أكد باحثون أكاديميون أن الرئيس تبون، أولى منذ انتخابه رئيسا للجمهورية في ديسمبر 2019، أهمية بالغة لملف الذاكرة الوطنية، لقناعته أن «الاهتمام بالذاكرة الوطنية من جميع جوانبها هو واجب وطني مقدس، غير مدفوع بأي نزعة ظرفية لا يقبل أي مساومة»، وأنه « سوف يظل في مقدمة انشغالات الدولة لتحصين الشخصية الوطنية، وفي صميم الوفاء لشهداء ثورة نوفمبر المجيدة». وتمت الإشارة في هذا الصدد إلى أن إقرار يوم وطني للذاكرة، إلى جانب يوم وطني للجيش، وإطلاق قناة تلفزيونية متخصصة، وإنشاء لجنة وطنية للذاكرة والتاريخ، إلى جانب دسترة بيان أول نوفمبر وغيرها، هي أحد الأسس التي تقوم عليها الجزائر الجديدة. كما أبرز أساتذة التاريخ، أن رئيس الجمهورية، الذي تمكن من استرجاع 24 جمجمة لأبطال المقاومة من فرنسا، أكد في عديد المناسبات، أن معالجة ملف الذاكرة على رأس أولوياته وضمن التزاماته التي قدمها للشعب الجزائري في مشروعه الانتخابي. .
عبد الحكيم أسابع
رضوان شافـو أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الوادي
الرئيس تعهد بجعل ملف الذاكرة في صميم انشغالات الدولة
أكد الأستاذ الدكتور رضوان شافو، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الوادي، أن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون أولى اهتماما ملف الذاكرة، وتأكيده الدائم على تمسك بلادنا بهذا الملف وإبداء حرصه على علاجه في إطار اللجنة المشتركة الجزائرية الفرنسية « معالجة موضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية »، إلى جانب تأكيده بأن ذات الملف لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات، ولا يقبل التنازل والمساومة.
وسجل الأستاذ الدكتور شافو بأن الرئيس تبون ومنذ انتخابه رئيسا للجمهورية، تعهد بجعل ملف الذاكرة في صميم انشغالات الدولة الجزائرية، حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية، مبرزا بأن حضور ملف الذاكرة كان حاضرا في خطابات الرئيس في الحملة الانتخابية، لرئاسيات 2019.
وأشار المتحدث إلى أن الذاكرة شكلت لدى الرئيس تبون « أحد الأسس التي تقوم عليها الجزائر الجديدة، و رقما يستحيل تجاوزه في العلاقات الجزائرية-الفرنسية».
وبعد أن أشار إلى الرمزية التي شكلتها الالتزامات الـ 54 التي تقدم بها السيد تبون لخوض غمار الحملة الانتخابية لرئاسيات 2019، التي فاز فيها بنتيجة عريضة على منافسيه، أشار الأستاذ صافو إلى أن هذه الالتزامات المرتبطة بمسائل الذاكرة، تجسدت بإنجازات تاريخية في أول سنة من انتخابه، وذلك باسترجاع 24 جمجمة من جماجم شهداء المقاومة الشعبية المحفوظة في متحف الإنسان بباريس بتاريخ 03 جويلية 2020، وهو الحدث الذي قال إنه الذي سيبقى محفورا في ذاكرة الجزائريين.وسجل المتحدث في حديث خص به جريدة النصر أن الرئيس تبون، أكد عزم الدولة على إتمامِ عملية استرجاع باقي الرفات البالغ عددها 100 جمجمة حتى يلتئم شمل جميع الشهداء فوق الأرض، التي أحبوها وضحوا من أجلها بأعز ما يملكون.وإضافة إلى ذلك بادر رئيس الجمهورية بإطلاق قناة للذاكرة، تعنى بتاريخ الجزائر كوسيلة مرجعية يستدل بها المواطن الجزائري ليوجه خطاه ويخدم بلده، أمام كثرة المعلومات النابعة من إعلام موجه ومشوه، ما يجعل هذه القناة – يضيف المتحدث مدافعا «شرسا» أمام كل التشويهات والدعاية المغرضة التي تمارسها الكثير من القنوات المعادية لتاريخ الجزائر وخاصة قنوات اليمين المتطرف في فرنسا.
وفي ذات السياق أشار المتحدث إلى أن الرئيس تبون كان قد أعلن في رسالته إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ 75 لمجازر 8 مايو 1945، عن إصدار قرار باعتبار 8 ماي من كل سنة، يوما وطنيا للذاكرة. كما تم بأمر من رئيس الجمهورية السنة الماضية 2023، اعتماد الـ 4 أوت من كل سنة يوما وطنيا للجيش الوطني الشعبي، وهو اليوم الذي تم فيه تحويل اسم جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي.
وفي إطار حرص السيد الرئيس على إحياء المزيد من المناسبات الوطنية وترسيمها تم تخصيص الـ 15 سبتمبر من كل سنة يوما وطنيا للأئمة الجزائريين، « تقديرا وعرفانا للأدوار العلمية والثقافية والاجتماعية التي يضطلع بها الأئمة الذين شاركوا بالأمس في تحرير الوطن ويساهمون اليوم في تنوير المجتمع تعزيزا لمنهج الوسطية وصونا للهوية الوطنية والدفاع عنها».
صون وتعزيز مكونات الهوية الوطنية
كما تجسد حرص رئيس الجمهورية على صون الذاكرة - يقول الأستاذ شافو، «حرصه الصريح على صون وتعزيز مكونات الهوية الوطنية ( الإسلام والعروبة واللغة الأمازيغية) مثلما أقره في التزاماته الـ 54 الخاصة بعهدته الانتخابية الأولى وخاصة النقطة رقم 12» إلى جانب دسترة بيان أول نوفمبر في دستور أول نوفمبر 2020.من جهة أخرى ثمن الباحث الأكاديمي في حديثه للنصر، حرص رئيس الجمهورية على إعادة إدراج الجزء المبتور من النشيد الوطني الذي يقول « يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.. » بموجب مرسوم رئاسي، تم نشره في الجريدة الرسمية، وينص على أن«يُؤدى النشيد الرسمي في صيغته الكاملة، كلمات وموسيقى، بمقاطعه الخمسة»، في المناسبات السياسية والعسكرية التي تستدعي ذلك، كإحياء الذكريات الرسمية التي يحضرها رئيس الجمهورية والاحتفالات والمناسبات الملائمة، وهو ما يعني إلزامية تأدية مقطع كان قد حُذف سابقا من نص النشيد لاعتبارات سياسية.
وفي ذات السياق – يضيف المتحدث - كان رئيس الجمهورية قد أعطى تعليمات لرقمنة قطاع المجاهدين، وضمن هذا المسعى أطلقت وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، قبل سنتين (في 04 جويلية 2022)، أول منصة رقمية مخلدة لستينية الاستقلال تحت مسمى «جزائر المجد» وهي – حسب الأستاذ شافو - واجهة للجزائر تاريخيا و حضاريا منذ عصور ما قبل التاريخ مرورا بفجر التاريخ، والعصر القديم، والعصر الإسلامي و انتهاء بالعصر الحديث و المعاصر.
وبالإضافة إلى ذلك تم إنجاز تطبيق «تاريخ الجزائر 1830 – 1962» الخاص بالهاتف النقال، والذي يعتبر موسوعة لتاريخ الجزائر في الفترة الممتدة ما بين 1830 – 1962 يتم استغلالها عن طريق الهاتف النقال.
وتمت الإشارة من قبل محدثنا إلى أنه في إطار جهود الحفاظ على الذاكرة أنتجت وزارة المجاهدين لعبة إلكترونية تاريخية «ثلاثية الأبعاد» خاصة بثورة التحرير، والتي تعد أول لعبة تاريخية في الجزائر موجهة للناشئة والشباب، تعنى بتوثيق معارك وأحداث ثورة أول نوفمبر 1954.
وضمن ذات جهود الدولة تحت قيادة الرئيس تبون عملت الوزارة على رقمنة ما لا يقل عن 42 ألف شهادة حية للمجاهدين وإتاحتها للباحثين، من شأنها أن تكون مادة هامة في تدعيم الكتابات التاريخية المتعلقة بثورة التحرير بنظرة جزائرية بعيدا عن ما كتبه الفرنسيون و بعيدا أيضا عن ما هو موجود في الوثائق الأرشيفية الفرنسية.
وفيما يتعلق بترقية البحث التاريخي و تشجيع الإنتاج السينمائي والأفلام الوثائقية تكفل قطاع المجاهدين بطبع الآلاف من الكتب التي تتناول تاريخنا الوطني والمذكرات الشخصية للمجاهدين، إلى جانب رقمنة محتويات كثيرة للمؤسسات المتحفية تحت الوصاية.
وزيادة على ذلك جرى تشجيع الإنتاج السمعي البصري من خلال إنجاز الأفلام الوثائقية سواء التي تتعلق بالوقائع التاريخية أو برموز الحركة الوطنية وثورة التحرير وجمعية العلماء المسلمين إلى جانب إنتاج الأفلام التي تتناول الرموز الثورية و تم إنتاج لحد الآن – كما ذكر محدثنا - سبعة أعمال منها، في انتظار إنجاز إنتاجات سينمائية أخرى بينها فيلم حول الأمير عبد القادر الذي سيكون فيلما سينمائيا ضخما بتعليمات من الرئيس تبون. وإلى جانب كل ما تحقق أشاد الدكتور شافو بإنشاء جمعية لأصدقاء الثورة وتخليد أسماء 1949 صديقا للثورة، في جدارية متواجدة بساحة رياض الفتح تعزيزا للدبلوماسية التاريخية و الحفاظ على الروابط المتينة بين الجزائر وأصدقاء ثورتها الأجانب وأيضا تكريسا للقيم الإنسانية والتضامن لدى جيل ما بعد جيل ما بعد الاستقلال.
مولود قرين أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة المدية
اهتمام خاص بالذاكرة
أكد البروفيسور مولود قرين، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة المدية، أن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون أبدى منذ عهدته الأولى عناية خاصة بموضوع التاريخ والذاكرة وجعلها ضمن أهم أولويته ويتضح هذا – كما ذكر - من خلال مشروعه الانتخابي الأول في عهدته الأولى الذي يتضمن 54 التزاما، مبرزا بأن 54 رقما له دلالة واضحة على أن خط الرئيس وهدفه، خط نوفمبري بالدرجة الأولى أو خط نوفمبري بامتياز، « وهذا ما عبر عنه في الكثير من تصريحاته و خرجاته الإعلامية».
أما ميدانيا فقد جسد السيد الرئيس هذا الخط النوفمبري – يضيف المتحدث - من خلال إنشاء قناة للذاكرة تهتم بالتاريخ وتهتم بذاكرة الجزائر على مر العصور إلى جانب جعل من يوم 8 ماي من كل سنة يوما للذاكرة، «حتى يتذكر الجزائريون ما قدمه أسلافهم من تضحيات في سبيل الجزائر، تضاف إليها الجهود التي بذلها على المستوى الدبلوماسي والتي مكنته بتاريخ 03 جويلية 2020 من استرجاع 24 جمجمة من جماجم شهداء المقاومات الشعبية التي كانت محفوظة في متحف الإنسان بباريس والتي تم استقبالها استقبالا رسميا قبل إكرام أرواحهم بالدفن في مقبرة العالية، وهو الحدث الذي سيبقى محفورا في ذاكرة الجزائريين».
وضمن ذات الجهود الرامية لمعالجة الملفات المرتبطة بالذاكرة لاسيما منها ملف التفجيرات النووية الاستعمارية بالصحراء الجزائرية و ملف مفقودي ثورة التحرير الوطني وملفي الأرشيف واسترجاع جماجم ورفات الشهداء التي مازال عدد آخر منها مخزنا في الضفة الأخرى، وقضية الاعتراف، أنشأ السيد رئيس الجمهورية اللجنة الوطنية للتاريخ والذاكرة من خمس من خيرة الشخصيات الوطنية المتخصصة في التاريخ للتفاوض مع نظيرتها الفرنسية ضمن اللجنة المشتركة. أما خلال الحملة الانتخابية الخاصة برئاسيات الـ 7 سبتمبر الماضي وبعد تنصيبه رئيسا للبلاد بعد فوزه بولاية رئاسية ثانية فأكد الرئيس تبون تمسكه بملف الذاكرة وقال بأن هذا الملف لا يقبل أي مساومة.
البروفيسور سفيان لوصيف، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة سطيف 2
الذاكرة.. أحد الأسس التي تقوم عليها الجزائر الجديدة
أبرز البروفيسور سفيان لوصيف، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة سطيف 2، أن مسألة الذاكرة، التي هي من المكونات الأساسية لهويتنا، والتي تعد جزءا لا يتجزأ من السيادة الوطنية كانت في صميم اهتمامات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون منذ العام الأول من توليه رئاسة الجمهورية مؤكدا بأن الرئيس تبون جعل مسألة الذاكرة، أحد الأسس التي تبنى عليها الجزائر الجديدة .
وسجل البروفيسور لوصيف أن الاهتمام الذي أولاه رئيس الجمهورية لملف الذاكرة منذ السنة الأولى لتوليه مسؤولية الحكم في البلاد ينم عن النية الصادقة للسلطات العليا في المضي قدما في هذا الملف، الذي لم يشهد من قبل مثل هذا الاهتمام من أجل استكمال بناء الجزائر على أسس متينة وتحصينا للأجيال القادمة في مسائل الهوية والتاريخ.
وأوضح أن رئيس الجمهورية و منذ توليه مقاليد الحكم أعطى للذاكرة الوطنية حقها، عرفانا منه بالتضحيات الجسام التي كابدها الشعب الجزائري في سبيل حريته واستقلاله، وإكراما لأرواح الشهداء وترسيخا لقيم بيان أول نوفمبر 1954 كما أنه كان دوما حريصا على صورة الجزائر الكبيرة بتاريخها و بمؤسساتها و برجالها الوطنيين المخلصين، وهو ما تجسد في مختلف رسائله.