قال فنان المالوف الشاب سيف الدين طورش، بأن الفن القسنطيني يعيش مرحلة جديدة من الانتشار، بفضل الترويج الواسع الذي يقوم به فنانون وفرق شبانية عبر الفضاء الافتراضي، ما مكن من وصول هذا الفن العريق بتنوع طبوعه إلى عديد البلدان، ورفع معدل الطلب على ممارسيه إلى مستوى غير متوقع، كما أعاد له مكانته محليا، بعد أن خفت وهجه في سنوات مضت، وتراجع حضوره في الساحة الفنية وفي الأعراس لحساب طبوع أخرى.
حاورته / أسماء بوقرن
العيساوة مهدت طريقي نحو المالوف وتأسيس فرقة
ـ النصر: سيف الدين طورش من الفنانين الشباب الذين نجحوا في فرض مكانتهم في الساحة الفنية بفن عريق وتأسيس فرقة شابة، كيف كانت بدايتك؟
ـ سيف الدين طورش: ترعرت وسط عائلة تتذوق فن المالوف أبا عن جد، وقد كنت أهوى هذا الفن منذ صغري، ودائم التردد على الزاوية الرحمانية، أين تذوقت فن العيساوة وأحببته لأجد نفسي مؤديا وعازفا، فبدايتي الفعلية كانت بفن العيساوة وأنا ابن 14من العمر، حيث تعلمت أبجدياته في الزاوية الرحمانية واكتسبت خلفية عن كل الطرق العيساوية، واكتشفت الفنان الذي بداخلي والمؤهلات التي أمتلكها والتي ساعدت في تعلمي المبكر للعزف والأداء وبعد سنوات انتقلت إلى جمعيات المالوف، والمعهد البلدي للموسيقى أين تعلمت طبوعا أخرى على رأسها المالوف.
ـ اكتسبت أبجديات فن العيساوة في الزاوية الرحمانية، من هم المشايخ الذين كان لهم الفضل في صقل موهبتك الفنية؟
ـ هناك فنانون كثر كان لهم الفضل في تأطيري وتكوين جيل من شباب اليوم، ومن بين الشيوخ الذين تتلمذت على أيديهم الفنان سليم مزهود والقرعيشي، ولم أكن أكتفي بما يقدم لي وإنما عملت بجد واجتهدت في تكوين ذاتي لتعلم مختلف الطرق العيساوية، كالرحمانية والحنصلية، وكنت من محبي الطريقة الرحمانية، فتعلمت العزف على عدة آلات إيقاعية وهي الدربوكة التي أعشقها والبندير والطار.
الكمان رفيقي الدائم
ـ كيف انتقلت من العيساوة إلى المالوف؟
ـ العيساوة مهدت طريقي نحو فن المالوف، وأعتبرها قاعدة انطلاق، بحيث تمكنت بفضل التكوين والأداء في العيساوة من تحسين مستواي والقدرة على التحكم في الطبقات، أما بداياتي في فن المالوف فكانت في سن 17، وتحديدا سنة 2007 بعد التحاقي بالمعهد البلدي للموسيقى، أين تعلمت الصولفاج واكتسبت قواعد جديدة في فن المالوف.
التحقت بعدها بجمعية وفاء لفن المالوف، أين أثريت مسيرتي وطورت مكتسباتي ومهاراتي الفنية، حيث اكتسبت القدرة على العمل ضمن مجموعة والعزف مع أفرادها بانسجام، كما تعلمت النوبة، وبفضل الجمعية اكتشفت موهبتي أكثر وتعلمت العزف على آلات وترية، اخترت من بينها الكمان، الذي لا أستطيع استبداله بآلة أخرى، فالآلة رفيقتي الوفية في كل العروض وتعطيني دافعا للأداء بشكل جيد.
ـ ما خصوصية الكمان بالنسبة لك مقارنة بباقي الآلات الموسيقية؟
ـ الغناء والعزف على آلة الكمان في وقت واحد له خصوصية فريدة، تبث في الفنان متعة لا مثيل لها بالرغم من صعوبة ذلك، ويعتبر الحاج محمد الطاهر الفرقاني قدوة لي، باعتباره من أعمدة هذا الفن، فقد كان فنانا يجيد الجمع بين العزف والأداء.
ـ طبوع الفن القسنطيني متنوعة، فأيها تتقن وتراه الأنسب لطبقة صوتك؟
ـ هناك عدة طبوع كالحسين والزيدان والمايا والرمل مايا والرهاوي، المحاجز والزجل، وفن المالوف هو عبارة عن نوبة، وما تعلمته خلال مسيرة تكويني هي النوبة، أما الطبوع الأخرى كالمحاجز وغيرها، فتستدعي اجتهادا شخصيا من الفنان، وقد تعلمت أداء عدد منها عن طريق السمع، كطابع المحجوز مثلا الذي يؤدى في الأعراس.
أغاني الفرقاني بمثابة دروس فنية في الطبوع القسنطينية
ـ ماهي الأسماء التي اعتمدت على رصيدها الفني في تعلم الطبوع؟
ـ الاسم الأول غني عن التعريف، وهو الحاج محمد الطاهر فرقاني، أغانيه بمثابة دروس فنية موسيقية، وكذلك الفنان ريمون.
ـ متى كان أول أداء فردي لسيف على الخشبة؟
ـ أول أداء لي كان خلال فترة انخراطي في جمعية وفاء، والتي قضيت بها 4 سنوات، حيث أتيحت لي فرصة للغناء فوق ركح مسرح الحاج محمد الطاهر الفرقاني، أديت مقطعا بنوع بطايحي من نوبة لمنجبة، وتفاعل معي الجمهور، ما شكل لي حافزا قويا للمضي قدما والانطلاقة الفعلية في الأداء الفردي.
عمر فرقتي 14 سنة
ـ هل كانت تلك المحطة دافعا لتأسيس فرقتك الخاصة؟
ـ نجاح أول أداء لي على الخشبة دفعني لتأسيس فرقة سنة 2012، تتكون من ست عناصر ويصل عددها إلى 10 أو 12 فردا، في الحفلات الرسمية ،حيث أحييت في نفس السنة حفلا فنيا بمسرح قسنطينة، وأعتبره شاهدا على انطلاقتي الفنية، بعدها حققت نوعا من الانتشار واتضح ذلك من خلال الدعوات التي تلقيتها من قنوات التلفزيون ومن عائلات لإحياء الأفراح، حيث أقدم أغان قسنطينية عريقة بطبوع متنوعة من بينها المحجوز والطقطوقات والزجل وغيرها.
ـ حدثنا عن جمهورك؟
ـ لتحقيق النجاح الفعلي وكسب قاعدة جماهيرية يتوجب أولا تقديم هذا الفن بصدق، فالصدق في الأداء والاجتهاد مهمان لجذب الجمهور، وهو ما تحليت به خلال مشاركتي في المهرجان الدولي للمالوف سنة 2015، خلال تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، أين كنت أصغر فنان مشارك في المهرجان إلى جانب فنانين من دول أجنبية،.
ـ انتشرت عديد فرق الهدوة والعيساوة الشابة، هل هذا مؤشر على اهتمام الجيل الصاعد بهذا الفن ووجود مواهب غنائية؟
ـ حقيقة هناك اهتمام من الشباب بإحياء الفن القسنطيني والترويج له، غير أن الغائب اليوم هو الاجتهاد لتقديم صورة جميلة تليق به ولا تشوهه، فتساهم مساهمة فعلية في الحفاظ على التراث ونقله بأمانة وعلى أصوله للجيل القادم.
وأتأسف لاستغلال البعض لفكرة انتعاش الفن وعودته القوية بعد سنوات من العزلة، لممارسته كتجارة من خلال فرق الهدوة لتحقيق الربح السريع، دون الاكتراث بقيمة التراث، ومسؤولية نقل الرسالة الفنية دون تشويه أو تحريف، خاصة وأن هناك أسماء فنية شابة تمتلك مؤهلات وخامات صوتية رائعة وقادرة على حمل مشعل مشايخ وكبار الفنانين القسنطينيين.
ـ من هم الذين تراهم أقدر على حمل مشعل شيوخ العيساوة والمالوف؟
ـ عباس ريغي وعدلان فرقاني، أسماء فنية فرضت نفسها وصنعت شهرتها وقادرة على حمل المشعل، إلى جانب فنانين شباب آخرين بإمكانهم ترك بصمتهم والمساهمة في تقديم صورة تليق بقيمة فن المالوف.
مواقع التواصل أعادت البريق للفن القسنطيني
ـ هل ترى بأن وسائل التواصل شجعت أسماء شابة على الظهور وأنعشت هذا الفن؟
ـ مواقع التواصل أخرجت فنانين وفرق شابة للجمهور، ومكنت من إعادة البريق للفن القسنطيني، الذي تراجعت مكانته في فترة ما وصار غريبا حتى في الأعراس، أما اليوم فنلاحظ بأن عديد العائلات خاصة الميسورة تفضل فرق المالوف أو العيساوة على "دي جي"، الذي شاع اعتماده، كما أصبح هناك طلب كبير على فرق الهدوة، نتيجة نجاح العملية الترويجية خاصة عبر إنستغرام وتيك توك، حيث حققت مقاطع فيديو للهدوة القسنطينية مشاهدة وتفاعلا كبيرين، ما رفع معدل الطلب على الطابع في الأفراح.
ـ هل ترجع انتشارك في الساحة الفنية إلى الفضاء الافتراضي؟
ـ صفحاتي على مواقع التواصل مكنت من توسيع شهرتي في الواقع وتحقيق انتشار كبير في العالم الافتراضي، حيث تصلني دعوات لإحياء الأعراس من مختلف ولايات الوطن، وحتى من خارج الوطن خاصة فرنسا، واليوم مواقع التواصل بمثابة نافذة الفنان على جمهوره. أ ب