تعرض اليوم السلطات الولائية ببرج بوعريريج، مخططا شاملا لعصرنة المدينة يتضمن إنجاز ممر تجاري ضخم على امتداد الطريق الوطني رقم 45 في جزئه الواقع بمدخل عاصمة للولاية، وسيتم ضبط مجموعة من المقترحات تعرض على المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين.
وتم على مستوى مختلف المصالح والمديريات المعنية، التحضير لهذا اللقاء، حيث شهدت حركية مكثفة لضبط رؤية شاملة تهدف إلى عصرنة المدينة وخلق التكامل بين مختلف القطاعات، لتكون في حجم التطور الاقتصادي والصناعي، باعتبارها قطبا هاما على المستوى الوطني .
مخططات للرقي بالأحياء السكنية من مجرد مراقد إلى مدن عصرية
و وفقا لما استقيناه من معلومات، فإن اللقاء المرتقب مع المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين، سيتم خلاله عرض حصيلة إجمالية لقطاع الاستثمار والصناعة، فضلا عن عرض مجموعة من المقترحات لتطوير المدينة وعصرنتها، انطلاقا من الخطة المنتهجة للتحول العمراني باعتبارها استثمارا هاما في القطاع الخاص والعمومي، والتي ستتجاوز حدود التفكير التقليدي، حيث تسعى السلطات المحلية بالتعاون مع المتعاملين الاقتصاديين إلى رسم ملامح مستقبل واعد للمدينة، يعتمد على رؤية شاملة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تتعداه لتشمل التنمية الحضرية الشاملة .
وتوضع ضمن هذا المخطط، حسب ما استقيناه من معلومات، الانتقادات البناءة للمجتمع المدني بخصوص مخططات التهيئة المنجزة بمختلف المشاريع السكنية بالولاية، التي أهملت الجانب المتعلق بتوفير المساحات الخضراء ومساحات اللعب ومختلف المرافق المدمجة، إذ تم رفع عديد الانشغالات الموجهة للمديريات التنفيذية والمسؤولين المباشرين على قطاع السكن، لإعادة النظر في مخططات التهيئة لتوفير الظروف المساعدة على الراحة في الأحياء والتجمعات السكنية التي مازالت في طور الأشغال، والتركيز على تحسين الهندسة المعمارية وفتح المجال للمستثمرين الخواص للتوسع الأفقي في الترقيات الخاصة، ولم لا انجاز عمارات وأبراج سكنية، مع الابتعاد قدر الإمكان عن النمط السابق للمشاريع السكنية التي تحولت إلى شبه «مراقد» في ظل اكتساح الاسمنت لمحيطها و افتقارها لأدنى المرافق و المساحات الخضراء.
رؤية جديدة للتنمية ترتكز على التكامل بين القطاعات
ولتجاوز هذه الوضعية، سيتم عرض مخطط شامل وجملة من المقترحات بمناطق التوسع العمراني، على غرار منطقة بومرقد بعاصمة الولاية التي ستستقطب مشاريع سكنية هامة، والقطب السكني الجديد المرتقب بمنطقة الصفية ببلدية اليشير، لجعلها مدنا وأحياء سكنية عصرية تتوفر على جميع المرافق، حيث سيتم توفير جميع التسهيلات للمستثمرين، بهدف إحداث نقلة نوعية في المشهد الاستثماري والتنموي لمدينة البرج، من خلال الاستعدادات لتنظيم لقاءات تجمع بين السلطات الولائية والمتعاملين الاقتصاديين، بغية رسم خارطة طريق واضحة المعالم، تأخذ بعين الاعتبار متطلبات المستثمرين ورؤيتهم للمستقبل.
وتسعى السلطات الولائية إلى تفعيل الشراكة مع المتعاملين الاقتصاديين، من أجل رسم خارطة طريق واضحة، لا تنحصر الرؤية الجديدة فيها للتنمية على إنشاء المناطق الصناعية والتجارية التقليدية، بل تتعداها إلى خلق أحياء سكنية مدمجة، مزودة بكافة المرافق والخدمات الضرورية، من مراكز تجارية، وفنادق، ومؤسسات تعليمية وصحية، ومساحات خضراء، مما يجعلها جاذبة للاستثمار والسكن على حد سواء.
كما تهدف المبادرة إلى تحقيق التكامل بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، من صناعة وتجارة وخدمات، مع إعطاء الأولوية للمشاريع التي تساهم في خلق فرص عمل وتحقيق التوازن إذ تشهد الولاية تطورا كبيرا في الاستثمار الصناعي وإنفاقا كبيرا على المناطق الصناعية ومناطق النشاطات، في حين مازالت تعاني من تأخر كبير في الحركية التجارية والعمرانية .
رفع القيود للمساهمة في تغيير وجه المدينة
ويلاحظ حسب ما رصدناه من انطباعات للمستثمرين حول هذه المبادرة، التي استحسنوها، أنهم سئموا من بعض التصرفات ما جعلهم ينتظرون لقاء المسؤولين وتحين فرصة اللقاء المرتقب، للتعبير عن رؤيتهم ومقترحاتهم، لاسيما ما تعلق منها بمطلب رفع القيود الإدارية التي تعيق حركة الاستثمار في الولاية، على غرار قيود منع أصحاب الترقيات العقارية من التوسع الأفقي وانشغالات أخرى، وضعت في الحسبان، من قبل المسؤول الأول على رأس الولاية، الذي سبق وأن أكد في مختلف تدخلاته وتصريحاته سعيه إلى تذليل هذه العقبات وفتح باب الحوار من خلال الاستماع للمتعاملين الاقتصاديين وتلبية احتياجاتهم وتشجيعهم على الانخراط في مسيرة التنمية، مع ايلاء أهمية كبيرة لإشراك القطاع الخاص في تحقيق هذه الرؤية، من خلال الاستماع إلى اقتراحات المتعاملين الاقتصاديين، وتذليل العقبات التي تواجههم، وتوفير الحوافز اللازمة لتشجيعهم على الاستثمار في مختلف القطاعات.
التعويل على الاستثمار الخاص كشريك أساسي لإنجاح المبادرة
وتعول السلطات الولائية على الاستثمار الخاص، باعتباره شريكا أساسيا في تحقيق أهداف التنمية، حيث يتم التخطيط لتسهيل الإجراءات، وتوفير الحوافز اللازمة لتشجيع المستثمرين على المساهمة الفعالة في بناء مستقبل المدينة، إذ تتضمن الخطة توسيع النطاق العمراني للمدينة، مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب البيئية والاجتماعية، حيث يتم التخطيط لإنشاء مناطق سكنية جديدة، مزودة بكافة المرافق والخدمات الضرورية، مع الحرص على إضفاء الطابع الجمالي وتوفير المرافق الخدماتية والترفيهية والتجارية. و لم يعد الاستثمار مقتصرا على الجانب الصناعي فقط، بل سيتوسع ليشمل مختلف القطاعات، بما في ذلك الخدمات، والتعمير، والتجارة، والسياحة وتحقيق التكامل الذي يهدف إلى خلق بيئة استثمارية جاذبة، تشجع على إطلاق مشاريع متنوعة، تساهم في خلق فرص العمل، وتعزز النمو الاقتصادي، إذ تسعى السلطات المحلية إلى إعادة النظر في التخطيط الحضري للمدينة، من خلال دمج المناطق الجديدة في النسيج العمراني، وتحويلها من مجرد مراقد إلى أحياء سكنية متكاملة، مزودة بكل المرافق الضرورية، بما في ذلك المراكز التجارية، والعيادات الطبية والمدارس والفضاءات الترفيهية والتجارية.
قاطرة صناعية تعجز عن تحقيق الريادة التجارية
تواجه ولاية برج بوعريريج، التي حققت قفزة نوعية في المجال الصناعي والاقتصادي، تحديات كبيرة في تطوير قطاعها التجاري، وتحويله إلى قطب جاذب للمستثمرين والزبائن على حد سواء، فرغم ما حققته الولاية من تطور ملحوظ في البنية التحتية الصناعية، وكونها عاصمة صناعة الإلكترونيك في الجزائر، إلا أنها لم تتمكن من ترجمة هذا النجاح إلى ازدهار تجاري مماثل.ويظهر العجز جليا في عدم قدرة مديرية التجارة والغرفة الصناعية على تنظيم النشاطات التجارية العادية، حيث تتفاقم ظاهرة التجارة الفوضوية بشكل مقلق عبر مختلف بلديات الولاية، فبعد أن كانت هذه الظاهرة مقتصرة على الأحياء السكنية، امتدت لتشمل حواف الطرق الكبرى، مما يعكس فشل الإجراءات المتخذة للسيطرة عليها. ويعزى هذا العجز، بحسب مراقبين، إلى نقص الفضاءات التجارية المهيأة، وسوء تنظيم الأسواق المنتشرة في مختلف البلديات، كما أن غياب الرؤية الإستراتيجية لتحويل الولاية إلى وجهة تجارية وطنية، رغم موقعها الجغرافي المتميز، ساهم في تفاقم الوضع، فولاية برج بوعريريج التي تعد مفترق طرق بين مختلف ولايات الوطن، والتي حققت وثبة معتبرة في الجانب الاستثماري والصناعي، لم تستطع استغلال هذه الميزات لتحقيق الريادة التجارية ومازالت تفتقر لفضاءات تجارية بحجم التطور الاقتصادي والصناعي الحاصل، كما أنها لم تستفد من انجاز قصر للمعارض يليق بحركيتها الاقتصادية .
تأخر عن الركب التجاري
ولعل من بين المفارقات أن أغلب الصناعيين والحرفيين والتجار بهذه الولاية، أصبحوا يلجؤون الى تسويق منتجاتهم بولايات مجاورة تمكنت من استقطاب التجار من مختلف أنحاء الوطن، بفضل أسواقها المنظمة والجاذبة، مثل سوق العلمة وتاجنانت، ما دفع المستثمرين المحليين إلى العزوف عن فتح فضاءات تجارية كبرى، كما لم يتم بذل جهود كافية لتطوير الحركة التجارية في الولاية التي تفتقر إلى أماكن تسويق كبيرة مثل قصر المعارض، وتكتفي بتنظيم معارض موسمية في الخيم العملاقة أو قاعات الرياضة.
خزان للإنتاج الصناعي والفلاحي دون تسويق فعال
هذا الواقع جعل الولاية، مجرد خزان لتصدير منتجاتها الصناعية إلى الأسواق الكبرى في ولايات أخرى، دون الاستثمار في مجال التسويق الذي من شأنه أن يوفر فرص عمل للشباب البطال، كما حتم على التجار والمستثمرين المحليين البحث عن فضاءات تجارية في ولايات أخرى، في حين يقتصر النشاط التجاري في الولاية على النشاطات العادية كالخضر والفواكه والملابس في الأسواق اليومية التي تعاني هي الأخرى من الإهمال وانتشار الأوساخ، إذ تشهد الأسواق اليومية، مثل سوق بومزراق وسوق شريفي والسوق المغطي بوسط المدينة، فوضى عارمة وإهمالا ملحوظا، فضلا عن ظهور أسواق موازية ورواج التجارة الفوضوية في الأحياء السكنية وعلى أطراف الطرق، رغم التهديد الذي تمثله هذه الظاهرة على صحة المستهلكين.
يحتوي على مراكز ومساحات تجارية ... مقترحات لإنجاز ممر تجاري بمدخل المدينة
هذه الوضعية دفعت بالمسؤولين المحليين إلى البحث عن حلول ناجعة، ولعل من أبرزها دراسة مقترحات المستثمرين وغرفة الصناعة والتجارة، الداعية إلى تسوية وضعية الأراضي المجاورة للطريق الوطني رقم 45 في جزئه المتواجد بالمدخل الجنوبي لمدينة البرج عاصمة الولاية، وتحويله إلى ممر تجاري ضخم، يستقطب كبار التجار والمستثمرين، من خلال انجاز مراكز تجارية وترفيهية، فضلا عن تخصيص نقاط بيع ومساحات واسعة للصناعيين و كبار الفلاحين، وتحويلها إلى قاعات لعرض منتجاتهم على امتداد الطريق في جزئه الرابط بين بلديتي الحمادية والبرج والذي يتوسط المنطقة الصناعية بعاصمة الولاية و المنطقة الصناعية مشتة فطيمة الواقعة بإقليم بلدية الحمادية . وبات من الضروري أن تولي السلطات المحلية في ولاية برج بوعريريج اهتماما أكبر بتطوير القطاع التجاري، وتنظيم الأسواق، وخلق فضاءات تجارية جاذبة، لتحويل الولاية إلى قطب تجاري يوازي ما حققته من تقدم في المجال الصناعي والاقتصادي وإلا فإنها ستظل مجرد مصدر للمنتجات، دون أن تستفيد من القيمة المضافة التي يمكن أن يوفرها القطاع التجاري .
ع/بوعبدالله