يحاول أعضاء بنادي التواصل بكلية علوم الإعلام والاتصال والسمعي البصري، بجامعة صالح بوبنيدر قسنطينة 03، تغيير النظرة النمطية للعلوم الإنسانية من خلال تحويلها إلى مجال يتفاعل فيه طلبة من جامعات وكليات مختلفة مع بعضهم البعض، على غرار كليتي الطب والصيدلة حيث يحاكون في النادي الجامعي قاعات التحرير، و"استوديوهات" تقديم البرامج والحصص، بما يقدمونه من أنشطة وإنتاجات يوظفون فيها شغفهم بالإعلام والصحافة.
روبورتاج/ إيناس كبير
استقبلنا رئيس النادي الطالب رشيد تهامي بن علي، رفقة بعض الأعضاء خلال زيارتنا إلى الكلية، وعند دخولنا لاحظنا أن ترتيب المقر يوحي بنوعية الأنشطة التي تمارس فيه، حيث توفر على مجموعة من الكتب والمجلات، بالإضافة إلى معدات لإنتاج "البودكاست" على غرار أجهزة التسجيل والإضاءة، بالإضافة إلى الحواسيب، وقد علمنا من الطلبة أنهم يرتبون لتصوير حصة "بودكاست"، في ركن مجهز يشبه "استوديو" تصوير مصغر.
لمسنا في الأعضاء الذين تحدثنا إليهم، حبهم لمجال الإعلام والصحافة ورغبتهم في إحداث التغيير والتأثير، من خلال استغلال فرصة تواجدهم في الجامعة للاستفادة من خبرات الأساتذة والمهنيين الذين يحتكون بهم خصوصا في الورشات التي ينظمونها أو التي تبرمجها الكلية، ليطبقوها في أنشطتهم وتقديم منتج جدي لطلبة آخرين، وهو ما أجمعوا عليه فقد أعربوا عن رغبتهم في إشراك كل الطلبة في التطوع الثقافي، حتى يستغلوا وقتهم في أنشطة مفيدة توازي تكوينهم وتنمي مهاراتهم.
أعضاء النادي من طلبة برزوا أيضا خارج الكلية بما اكتسبوه من خبرات ومهارات، حيث كرُم مؤخرا كل من رئيس النادي رشيد تهامي بن علي والطالبة فاطمة الزهراء رصرص، في مسابقة مؤسسة أريج لطلبة الجامعات العربية بالأردن، بعد تتويج تقريرهما "الجرح المخفي... القيود النفسية لصحفي غزة في زمن الأزمات".
أنشطة وورشات جددت التوجه نحو التخصص
في بداية كل سنة يجتمع المنخرطون السابقون بطلبة كلية علوم الإعلام الجدد، للتعريف بأنشطة نادي التواصل وأقسامه، و التشجيع على الالتحاق بالعمل الطلابي.
يقول رئيسه وهو طالب سنة ثالثة ليسانس تخصص إعلام، إنهم مهتمون أيضا بالخرجات الميدانية التي يضعونها في قالب إعلامي ليعرفوا الناس بأهمية المجال، فقد زاروا مدرسة ابتدائية قدموا فيها أنشطة للتلاميذ حول التربية الإعلامية، وقد اعتبر رشيد، هذه التجربة مهمة خصوصا في الوقت الراهن "حيث يجب أن يتعلم الطفل الاستخدام السليم للهواتف الذكية وتصفح الإنترنت بأمان" كما عبر.
كما كانت لهم زيارة إلى متحف المجاهد، وخرجة ميدانية إلى مدينة "تيديس" الأثرية نظمها قسم التصوير التابع للنادي، أما عن الحملات التحسيسية التي ينشطونها، فأوضح بأنها تصب في قالب توعية المواطنين، إذ برمجوا قبل أشهر حملة حول سرطان الثدي.
يشارك طلبة النادي كذلك، كمنظمين في الفعاليات التي تبرمجها الكلية، وبحسب رئيسه، فإنهم يشكلون خلية إعلامية تقوم بتغطية النشاطات، مثل الطبعة الثانية للملتقى الطلابي للفكر والإبداع، أين قدموا ستة أعمال سمعية بصرية، وأكثر من 45 مقطعا مصورا نالوا بفضلها ثناء الأساتذة، ومدير الجامعة، وكذا رئيس المنظمة الطلابية الحرة الجزائرية.
ويفتح النادي أبوابه لطلبة من تخصصات مختلفة ومستويات عديدة، ليطلقوا العنان لمواهبهم ومهاراتهم، وذكر الطالب أن ذلك يكون من خلال ورشات يؤطرها مهنيون وأساتذة، إذ نظموا السنة الفارطة 17 ورشة استفاد منها طلبة في مجالات عديدة، بالإضافة إلى أربع ورشات أُطرت مؤخرا حول إدارة الحوارات في البرامج التلفزيونية، وفن التحدث والإلقاء،والتعليق الصوتي،وورشة في تسوية اللسان،ورشة الكتابة الإبداعية، وهي مهمة حسب الطالب في تكوين الخبرة.
كما يحاولون إيجاد حلول للمشاكل التي تواجه الطلبة خصوصا في جانب الممارسة، وفتح الباب أمامهم لتطبيق ما يتلقونه من معارف نظرية وتعرف هذه الورشات إقبالا كبيرا فقد كشف رئيس النادي، عن استقبال العديد من الراغبين في التسجيل، رغم أن عدد المقاعد المتاحة لا يتجاوز25 مقعدا.
وتتفرع عن النادي أقسام يشرف عليها طلبة أظهروا اهتمامات في مجالات متنوعة على غرار، قسم اللغة الإنجليزية، والبودكاست، وكرة التواصل، وقسم تسوية اللسان، والسينما، وتي نيوز، وهو قسم متخصص في الدوبلاج والتعليق الصوتي، وآخر في التصميم والتصوير، والمطالعة. وعن هذه التوليفة قال رشيد، إنها جمعت طلبة من كليات أخرى مهتمون بهذه المجالات حيث يحضرون الحصص ويتفاعلون مع أفكار ومحتويات متنوعة، مضيفا أن الغاية منها استهداف طلبة الجذع المشترك حتى يغرسوا فيهم روح العمل الطلابي ويكتشفوا وجها جديدا للجامعة يلبي طموحاتهم، وفي هذا السياق، يرى بأن نشاطات النوادي الطلابية جعلت نوعية الطلبة أيضا تتغير فقد أصبحوا يعبرون عن اهتماماتهم كما يجدون أنفسهم في جو يخدم الحماس.
ومن خلال تفاعل النادي وبروزه في محافل عديدة، بحسب ما اطلعت عليه النصر، بعد متابعتها لصفحته الرسمية طوال السنتين الأخيرتين، فقد استطاع الطلبة تحقيق قفزة نوعية جعلتهم يلفتون الأنظار، حيث غير النادي النظرة السائدة عن العلوم الإنسانية التي يرى البعض بأنها "مجالات غير تطبيقية".
وفي هذا السياق، أخبرنا الرئيس الحالي للنادي، أن هذا التحرك بدأ منذ سنة في عهدة الرئيسة السابقة حسنى منور، وقد قاموا في البداية بتكوين فريق يتمتع بخبرات ومن جنسيات مختلفة مثل الأردن، وسوريا، والسودان، وفلسطين، كما تحدث عن دعم كلية علوم الإعلام والاتصال والسمعي البصري لطلبتها في الجانب الثقافي، من خلال توفير العتاد البيداغوجي، ووضع الاستوديوهات تحت تصرفهم لأجل نشاط الورشات فضلا عن أن دعم مديرية الأنشطة الثقافية والرياضية، ساعد على ضخ دماء جديدة في نادي التواصل. وكشف رشيد، أنهم يحضرون لأنشطة جديدة منها مسابقة المنشط الصغير التي ستكون بين تلاميذ المدارس الابتدائية، حيث سيختارون أفضل منشط صغير في قسنطينة، وملتقى طلابي يحاكي الجانب البيداغوجي يحضر من خلاله الطلبة مداخلات وورشات حول كتابة المقالات العلمية، بالإضافة إلى مؤتمر إعلامي سيستضيفون خلاله، شخصيات بارزة من الجزائر وخارجها.
مواهب في إنتاج "البودكاست"
التقينا بالطالب في قسم الإعلام سنة ثالثة ليسانس، والمشرف عن قسم البودكاست، ضيف الله التجاني، وهو من دولة السودان، ومن خلال دردشة جمعتنا به أخبرنا بأن قسم "البودكاست" كشف عن مواهب كثيرة كانت مختبئة بين جدران الكلية، لكنها في حاجة إلى تدريب وتأطير خصوصا في جانب إجراء الحوارات، والتعامل مع الكاميرا والمايكروفون.
واعتبر، أن هناك طلبة متميزين جدا، لكنهم لا يملكون العتاد الخاص لإبراز مواهبهم، لذلك يقول إنهم في نادي التواصل يغطون هذا الجانب حيث يوفرون الوسائل المساعدة في إنتاج الحصص، مردفا بأن الأعضاء يحضرون عادة أجهزتهم الخاصة من آلات تسجيل وتصوير ويضعونها في خدمة زملائهم كذلك.
وقد كانت أول حصة في هذا القسم بمثابة مدخل إلى صناعة البودكاست، تحدثوا فيها عن جوانبه المختلفة، حتى يختار الطالب وفقا له، النوع الذي يرتاح فيه.
ويضع الطلبة من خلال هذا القسم أنفسهم في تجربة تحاكي ما يجري داخل استوديوهات التصوير، حيث يستفيدون من هذه التجربة في جانب تعلم العفوية والتلقائية في الإلقاء ومناقشة الأفكار، والصدق في الكلمات ثم يوظفون ذلك في إنتاج برامج خاصة بهم، وهو ما أخبرنا به المشرف عن القسم، حيث عرض طلبة أعمالهم كما باشروا في تصوير مجموعة منها، وأخرى ضُبطت وعُدلت وهي في مرحلة المونتاج، بينما بعض منها جاهز للنشر.
وأشار، إلى مجموعة من العناوين مثل "بودكاست تجرأ تنجح" الذي تتطرق فيه طالبة لتجربتها وينتمي إلى مجال تطوير الذات، وبرنامج آخر يتحدث عن شخصيات تاريخية ملهمة يستفيد الطلبة من تجاربها، و"بودكاست قصيدة وقصة"، وكذا مقابلات مع أشخاص يشاركون تجاربهم في التوفيق بين التطوع الثقافي والدراسة.
وفي ختام حديثه، دعا الطالب زملاءه إلى استغلال فرصة تواجدهم في الجامعة التي توفر بيئة خصبة لإبراز المواهب.
التحضير لمشروع فيلم سينمائي قصير
وعن قسم السينما، أوضح المشرف عليه نضال خلايفية، طالب سنة ثالثة ليسانس تخصص إعلام، بأنهم يعملون على تكوين فريق في مجال الإنتاج السينمائي، من أجل إنجاز مشروع فيلم سينمائي قصير، وعلق نضال "نعلم أن أعمالا عديدة تقدم مجتمعات أخرى في صورة متدنية، لهذا سيكون هدفنا من خلال هذا المشروع نشر ثقافتنا، والحفاظ عليها من خلال تجسديها أفكارنا سينمائيا".
كما تحدث، عن طريقة العمل المنتهجة في القسم، وأوضح بأنهم يركزون على الأفلام التي تتضمن حروبا أيديولوجية، خصوصا التي تتحدث عن كواليس الإعلام والصحافة، مثل فيلم "نايت كرولر" الذي برمجوا حصة لمناقشته في مقر نادي التواصل بعد مشاهدته جماعيا.
وأردف نضال، بأن نظرته إلى الأعمال السينمائية تغيرت كثيرا حيث أصبح يعطي لكل فيلم حقه من التركيز، مع الانتباه إلى تفاصيل التصوير والمونتاج والإضاءة، والحوار والسيناريو، موظفا في ذلك أدوات البحث العلمي للكشف عن الظواهر الاجتماعية المعالجة، والتعرف على التوجهات والآراء.
ويبرمج القسم أيضا، خرجات إلى السينما في ولاية قسنطينة، وقد نتج عنها شراكة جمعت نادي التواصل بجمعية "نوميديا للفنون" حيث التقوا بأعضائها في متحف السينما، وقاموا سوية بالاستمتاع بمشاهدة الفيلم الجزائري "حليم الرعد" الذي قال، إنه غير نظرته للسينما الجزائرية ودفعه للاهتمام بها أكثر، وقد أُعجبت الجمعية بأفكار الطلبة والأهداف المسطرة للقسم، وأفاد الطالب أنهم اتفقوا على برمجة ورشات مع مختصين بداية بورشة كتابة السيناريو.
قسم كرة التواصل نموذج شباني لأخلقة الإعلام الرياضي
استطاع قسم "كرة التواصل" جذب فئات عديدة وطلبة من تخصصات أخرى، وفقا للمشرف عليه الطالب بالسنة الثالث ليسانس تخصص إعلام، عصام يحيوش، الذي أوضح لنا بأنهم تمكنوا من استقطاب الطلبة من خلال التطرق للدوريات الكروية التي لها شعبية، مضيفا بأن الحلة الجديدة التي ظهر بها نادي التواصل خصوصا من ناحية التجهيز واعتماد خطة عمل، جعل طلبة من تخصصات أخرى يلتفتون إلى كلية الإعلام والاتصال.
ويجد المشارك في القسم حصصا ترفيهية، وأخرى في جانب التحليل التكتيكي، ويتلقون مبادئ في كتابة التقارير الصحفية، وإلقائها كما يتيح لهم النادي نشرها على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، الخطوة التي يرى عصام أنها تساعد الأعضاء على البروز خارج الجامعة أيضا.
ويحاول الطلبة في قسم "كرة التواصل" تكريس أخلاقيات مهنة الصحافة وتأديب الخطاب الإعلامي للطلبة صحفيي المستقبل،بالقضاء على التعصب للفرق الرياضية والآراء، وقد عبر عصام عن سعادته إذ أن النادي لم يشهد إلى حد الساعة هذا النوع من التجاوزات في حصص النقاش والتحليل، معلقا "لطالما كان شعارنا أن كرة القدم مجرد لعبة ترفيهية"، كما تمنى الطالب أن تكون هناك نماذج لنواد علمية جامعية في ولايات جزائرية أخرى تقدم صورة حسنة عن مجال الإعلام.
استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي
ساعدت النشاطات التي يشرف عليها الطلبة وتفاعلهم في النادي، على تمكنهم من تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضا، وتوظيفها في أعمالهم وتنظيم الملتقيات والفعاليات.
ويقول عصام، إنه يعتمد على التقنيات الحديثة في تسجيل التقارير الصحفية، وتركيب الفيديو، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا في نشاط قسم "كرة التواصل"، مثل إجراء القرعة بين المشاركين لضمان الشفافية.
أما نضال، فيعتمد على اليوتيوب للاطلاع على تحليلات الأفلام السينمائية، فضلا عن استخدامه تطبيق "أي أم بيدي" للتعرف على تقييمها وآراء المشاهدين فيها، كما يستخدم أيضا تطبيق "ديسكورد" الذي يدعم خاصية مشاركة الشاشة في المشاهدة الجماعية للأفلام مع أعضاء النادي.
ولم تقتصر تجربة الطلبة في نادي التواصل، على اكتساب المهارات والتمكن من التكنولوجيا، بل أثرت أيضا على شخصيتهم، فأميمة طيار طالبة سنة أولى ماستر تخصص سمعي بصري، تحدثت عن التغير الذي لمسته بعد انضمامها إلى الفريق الطلابي، مشيرة إلى إنها كانت خجولة يصعب عليها التعبير عن أفكارها، إلا أن الخطوة التي اتخذتها جعلتها تكتسب خبرات جديدة وتعيش تجارب مختلفة ربطتها بمجال الإعلام وحسنت موهبتها في تقديم الأخبار. إ.ك