تلقت الاتحادية الفرنسية لكرة القدم ضربة موجعة في الأيام الأخيرة من طرف نظيرتها الجزائرية، بعد إعلان عدة مواهب ونجوم واعدة كانت تنشط ضمن صفوف المنتخبات السنية للديكة، انتقالها للعب مع منتخب بلدها الأصلي الجزائر، بداية من فترة التوقف الدولي المقبلة، على غرار لاعب نيس بدر الدين بوعناني، ومدافع نانت الفرنسي جوان حجام، وظهير وولفرهامبتون ريان آيت نوري.
وأطلت جُل الصحف الرياضية الفرنسية في أعدادها الأخيرة "مُتباكية" على خسارة مثل هكذا مواهب لصالح الخضر، بدليل أن كل عناوينها صبت في خانة واحدة، وهي الحسرة والأسف على اختيار مثل هكذا شبان للجزائر، بدلا من منتخبات فرنسا السنية التي كانت حسبهم وراء بروزهم للواجهة، ولو أن الغضب كل الغضب كان ضد الناخب الوطني جمال بلماضي، الذي حملوه المسؤولية الأكبر في ضياع بوعناني ورفاقه، بعد أن تمكن من إقناعهم باللعب للخضر في هذه السن المبكرة، لا سيما وأن جل المغتربين كانوا يعتذرون عن تلبية الدعوة في بداية المشوار، كون ذلك قد يهدد مشوارهم الاحترافي، وهو ما كانت تتفهمه الفاف في الكثير من المناسبات، في ظل إدراكها للممارسات والضغوطات التي تُفرض على هؤلاء اللاعبين، عند الترحيب بخيار الدفاع عن الألوان الوطنية.
بودبوز آخر موهبة أدارت ظهرها لفرنسا في سن مبكرة
وبالعودة إلى العناصر الشابة التي اختارت الجزائر مبكرا، وأدارت ظهرها لإغراءات فرنسا، نجد أن الدولي السابق رياض بودبوز الذي كان آخر موهبة لبت دعوة الخضر في سن صغيرة، رغم أنه كان قادرا على "التماطل"، بحثا عن إمكانية الانضمام إلى المنتخب الفرنسي الأول، غير أن موقفه آنذاك كان رجوليا وصدم الفرنسيين، بعد أن وافق على مقترح الناخب الوطني السابق رابح سعدان الذي ضمه إلى كتيبته، قبيل مونديال جنوب إفريقيا 2010، ومنذ ذلك الحين، لم تسر أي موهبة أخرى واعدة على خطى بودبوز، إذا ما استثنينا بعض العناصر على غرار آدم وناس الذي جاء للمنتخب في سن مبكرة، ولكن وضعيته كانت مغايرة، فلا أحد رشحه لإمكانية التواجد مستقبلا مع المنتخب الأول الفرنسي.
جل العناصر تقريبا أخرت كشف مستقبلها الدولي
وعارضت جل العناصر المغتربة، بعد بودبوز فكرة الانضمام إلى المنتخب الوطني في سن مبكرة، وهناك من المتتبعين من وجد لها حججا ومبررات، في ظل الضغوطات الممارسة عليها، على غرار ياسين براهيمي وفوزي غلاوم ثم حسام عوار الذي اختار في بادئ الأمر الدفاع عن ألوان فرنسا، وحتى أمين غويري الذي طلب مهلة للتفكير رفقة ريان آيت نوري، إذ لم تكن هذه الأسماء تمتلك الجرأة، من أجل قول لا لفرنسا، عكس ما يحدث مؤخرا، حيث كانت اختيارات بوعناني وحجام وشعيبي مستعجلة، وهو ما وضع المسؤولين على شؤون الكرة الفرنسية في حيرة من أمرهم، كونهم كانوا يضعون في الحسبان أن نجوم الصف الأول تفضل "الديكة"، خاصة المنحدرة من أصول مغاربية، بحثا عن تكرار تجارب زيدان وبن زيمة.
سخط في فرنسا على بلماضي لخطفه نجوما واعدة
وخلفت اختيارات بوعناني وحجام وشعيبي الكثير من ردود الأفعال في فرنسا، حيث أطلت الصحافة هناك بعناوين حزينة ومواضيع تُهاجم الناخب الوطني جمال بلماضي الذي حسبها خطف هذه المواهب المتدرجة في مختلف الفئات السنية، بأسلوب رأته يتنافى مع الأخلاق الرياضية، على اعتبار أن المدارس الفرنسية من كانت وراء تكوين هؤلاء اللاعبين الذين يمثلون ركائز في المنتخبات الشبانية، وإن تناسى الفرنسيون شيئا مهما وهو أن هؤلاء اللاعبين تلقوا تربية جزائرية كانت وراء ميولهم لبلد الأجداد الذي عبروا عن افتخارهم بالدفاع عن ألوانه، كما فعل فارس شعيبي الذي نشر رسالة عبر حسابه بموقع "أنستغرام" أكد خلالها تفضيله للجزائر، على حساب الإغراءات الفرنسية، وهو الذي كان محل اهتمام شديد من مدرب أولمبيي الديكة سيلفان ريبول الذي وجه له الدعوة لتربص مارس رفقة حجام، غير أنهما قال لا لفرنسا، لا لشيء سوى للانضمام إلى الجزائر.
المديرية الفنية الفرنسية فتحت تحقيقا مستعجلا لوقف النزيف
وسارعت وسائل الإعلام الفرنسية، بعد الكشف عن توجهات بوعناني وشعيبي وحجام، لتأكيد خبر شروع المديرية الفنية في البحث عن أسباب ضياع مثل هكذا مواهب في سن مبكرة، حيث أشارت إلى فتح تحقيق مستعجل لمعرفة الأسباب والدوافع التي جعلت هذه النجوم الصاعدة في سماء الكرة الأوروبية تختار اللعب للخضر، رغم أنه تنتظرها استحقاقات كبرى مع فرنسا، على غرار مونديال أندونيسيا لأقل من 20 سنة وكأس أمم أوروبا لأقل من 23 سنة بجورجيا ورومانيا. ومما لا شك فيه، ستسعى الاتحادية الفرنسية لوقف هذا النزيف الحاد، لا سيما وأن الاتحادية الجزائرية لا تنوي التوقف عند هذا الحد، بل تحاول ضم مواهب أخرى، في صورة مهاجم رين أمين غويري ولاعب ليون ريان شرقي، اللذين يعتبران ركيزتين مهمتين في تشكيلة المدرب الفرنسي سيلفان ريبول الذي يودهما لقيادة أولمبيي "الديكة" في كأس أمم أوروبا المقررة شهر جويلية المقبل.
تحركات الفاف وإستراتيجية بلماضي وقضية بن زيمة خدمت الجزائر
واتفقت العديد من المنابر الفرنسية على بعض النقاط التي كانت وراء خسارة هذه المواهب الواعدة، حيث اعتبرت جمال بلماضي المسؤول الأول، بعد أن غير إستراتيجيته وفلسفته في التعامل مع ملف المغتربين، وهو ما مكنه حسبها من إقناع عدة أسماء بارتداء زي الخضر، كما رأت أن تحركات الفاف سببت هذا النزيف أيضا، بعد استعمال جهيد زفيزف العديد من القنوات للوصول إلى هؤلاء النجوم، ناهيك عن قضية كريم بن زيمة مع الناخب الفرنسي ديديي ديشان، حيث أكدت عدة وسائل إعلامية، أنها أثرت بشكل كبير على اختيارات مثل هكذا مواهب صاعدة، كونها رأت أن الأبواب قد تكون "موصودة" أمامها للوصول إلى المنتخب الفرنسي الأول، في ظل سوابق هذا المدرب مع اللاعبين من أصول مغاربية.
جدير بالذكر، أن عودة "الباهاماسوفوبيا" أصبح يشكل هاجسا وتوجسا لدى الاتحادية الفرنسية لكرة القدم، كون الأمر لا يتعلق بالمنتخبات المغاربية فقط، بل سيمتد لكل منتخبات القارة السمراء، التي تعتبر خزانا للمنتخب الفرنسي الأول.
سمير. ك