفية والوبرية، بالمناطق السهبية عبر الوطن، على غرار بوسعادة ومسعد، والجلفة، والأغواط، صناعة القشابية التقليدية رافضين التخلي عن هذه القطعة التي تعتبر جزءا من هوية المنطقة و اللباس المفضل لرجالها فقشابية الوبر و الصوف كانت ولا تزال ذلك الدرع الذي اختاره المجاهدون بالأمس للاحتماء من برد الجبال، حتى صار رمزا لهم ويختاره شباب اليوم كذلك، من باب التمسك بالتراث و محاولة الحفاظ عليه و التميز أيضا، بفضل التصاميم الحديثة التي يبدع فيها حرفيون يبحثون عن منافذ لتسويق القشابية التي لطالما كانت هدية الجزائر المفضلة لزوارها نظرا لأهميتها وقيمتها العالية.

ترجمة لمهارة حرفية عالية وأسعار تصل إلى 20 مليونا
تصنع القشابية بمواد محلية خالصة وبمهارة يدوية فائقة، ما يجعلها منتجا تقليديا أصليا، حيث يعتمد الحرفيون في حياكتها على وبر الجمال وصوف النعاج، ورغم أن صورة هذا اللباس ترتبط بشكل مباشر بالبادية، كونه الزي المفضل لسكانها نظرا لخصائصه الجيدة في مواجهة تقلبات الطقس والمقاومة، إلا أن القشابية بدأت تجد لها سوقا بين الشباب في السنوات الأخيرة، بفضل التجديد في التصاميم من حيث طول القطعة، ومقاساتها ونوع التطريز الذي بات يوظف لتزيينها.
هذا التجديد و العصرنة، ضاعفا شعبية اللباس فصار مطلوبا من قبل السياح أيضا، كما أن القشابية تعتبر كذلك زيا يختاره مسؤولون جزائريون خلال خرجاتهم الميدانية أيام الشتاء، وهو ما يعكس قيمة هذا اللباس الذي رغم بساطته يتناسق بشكل جميل ومرتب جدا مع البذلة الرسمية وربطة العنق، بل و يضيف للإطلالة نوعا من الأصالة. وأمام الاهتمام بالقطعة، وتزايد الطلب عليها مقابل تضاؤل عدد الحرفيين، ارتفع ثمنها بشكل محسوس خصوصا القشابية التقليدية يديوية الحياكة المصنوعة من الصوف، فصار السعر يناهز 12ألف دج إلى 30 ألف دج للقشابية. يقول محمد بوشعالة، صاحب مؤسسة "حرفة أجدادي" ببوسعادة المتخصصة في صناعة القشابية التقليدية، إن سعر القطع المصنوعة من وبر الجمال الجيد، يتراوح بين 70 الف دج، و200ألف دج، وذلك راجع إلى عدة أسباب منها سن الجمل وبالتالي نوعية وبره، ولون الوبر المستعمل في نسج القشابية. وأوضح، أن الأسعار تختلف وتتحدد بحسب لون الوبر، فهناك البني "القهوي" ، الأخضر "الزيتي" و"الأسود" وكذا "الأشعل" المائل للذهبي، وهذا اللون مطلوبا جدا حسبه، خصوصا في فصل الشتاء بالنظر أولا إلى دقة نسج الخيوط الوبرية التي تصنعها النساء في المنازل بطريقة تقليدية تعكس مستوى عال جدا من الاحترافية والكفاءة.
عمر الجمل يحدد وزن القشابية !

مضيفا، بأن وزن القشابية كذلك يحتكم إلى نوعية الوبر، فمثلا يستخدم وبر جمل بعمر سنتين إلى ثلاث سنوات، في حياكة قشابية لا يتجاوز وزنها 1.5 كلغ.
أخبرنا الحرفي محمد بوشعالة، أنه قضى أكثر من 30 سنة في هذه الحرفة التي توارثها عن الأجداد و يحاول الحفاظ عليها من خلال مسايرة العصر والبحث عن طرق مستحدثة وذكية للترويج لها واستقطاب الحرفيين الشباب لتعليمهم أسرارها حتى يستمروا في حياكتها مستقبلا.
موضحا، أن صناعة القشابية عملية دقيقة، لأن كل تفصيل يلعب دورا في تحديد مستوى الجودة، فمثلا كلما ارتفع عمر الجمل كلما قلت قيمة وبره لأنه يصبح أكثر خشونة، كلما كان الجمل صغيرا تحسنت جودت الوبر وكان أكثر نعومة وبريقا. حسب محدثنا، فإن الجمل بعمر 10 سنوات فما فوق يقدم وبرا يسمح بنسج "الشعر" الذي لا يكون مناسبا أبدا للقشابية، بل يوجه لصناعة بيت الخيمة، مقابل ذلك يمكن تعويض الوبر بصوف الأغنام أو من مزيج بين صوف النعاج والوبر. وهناك أيضا نوع من القشابية يسمى"الدرعة " يصنع من صوف النعجة سوداء اللون وهي قطعة نادرة جدا.
ورغم أن القشابية لا تزال مطلوبة بل و تعرف اهتماما متزايدا من قبل السياح، إلا أن الحرفي حذر من احتمالية اندثارها في غضون سنوات، وذلك بسبب قلة عدد الحرفيين، ناهيك عن منافسة المنتج الصناعي المقلد المصنع من القماش والأنسجة غير الوبرية، التي يتم استيرادها من دولة أسيوية من طرف تجار أصبحوا يشترون هذا القماش ويقومون بعدها بتفصيل قشابية أقل سعرا من القشابية الوبرية والصوفية، الأمر الذي أتعب الحرفيات اللواتي صرن مجبرات على التخلي عن الحرفة لتراجع الدخل الذي يوفرنه منها.
التقليد و الجفاف يهددان الحرفة
وحذر الحرفي، من أن هذه المنافسة يمكن أن تحيل الحرفيين على البطالة في حال أستمر الأمر بهذا الشكل دون التنبه لعواقبه على الحرف التقليدية، معلقا بالقول: "مؤسف أن نسمح للتقليد بالقضاء على هذا الزي الذي يتمتع بشعبية كبيرة في عديد المناطق، والذي يعتبر جزءا من هويتنا وتراثنا وله ارتباط برجالنا فهو زي المجاهدين وقطعة تعبر عن مهارة حرفيينا من بوسعادة إلى ولايات الجلفة والأغواط وغيرها".
يواصل: "حتى الأجانب صاروا مهتمين به، خصوصا التصاميم الجديدة التي تشبه المعاطف وهو ما يفتح أمامنا فرصة أكبر للتسويق للقشابية خارج الوطن واستعادة مكانتها في الداخل، فلماذا نسمح للتقليد بأن يضر بحرفنا وحرفيينا". وأضاف المتحدث، بالقول بأن الحرفة مهددة فعلا خصوصا وأن التقليد والمنافسة لا يشكلان الخطر الوحيد، بل هناك أيضا تقلبات المناخ التي صارت أكثر حدة منذ الجائحة وإلى يومنا فالجفاف الذي تعرفه بعض المناطق قلص جدا الطب على القشابية، ودفع حرفيين للتخلي عن حياكتها فتراجع بذلك عدد المشتغلين في هذا المجال، بعدما كان الطلب كبيرا في وقت مضى، وكانت القشابية الهدية المفضلة للمسؤولين و الشخصيات الفنية و ضيوف الجزائر و غير ذلك.
وأمام هذه التحديات، يرى الحرفي بأن الحل يمكن في تشجيع الحرفيين و في تكوينهم أكثر حتى يتمكنوا من مسايرة الوضع، وأن يعملوا على عصرنة التصميم لكي يستقطبوا فئات أخرى من الزبائن وينفتحوا بشكل أكبر على السوق.
بصمة الشباب
محدثنا، أوضح أنه ورغم كل ما سبق وأشار إليه، إلا أنه وجبت الإشادة بجهود حرفيين تمكنوا فعليا من التجديد في تصاميم القشابية وإطلاق موديلات لها زبائن شباب كثر، وقد حققت النجاح في السوق المحلية، مضيفا بأن هذه التصاميم تستهوي كذلك السياح وبشكل متزايد حيث يطلبها زوار من إسبانيا، وكندا، والسعودية ومن دول أسيا وغيرهم،وهو ما يزيد اعتزازنا بموروثنا الأصيل يقول المتحدث، ذلك لأن زوارنا يجدون في محلاتنا ما يرضيهم، معلقا بأن محله المتواجد بسوق وسط مدينة بوسعادة يعود إلى القرن الثامن عشر ميلادي، توارثه رجال العائلة أبدا عن جدويجزم عدد من المختصين في شأن منافسة منتجات القماش التي يتم استيرادها من دول أسيا وخياطة بعض أنواع القشابية المقلدة التي تسوق بأسعار منخفضة جدا للقشابية النايلية أو البوسعادية بأن المنتجات المقلدة لا طاقة لها بالمنتجات الأصلية ذلك أنها تمثل قيمة عالية في منظور أبناء الريف الجزائري الذين يتفاخرون بارتدائه كونه يضفي جمالية وتزيد صاحبها أناقة الرجل الجزائري فضلا عن مقاومتها للبرد القارس.
* مدير غرفة الصناعات التقليدية والحرف بالمسيلة
للقشابية رمزية كبيرة عند أهل الحضنة

أوضح مدير غرفة الصناعات التقليدية والحرف بالمسيلة موساوي عبد الرحمان، أن القشابية تعد أحد أهم رموز الشهامة و الرجولة عند أهل الحضنة، وعديد الولايات الأخرى التي تشترك في هذا الموروث التقليدي.
مشيرا، إلى أن الغرفة أحصت العام الماضي حوالي 160 حرفيا في مجالات الحرف الصوفية التي لاتزال صامدة باعتبارها مصدر رزق لهم ولعائلاتهم، ولهذا فهم يتشبثون بها و يضاعفون النشاط والإنتاج خصوصا في فصلي الخريف والشتاء، الفترة التي يزداد خلالها الإقبال على اقتناء القشابية والبرنوس.
وما يزيد من قيمة القشابية وولع الناس بها وعدم إمكانية منافستها هي طريقة نسجها حيث تنسج بطريقة يدوية، فبعد غسل المادة الأولية «صوف أو وبر» جيدا، تجفف و توجه للخلط بالوسائل التقليدية، باستعمار «الثنثار والمشط» وذلك حتى تتجانس الألوان. تبدأ بعدها كما أوضح، أولى خطوات الغزل حيث يتم «بشم» الصوف أو الوبر يدويا أي خلطه بواسطة أله تقليدية مكونة من جزأين تدعى القرداش ويقطع الصوف أو الوبر إلى أجزاء قابلة للف، تشكل في شكل خيوط رفيعة أو متوسطة السمك حسب المنتج المراد نسجه، ويتم ذلك بواسطة آلة يدوية هي «المغزل» الذي يلف الخيوط دائريا للحصول على كمية المادة الأولية اللازمة بحسب تقدير الحرفي.
* مدير غرفة الصناعة التقليدية والحرف بالجلفة
علامة جماعية لإثبات منتجات الصناعة التقليدية وتشجيع الابتكار

أوضح كذلك، مدير غرفة الصناعة التقليدية والحرف لولاية الجلفة الربيع حمريط، أن هذه الحرفة التي تمارسها حوالي 3600 عائلة بمنطقتي مسعد والجلفة، أساسية وجزء من التراث المحلي، حيث تعتمد عليها هذه العائلات منذ عقود وبشكل كبير لتفوير قوتها، وقد كانت عملية إعداد المادة الأولية و النسيج، تتم عن طريق العمل الجماعي المعروف «التويزة»، حيث تجتمع النسوة سواء من نفس العائلة أو من جيران للعمل حول المنسج، وبذلك تلعب هذه الطريقة دورا كبيرا وحيويا في الحفاظ على هذه الحرفة وتوريثها للشباب والفتيات داخل العائلات وفي المنطقة.
ومن أجل الحفاظ على أصالة المنتوج التقليدي وتثمين خصوصياته الحضارية، وتشجيع الحرفيين على الإبداع والابتكار والرفع من قيمته المضافة يضيف المسؤول، تم وفقا للمرسوم التنفيذي رقم 97/390 ، وضع علامة جماعية لإثبات منتجات الصناعة التقليدية، التي تتوفر على جملة من المميزات الخاصة المحددة، ووضع حد للتقليد. كما عملت غرفة الصناعة بالجلفة على هذا الملف يقول حمريط، وذلك من خلال القيام بدراسة حول النسيج الوبري بالتعاون مع محطة البحث الزراعي بالجلفة سنة 2016، وكذا إنشاء تعاونية في النسيج الوبري من قبل «جمعية ريادة»، المتحصلة على دعم من طرف هيئة «كابدال» في إطار التمويل الثنائي من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومرافقتها من طرف الغرفة، عن طريق التكوين التطبيقي والنظري وتسخير مركز تثمين المهارات المحلية بمسعد.
مؤكدا، أن الهدف العام للعلامة هو التعريف بالحرفة وبالإقليم الجغرافي كونها مهمة في عملية تنمية الحرفي، في كل نشاط من النشاطات المرتبطة بالصناعة التقليدية المؤهلة لبلوغ مستوى الجودة المطلوبة في الأسواق الدولية، ومحاربة التقليد المزيف من خلال إبراز مميزات المنتجات الجزائرية. وترتكز إستراتيجية وضع علامات الصناعة التقليدية الجزائرية على تسمية ذات مستويين، وتعتبر علامة جماعية وهي ملك للدولة، فالمستوى الأول يشير محدثنا، يمثل العلامة الوطنية للصناعة التقليدية ويهدف إلى المساهمة في التعرف بشكل أفضل على جودة منتجات الصناعة التقليدية الجزائرية، ويمكن منحها للحرفيين المستوفين للمعايير الشاملة في كل النشاطات المرتبطة بالصناعة التقليدية والفنية. أما المستوى الثاني، فيخص العلامات المخصصة وتسمى صناعة تقليدية جزائرية «منتج ـ منطقة» منحت إدارتها إلى الغرف المحلية للصناعة التقليدية والحرف، و تتعلق التسمية بمنتجات صناعة تقليدية محددة مرتبطة بمنطقة جغرافية وهي مكملة للعلامة الوطنية، وتتميز خصائصها بمعايير شاملة إضافية ومستوى متطلبات أعلى من تلك الخاصة بالعلامة الوطنية.
ولإنشاء العلامة الجماعية، يتوجب التسجيل على مستوى المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية، و إطلاق الوسم وكذا مرافقة الحرفيين والحرفيات، ويتم استقبال الترشيحات على مستوى المعهد إلى غاية متابعة الحرفيين والحرفيات الموسومة منتجاتهم.
فارس قريشي 

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com