تحتفل الكشافة الإسلامية الجزائرية في 27 ماي من كل سنة بيومها الوطني، حيث تشكّل المناسبة فرصة للاستذكار والتذكير بإسهامات هذه المدرسة، كما يذهب إليه أساتذة وباحثون، يعتبرون أنّ الاستمرارية توجب التعامل مع تحديات راهنة أبرزها مجابهة المقاومة المجتمعية والتأقلم مع التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية السريعة، والعمل على تعزيز الدور التربوي وعصرنة البرامج حتى تحافظ على الجاذبية واستقطاب الشباب.
* أستاذ العلوم السياسية لطفي دهينة
التكوين الكشفي يعزز روح المسؤولية الاجتماعية
يؤكد الأستاذ والباحث في العلوم السياسية بجامعة صالح بوبنيدر قسنطينة 3، الدكتور لطفي دهينة، أنّ الكشافة الإسلامية الجزائرية ساهمت في تكوين جيل متشبّع بالقيم الوطنية وروح المقاومة والثورة، و كونت جيلا واعيا مناضلا وقياديا، كان له فضل كبير في تأطير وقيادة الحركة الوطنية والتخطيط وتفجير الثورة فيما بعد.
وكانت الكشافة بحسب الدكتور دهينة، مدرسة لتنشئة الأفراد على القيم الوطنية والإسلامية وتكوين قادة حقيقيين يضطلعون بقيادة المجتمع ومشروع الثورة والتحرّر من براثن الاستعمار، عبر التموين المعرفي والمهارات والقدرات التي تساهم في تطوير الذات.
ويضيف المتحدّث، أنّ أغلب مجموعة 22 وكذا الستة الذين فجروا الثورة كانوا كشافين يتقدمهم العربي بن مهيدي، كما يكفي أن نعرف حسبه، أنّ مؤسس الكشافة الإسلامية الجزائرية جعلها مميّزة عن تلك التابعة للمستعمر، وقد مات شهيدا على يد المستعمر، وأردف المتحدّث كذلك أنّ بوزيد شعال أوّل شهيد خلال أحداث 8 ماي 1945 كان كشفيا.
وأوضح الباحث، أنّ الكشافة الإسلامية واصلت بعد الاستقلال تقديم رسالتها ومهمتها في تأطير الأفراد وتكوينهم، وكان لها دور بارز في مختلف الفترات التاريخية، كما لاتزال خزانا للقيادات والكفاءات التي تخدم الوطن من أي موقع تتواجد فيه، ولعلّ أبرز سمات أفرادها هي القدرة على تحمّل المسؤولية والمساهمة بإيجابية في خدمة المجتمع، وهو محور التكوين الكشفي. ولفت إلى أنّ الكشافة الإسلامية الجزائرية تشتغل على محورين أساسيين، يتعلّق الأوّل بتأطير مواطن صالح وقيادي في خدمة وطنه ومجتمعه، يمتلك قدرات ومهارات قيادية تجعله قادرا على الاضطلاع بالمهام التي توكل إليه وقادرا كذلك على قيادة المجتمع وتقديم الإفادة في التنمية المجتمعية، بينما يتمثّل محورها الثاني في تعميم نفع المنظمة عبر جعلها شريكا أساسيا في عملية التنمية المجتمعية، عن طريق مجموعة كبيرة من الاتفاقيات التي عقدتها مع العديد من الفواعل الرسمية وغير الرسمية التي تتقاسم وإياها نفس الأهداف، وبالتالي الإسهام بفعالية في مختلف القطاعات على غرار التربية والتكوين، الأمن والبيئة، الحماية المدنية وما إلى ذلك. ويتميّز أفرادها بالتنوّع والمهارات والقدرات الإبداعية التي تجعل من الأعمال الموجّهة إلى المجتمع متنوّعة وتوفر مساحة من الإبداع ليكون أثرها بالغا، كما تعتبر الكشافة شريكا أساسيا في المناسبات الوطنية والدينية والاحتفالات الرسمية المختلفة، بحيث تساهم في تنشئة الأفراد عبر إحياء هذه المناسبات، والاحتفاء بها وبأبطال وعظماء الوطن والأمة، وبالتالي بناء القدوة.
ويرى الدكتور، لطفي دهينة، أنّ الكشافة الإسلامية الجزائرية تواجه عديد التحديات على الصعيد الاجتماعي أبرزها، المقاومة المجتمعية بفعل قلّة الوعي الكافي بدور الكشافة وأهميتها اتّجاه المجتمع بمختلف أطيافه خاصة الأطفال والشباب، ناهيك عن الصعوبات المالية التي تحول دون الانخراط في الكشافة وعدم المشاركة في الأنشطة والأفواج الكشفية بالأخص فئة الشباب، بالإضافة إلى المشاكل الداخلية في الحركة الكشفية مثل عدم التنظيم الإداري والصراعات بين القيادات وعدم التكامل والتواصل بين الأجيال والفئات العمرية المختلفة، إضافة إلى بعض صعوبات التأقلم مع التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية السريعة، والتي تزيد من العزوف عن الانخراط في الأفواج وتسبب التسرّب الكشفي.
تضاف إلى هذه التحديات، صعوبة التواصل والتفاعل مع أفراد المجتمع المحلي بمختلف شرائحه وأعماره وعدم الاشتراك والمساهمة في حل بعض مشكلاته،ونقص التنظيم وإدارة الأفواج الكشفية وضمان استمراريتها ونجاحها، بحيث أنّ عمر بعض الأفواج لا يزيد عن 3 سنوات، ناهيك عن ضعف اندماج الأفواج الكشفية والقيادات في المجتمعات المحلية وصعوبة بناء العلاقات مع المسؤولين وصناع القرار بالأخص على المستوى المحلي.
ويقترح المتحدّث، مجموعة من الحلول لمجابهة هذه التحديات، تتمثّل في التركيز على التثقيف والتوعية في المدارس والفضاءات المتاحة، بتقديم وحضور برامج وأنشطة تثقيفية وتوعوية حول القضايا الاجتماعية، خاصة التي تمسّ مختلف فئات المجتمع، كالصحة النفسية و القضايا البيئية و حقوق الإنسان و الطفولة وما إلى ذلك، بغية تعزيز القيم والأخلاق وتشجيع أفراد الكشافة على التطوّع ومساعدة الآخرين وتقوية القيم الإنسانية والمجتمعية والأخلاقية مثل الاحترام والتكافل ومساعدة الفئات الهشة، عن طريق توفير مناخ مناسب للنشاط والتطوّع،وتقديم الدعم الاجتماعي والنّفسي بإنشاء برامج وهيئات وأنشطة دعم تصب في هذا الإطار، لمواجهة التحديات والمشاكل الاجتماعية والنفسية والعاطفية التي تسجل داخل الحركة الكشفية وخارجها. فضلا عن تطوير المهارات القيادية بدعم وتشجيع المشاركة والابتكارات لدى القيادات الكشفية وشبابها، وإشراكهم في دراسة وتحليل وحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتنظيمية للحركة الكشفية والمجتمع، ناهيك عن تحفيز المشاركة المجتمعية بتشجيع الكشافة في أنشطة خدمة وتنمية المجتمع والمساهمة في تحسين الظروف الاجتماعية للآخرين منذ مرحلة البراعم والأشبال، و تشجيع التنوّع واحترام الآخر بتوفير بيئة داعمة شاملة لمختلف الخلفيات الثقافية واللغوية، فضلا عن محاربة الجهوية داخل الحركة الكشفية وخارجها.
* الباحث في علم الاجتماع بوبكر جيملي
على الكشافة الجزائرية تكثيف البرامج وعصرنتها
يقول البروفيسور في علم الاجتماع بجامعة عبد الحميد مهري قسنطينة 2، بوبكر جيملي، والعضو السابق في المحافظة الولائية للكشافة بقسنطينة، إنّ للكشافة دورا أكثر أهمية يمكن أن تقوم به على المستوى المجتمعي وذلك لسببين على الأقل حسب المتحدّث، يتمثّل الأول في المصداقية التي تحظى بها سواء في الوسط الاجتماعي أو لدى الهيئات الرسمية، فيما يتعلّق السبب الثاني بالطبيعة التربوية للعمل الكشفي، باعتبارها مؤسسة من مؤسسات التنشئة، تسهر إلى جانب الأسرة والمدرسة وباقي جهات التنشئة على الاستثمار في المورد البشري الذي هو محور التنمية.
ويعتبر البروفيسور جيملي، أنّ ما يعزّز الدّور التّربوي للكشافة هو برامجها التربوية العملية، وهي التي تجمع بين العالمية والخصوصية، ثم طريقتها في تطبيق هذه البرامج، بالأخص من خلال الحياة في الطبيعة والعمل في مجموعات ونظام الشارات وغيرها، فهذه الميزات تعزّز قوّة استقطاب وجذب الفتية والشباب، وتلبية احتياجاتهم في التكوين والترفيه وبناء شخصية متوازنة، كما أنّ للكشافة الإسلامية الجزائرية نقاط قوّة إضافية بسبب رصيدها التاريخي، باعتبارها كانت مشتلة أنجبت العديد من أبطال الثورة أثناء الاستعمار، كما ساهمت مخرجاتها بفعالية في مرحلة ما بعد الاستقلال.
وينبّه المتحدّث، إلى أنّ المطلوب من الكشافة الإسلامية الجزائرية هو تكثيف عملها التربوي، وعصرنة برامجها حتى لا تفقد جاذبيتها وقدرتها على استقطاب الفتية والشباب، بالإضافة إلى العمل على تحويل الأفواج الكشفية إلى حاضنات تربوية، تحارب الآفات الاجتماعية وتساهم في الإدماج الاجتماعي والحد من التهميش، مع دعم الجهود المحلية والتنمية الاجتماعية، ويرى المتحدّث، أنّ تعاظم ثقل المسؤولية على عاتق الكشافة يستلزم ذلك، خصوصا في ظل التطورات الحديثة التي تشهد هيمنة التكنولوجيا ووسائل التواصل، وأيضا تزايد المخاطر وتراجع دور المؤسسات التقليدية.
وأردف المتحدّث، يقول إنّه بإمكانها الانخراط في المساعي الحديثة التي تهدف إلى مرافقة الشباب وتشجيع مبادرات إنشاء المؤسسات الناشئة، حيث يعتقد البروفيسور، جيملي، أنّ فعالية الكشافة ترتبط بشكل كبير بتطوير رؤية مستقبلية تستلهم الدروس من الماضي وتوظّف الفرص المتاحة أمامها من أجل تطوير قدراتها وكفاءاتها.
* أستاذ علم الاجتماع يعقوب سالم
الكشافة الجزائرية عرفت حركية كبيرة في العمل التطوّعي
يعتبر الدكتور في علم الاجتماع من جامعة الوادي، يعقوب سالم، وهو عضو مكلّف بالعلاقات في المحافظة الولائية العامة لقدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية بالوادي، أنّ الحركة الكشفية الجزائرية عرفت في السنوات الأخيرة حركية كبيرة خاصة في العمل التطوّعي مع جائحة كورونا في الجزائر، ورغم نقص الإعانات والمساعدات إلا أنّ ذلك لم يمنعها حسبه، من مواصلة الرسالة النبيلة القائمة على تقديم المساعدة وبذل العطاء.
ويرى الدكتور سالم، أنّ العمل الميداني وتفعيل الدور الحقيقي لرسالة الكشافة بعيدا عن الحزبية والاعتبارات الضيقة، سبيل لمواجهة التحدّيات التي تواجهها الكشافة في الجزائر، حيث يعزّز ذلك رسالتها ويشجّع تواصلها الميداني لفئة الشباب، انطلاقا من التنشئة السليمة التي ينشأ عليها الكشاف، فيشجع بذلك روح الانخراط لدى فئة الشباب ويحفّزهم على العمل التطوّعي.
ويقول المتحدّث، إنّ الرسالة الأساسية للكشافة في ظل وجود العديد من الدخلاء عليها، هو العمل ضمن الأفواج لبناء جيل متشبّع بالمبادئ النوفمبرية التي أسسها، محمد بوراس، وتعزيز المواطنة بالاندماج في المدارس ودور الشباب ومختلف الأنشطة، كما يجب الالتفاف حول كل القادة والكشافين من أجل ضمان بيئة نظيفة لهم بعيدة عمّا يشهده الشارع من آفات اجتماعية مختلفة، على غرار المهلوسات، وهو ما يستلزم التمسّك بالحركة الكشفية.
ولفت، أنّ منظمة قدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية أطلقت مشروعا سنة 2013 لمكافحة المخدرات جاب مختلف ربوع الوطن، وقد ترك صدى وأتى بثماره، مما يجعل الرهان قائما اليوم على تحدي العمل الميداني والاهتمام أكثر بفئة الشباب وضرورة تضافر الجهود للوصول إلى برّ الأمان بالنسبة لهذه الفئة في ظل التحديات التي تواجهها. إسلام. قيدوم