شهدت المواسم الأخيرة بروز موجة من التقنيين الشباب، أثبتوا كفاءاتهم ومؤهلاتهم في عالم التدريب، وباتوا أمثلة يقتدى بها في النجاح والتفوق، على غرار ما حققه الثنائي بلماضي ومضوي بعد تسيّد القارة السمراء في سن "مبكرة"، ليزيحوا من الساحة الكثير من الفنيين المخضرمين، على غرار سعدي وهدان وشرادي ومهداوي وإفتيسان ومناد ومزيان إيغيل من جيل المدرسة القديمة، التي كانت تُسيطر على حقائب التدريب خلال العقدين الأخيرين، قبل أن تجد نفسها مؤخرا مرغمة على التقاعد أو البطالة، ولئن كانت بعض الفرق مثل مولودية الجزائر وأولمبي الشلف لا تزال تفضل خيار "الشيوخ"، في ظل الخبرة التي يتمتعون بها، والتي يرونها سبيلهم الوحيد نحو التميز، بدليل الاعتماد على أسماء في شاكلة عمراني ومزيان إيغيل.
وفرض بعض المدربين الشباب أنفسهم بما حققوه من أرقام سواء مع الأندية أو المنتخبات الوطنية، مثلما حدث مع بلماضي الذي أسندت له زمام العارضة الفنية للخضر في فترة جد حساسة، غير أنه نجح في رفع التحدي، بعد أن قاد المنتخب لاعتلاء منصة التتويج في أقل من 10 أشهر فقط، وبرزت عديد الأسماء الشابة في عالم التدريب، في صورة نغيز وجاليت ودزيري وميلود حمدي ومضوي وبوقرة وزاوي، حيث أصبحوا مطلب مسؤولي الفرق، على عكس التقنيين "الشيوخ" ممن انتهت صلاحية الغالبية منهم، فيما وجد البعض الآخر نفسه مُكرها على اعتزال المهنة، كما حدث مع سعدي وشرادي والبقية، حيث لم تعد تحظى بالعروض والاهتمام، كما كان الحال في السابق لعديد الأسباب والاعتبارات، أبرزها أن التوجه بات أكبر نحو الشباب لما يتمتعون به من كفاءة، فضلا على أن غالبيتهم مُلم بالتقنيات الحديثة للتدريب الذي تغيّرت فلسفته، في ظل التطور التكنولوجي وظهور أساليب ومناهج جديدة.
وحقق المدربون الشبان على مدار العشر سنوات الأخيرة، طفرة في مشوارهم التدريبي، وفي مقدمتهم الدولي السابق مضوي، الذي قاد فريقه السابق وفاق سطيف للتتويج بلقب دوري أبطال إفريقيا، وهو في سن 37، قبل أن ينجح بلماضي، رغم أنه لم يتعد 43 سنة، في صنع الاستثناء، عقب قيادته الخضر للفوز بنهائيات كأس أمم إفريقيا، بعد غياب عن منصات التتويج دام 29 سنة.
المدرسة القديمة بين التقاعد والبطالة الإجبارية
وجد المدربون المخضرمون أو "الشيوخ"، كما يحلو لمتابعي الكرة مناداتهم، أنفسهم مجبرين على التقاعد أو البطالة الإجبارية، في ظل شح العروض من جهة، وتزايد الاهتمام بالمدربين الشباب من جهة أخرى، فمدربون من شاكلة سعدي ومهداوي وحنكوش وهدان وبن زكري وشرادي، ممن فاقت أعمار غالبيتهم 60 سنة، كانوا يشتغلون في أكثر من ناد في موسم واحد، غير أن المعطيات تغيّرت في الآونة الأخيرة، حيث بات هؤلاء يعجزون عن الظفر بمنصب عمل، مع تنامي ظاهرة الاعتماد على الفنيين الشباب، خاصة وأن أنديتنا ترى فيهم مواصفات لا يجدونها في نظرائهم "كبار السن"، لعل أبرزها الإلمام بالتدريب الحديث.
نجاحات النجوم العالمية سبب الطفرة وزيدان أفضل مثال
يبدو أن نجاحات النجوم العالمية المعتزلة حديثا، قبل أن تُسند لها مهمة قيادة نوادي عريقة في أوروبا، وراء الطفرة التي شهدتها البطولة المحلية، بالاعتماد على التقنيين الشبان، بدلا من الفنيين المخضرمين، ممن أكل الدهر وشرب على فلسفتهم التدريبية، فنجاح زيدان مع ريال مدريد، وقبله بيب غوارديولا مع نادي برشلونة وحتى لويس أنريكي مع ذات الفريق، دفع مسؤولي فرقنا المحلية أو حتى القائمين على شؤون "الفاف"، إلى منح الثقة للدوليين القدامى، خاصة وأن هؤلاء يمتلكون الشخصية القيادية، ولعبوا في المستوى العالي، سواء مع أنديتهم أو حتى المنتخب الوطني، فضلا عن حيازتهم على حماس الشباب والحنكة المستقاة من تعاملهم واحتكاكهم، بالعديد من المدربين الكبار على غرار ما حدث مع مضوي الذي تتلمذ على يد مدربين معروفين، في شاكلة غيغر وفيلود وزكري.
وكما هو معلوم، فإن الجيل الذهبي من المدربين الشبان، الذين يصنعون الحدث في مختلف الدوريات الأوروبية أصبح موضة العصر، ومقولة حقيقية تؤكد أن نجاح أي تقني يعتمد على معطيات عديدة، تكفل له التميّز عند وجود الثقة والجو المناسب للعمل، وتجارب زيدان وبلان وهنري وغوارديولا وبيرلو باتت أمثلة يقتدى بها، فزيدان مثلا استلم زمام العارضة الفنية للملكي في فترة جد صعبة، غير أنه نجح في إهداء الفريق ثلاثة ألقاب متتالية لرابطة الأبطال، دون نسيان إنجازاته المحلية، وكلها أمور غيّرت مفاهيم التدريب في العالم، وحفزت بقية الفرق للتوجه نحو خيار اللاعبين السابقين.
بلماضي رابع أفضل مدرب في العالم
من بين المدربين الشباب المتفوقين في الجزائر، الناخب الحالي جمال بلماضي الذي بات مثالا للتميّز، نظير نتائجه الباهرة على مدار سنتين كاملتين، لم يتذوق فيهما رفاق رياض محرز أي هزيمة، ليدخلوا التاريخ من أوسع الأبواب.
بلماضي الذي ورث منتخبا مشتتا، نجح خلال ظرف وجيز في التأكيد على علو كعبه ومؤهلاته التدريبية الرفيعة، حيث شكل مجموعة نجحت في افتكاك لقب كأس أمم إفريقيا 2019 عن جدارة واستحقاق.
ويجمع أهل الاختصاص، أن بلماضي يقف وراء الإنجاز الكبير الذي حققه المنتخب في مصر، فالمدرب الشاب الذي يشهد له الجميع بصرامته وجديته استطاع في أقل من 10 أشهر، أن يصنع منتخبا أعاد المجد للكرة الجزائرية.
وعُيّن بلماضي على رأس الخضر، بعد تجربة ناجحة في قطر، حيث بدأ مسيرته كمدرب مع ناديه السابق لخويا في 2010، الذي فاز معه بلقبي الدوري المحلي في موسميه الأولين، وقاد المنتخب القطري الأول للفوز بكأس الخليج 2014، وبعدها انتقل إلى الدحيل فقاده لثلاثية محلية. وصنع بلماضي الحدث في عالم التدريب، رغم سنه الصغير، حيث حلّ رابع أفضل مدرب في العالم، بعد أن حصد 26 نقطة من أصوات المدربين واللاعبين الدوليين المشاركين في عملية التصويت، يتقدمهم النجم كريستيانو رونالدو، الذي اختار بلماضي كثاني أحسن مدرب دولي.
كما احتل مدرب الخضر في 2019 (أحسن مدرب في القارة)، المرتبة الرابعة مناصفة مع الهولندي إريك تين هاغ في قائمة أحسن مدرب عالمي في المسابقة التي نظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وكسبت الفاف الرهان بعد أن أسندت مهمة قيادة الخضر للشباب بلماضي، رغم أن عديد المتتبعين عبروا عن تخوفاتهم من إمكانية فشله، في ظل افتقاده للخبرة المطلوبة، فضلا عن الوضعية الصعبة، التي كان يعيشها المنتخب في تلك الفترة، والتي تسببت في إقالة واستقالة عديد المدربين، لعل آخرهم ماجر.
ونجح بلماضي، كونه يتمتع بعقلية حديثة، وبعد ذلك بالانضباط الكبير خططيا، ناهيك عن قدرته على إدارة غرفة ملابس زاخرة بنجوم من العيار الثقيل، وما زاد من دعم بلماضي في مهمته، هو إعجاب اللاعبين بشخصيته كنجم سابق. ويعرف أسلوب بلماضي في التدريب بالكرة الهجومية المعتمدة على الضغط العالي الشامل، وتحرك اللاعبين في كل أرجاء الملعب دون توقف، وهو ما طبقه في "كان" مصر، حيث تحكم بالتفاصيل الخاصة بلاعبيه، ليخرج أفضل ما فيهم.
مضوي "غوارديولا الجزائر" أصغر متوج برابطة الأبطال
مدرب آخر، صنع الحدث رغم سنه الصغير، ويتعلق الأمر بمضوي المولود بتاريخ 27 مارس عام 1977، فرغم أنه لم يتعد 45 ربيعا، إلا أنه يتمتع بسيرة ذاتية، نصبته أحد أفضل المدربين في القارة السمراء.
مسيرة مضوي التدريبية، انطلقت عام 2008 مع وفاق سطيف، كمدرب مساعد لكل من الفرنسيين كريستيان لانغ وإيبارت فيلود، إضافة لنور الدين زكري والسويسري آلان غيغر حتى عام 2013.ولم يكن مضوي بحاجة للكثير من الوقت للتأكيد، حيث نجح في أول موسم، يقود فيه الوفاق لكتابة اسمه بأحرف من ذهب، ليسطر الأمجاد مع النسر، بفضل ما عرف به من حنكة وصرامة، وقاد ابن عين الفوارة سطيف للتتويج بلقب دوري أبطال إفريقيا عام 2014، ليصبح بذلك أصغر مدرب يتوج بهذا اللقب، مع احتلال المركز الخامس في مونديال الأندية، إضافة للفوز بكأس السوبر في الجزائر، وكأس السوبر الإفريقي في عام 2015، ختاما بالبطولة عام 2017.
مضوي الذي عرف في الأوساط الرياضية بتواضعه يطلق عليه "غوارديولا الجزائر"، ويتمتع بتجارب عديدة في تدريب الفرق العربية، وإنجازاته الشخصية تعد الأفضل بعد بلماضي متفوقا على مدربين مخضرمين، فالأخير حائز على جوائز وألقاب بالجملة، جائزة محمد بن راشد للإبداع كأفضل مدرب عربى، وأفضل مدرب في إفريقيا طبقا للكاف، وأصغر مدرب في القارة ينال لقب دوري أبطال إفريقيا، وأول مدرب في الجزائر ينال لقب دوري الأبطال بنظامها الحديث الذي بدأ عام 1997، وأول مدرب يقود فريق جزائري للعب في مونديال الأندية، فضلا عن تتويجه بالبطولة الجزائرية مرتين عام 2015-2017، وكأس السوبر عام 2015، وكأس السوبر الإفريقي عام 2015.
حمدي بلغ نهائي البطولة "الأغلى" في سن 43 عاما
يعد المدرب ميلود حمدي من خيرة التقنيين الشباب في الجزائر، نظير نتائجه الباهرة محليا وقاريا، فبالإضافة إلى تتويجه بلقب البطولة مع اتحاد العاصمة عام 2015، نجح في الوصول إلى نهائي رابطة الأبطال مع سوسطارة في ذات السنة، قبل أن يخسر أمام العملاق مازيمبي، وكل هذا في سن 43، حيث برهن بأن العمر مجرد عامل بيولوجي فقط، وأن مثابرته وتحصيله العلمي، كونه يحوز على شهادة " يويفا برو" من أوصله إلى أعلى المراتب.ونجح بلماضي ومضوي وحمدي، في تحقيق ما عجز عنه مدربو المدرسة القديمة، فباستثناء سعدان الذي أعاد الخضر لنهائيات المونديال من جديد، لم ينجح أي مدرب مخضرم في حصد أي لقب قاري، ليؤكد بأن الرهان بات على الشباب، الذين أبانوا عن علو كعبهم في أولى الفرص التي تتاح لهم.
ويمتلك حمدي ميزات خاصة، فحسب التقني المغترب الذي خص النصر بحوار مطول، فإن التدريب 70 بالمئة نفسي و30 بالمئة تكتيك باعترافه الشخصي، فهو مهتم بالجانب النفسي والاجتماعي كثيرا للاعبيه، ودائما ما يردد عبارته أنت بحاجة إلى توازن الصفات الفنية والتكتيكية والحالة النفسية، وهو ما مكنه من إعادة السنافر إلى السكة الصحيحة، بعد مصاعب الانطلاقة.
نغيز من الهواة إلى تدريب المنتخب الوطني
برزت شهرة المدرب نبيل نغيز في البطولة المحلية مع شباب عين فكرون، حيث حقق مع "السلاحف" الصعود مرتين متتاليتين، من دوري الهواة إلى الدرجة الثانية المحترفة، قبل أن يصعد إلى المحترف الأول، وكل هذا في العقد الرابع، ليمنحه رئيس الفاف السابق محمد روراوة فرصة الانضمام للطاقم الفني للخضر، في فترة الفرنسي كريستيان غوركوف (أوت 2014 إلى مارس 2016)، خاصة بعد أن قام بعمل جبار مع أولمبي المدية في الرابطة الثانية، وقاد نغيز الذي لا يتعدى 55 سنة، الخضر كمدرب رئيسي رغم كوكبة النجوم الموجودة، بعد استقالة التقني الفرنسي، حيث عاد بالانتصار من السيشل في التصفيات المؤهلة لـ"الكان"، قبل أن تكون له تجارب متميزة مع أنديتنا بداية بشبيبة الساورة التي حقق معها أول الانتصارات القارية، كما كان له مرور جد إيجابي مع مولودية الجزائر هذا الموسم، حيث أوصلها إلى دور المجموعات، قبل أن يجد نفسه مرغما على الانسحاب فاسحا المجال لعمراني.
بوقرة "ناخب" وأقرانه لاعبون !
ما يؤكد الطفرة الشبابية الثقة التي منحتها "الفاف" للدولي السابق مجيد بوقرة، رغم أن أقرانه مازالوا ينشطون في الملاعب، حيث عينته لقيادة المنتخب المحلي، رغم أنه لم يتعد 37 سنة، قبل أن يقرر الناخب الحالي ضمه إلى طاقمه الفني، خاصة مع غياب الرهانات بالنسبة للمنتخب المحلي، المُقصى من "الشان" التي نظمتها الكاميرون قبل شهر ونصف.
بوقرة الذي تألق مع الخضر بالتأهل معهم إلى موندياليي 2010 و2014، دخل عالم التدريب في قطر من بوابة رديف نادي الدحيل، قبل أن تكون له تجربة مع نادي الفجيرة الإماراتي، ولئن كان الجميع يشهد له بحسن التدبير وأفكاره الحديثة، حيث يعتمد على أسلوب أستاذه وزميله السابق في الخضر بلماضي المعروف بتقنياته الخاصة.
جاليت... أصغرهم "عمرا" وأفضلهم "ترتيبا"
المتتبع للرابطة المحترفة هذا الموسم، يجد أن ربع مدربيها، ونعني بالذكر التقنيين الجزائريين في العقد الرابع (حمدي1971، جاليت 1983، زغدود 1970، مضوي1977، دزيري 1972)، بداية بأصغرهم سنا مصطفى جاليت، الذي أسندت له مهمة قيادة شبيبة الساورة، بعد سحب الثقة من المخضرم مزيان إيغيل، حيث نجح هداف الدولي السابق في رفع التحدي، وقاد نسور الجنوب نحو نتائج باهرة مكنتهم من اعتلاء صدارة الترتيب ولو مؤقتا، وجعلتهم من أبرز المنافسين على اللقب.
جاليت غير الحاصل على الشهادات التدريبية الكافية، بدأ مسيرته كمدرب مع نسور الجنوب، بعد انسحاب المدرب الرئيسي آنذاك، وأكد في تلك الفترة تفوقه في عالم التدريب، بفضل قراءته الجيدة للمباريات، ويمتلك جاليت الذي كان هدافا من نوع خاص، شخصية قوية وأفكارا تدريبية رائعة، ساعدته للفوز بثقة مسؤولي شبيبة الساورة.
سمير. ك