الأربعاء 8 جانفي 2025 الموافق لـ 8 رجب 1446
Accueil Top Pub

فضاء ‘’أحكي لي القصبة’’ بمترو الجزائر: متحـــف افتراضــي حـول ماضـي القصبـــة

* معرض رقمي مفتوح على التراث العمراني والثقافي
تسترعي انتباه السياح و المترددين على محطة مترو ساحة الشهداء بالعاصمة، لوحات توجيهية تقود إلى قاعة للعرض السينمائي بتقنية العروض "ثلاثية الأبعاد" على مستوى الطابق الثاني السفلي (نزولا)، وهو عبارة عن متحف افتراضي تم إنشاؤه خٍصّيصا، لأخذ الزوار في رحلة عبر الزمن يتعرفون من خلالها على الماضي التليد لحي القصبة، سيما طابعها العمراني المتميز وأزقتها التي تقود إلى مختلف البيوت والقصور، ناهيك عن إبراز جوانب مختلفة من حياة سكان " المحروسة"، و لباسهم وعاداتهم وتقاليدهم الضاربة في عمق التاريخ.

روبورتاج: عبد الحكيم أسابع

ويعد هذا الفضاء الرقمي مشروعا سينمائيا مصغرا، يبث عروضا ثلاثية الأبعاد جاء كثمرة مجهود جماعي لأصحاب المؤسسة الناشئة " إسراء "، اختير له اسم " احكي لي القصبة"، وقد ظل منذ افتتاحه في شهر جويلية من صائفة 2023، يستقطب اهتمام وشغف عشاق تاريخ وتراث القصبة من زبائن مؤسسة مترو الجزائر.
هذا المشروع المبتكر الذي تم تجسيده، بالتعاون ما بين الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، ومؤسسة مترو الجزائر، يقترح على مستعملي المترو الشغوفين بالتقنيات الحديثة رحلة إلى حي القصبة العريق في إطار تجسيد افتراضي ثلاثي الأبعاد لكل تراث هذا الحي العريق، العمراني والثقافي والاجتماعي والتاريخي.
وخلال جولة قادتنا لزيارة هذا الفضاء المتحفي، أوضح مسؤول المؤسسة الناشئة، المشرفة على تسييره، نصر الدين العايب، أن الهدف من هذه المبادرة هو التعريف بالمخزون التراثي والتاريخي والعمراني للقصبة وإحياء التقاليد والعادات، وكل ما تحتضنه القصبة من معالم وتراث مادي ولامادي وتبسيطه للمتفرج من مختلف الفئات العمرية والمشارب، لإثراء معلوماته بخصوص هذا الحي التاريخي ورموزه وذلك بالاعتماد على التقنية ثلاثية الأبعاد ونظارة الواقع الافتراضي.
ويضم هذا الفضاء قسمين، يشمل القسم الأول على قاعة مجهزة بشاشة كبيرة تحتوي على 20 مقعدا معززة بنظارات خاصة لكل متفرج، وقاعة ثانية صغيرة مفتوحة تضم خمسة ( 5 ) كراسي مجهزة بنظارات الواقع الافتراضي، وهي التجهيزات الرقمية التي تتيح للمتفرج الولوج وعلى مدار 8 دقائق إلى مختلف الجوانب التاريخية للقصبة وعمرانها والسفر افتراضيا في أحيائها وأزقتها وساحاتها.
المشروع يدخل في إطار صيانة الذاكرة الوطنية
قال السيد العايب للنصر، إن فكرة تجسيد هذا المشروع الذي يدخل في إطار صيانة الذاكرة الوطنية، وفي هذه المحطة للمترو تحديدا، الواقعة في قلب العاصمة، بالذات باعتبارها محطة تلاقي هامة، جاءت كنتاج لفكرة مجموعة العمل المكونة لمؤسسته الناشئة، في أعقاب نجاح أول مشروع افتراضي تم من خلاله إعادة البناء الافتراضي للموقع الأثري الروماني بتيبازة، والذي لقي نجاحا وتتويجا في مسابقة عربية خارج أرض الوطن.
ولأن مؤسسته الناشئة متخصصة في تصميم وتجسيد المحتويات الرقمية ثلاثية الإبعاد يقول السيد العايب : "بادرنا بهذا المشروع الذي رحبت به مؤسسة مترو الجزائر، وأبرمنا بشأنه اتفاقية، لأهميته في تعريف السياح والمواطنين الجزائريين بتاريخ حي القصبة العتيق بالجزائر العاصمة، والذي يعد أحد أبرز المعالم التاريخية المصنفة من قبل منظمة اليونسكو في خانة التراث الثقافي العالمي.
وأضاف المتحدث: " لقد حرصنا في إعادة بناء كل حي القصبة من الواجهة البحرية المطلة على البحر، إلى غاية أعالي الحي، مبرزين أهم خصائص هذا الحي الأثري الذي بناه العثمانيون في القرن السادس عشر الميلادي، و الذي يلقبه كثيرون بـ «لؤلؤة الجزائر»، أو «عروس البحر الأبيض المتوسط»، قبل أن تتحول في العصر الحالي إلى أحد أهم وأجمل معالم التراث الإنساني العالمي.
وأشار العايب، إلى أن فريق العمل حرص خلال إعادة بناء القصبة افتراضيا، على مراجعة أهم الوثائق التاريخية التي تتحدث عن طبيعة عمرانها وسورها وأبوابها الأربعة ( باب الوادي، و باب الدزيرة، وباب البحر، وباب عزون) وهي المعالم التي قام المستعمر الفرنسي بطمسها خلال بنائه المدينة الأوروبية أسفل حي القصبة العتيق، غير أنه لحسن الحظ يضيف محدثنا، فقد كانت الكثير من المساجد والقصور والبيوت التي لم تطلها يد التخريب شاهدة على عراقة القصبة.
شعار لاستنطاق التاريخ و محاكاة الواقع
وعن سبب اختيار عنوان " احكي لي القصبة " كشعار لهذا العمل غير المسبوق، أكد صاحب مؤسسة " إسراء "، أنه مستمد من الطابع الحكواتي، في سرد التعليق المرافق للعرض الذي يتناول قصة تاريخية تعود جذورها لأكثر من قرن، في تقريب الرؤية التاريخية من عين المشاهد من خلال صوت المعلق، مبرزا بأن اختيار التعليق باللهجة العاصمية الدارجة يأتي لجذب الانتباه و الاهتمام سعيا للحفاظ على الذاكرة و الترويج للثقافة الجزائرية والتراث الجزائري المادي واللامادي الذي يتعرض في كل مرة لمحاولات السرقة والنهب.
وأضاف : "كما لاحظتم خلال العرض فإن المتحف يقوم على جانبين أولهما السردي للتعرف عن القصة الحقيقية لبناء القصبة، و أهم مراحلها التاريخية التي ساعدت على تكوينها، ثم الاعتماد على تقنية الواقع الافتراضي الذي ينقل الزائر أو المشاهد لعالم آخر يعيش فيه تجربة زيارة قصور القصبة وأزقتها، تجسيدا لمحاكاة تجمع بين الحقيقية و العالم الافتراضي».
وأشار العايب، إلى وجود اهتمام غير مسبوق من الشباب بالتراث و التاريخ حيث اتضح كما قال، أن جيل اليوم شغوف ومهتم بتاريخ و أمجاد الآباء والأجداد، لذلك علينا الأخذ بعين الاعتبار هذا الاهتمام، من خلال صناعة المزيد من المحتويات التي تشبع شغفه، من خلال الأساليب الرقمية وما تتيحه التكنولوجيات الحديثة في هذا المجال، مبرزا بأن ذلك ما شجعه على مباشرة التحضير لإنتاج أجزاء أخرى بنفس التقنية يتم التطرق فيها إلى اللّباس التقليدي والمساجد العتيقة، وقصور القصبة.
دعوة للمؤسسات الناشئة لإعادة بناء المواقع الأثرية افتراضيا
وقال العايب : "إن كنا في الجزء الأول من هذا العمل الترفيهي، قد حرصنا على إعادة بناء القصبة بأسوارها المطلة على البحر، وتكريسه لإبراز خصوصية هذا النمط المعماري الذي كان سائدا في تلك الفترة، لتزويد الزائر أو السائح بمعلومات وصور حول ماضي هذه المدينة العتيقة، فإننا نهدف في المقابل إلى تشجيع المؤسسات الناشئة لإعادة بناء المواقع الأثرية الأخرى المصنفة من طرف وزارة الثقافة والفنون، ونحن على يقين بأنه سيكون لهذه الأعمال فائدة ثقافية ومردود اقتصادي هام".
وفي سياق ذي صلة، أشاد صاحب المؤسسة الناشئة التي جسدت المشروع، بأن المتحف الافتراضي للمترو لقي تجاوبا كبيرا من طرف الجمهور الذي يتوافد بدون انقطاع على هذا الفضاء المتحفي بشكل متزايد منذ افتتاحه، مشيرا إلى أن هذا الفضاء يستقبل الزوار فرادى وجماعات وأفواجا منظمة من مختلف فئات الزوار وخاصة تلاميذ المؤسسات التربوية، ومن مختلف المناطق.
تجدر الإشارة، إلى أن الاعتراف العالمي بحي القصبة العتيق لم يأت من فراغ، ففي أزقته تجتمع القصص والحكايات التي تجعل العابرين للمكان يشعرون بالفخر.
وقد صنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، حي «القصبة» عام 1992، ضمن التراث الإنساني العالمي، ووصفتها بأنها من أجمل المواقع المطلة على المتوسط.
وبنيت المدينة حسب ما ذهب إليه منتج العرض الترفيهي التاريخي، وفق الطراز العثماني، وتشبه في تفاصيل أبنيتها المتاهة، فأزقتها تتداخل وتنتهي معظمها بأبواب منازل، بحيث لا يستطيع الغريب الخروج منها دون دليل. وتضم «القصبة» عدة قصور أهمها قصر «الداي» (الحاكم العثماني)، أو كما يعرف بدار السلطان، وقصور «الرياس»، و«خداوج العمية» و«دار عزيزة».
كما يحتوي هذا الحي – المدينة، المشيد على الطراز العثماني على مساجد عديدة، منها «الجامع الكبير»، و«الجامع الجديد»، و»جامع كتشاوة» ، إضافة إلى جوامع «علي بتشين»، و«السفير»، و«السلطان»، و«سيدي رمضان».
وتتميز منازل «القصبة» بطابع معماري خاص، أبدع مصمم المتحف الافتراضي على محاكاته، فكل منزل مبني على قطعة أرض مربعة ويتوسطه ساحة مكشوفة في منتصفها نافورة مياه صغيرة، وحولها وزعت غرف البيت، في هندسة معمارية إسلامية متميزة وفريدة، شأنها في ذلك شأن قصور القصبة.
ولا يجب اعتبار القصبة مجرد حي عتيق، فهي معرض مفتوح على التاريخ بكل حقباته التي مرت على العاصمة الجزائر أو "دزاير" كما ينطقها ساكنتها وعموم ساكنة مختلف أنحاء البلاد.
ويوجد في أسفل القصبة اليوم عدة قصور أهمها قصر "الداي" الذي يعرف أيضا بدار السلطان، وقصور «الرياس»، و«خداوج العمية»، و»دار عزيزة، وكل منها يروى حوله أساطير وروايات، يعد السيد العايب أن يسلط الضوء عليها في الأجزاء المقبلة من عمل مؤسسته الناشئة.
وتمتاز هذه القصور، بأبوابها الحديدية العالية التي يوجد بها مقبضان للطرق، واحد في وسط الباب والآخر في الأعلى، وحسب ما هو متداول، فإن المقبض العلوي، كان يستعمله الأمراء والوجهاء عند عودتهم لبيوتهم، لأنهم كانوا يحرصون على عدم النزول من أحصنتهم عند دق الباب، حتى تبقى هيبتهم كبيرة بين الناس.
ومعلوم أنه بعد الغزو الفرنسي على الجزائر سنة 1830 وسقوط حكم العثمانيين، بدأ تاريخ جديد للقصبة، فقد تحولت لمركز للجزائريين المسلمين في المدينة الباحثين عن الاحتفاظ بهويتهم وعدم الاختلاط مع المعمرين الذين شيدوا مساكن حديثة محاذية للقصبة وشوارع بعمران أوروبي مختلف تماما، وتغير بفعل حركة البناء الجديدة، جزء من واجهة القصبة السفلية، كما طمست بعض المعالم كما لو أن الاستعمار حاول إخفاء القصبة وجعلها في ظهر العاصمة الجزائرية بعد أن كانت على مدار قرون في الواجهة، لكنه لم يكن يعلم، وفق ما سارت إليه حركة التاريخ بعد ذلك، أن هذه المدينة التي لا تموت ستكون بعد قرن و20 سنة من احتلال البلاد، القلب النابض في معركة تحرير البلاد وأنها ستدفع في سبيل ذلك من كل بيت شهيدا أو شهيدين.
وبالفعل، بدأ الوعي الوطني بالتحرر من المستعمر، باكرا في القصبة مع ظهور الحركة الوطنية التي ناضلت في البداية سلميا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وساهمت في بروز الشخصية الجزائرية بأبعادها ومقوماتها التي لا يمكنها الذوبان في الوعاء الفرنسي.
ولما حان وقت الكفاح المسلح، كانت القصبة في الطليعة، وتحولت بسرعة فائقة إلى مركز عمليات، فقد احتضنت قيادة "معركة الجزائر" وهي سلسلة العمليات الفدائية التي عاشتها العاصمة الجزائرية من نهاية سنة 1956 إلى غاية سبتمبر 1957 والتي أشرف عليها كبار قادة الثورة.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com