يعول على الوظائف الخضراء، كمحرك اقتصادي هام في العديد من دول العالم ومن بينها الجزائر، التي اتبعت في السنوات الأخيرة إستراتيجية وطنية حددت فیها عددا من المهن في مجال حمایة البیئة كوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال الاعتماد على الطاقات المتجددة بدل التقليدية الزائلة، و التي تعتبر إحدى العوامل الأساسية لإرساء مبادئ الاقتصاد الأخضر، كما استحدثت في نفس الوقت مؤسسات ناشئة تستغل الإمكانيات الهائلة التي یوفرها الاقتصاد الأخضر في الجزائر، لتوسيع أفاقه وفتح سوق العمل في هذا المجال الواعد.
لينة دلول
استجابية للآثار السلبیة الناتجة عن التغیر المناخي
ويُقصد بالوظائف الخضراء، تلك الوظائف التي تساهم في الحفاظ على البيئة والأرض واستعادتها، قد تعمل في قطاع تقليدي مثل التصنيع أو البناء، أو في صناعة خضراء ناشئة جديدة مثل الطاقات المتجددة وكفاءة الطاقة.
مبادرة الوظائف الخضراء "أطلقتها منظمة العمل الدولیة"، و هي استراتیجیة استجابية للآثار السلبیة الناتجة عن التغیر المناخي والمترتبة على العمل، تهدف إلى الدمج بین أهداف الحد من الفقر وتلك الخاصة بتخفیض مستوى انبعاث الغازات الدفیئة عبر استحداث فرص عمل لائق، ومنها الوظائف التي تحمي النظم الإیكولوجیة والتنوع البیولوجي وتقلص من استهلاك الطاقة والمواد والمیاه عبر اللجوء إلى استراتیجیات ذات فعالیة عالیة.
وتعمل الوظائف الخضراء على تخفیض تأثیرات المؤسسات والقطاعات الاقتصادیة على المحیط وجعل معدلات التأثیر في مستویات مقبولة. توجد الوظائف الخضراء في العدید من القطاعات الاقتصادیة، بدایة من تموین الطاقة إلى إعادة التدویر والزراعة والبناء والنقل، وتساعد على تخفیض استهلاك الطاقة، و المواد الأولیة والماء، انطلاقا من استراتیجیات ذات مردود عال، كما تسمح بتقلیل الكربون وتخفیض انبعاثات الغاز المضرة، بالإضافة إلى تقلیل مستویات أو اجتناب كل أشكال التبذیر والتلوث والحفاظ على التنوع البیولوجي.
جهود للتوجه نحو اقتصاد أخضر
ومن المبادرات الوطنية التي تهدف إلى خلق وظائف خضراء بالجزائر وتتوافق مع التطور الهام والسريع الحاصل في قضايا البيئة وحماية الأرض والانتقال إلى الاقتصاد الدائري، مشروع المهن الخضراء الذي أطلقه مكتب العمل الدولي سنة 2019، بالتنسيق مع وزارة العمل و التشغيل والضمان الاجتماعي و وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والذي خصص لفائدة خريجي الجامعات و مؤسسات التكوين والتعليم المهنيين و إنشاء شركات مقاولاتية للشباب في مجالات الوظائف والمهن الخضراء التي تدعم الطبيعة وتهتم بالغابات والزراعة و استرجاع و تدوير النفايات.
وكذا اتفاقية إطار الشراكة بين قطاعي التكوين المهني والبيئة التي تم توقيعها سنة 2020 ، قصد نشر ثقافة "المهن الخضراء" الخلاقة للثروة ومرافقة الشباب لإنجاز مشاريع في هذا المجال.
حاضنة للمقاولاتية الخضراء لتنمية المواطنة البيئية
كما قامت الجزائر منتصف سنة 2021، بإطلاق أول حاضنة للمقاولاتية الخضراء من أجل الارتقاء بالعمل الجمعوي إلى عمل مقاولاتي مؤسساتي يساهم في خلق مناصب عمل وتقليص البطالة، وتعزيزا لهذا المسعى تم اعتماد مبادرة الانتقال الإيكولوجي من طرف وزارة البيئة بالتنسيق مع القطاعات المعنية والفاعلين الجمعويين بهدف تنمية المواطنة البيئية.
كما تم إطلاق برامج تكوينية للتأهيل في مجال الوظائف الخضراء واستحداث شعب مختصة في مجال التدوير، بالإضافة إلى دعم ومرافقة الشباب أصحاب المشاريع الناشئة والمصغرة، لاسيما في إطار نشاطات التعاون بين الجزائر وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الجزائر والهادف إلى استحداث ديناميكية ضمن منظومة بيئة الأعمال في قطاع النفايات لخلق فرص العمل والتعريف بالفرص الاستثمارية الواعدة فيه، إلى جانب دراسة برامج الدعم وآليات التمويل المتاحة وتبادل الخبرات من أجل تطوير نماذج أعمال مستدامة النجاح والتحول الإيكوـ اجتماعي الذي يعتبر محركا أساسيا لتحقيق الأمن البيئي وتحسين الإطار والمستوى المعيشي للمواطن.
كما كثفت الوكالة الوطنية للنفايات جهودها لإنجاح هذه المساعي من خلال تشكيل قاعدة وثائقية حول إدارة النفايات وضمان نشرها على مستوى المجتمعات المحلية وقطاع الأعمال وتقديم المساعدة للشباب الراغب في النشاط والاستثمار في إطار التسيير المدمج والمستدام للنفايات بالتنسيق مع وزارة البيئة التي عملت على وضع الآليات التنظيمية التمويلية الرامية إلى حماية البيئة وترقية الشغل ومحاربة البطالة.
وتجدر الإشارة، إلى أن فئة الشباب تعد "اللبنة الأساسية في التحول من الاقتصاد الخطي التقليدي إلى الاقتصاد الدائري الأخضر والمستدام" من خلال المهن الخضراء ومشاريعهم وأفكارهم المبتكرة في مجال البيئة والتنمية المستدامة، حيث ظهرت الكثير من المؤسسات الناشئة التي يقودها شباب جامعيون في مجال الطاقة وإعادة تدوير المخلفات وفي الزراعة والتشييد والنقل.
إمكانية استحداث 1.4 مليون منصب في سنة 2025
وبحسب ما ذكرته الباحثة في العلوم الاقتصادية بجامعة سكيكدة، الدكتورة وهيبة قحام، في ورقتها البحثية الموسومة بـ "الوظائف الخضراء كمفتاح لاقتصاد مستدام"، فإن دراسة أنجزتها الوكالة الوطنية للتعاون من أجل التنمية بينت أنه من الممكن استحداث 1.4 مليون منصب شغل بالجزائر في سنة 2025، في نشاطات متعلقة بالاقتصاد الأخضر، حيث أن قدرة تطوير الشغل في ظل هذا التصور الجديد للاقتصاد تقدر بـ1421619 منصب شغل في عدة مجالات، على غرار تدوير النفايات المنزلية والفلاحة والطاقات المتجددة. وبحسب الباحثة، فقد بلغ عدد المؤسسات التي تمارس هذا النوع من النشاطات في 2012، ما لا يقل عن 27202، منها 3407 تنشط في مجال إعادة هيكلة النفايات، 1470 في تسيير المياه، 168648 في البناء الأخضر، و 631.68 في تسيير المساحات الخضراء و 30085 وحدة في خدمات متعلقة بالبيئة على غرار تدقيق الحسابات والدراسات والتكوين. وحسب تقرير أنجز مؤخرا، فإن هذه النشاطات تشهد إقبالا كبيرا من قبل الشباب والنساء الباحثين عن العمل، فهناك 14574 امرأة تنشط حاليا في المهن والوظائف المسماة الخضراء، وهو ما يمثل 9.7 من العدد الإجمالي للنساء المسجلات في السجل التجاري من بينهم 1938 مديرة، أما إحصائيات الدراسة فتشير إلى أن 7376 امرأة تنشط في قطاع البناء الأخضر، 123.3 في الخدمات و 827.3 في المساحات الخضراء، و 146 في معالجة النفايات و51 في تدوير النفايات و51 امرأة في قطاع المياه.
وجاء في الورقة البحثية، أن الحكومة وضعت التزامات طموحة ومحددة في هذا الاتجاه لدمج الاستدامة في تصميم خطط التنمية، وقد بذلت برامج واستثمارات كبيرة حيث يتم تطوير الاستثمارية الطموحة خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة وإدارة النفايات ومياه الصرف الصحي، وهي التي تحرك هذه المحاور من خلال إستراتيجية بيئية وطنية.
وأوضحت الأستاذة، أن الإستراتيجية الوطنیة للبیئة اعتمدت خطة عمل حددت فیها أنشطة معینة في مجال حمایة البیئة وتحقیق التنمیة المستدامة، بالاعتماد على مخططات تتوزع على عدة مستویات، وسخرت لذلك مجموعة من الوسائل القانونیة والتنظیمیة وحتى الاقتصادیة.
وبتقییم الإنجازات والإجراءات ذات الأولویة لبرنامج العمل البیئي الوطني (التي تم تحدیدها في التقریر الوطني للجزائر في الدورة19 ماي 2011 (للجنة المعنیة بالتنمیة المستدامة الأمم المتحدة)، نجد هناك ثراء وتنوعا في مشاریع الأنشطة الخضراء والأنشطة المرتبطة بها، فضلا عن وفرة استثمارات منجزة حققت نموا معتبرا یمكنها أن تساهم في تعزیز الإمكانات في التوظیف و ريادة الأعمال في القطاعات الخضراء في الجزائر.
المهندسة البيئية نسيمة عليوط للنصر
هذه هي معاييــر اختيـار النبـاتات المناسبـــة للأوســاط الحضريـة
يعد التشجير بحسب المهندسة البيئية بمصلحة المحافظة على التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية، بمديرية البيئة لولاية قسنطينة نسيمة عليوط، استثمارا حيويا في الأوساط الحضرية، يساهم في تحقيق التوازن البيئي ويدعم استدامة التنمية الحضرية على المدى الطويل، لذلك يجب بحسبها الاسترشاد بمعايير اختيار النباتات المناسبة للمساحات العامة حتى لا تكون لها انعكاسات سلبية على صحة الإنسان والحيوان.
لينة دلول
وأكدت المهندسة، أن غرس الأشجار في الأوساط الحضرية يخضع للمرسوم التنفيذي، رقم 67 - 2009، المؤرخ في 07 فيفري 2009، و الذي يحدد القائمة الإسمية للأشجار الحضرية وأشجار الصف التي يمكن زرعها في المدينة وهي كالآتي: أكاسيا، تنينية، صفيراء، تين البنغال، الأبونس، ليلك، الدفلى، الخوخ، رجوان، الفلفل المستحي، جنبة الرباط، الزيزفون الكاذب، المغث، كتلبة، الخروب، السرو دائم الإخضرار، سرو الفضة، سرو إيطاليا، الأوكاليبتوس، الدردار، غلاديشية، جرافيليا، مغنولية ذات أزهار كبيرة، الأزدرخت، التوت الأبيض، الدلب الغربي، الحور الأبيض، الحور الأسود، الصنوبر الثمري، المسكة، الصفصاف الأبيض، الجكارندا بأوراق الميموزا، الطرفاء، السرو، تيبا، نخيل الكناري، نخيل الواشونطونيا.
وأكدت المهندسة، بأن جميع الأشجار المذكورة، مناسبة للمحيط الحضري بقسنطينة ولمناخها السائد، ولطبيعة فصولها الشتوية و الصيفية، وكذا تربتها، مضيفة في ذات السياق، بأن هذه النباتات تلعب دورا مهما في المحيط الحضري، بحيث تحسن من جودة الهواء و تصد الرياح الشديدة و توجه النسيم العليل، وتحجب أشعة الشمس الشديدة، كما توجه حركة المشاة، وتوفر بيئة صحية أفضل للسكان، وأيضا ترشيد استخدام المياه، و تقلل درجة الحرارة، إضافة إلى تحسين التنوع الحيوي، و تخيفض التلوث الصوتي، وكذا تحسن المظهر الجمالي بشكل عام.
و تابعت المتحدثة بالقول، بأن هنالك أربعة معايير أساسية يُسترشد بها عند اختيار النباتات للمساحات الحضرية وهي المناخ العام للمنطقة، والمناخ المحلي للموقع، ونوع المساحة العامة، والفوائد البيئية والجمالية المرجوة، مؤكدة بأن المناخ العام والمحلي يعتبران عاملين رئيسيين يؤثران على بقاء النبات المختار.
توفر بيئة معاشية مناسبة للحياة البرية
وقالت، بأن كل الأشجار الموجودة في الوسط الحضري بحسبها، توفر بيئة عيش مناسبة للحياة البرية وبالأخص الطيور، التي تتغذى منها وتتخذها ملجأ، وذلك لأنها نباتات غير سامة ومفيدة للكائنات الحية، كما يساهم ظل الأشجار في تحسين النظام الإيكولوجي للماء نظرا لأنها تُقلل من حرارة الماء والهواء. كما يجب بحسبها، عند اختيار النباتات للمساحات المفتوحة مراعاة قدرة تحملها للظروف الطبيعية وغير الطبيعية فعلى سبيل المثال تكون قادرة على تحمل التلوث الجوي، وأن تكون لها أنظمة جذر منخفضة الغازية، ويمكن أن تتحمل التربة المضغوطة، لأنه إجراء يحدد كيفية تكيف النبات مع الظروف واحتمالية ازدهارها، كما أن فهم الخصائص المختلفة لكل نوع من أنواع المساحات العامة عند اختيار النباتات لها، يحسن من استغلال المساحة ويقلل من تكاليف رعايتها.
وشددت المهندسة، على ضرورة مراعاة السلامة عند اختيار الأشجار للمساحات العامة الحضرية كتجنب النباتات السامة والشوكية وذات الحواف الحادة، وكذا الأنواع التي تتساقط منها ثمار غير ملائمة للمساحات التي تتوفر فيها حركة مستمرة للمشاة مثل الأرصفة والأدراج العامة، لأنها ستحتاج إلى تنظيف وصيانة ورعاية دائمة وقد تتسبب هذه التساقطات بإحداث انزلاقات وإعاقة الحركة وقد تلحق الأذى بالمارة من خلال التعثر بها أو التعرض للإصابة وخاصة الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
وقالت، بأن هناك بعض الأنواع من النباتات يفضل عدم غرسها في المساحات العامة لأنها سامة وتمتص كميات كبيرة من المياه، لذا المستحسن غرسها على حواف الوديان.
وأوضحت المتحدثة، بأنه وخلال حملات التشجير التي تقوم بها مصالحها، يتم التركيز على جميع المساحات المفتوحة داخل المدن وخارجها، وفي محاور الدوران الحدائق، مداخل البلديات والمناطق السكنية و الأرصفة، مع مراعاة طبيعة مناخ كل منطقة وتربتها، والبنايات المحيطة بها. وتقوم ذات المصالح كذلك تضيف المتحدثة، مع بداية كل موسم صيف وبالتنسيق مع محافظة الغابات، بحملات تشجير في الغابات لتفادي الحرائق الناجمة عن الارتفاع الرهيب في درجات الحرارة وعبث الإنسان، مؤكدة أن الحملة شملت هذه السنة، غابة شطابة وذلك لأن الغابة بحسبها، تحتاج إلى عناية خاصة وغرس أشجار جديدة على مستواها.
وأكدت المهندسة، أن كل مساحة لها أشجار خاصة بها، فأشجار الغابات على سبيل المثال تكون غابية، أما النباتات التي تتم زراعتها في الإدارات والجامعات والمؤسسات التربوية، هدفها تجميل المنظر العام، في حين المزروعة في الوسط الحضري مهمتها جعل المكان صحيا، مضيفة بأن معايير اختيار نوع النباتات التي تنمو في وقت قصير ولا تتساقط أوراقها طيلة السنة، تتم عندما تكون المنطقة معرضة لأشعة الشمس وتحتاج إلى أشجار لتظللها كالمدينة الجديدة علي منجلي.
تحذيرات من القطع العشوائي للأشجار
وحذرت عليوط، من تفاقم ظاهرة القطع العشوائي للأشجار والاعتداء على الغطاء النباتي، رغم وجود قوانين تمنع هذه الممارسات وتفرض عقوبات ردعية على مرتكبيها، مشيرة إلى آثارها السلبية المتمثلة، في تصحر التربة وانجرافها، تهديد أساسات البنايات والمنشآت، وتهديد صحة المواطن، وتشويه المنظر العام للمدن، ناهيك عن أضرارها الكبيرة على مختلف الكائنات الحية.
وأكدت المهندسة، بأن القانون رقم 07-06 المتعلق بتسيير المساحات الخضراء وحمايتها وتنميتها، يسمح بوضع سياسة «حقيقية» تهدف إلى صيانة أصناف المساحات الخضراء الحضرية الموجودة والعمل على تحسينها وترقية إنشائها بكل أصنافها وتوسيع الفضاءات الخضراء وجعل إدماجها في كل مشاريع البناء ضرورة ملحة، وهو ما يؤدي إلى «التنمية الفعلية لتلك الفضاءات حفاظا على التوازنات الإيكولوجية والمناخية والتي تنعكس إيجابا على الصحة العمومية».
كما يرمي إلى توسيع الفضاءات الخضراء مقارنة بالفضاءات المعمرة، وجعل إدماج المساحات الخضراء في كل مشاريع البناء حتمية في الدراسات الحضرية والمعمارية العامة والخاصة.وأشارت عليوط، في سياق منفصل، إلى أن مساهمات المواطنين في عملية تشجير المساحات العامة تكون إما في شكل جمعيات تطوعية أو مساهمات فردية يقوم بها مواطنون يتمتعون بحس بيئي، مشددة على ضرورة الاطلاع على النباتات المناسبة في المساحات العامة وكيفية اختيارها وطريقة زراعتها حتى لا تكون هناك انعكاسات سلبية بدلا من الإيجابية
وأكدت المهندسة، بأن عمليات التشجير تكون خاصة في الأيام البيئية وفي إطار تهيئة المساحات الخضراء والحفاظ على الطابع الجمالي للمدينة بالتنسيق مع مديرية البيئة و إطارات وأعوان وعمال محافظة الغابات، والحماية المدنية، وكذا مع جمعية حماية الطبيعة و البيئة والمجتمع المدني.