تشرف وكالة الملحقة الوطنية للقطاعات المحفوظة بقسنطينة، بمعية حرفيين في الخزف الفني وترميم الخشب التقليدي والبناءات الحديثة، على ورشات لفائدة مواطنين ومتربصين من مراكز التكوين المهني، قصد تكوينهم في مجال التدخل لترميم وإصلاح أجزاء من البنايات القديمة على مستوى الأحياء العتيقة، و ذلك لحمايتها و تجنب التدخلات الخاطئة التي تضر أكثر بمباني القطاع المحفوظ، وتأتي الورشات حسب القائمين عليها، قصد إشراك المواطنين في عملية حماية التراث و لأجل توفير يد عاملة مؤهلة ومتخصصة.
أسماء بوقرن
حضرت النصر، مؤخرا، ورشات تكوينية في مجال ترميم الخزف الفني والخشب التقليدي والبناءات القديمة نظمتها الملحقة، وقد أشار مؤطروها، إلى غياب الحس التراثي لدى قاطني البنايات القديمة، والجهل بقيمة و خصوصية كل قطعة أو جزء من الأجزاء التي تشكل النسيج العمراني، داعين إلى ضرورة تكاثف الجهود وإشراك كل الفاعلين لتعزيز الوعي بقيمتها و التعريف بقواعد صيانتها الدورية و طرق الحفاظ عليها.
التكوين المهني في فن الترميم بات حتمية
يقول الحرفي في الخزف الفني التقليدي فؤاد بن سالم، إن الاحتكاك بالمواطنين من خلال الورشات التي تبرمجها الملحقة الوطنية للقطاعات المحفوظة بالولاية، كشف عن جهل نسبة كبيرة منهم بالإطار التنظيمي القانوني لحماية العمران في القطاع القديم انطلاقا من السويقة ومرورا بباقي الأزقة والأحياء العريقة.
وقال محدثنا، إنه وقف على حالات عديدة لبنايات قديمة تعود للفترة العثمانية، عرفت تعديلات جذرية من الداخل لدرجة طمس هويتها العمرانية، ما يدل حسبه، على غياب ثقافة الترميم في أوساط المواطنين، وهو ما يوجب في رأيه تكثيف الورشات وإشراك ساكني هذه البنايات فيها.
وأوضح، بأن القيام بترميم الخزف القديم الذي يزين النسيج العمراني في المدن القديمة، يستدعي تجنيد لجان الحي لنشر الوعي بضرورة الالتزام بمواد وتقنيات صيانة البناية القديمة، والابتعاد عن إضفاء الطابع العمراني الحديث عليها سواء في الجانب الداخلي أو الخارجي، وتكثيف الورشات التكوينية الموجهة للسكان، لنشر الوعي بكيفية التعامل مع النسيج العمراني المصنف داخل القطاع المحفوظ، والتحسيس بالقيمة المعنوية لهذا الإرث. مع تلقين طرق الحفاظ عليه وترميمه بشكل دوري بمواد تساعد على إطالة عمره، خاصة في ظل توفر المواد المعتمدة في البناءات القديمة وامكانية اقتنائها.
وقال الحرفي فؤاد بن سالم، بأن ترميم الخزف القديم وصناعته يتطلبان مواد أصلية تبدأ بتحضير القطع الخزفية المصنوعة بالطين ثم طهيها في الفرن، تضاف بعدها الألوان ومادة براقة باليد، حيث يتم وضع طلاء أولي أبيض على القطعة الخزفية، بعدها يتم رسم الشكل بالريشة باستخدام اللون الأسود ثم وضع الألوان وهي عموما الأزرق والأصفر والأخضر.
وفيما يتعلق بنوع الزخرفات المعتمدة في ترميم الخزف التقليدي، أوضح الحرفي، بأن الطابع المنتشر بكثرة والموجود في بنايات قسنطينة القديمة، يتمثل في الزخرفة النباتية، ويتضمن القرنفلة ورجل الأسد، ناهيك عن الزخرفة الهندسية، حيث وبعد إتمام العملية، يتم إدخال القطع للفرن على درجة 950 أو 960 ، للحصول على مادة جاهزة يمكن استعمالها في تزيين الجدران والواجهات.
تحدث أيضا، عن تجربته في مجال ترميم الخزف الفني في معالم أثرية، منها الخزف الذي يزن الجدار الأيمن عند مدخل قصر أحمد باي، وتزيينه بهندسة نباتية بالقرنفلة وأشكال هندسية أخرى، وذلك سنة 2000، ودعا في الختام إلى ضرورة إدراج اختصاص ترميم الإرث القديم في مدارس التكوين المهني وضمن تخصصات الهندسة والبناء.
الحفاظ على الخشب التقليدي حماية للهوية
من جهته، أبرز الحرفي عز الدين غراب، مختص في ترميم الخشب الفني، أهمية الحفاظ على الأبواب الخشبية والمشربيات وغيرها من التحف الخشبية التي تزين العمران القديم وتحافظ على هويته، ويجد بأنه من الضروري ترميمها بالطريقة التقليدية لتستعيد بريقها.
وقال، إن الدارج في الوقت الحالي فيما يخص ترميم النسيج العمراني القديم، هو استخدام الخشب القديم المتمثل في الأبواب وغيرها في البداية، ثم رميه بمجرد تعرضه لتشققات أو تلف جزء منه، في الوقت الذي يمكن ترميمه وإعادة البريق إليه لأكثر من مرة دون تغيير التصميم والزخرفة التي تزين قطعه، باستعمال أداة منظف حراري، للتخلص من آثار الطلاء المتآكل مع الحفاظ على الباب، وباستعمال ورق تنظيف الخشب، وترميم التشققات بواسطة عجينة الخشب.
بعد الترميم تتم معالجة الحطب كما أردف، وهي مرحلة مهمة جدا في العملية ككل، وذلك باستخدام خليط من زيت بذور الكتان، ومادة «سيكاتيف» لتجفيف الزيت، مع استعمال مادة «تربوتين»، لتعزز صلابة الخشب وتثبت الزيت فيه، ثم تأتي عملية الطلاء بحيث يتم خلطه بالماء دون مادة أخرى، ويطبق على الواجهة الأولى، ثم يعاد طلاؤه للمرة الثانية.
محدثنا أشار، إلى أن له تجارب عدة في ترميم الخشب القديم لمعالم أثرية، من بينها المشربية الموجودة بجناح بنت الباي بمتحف الفنون والتعابير الثقافية بقسنطينة، إلى جانب البوابة الرئيسية للمدرسة سابقا «دار الإبداع» حاليا، وعملية ترميم مسجد الباي، حيث يعمل الآن على ترميم منبر المسجد، موضحا بأنه أشرف على تكوين 40 حرفيا في ترميم الخشب، ومعربا عن استعداده لتكوين الشباب مجانا في هذا المجال للحفاظ على الإرث المادي للمدينة.
هذه مواد البناء الخاصة بترميم العمران القديم
قدم عبد العالي السبتي، مختص في ترميم البنايات القديمة، وأحد المشرفين على الورشات التي تنظمها ملحقة الوكالة، تفاصيل عن طبيعة مواد البناء المستخدمة، داعيا إلى تكوين بنائين مختصين في ترميم العمران القديم. وأوضح عبد العالي السبتي للنصر، أن ترميم البنايات القديمة التي تعود للعهد العثماني، يعتمد على معدات وأدوات بناء محددة، حيث يحرص على اختيارها بدقة، مشيرا إلى أن مواد البناء التي تستخدم في ترميم العمران العثماني تختلف عن المعتمدة في المعمار الاستعماري.
وبخصوص المواد التي يعتمدها في ترميم البنايات والمعالم المشيدة في العصر العثماني، قال بأنها تشمل الجير والرمل والتراب والآجر، تخلط المكونات بعد تهشيم الآجر و تجمع لتشكل مادة إسمنتية، كما يستعمل الحجارة أيضا، وأعمدة العرعار كدعامات للتثبيت عند تعزيز الجدران. أما ترميم العمران المشيد في الحقبة الاستعمارية، فيختلف العمل عليه بختلاف قوة البناء وعمره، وتستخدم في هذه الحالة معدات بناء خاصة بالعهد العثماني في مرحلة أولى، ثم يوظف الإسمنت مع الجير والتراب والرمل، بحيث يوضع مقدار محدد من كل مادة، بشرط أن يستعمل الجير باردا، وأن يجهز الخليط قبل نحو 15 يوما عن استعماله.
وبخصوص عملية «تلبيس» الجدار، قال بأنها تحتكم لشروط معينة، حيث تعاد عملية التلبيس مرتين بمادة الجير، بفارق أسبوع بين أول تدخل وثاني تلبيس، ويترك الجير بعدها ليجف لمدة 60 يوما، ما يجعل الجدار أكثر صلابة، موضحا بأن لهذه المادة عدة أدوار، كما تحافظ على تهوية البيت بفضل وجود مسامات تسمح بمرور الهواء تلقائيا.
* مريم فنطازي مديرة ملحقة وكالة القطاعات المحفوظة
المواطن عنصر أساسي في مسعى الحفاظ على القطاع المحفوظ
حذرت مديرة ملحقة الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة بقسنطينة، مريم فنطازي، من استعمال مواد حديثة ومعدات عصرية في ترميم البنايات المتواجدة في القطاع المحفوظ، وقات إن ذلك شكل من أشكال الاعتداء على النسيج العمراني القديم. مردفة، بأن الوكالة وقفت خلال خرجات دورية على تجاوزات عدة كالقيام بأشغال ترميم لبنايات خاصة دون رخصة، ما دفعها لإطلاق ورشات تكوينية تشمل متربصين في معاهد التكوين الهمني لتوفير يد عاملة مختصة في الترميم، وتوعية السكان كذلك.
وأوضحت المتحدثة، أن المدينة القديمة بقسنطينة، صنفت كقطاع محفوظ سنة 2005، ولهذا فهي تخضع لقانون الحماية، وهو قانون للحفظ والاستصلاح، وضع بموجبه مخطط خاص تمت المصادقة عليه سنة 2014، ومنذ تلك السنة والمدينة القديمة تخضع لهذا القانون، وأي أشغال تتم ضمن محيطها تكون مطابقة لعمايير المخطط، الذي يعد أداة تسيير أساسية.
وأشارت، إلى أن الوكالة التي باشرت مهامها بشكل فعلي سنة 2023، حريصة على الحفاظ على الطابع المعماري للقطاعات المحفوظة كالمدينة القديمة السويقة، وتركز على مهمة رئيسية وهي تحسيس المواطن بضرورة الحفاظ على هذه المدينة، من خلال المداومة على الصيانة الدورية للبناية، سواء من الداخل أو الخارج دون إدخال أيه تغييرات على المداخل والأبواب والنوافذ والأسقف، ناهيك عن استعمال مواد بناء خاصة بالعملية، التي تشمل بالعموم الآجر و الحجارة وتتخذ نفس خصائص المواد التي بنيت بها، فضلا عن استخدام الملاط المحضر من الجير، والتقيد باستعمال الدهان الخاص بكل طابع عمراني، واعتماد القرميد القنوي التقليدي.
وتشمل عملية تحسيس المواطنين أيضا تقديم مطويات، لجملة من التعليمات المتعلقة بالمحظورات، كمنع إدخال أي نمط أجنبي على البناية، وتجنب استعمال مواد بناء حديثة وتغطيتها بالتقليدية، والعناصر الإسمنتية المشكلة من الخرسانة، فضلا عن المواد البراقة، والمواد البلاستيكية والأليكوباند و الرخام أو أي مواد عصرية لتغطية الواجهات. يحضر كذلك حسبها، استعمال النجارة المعدنية والبلاستيكية للنوافذ، وقد تم تنظيم خرجات دورية وتوزيع مطويات على السكان لرفع الوعي لديهم، ولمراقبة التجاوزات وإحصائها والتنويه ببعض التجاوزات الشائعة، كاستعمال الإسمنت لتلبيس الحجارة القديمة، ما يتسبب في منع تهويتها، واستبدالها بالجير. وذكرت المسؤولة الإجراءات الواجب التقيد بها في ترميم العمران القديم بالقطاع المحفوظ، وفي مقدمتها طلب رخصة أشغال عند القيام بأي تهيئة، وتقديم ملف تقني مفصل عن طبيعة الأشغال المراد إنجازها، وذلك على مستوى المصالح التقنية للبلدية، شريطة أن ينجزه مكتب معتمد في الهندسة المعمارية، وقد يتطلب الأمر مختصا في التراث، فيما تقوم ملحقة الوكالة بإبداء الرأي التقني وفقا لمخطط حفظ واستصلاح القطاع المحفوظ للمدينة القديمة قسنطينة.
أ ب