يعتبر الاكتئاب بعد التخرج حالة نفسية يصاب بها شباب عقب انتهاء رحلة الدراسة الجامعية، وانطلاق مرحلة البحث عن وظيفة والسعي لاقتحام سوق الشغل لتحقيق الاستقلال المادي، وأمام طبيعة الانتقال بين عالمين مختلفين أولهما يتسم بالأمل و الانشغال الدائم بالدراسة، وثانيهما صعب ومليء بالتحديات، يصطدم الشاب بالتوقعات العالية وحقيقة الواقع، وهو ما يؤدي حسب مختصين، إلى انخفاض معدلات الإيجابية لديه و إصابته بما يشبه الاكتئاب، ولذلك يقدمون جملة من النصائح للتعامل مع هذه الحالة وتجاوز الفترة الانتقالية بسلاسة.
* المختصة النفسانية والعيادية نادرة وغليس
تجنبوا التفكير الزائد في المستقبل المهني
أكدت الأخصائية النفسانية والعيادية، نادرة وغليس، أن اكتئاب ما بعد التخرج حالة نفسية مؤكدة، يصاب بها عدد من الشباب الذين أنهوا دراستهم الجامعية حديثا، وغالبًا ما يكون بسببها التفكير الزائد في المستقبل وكيفية الحصول على وظيفة على الفور، أو الحزن على ترك أصدقائهم في الكلية وحياتهم السابقة.
ناهيك عن أن الطالب كما أضافت، قضى معظم حياته في الدراسة وصار الجو المدرسي والجامعي جزءا من هويته، لذلك عندما يواجه الناس عقبة تهدد هويتهم، فقد تتعرض صحتهم العقلية للخطر، فيبدأ الإنسان في طرح أسئلة مثل: «من أنا؟»، «ماذا سأفعل بعد ذلك؟»، «هل سأنجح في البحث عن عمل في مجال عملي والحصول عليه والحفاظ عليه؟»، وقد تنشأ حالات أخرى بين الخريجين الجدد.
وتضيف الأخصائية : «في كثير من الأحيان يكون الاكتئاب ما بعد التخرج مصحوبًا بأزمة ربع العمر، وهو شعور يجعل من في العشرينيات يشكون في قيم حياتهم وأهدافهم، ووفقًا لعالمي النفس جوان أتوود وكورين شولتز، فإن أزمة ربع العمر، هي مرحلة نمو يشق فيها الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا طريقهم إلى مرحلة البلوغ».
مواصلة أن اكتئاب ما بعد التخرج يمكن أن يكون خلفية لتصور مسبق عن المستقبل يصطدم بحقيقة الواقع، فالطالب يميل بحسبها، إلى تصور أفضل السيناريوهات عن الدراسة والتخرج والحصول على وظيفة رائعة، وحياة مهنية مذهلة وعيش حياة اجتماعية ناجحة، وعندما لا يكون هذا هو واقعه، فإنه يصاب بالاكتئاب وتهزمه مشاعر الفشل بعدما تخبو فرحة إنجاز التخرج.
ومن بين أسباب إصابة خريجين باكتئاب ما بعد التخرج، أو اكتئاب النجاح، تضيف وغليس، الشعور بالذنب أو كراهية الذات والندم على الوقت الضائع في الكلية ودراسة التخصص والسخرية من الواقع بشكل كبير، كآلية دفاعية لتخفيف وطأة الاصطدام به.
وأوضحت، أن إدمان المتخرج على مواقع التواصل، يزيد من شعوره بالإحباط خصوصا عندما يقارن حياته بحياة أصدقائه الذين نجحوا في الحصول على وظائف مناسبة، ناهيك عن أن هذه الحالة قد تنجم عن تأثير الانتقال فجأة إلى عالم الكبار والمسؤولية، لأن الكلية منطقة أمان بالنسبة للطالب، والخروج منها إلى عالم الشغل يعني الانتقال إلى مرحلة البلوغ الكامل، والاعتماد على النفس وما يتطلبه ذلك من جهد والتزام.
من أعراضه عدم تقدير الذات
وأكدت الأخصائية، أن أعراض الاكتئاب تختلف من شخص لآخر، ويمكن أن تشمل مشاعر الحزن أو الانهيار و البكاء أو انعدام القيمة أو اليأس، إضافة إلى نوبات الغضب أو سهولة الاستثارة أو الإحباط ولو بسبب أمور تافهة، و فقدان الاهتمام أو المتعة في ممارسة معظم الأنشطة العادية أو كلها، زيادة على النوم لفترات محدودة للغاية أو طويلة للغاية، والتعب وفقدان الطاقة، لدرجة أن المهام البسيطة تستهلك جهدًا إضافيًّا. وذكرت المتحدثة، مشكلات جسدية مثل ألم الظهر أو حالات الصداع، إلى جانب الشعور بالقلق أو التململ أو العصبية، والشعور بانعدام القيمة الذاتية أو الذنب أو تركيز التفكير على الإخفاقات السابقة، أو إلقاء اللوم على النفس لأشياء خارجة عن الإرادة، مع وجود صعوبة في التفكير والتركيز واتخاذ القرارات وتذكر الأشياء، والإشارة مرارًا وتكرارًا إلى عدم الرغبة في الحياة، والتفكير في الانتحار أو الإقدام عليه، ويعاني الشخص أحيانا من اضطرابات في الشهية، وصعوبة في التركيز واتخاذ القرار، والتعب وصعوبات في النوم، ومشاعر الفراغ واليأس والتشاؤم والشعور بالذنب والحزن أو القلق.
وأضافت، أن علاج اكتئاب ما بعد التخرج، يكون عن طريق تغيير الطالب للبيئة المحيطة به، كأن يعيد ترتيب غرفته، أو تغير المكان الذي يتواجد فيه ويمارس الهوايات فيه، والخروج من المنزل وقراءة كتاب ما في المقهى أو على شاطئ البحر، فمن شأن ذلك بحسبها، أن يُحسن حالة المتخرج النفسية والمزاجية كثيراً، لأن البقاء الدائم في المنزل من أكثر أسباب الكآبة والسوداوية.
وشددت المتحدثة، على ضرورة ابتعاد المتخرجين الجدد عن مواقع التواصل الاجتماعي، وصب تركيزهم على ذاتهم وأولوياتهم في الحياة، وذلك لأن إدمانها يسبب التشتت والضياع.
كما يجب حسبها، تقبل الرفض وعدم الحزن، لأن المتخرج قد يرفَض في الكثير من مقابلات العمل ريثما يصل إلى فرصة عمل مناسبة له، وقالت، بأن أي رفض هو بمنزلة تحدٍّ له، للعمل على تنمية مهاراته وقدراته للوصول إلى ما يريد.
وعلى المتخرج حديثا كما أضافت، أن يجلس مع ذاته، ويسأل نفسه عن مهاراته والأعمال التي يحب القيام بها، ومن ثمَّ يحدد المجال الذي يرغب في العمل فيه، وتحديد المتطلبات التي عليه الوفاء بها لكي يدخل في هذا المجال، من خلال استشارة الأشخاص العاملين فيه، أو متابعة إعلانات الشركات، والانتباه لمعايير التوظيف.
ودعت الأخصائية الشباب، إلى عدم ترك الأمور تجري عشوائياً، حيث يسبب عدم تنظيم الوقت وعدم تحديد المهام والمسؤوليات، كثيراً من المشكلات النفسية، ومشاعر عدم الرضا وعدم الراحة، لذا يجب تنظيم الأمور اليومية مهما كانت بسيطة، كأن يخصص الإنسان ساعتين لمشاهدة برنامجه المفضل، وساعتين للاستماع إلى محاضرة ما في المجال الذي يحبه، وساعتين من أجل قراءة كتاب ما، وما إلى ذلك، حيث يضمن تنظيم الوقت إحساساً بقيمة اليوم وحماسا، كما يشكِّل بوصلة للمستقبل.
السعي نحو تطوير القدرات وصقل المواهب
ويجب على المتخرج حديثا حسبها، التروِّي وعدم الاستعجال في الوصول إلى القمة، لأن حديث التخرج والخبرة لا يستطيع بناء شركته الخاصة ودخول مضمار العمل والسوق في وقت قصير، وعليه تنصح بالابتعاد عن فخ المقارنة، فلكل إنسان على وجه الأرض قصته الخاصة، كما عبرت، لذلك وجب العمل على تطوير الذات بدل تتبع الغير.
وترى النفسانية، أنه بدلاً من الكآبة والمشاعر السلبية، على المتخرج السعي إلى تطوير ذاته وقدراته بمقدار ما تقدمه الفرص، فعلى سبيل المثال، يمكنه تعزيز مهارات التواصل مع الآخرين، ومهارات الإقناع والتأثير، ومهارات الإلقاء والخطابة، ومهارات اتخاذ القرار وتنظيم الوقت والقدرة على التخطيط.
وقالت الأخصائية، إن للعائلة والأصدقاء دورا في إخراج الشاب من دوامة الاكتئاب، وذلك عن طريق تذكيره بتناول الأدوية الموصوفة له والالتزام بحضور المواعيد الطبية، والإصغاء وتجنب تقديم النصح أو إبداء الرأي وإصدار الأحكام.
ومن المهم كذلك حسبها، تذكيره بصفاته الإيجابية وأهميته للآخرين، لأن المصاب بالاكتئاب قد يحكم على نفسه بقسوة ويجد خطأ في كل ما يفعله، ويمكن هنا أن نعرض عليه وضع جدول زمني لتناول الوجبات والأدوية وممارسة النشاط البدني وتلقي الدعم الاجتماعي والنوم والمساعدة في تنظيم المهام المنزلية.
ومن المناسب أيضا، البحث عن الجمعيات الناشطة في مجالات اهتمامه وحثه على الانخراط فيها مما يساعده على تسيير الضغط النفسي وتطوير مهاراته الاجتماعية .
وتنصح المتحدثة، بتشجيعه على الانشغال بممارسة شعائر الإيمان لأنه عنصر مهم للتعافي من الاكتئاب بالنسبة للكثيرين، سواء لدوره في المجتمع الديني المنظم أو المعتقدات الدينية أو الممارسات الروحية الشخصية، مع تشجيع الشخص المصاب بالاكتئاب ما بعد التخرج على اتخاذ خطوات للاهتمام بنفسه، ويتضمن ذلك تناول وجبات الطعام الصحية والحصول على قسط كاف من النوم وممارسة الرياضة.
* المختص في علم النفس مليك دريد
المرافقة النفسية للأهل ضرورية
من جهته، أوضح الأخصائي النفساني العيادي مليك دريد، بأنه من المعروف أن هناك الطلبة يعانون من مشاكل نفسية بعد نهاية مشوارهم الدراسي، وهنا يجب حسبه، أن نضبط المصطلحات جيدا بحسبه فعندما نتحدث عن اكتئاب ما بعد التخرج فهو مجموعة من الأعراض المرتبطة بالماضي وليس بالمستقبل.
وأوضح دريد، أن الشخص يشعر بنوع من الحزن بعد الانفصال عن زملائه و أساتذته وخاصة المؤسسة التي أمضى فيها مرحلة مهمة من حياته، ويكون الشعور أقرب إلى الحنين لتلك الأيام، وهي حالة نفسية طبيعية عرضية مؤقتة ولا يمكن اعتبارها حالة مرضية إطلاقا، في حين يقابلها شعور آخر مرتبط بالحيرة وعدم اليقين وهنا نتحدث عن قلق ما بعد التخرج، إذ يبدأ الطالب في رحلة البحث عن الوظيفة التي تتماشى مع اختصاصه وطبيعة تكوينه الأكاديمي، خاصة إذا واجه ضغوطات من طرف الأهل والمحيط ككل.
وهذه المشاعر حسب النفساني، غير مقتصرة على جنس بعينه بل على الذكور والإناث، فالمعايير الاجتماعية تغيرت كثيرا في الوقت الحالي وأصبحت المرأة كذلك تعيش هذا الضغط الذي يصاحب رحلة البحث عن الوظيفة، و ينصح المتحدث، الطلبة بالتكوين في عدة مجالات خلال مشوارهم الدراسي وتطوير سيرهم الذاتية وعدم الإكتفاء والاعتماد على اختصاص واحد.
ويرى الأخصائي، بأنه ليس بالضرورة أن يكون مصدر الرزق يتطابق مع الاختصاص الأكاديمي، إضافة إلى ضرورة التحلي بالصبر والسعي والتفكير الإيجابي و المرافقة النفسية و المعنوية للأهل خلال هذه المرحلة.
لينة دلول