يعتبر "البطيخ العربي" من أشهر الفواكه الموسمية في منطقة الجنوب، ويرتبط إنتاجه تحديدا بولاية الوادي، حيث تزرع الفاكهة حول غيطان النخيل داخل حفرة يصل عمقها إلى 20 مترا، وعادة ما تحفر قرب محيط زراعتها بئر تستعمل للسقي، خصوصا وأن هناك من الفلاحين من لا يزالون يعتمدون في ذلك على الطريقة اليدوية التقليدية، للتحكم في كمية المياه وبالتالي ضمان جودة المحصول.
وقد قام مهندسون فلاحيون من الوادي ومناطق أخرى، الموسم الفارط، بحملة لإعادة إنتاج وجمع العديد من البذور الأصلية للكثير من المزروعات الشهيرة في المنطقة، على غرار فاكهة البطيخ العربي والدلاع ومحاصيل أخرى محلية اختفت أو هجنت بأخرى، و أشرفوا على توزيعها في شكل بذور وشتلات وحثوا المزارعين على جمع البذور التي تنتج بداخلها من أجل إكثارها في الموسم القادم.
أقدم زراعة في المنطقة
ويصف فلاحون بينهم من يمارسون المهنة منذ الاستقلال، البطيخ العربي، بأقدم فاكهة موسمية تجذرت و توسعت زراعتها في الوادي، مؤكدين في دردشة مع النصر، أنهم كانوا يزرعونها على حواف النخيل أو في أحواض مستقلة، كانت تسمى آنذاك "بالميزاب" و تستخدم لتنظيم التزود بالمياه عن طريق الساقية والبئر.
وحسب بعض المزارعين، فإنه رغم عدم تخصيص مساحات كبيرة لهذا المنتج، إلا أنه يوفر لهم دخلا إضافيا في فصل الصيف، سواء عن طريق بيع جزء من المحصول قبل نضجه، أي عندما تكون الفاكهة ذات لون أخضر "فقوس" وهي شائعة الاستعمال في إعداد بعض السلطات المحلية، أو بعد تسويق الثمار الطازجة في أسواق الجملة أو التجزئة، وحتى على حواف الطرقات، لأن الطلب على الفاكهة كبير صيفا، كونها منعشة و لذيذة وتوفر الترطيب الكافي للجسم.
ويذكر عمي عمار، فلاح من مدينة قمار، أنه يزرع فاكهة البطيخ الأبيض أو البطيخ العربي منذ أزيد من 25 سنة، وقد سبقه إلى ذلك والده حيث يقوم بتهيئة ما تبقى من مساحات شاغرة في مزرعته وينثر البذور مبكرا، للحصول على محصول جانبي يكثر عليه الطلب من داخل وخارج البلدية طوال الصيف.
طلب كبير من كل ولايات الوطن
و أضاف ذات المتحدث، أنه يتنقل كل صباح إلى مزرعته ويجمع الكمية الناضجة من الفاكهة، حيث يمكنه تحديد ذلك بفضل الرائحة الزكية التي تعبق من كل حبة كما توجد تقنية ثانية يمكن الاعتماد عليها، وتقوم على تفحص حبة البطيخ جيدا فإن اتضح بأن قشرتها مليئة بتشققات خفيفة فإن ذلك دليل على نضج الثمرة.
و تكون أغلب الثمار ذات شكل بيضاوي كما قال، أما أوزانها فتختلف من حبة إلى أخرى وتصل إلى 08 كلغ في بعض الأحيان، مشيرا إلى أنه ينقل ما يجنيه من محصول يوميا إلى سوق "قمار" لبيعه، كما يعرض جزءا منه في بعض الأحيان على حواف الطرقات وخصوصا على الطريق الوطني رقم 48، أين يتوقف مستعملون للتزود بالفاكهة لشهرتها الكبيرة وطنيا.
أما لحبيب، وهو فلاح من بلدية تغزوت، فقال إن البطيخ العربي محصول مهم جدا في المنطقة، فرغم أنه تخلى عن زراعة عديد الأصناف الفلاحية، إلا أنه لا يزال مهتما بأحواض البطيخ الخاصة به، بل ويتخصص في زراعته وبيعه كونه من المنتجات الزراعية المطلوبة جدا صيفا ليس فقط في الوادي بل في غالبية الولايات.
ويقول أحمد فلاح من منطقة العمائرة بالبياضة، إنه يشتغل في المجال منذ نحو 30 سنة، وأنه وفي للأرض و خيراتها، و يصر علي تلقين فنون الزراعة و حب الأرض لأبنائه، كما يقحمهم في العمل خلال كل صائفة بعدما تبدأ عطلتهم الدراسية حتى ينمي فيهم روح الانتماء على المكان و حب الفلاحة، مؤكدا أنهم يجدون متعة في مساعدته على زراعة وجني محصول البطيخ، الذي يخصص له مساحة مهمة يتعاون هو و أبنائه على رعايتها و جني ثمارها كل يوم، كما يوكل لهم مهمة بيع الفاكهة صباحا في سوق الجملة ومساء في أقرب نقاط البيع.
مواصفات الصنف الهجين
ويشير عدد من الفلاحين والعارفين بتقنيات زراعة فاكهة البطيخ العربي، إلى أنها رغم تشابهها في الرائحة مع فاكهة الشمام، إلا أنها تختلف عنه من حيث الشكل فالشمام يكون دائما أقرب إلى الشكل الدائري، أما البطيخ فبيضوي الشكل في الغالب وقشرته أقل سمكا، مع التطرق إلى نقطة مهمة تتعلق بعمليات تهجين بذور النوعين للحصول على منتج يأخذ من مواصفات الفاكهتين، فيكون كبير الحجم كالبطيخ وبرتقالي اللون كالشمام برائحة قوية وقشرة أكثر سمكا.
و تبرز شعبية هذه الفاكهة في الولاية، من خلال عدد نقاط البيع والإقبال الكبير على شرائها، فلا يكاد مدخل حي سكني يخلو من عربة أو طاولة لعرض البطيخ خصوصا على مستوى البلديات الشمالية للولاية على غرار الرقيبة وقمار و تغزوت بالإضافة إلى بلدية ورماس، ناهيك عن بعض المناطق الجنوبية كالبياضة والرباح، أين التي تعرف حركية كبيرة لمواطنين وتجار من ولايات قريبة أيضا.
وحسب، بوبكر ابن بلدية النخلة، فإنه يتنقل بمعدل مرة إلى مرتين في الأسبوع إلى السوق المركزية أو نحو بعض البلديات الشمالية بالوادي، بحثا عن أجود أنواع البطيخ العربي، الذي يفضله عن جل الفواكه الموسمية الأخرى، لأنه لذيذ ومنعش ويكون طبيعيا جدا ولا يحتاج إلى سماد أو أدوية، بقدر ما يتطلب المياه فقط للحصول على محصول علي الجودة.
أما حمزة، فقال إنه يحب الفاكهة جدا و قد ورث عن والده عشقه للبطيخ العربي مشيرا، إلى أنها فاكهة صيفية بامتياز ولذلك يحرص على أن يتوفر منها ما يكفي دائما في بيته، قائلا بأنه لا يفوت فرصة التوقف أمام شاحنات و طاولات البيع لتفقد البضاعة واختيار الأجود كلما عاد من عمله مساء، خصوصا وأنه يقيم بوسط مدينة الوادي ويعمل في بلدية بجنوب الولاية .
كما يؤكد باعة، أن فاكهة البطيخ معشوقة الجميع، وأن لها زبائن من كل ولايات الوطن، إذ تشير ترقيمات السيارات التي تتوقف على حواف الطرقات ليتزود أصحابها من الفاكهة إلى شعبية البطيخ العربي، بدليل أن غالبية الزبائن من تبسة وخنشلة وتوقرت و ورقلة.
غنية بالألياف الغذائية
تصنف فاكهة البطيخ العربي ضمن عائلة القرعيات، وهي مفيدة جدا و تحتوي على كمية عالية من الألياف الغذائية التي تساهم في تحسين صحة الجهاز الهضمي وتقلل احتمالات الإصابة بالإمساك وتنظم حركة الأمعاء بصورة أفضل، وهي نفس فوائد الشمام كذلك.
كما يحتوي البطيخ على "البيتا كاروتين" الذي يعمل كمضاد قوي للأكسدة والتحفيز على نمو الخلايا الجديدة، والتخلص من الخلايا الميتة، وحماية الجلد من السموم والأضرار التي تؤدي إلى ظهور علامات الشيخوخة المبكرة على الجلد، و أحياناً يتم استخدام كريمات فيتامين “أ” للحماية من التهيج والاحمرار نظراً لأن له خصائص مهدئة.
ويعد البوتاسيوم، من العناصر الأساسية الموجودة في هذا النوع من الفواكه التي يساهم استهلاكها في استرخاء الأوعية الدموية، و يخفض من ضغط الدم و ذلك لأن ضغط الدم المضطرب يمكن أن يحفز الجسم على إفراز هرمون الإجهاد “الكورتيزول” كما توضحه، بعض الدراسات العلمية، كما يزيد البوتاسيوم من تدفق الدم والأوكسجين إلى الدماغ، و يؤدي ذلك إلى زيادة الشعور بالاسترخاء بالإضافة إلى الحد من هرمونات التوتر، ما يقلل من القلق ويساعد على الاستمتاع بحياة صحية.
منصر البشير