السبت 5 أكتوبر 2024 الموافق لـ 1 ربيع الثاني 1446
Accueil Top Pub

المجاهد جبلي بوجمعة ابن بوداود بميلة : فرنسا استعملت أعتى الأسلحة و وحشيتها رسخت الإيمان بالاستقلال


التحق بالثورة وهو في سن 16، كاتبا لمسؤول الأخبار بالقسم الثالث، بعد تعلمه الكتابة والقراءة وحفظ القرآن في سن مبكرة، المجاهد جبلي بوجمعة، من أبناء ميلة، الذين عاشوا الكثير من المعارك بإقليم المنطقة الشمالية وبالتحديد ببلدية تسالة لمطاعي، حيث سقط مئات الشهداء على غرار معركة «النغامش»، يتحدث للنصر بمناسبة الذكرى 62 لاستقلال الجزائر، ويستعيد بعض الشهادات عن الثورة التحريرية، وكيف انطلقت الثورة بمنطقته وانضمامه لجيش التحرير الوطني.

ولد المجاهد جبلي بوجمعة، في 7 جوان 1942 بقرية بوداود ببلدية تسالة لمطاعي، والتي كانت معقلا للثوار بفضل غطائها الغابي الكثيف و احتوائها على أودية وشعاب بالإضافة إلى المسالك الجبلية الوعرة، أين ترعرع وسط أسرة ثورية لطالما آمنت بالحرية و استعادة السيادة الوطنية، وهي التي كانت سنده في تعلم الكتابة وحفظ آيات من القرآن الكريم، رغم الظروف القاسية التي عاشها بالقرية تحت حصار المستعمر الذي عاث فيها فسادا، ناهيك عن وفاة والده وهو في سن التاسعة.
الثورة علمتنا قراءة وحفظ القرآن ...
يستذكر المجاهد، كيفية تعلمه القراءة وحفظ كتاب الله، قائلا إن المجاهدين في ذلك الوقت قاموا بتوجيه تعليمات لكل معلمي القرآن بالمنطقة بالتطوع وتعليم أبناء المشتة قراءة القرآن الكريم وحفظه، أين تعلمت القراءة والكتابة وحفظت ربع الكتاب الكريم، تحت يد معلم القرية المدعو بن حومار رابح، وهو أحد مجاهدي الثورة، قبل أن يتولى مساعدة معلمه في تدريس أبناء المنطقة عند غيابه، حيث كان يدرس رفقة أبناء المشتة بالغابة خفية عن العسكر الذي كان يتردد إلى المنطقة كثيرا.
بوداود كانت مركزا للثورة ...
يروي المجاهد جبلي بوجمعة، أنه «في يوم من أيام فصل الخريف من سنة 1955، كنت أرعى قطيعا من ماعز العائلة في قرية بوداود على حدود غابة عربية، وإذا برجلين خرجا من الغابة، فتقدما إلى العين الطبيعية الموجودة بالمنطقة وركنا للراحة بعض الدقائق، ثم نادياني، وقاما بتوجيه العديد من الأسئلة حول المشتة وأهلها وهل يأتي العسكر الفرنسي إليها ؟ وأنا أجيب بكل عفوية دون معرفة هويتهما، إلا أنهما كانا يرتديان لباس شبه عسكري مغطى بقشابية صوف وعندما انتهينا من الحديث توجها إلى أحد منازل عائلة بوالشعير بالمكان المسمى الكدية بمشتة بوداود، ومنذ ذلك الوقت ازدادت الحركة بالمشتة وأصبح الشخصان يأتيان إلى المكان ويقومان بأشياء سرية بالدشرة رفقة أناس غرباء ويتجمعون ليلا بذلك المنزل، وبعد أيام أدرك أهل المنطقة أن الثورة أصبحت ببوداود، كما تم إنشاء مركز لها بالكدية و مقر للثوار والتقائهم ونقطة راحة للفرق القادمة والذاهبة إلى تونس لجلب السلاح»، مضيفا أنه ومع مرور الأيام تزايد عدد المجاهدين بالمشتة التي أصبحت تعرف بالمنطقة المحرمة لدى المستعمر.
التحقت بالثورة قبل تجاوز سن 16 ..

وقال عضو منظمة المجاهدين بميلة، بأنه وعند بلوغه 14 سنة، «أصبحت أسخر من طرف مجاهدي المنطقة لنقل المعلومات من وإلى المناطق المجاورة لمشتة بوداود وكذا شراء حاجيات المجاهدين وأقوم بجلب ألبسة المجاهدين للمنزل أين تقوم والدتي بغسلها وترقيع الممزق منها إلى غاية سنة 1959، أين عينت نائب مسؤول المشتة المدعو لعويرة المولود وعمري لا يتجاوز 16 سنة، حيث كنت أقوم بتنفيذ أوامر الثورة تحت إمرته من خلال نقل المعلومات والأخبار ومساعدة المجاهدين، وعندما ألقي عليه القبض من طرف الاستعمار الغاشم في شهر فيفري 1960، تحملت مسؤولية المشتة طبقا لقوانين النظام في الاستخلاف، وفي السداسي الثاني من نفس السنة، تم تعييني كاتبا لمسؤول الأخبار بالقسم الثالث رفقة خمسة من المجاهدين من بينهم بن داس محمد، الخوجة بزاز والحبسي، حيث كنا نقوم بكتابة ونقل المعلومات الخاصة بالمجاهدين في الجبل بطرق سرية على غرار الرسائل المشفرة التي تكتب بالحروف والأرقام».
معركة «النغامش» خير شاهد على بطولات المجاهدين ..
ويستذكر المجاهد بوجمعة، أن من بين المعارك الكبرى التي جرت بمنطقة بوداود وكان شاهدا على وقائعها هي معركة «النغامش»، في فيفري سنة 1960، حيث تم تحويل أماكن 24 مجاهدا من بلدية زارزة التابعة للقسم الثاني آنذاك إلى مشتة بوداود بالقسم الثالث، وبرفقتهم مجاهدان اثنان كانا يحملان حاجياتهم، وخلال انتهائهم من تفريغ حمولة المجاهدين من ملابس وأسلحة، وعودتهم إلى منطقة زارزة وقعوا بكمين لأفراد العدو فألقوا القبض على مجاهد بينما فر الآخر إلى مكان الفرقة التي استقرت بجبل النغامش، وأخبرهم أن صديقه صار في قبضة العدو، إلا أن المجاهدين عند سماعهم للخبر، لم يغادروا أماكنهم وقرروا بقيادة القائد بن جواد الزواوي المبيت في المكان و أخذ احتياطهم من غدر العدو، وفعلا حدث ما كان متوقعا، فالشخص الملقى عليه القبض عند التعذيب اعترف بوجود فرقة من المجاهدين بالمنطقة، فتم التوجه إلى «النغامش»، واندلعت اشتباكات في الصباح الباكر بين المجاهدين وقوات الجيش الفرنسي الذي كان يمتلك أقوى الأسلحة والطائرات، مؤكدا أن العملية أسفرت عن مقتل 80 جنديا من العدو وإصابة 50، أما المجاهدين فاستشهد منهم 23 مجاهدا، هم بن جواد الزواوي قائد الفرقة، بورافة قدور، خروبة علي، زميش بلقاسم، معصوم أحمد، بوفاس صالح، رغيم صالح، جبلي حسان والطاهر، بوعبد الله عبد الله، محروق علي، بويزار عبد المجيد، بوالدهان المولود، بواللوح عبد المجيد، مرابط إبراهيم، داودي محمد، الصيد أحمد، سداري مسعود، بنور محمد، بوالصيود عمر، رزايقي الشريف، داودي خلاف ودعاس عمار، بالإضافة إلى الأسير محمد بن جواد.
و واصل عمي بوجمعة حديثه، والذي كان شاهدا على المعركة رفقة ثلاثة أشخاص، "وأيضا خالفة لخضر وجبلي البشير وزميش العربي"، قائلا بأنهم كانوا يسمعون صوت الرصاص وقنابل الطائرات بمختلف أنواعها من الجو والدخان يتصاعد من مكان المعركة، وفي اليوم الموالي عادت قوات العدو إلى مراكزها، «فتوجهنا إلى الغابة من أجل دفن جثث الشهداء، وبينما نحن في عملية الدفن إذ بالجيش الفرنسي يقوم بهجوم على القرية مرة أخرى بالطائرات، مما أجبرنا على ترك مجموعة من الشهداء بدون دفن والعودة إلى أماكننا، كما قام جيش العدو بالتوجه إلى القرية في نفس اليوم وجمع أهلها وقام بتعذيبهم بأبشع الطرق»، مؤكدا أن معركة النغامش كانت من بين المعارك التي بقيت راسخة في ذهنه نظرا لضراوتها.
الجيش الفرنسي استعمل أعتى الأسلحة ...
ويروي المجاهد، الهجوم على مشتة بوداود وتحديدا بمنطقة لمشاع، في 17 أكتوبر 1961، على إثر اعتراف أحد المحكومين أن المجاهدين موجودون بمنطقة بوداود، خاصة وأن قوات العدو كانت تتابع كل صغيرة وكبيرة على بوداود التي سمتها فرنسا بالمنطقة المحرمة، إذ قام الجيش الفرنسي بهجوم مفاجئ بواسطة الطائرات الحربية العمودية «السيكورسكي»، حيث اندلعت اشتباكات بين المجاهدين وقوات العدو ، لم تدم طويلا، بفعل الأسلحة القوية التي استعملها المستعمر على غرار القنابل الحارقة مقابل أسلحة بسيطة وبنادق صيد لدى المجاهدين الذين استشهد منهم 19 مجاهدا بأرض المعركة فيما نجى منهم المدعو قاجة الطيب الذي تعرض لجرح خطير، حيث اخترقت الرصاصة وجهه من اليمين إلى اليسار لكنه استشهد فيما بعد ودفن بمكان الواقعة.
نجوت عدة مرات من الموت...
كما أشار عمي بوجمعة في حديثه، بأنه نجا مرات عديدة من الموت والكمائن التي نصبها العدو وحتى الحركى والخونة للمجاهدين، حيث قال في هذا الصدد « ذات يوم من عام 1961 كنت متواجدا بمشتة الطمر دوار تسالة، برفقة بوشاعت بلقاسم وسدري الطاهر المتوفى، و بوشاية من أحد الحركى تقدمت قوات العدو إلى المشتة وبدأت بتفتيش وترهيب وسرقة كل ما يملك سكانها، وبفعل التهاطل الغزير للأمطار في ذلك اليوم تمكنا من الاختباء إلى غاية مغادرة العسكر الذي لم يستطع إيجادنا، وتوجهنا بعدها نحو قرية السداري للاختباء وقبل وصولنا إلى الوجهة رأينا كلبا بجانب أحد المنازل وبالتحديد لدى عائلة شحلاط فأدركنا أن العدو موجود بالمنطقة يريد أن يوقعنا في كمين، قائلا «من حسن حظنا أننا اكتشفنا تواجد الكلب ونجونا بأعجوبة من الموت مرتين في صبيحة واحدة».
كما أكد عمي بوجمعة أن منطقة تسالة لمطاعي، احتضنت العديد من المعارك الدامية التي راح ضحيتها مئات المجاهدين من الرجال والنساء الذين كان لديهم دور كبير في مواصلة الثورة إلى غاية طرد الاستعمار الفرنسي، قائلا أن فرحة الاستقلال لا تقدر بثمن، ويوم الإعلان عنه كان متواجدا بواد البعوض بأراس رفقة المجاهدين، ثم انتقلوا إلى ترعي باينان ثم إلى وادي النجاء التي تسمى رجاص، أين مكثوا مدة تحضيرا ليوم الاستقلال إلى جانب المواطنين، بعد ذلك توجهوا إلى منطقة بني حميدان حيث تم تجميع عدد كبير من المجاهدين وتنظيم وحدات جيش التحرير الوطني وتوزيعها على مناطق مختلفة من الشرق الجزائري.
ويدعو المجاهد الأجيال الجديدة إلى المحافظة على البلاد، والحفاظ على الذاكرة الوطنية، لأن الاستقلال لم يأت بالمجان، بل نتيجة تضحيات كبيرة لشعب عانى الويلات وتعرض لأبشع أنواع التعذيب من أجل استعادة سيادته وأرضه التي ضحى من أجلها ملايين الشهداء.
م.ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com