يعاني أشخاص من ما يعرف باضطراب الفوبيا، وهناك بينهم من يجهل ذلك أساسا أو لا يعي طبيعة مشكلته، خصوصا وأن هذا الاضطراب يمس فئات عمرية مختلفة، وتختلف درجاته وطرق إدراكه وكيفية التعامل معه من شخص لآخر، لتكون بذلك الانعكاسات الجسدية والنفسية متفاوتة، حسب ما يوضحه نفسانيون يقترحون بعض الطرق للتعامل مع المشكل.
أسماء بوقرن
الرهاب، اضطراب يلازم الكثير من الأشخاص عبر العالم، وله أنواع عديدة مثل فوبيا الكلاب والقطط والحشرات والمرتفعات والأماكن الضيقة، ويؤثر على نفسية المصاب بسبب الخوف المتواصل من الشيء، ويشعره بالضيق والضجر.
هاجر، ذات 28 ربيعا، تعاني من فوبيا الظلام، فبمجرد مرور أقل من دقيقتين عن جلوسها في مكان مظلم تشعر بضيق في الصدر وصعوبة في التنفس والخوف الشديد كما قالت، موضحة للنصر، بأنها تحدت نفسها وحاولت كثيرا التخلص من الخوف، من خلال محاولة البقاء لأطول وقت ممكن في غرفتها وسط الظلام، لكنها لم تتمكن من الصمود أكثر من دقيقتين، كما لا تستطيع النوم دون نور، وهو اضطراب تقول بأنها ورثته عن أمها.
ولا تعاني هاجر من فوبيا الظلام فحسب، بل تهاب الكلاب والدم أيضا، إذ تتسارع نبضات قلبها وتصاب بالرعاش بمجرد رؤية كلب لونه قاتم، كما تعاني من فوبيا الدم و يغمى عليها عند رؤيته، وقد خضعت لحصص علاج بالصدمة لهذا النوع من الفوبيا تحديدا، كما اعتمدت على مشاهدة فيديوهات التجميل السينمائي وإسقاط ذلك على الواقع ولاحظت تحسنا. فيما حدثتنا فائزة، البالغة من العمر 36 سنة، عن فوبيا المرتفعات، مشيرة إلى أنها تخشى المرور عبر جسور قسنطينة، وتسلكها بواسطة سيارة فقط مع تجنب النظر أسفل الجسر لأنها تصاب بخوف شديد وخفقان في القلب، مردفة بأن والدها حاول أن يخفف من حدة الرهاب الذي تعاني منه، عبر إرغامها في إحدى المرات على المشي على أحد الجسور، إلا أنها لم تتمكن من القيام بذلك وأصيبت بنوبة بكاء ودخلت في حالة هستيريا.
ولم تتمكن محدثتنا من تخطي الأمر، كما تخاف الوقوف على الشرفات خاصة المتواجدة في الطوابق المرتفعة، ما منعها من الإقامة في شقتها التي حصلت عليها في إطار الاستفادة من صيغة سكنية، واضطرت لاستبدالها بأخرى في الطابق الثاني.
* الأخصائية النفسانية نوال بوغابة
هذه أعراض الفوبيا وطرق إدراكه
فصلت الأخصائية النفسانية بالمستشفى الجامعي قسنطينة، نوال بوغابة في أعراض الفوبيا وأنواعها وكيفية إدراكها، وطرق تجنب الأعراض غير المرغوب فيها، وشرحت انعكاساتها وحالات اللجوء للعلاج النفسي.قالت الأخصائية، بأن الشخص يدرك أنه يعاني من فوبيا شيء معين، عند خوفه المفرط من أمور أو مواقف ينتج عنها خطر ضعيف أو لا خطر منها مطلقا، لكنها تجعله يشعر بقلق بالغ، لذلك يحاول الابتعاد عنها وعدم التعرض لها بشتى الطرق، وتستمر الفوبيا عادة مدى الحياة في حال لم تتم عملية العلاج.ولتحديد الاضطراب، قالت إنه يجب أن تكون الأعراض موجودة لمدة لا تقل عن ستة أشهر مع فقدان السيطرة على حدة الخوف، وأن تزيد عن ثلاثة أعراض ليمكن تشخيص الحالة على أنها فوبيا. وتتمثل المؤشرات في أعراض سلوكية، كمحاولة الهروب عند الاستطاعة للتخلص من الشعور بعدم الراحة، وتجنب التواجد في المكان الذي حدثت فيه الصدمة المسببة للفوبيا، وتلعثم في الكلام وحركات جسدية غريبة.
صعوبة التمييز
بين الخطر الحقيقي والوهمي من بين الأعراض
ومن الأعراض التي ذكرتها أيضا، الانفعال من خلال الشعور بالخوف والقلق الشديدين عند مواجهة مسبب الفوبيا، مثلا عند الصعود للأماكن المرتفعة أو التواجد في الأماكن المغلقة أو مواجهة أي حيوان، و الشعور بعدم الأمان والارتباك والتوتر الشديد، وكذلك إيجاد صعوبة في المواجهة، والخوف من التقييم السلبي وعدم تقدير الذات، ناهيك عن عدم الاستمتاع بالخبرات الحياتية الجديدة، وصعوبة التمييز بين الخطر الحقيقي والخطر الوهمي.
كما أن هناك أعراضا فيزيولوجية، وتظهر حسب الأخصائية من خلال التعرق وتسارع نبضات القلب، واضطراب في التنفس، وتشوش في الأفكار، فضلا عن مواجهة مشكلات في النوم، وضيق في الصدر، والتوتر، وجفاف الفم، والشعور بالدوار والغثيان.
أما فيما يتعلق بدرجات الفوبيا، فقد أوضحت بأنها تبدأ من الفوبيا البسيطة للقوية فالأقوى، وتختلف حسب المواقف التي يتعرض لها الشخص وشدة الأعراض، التي تكون إما مخفية لا تكاد تُرى، أو واضحة للعلن بسبب عدم استطاعة المريض إخفائها والسيطرة عليها، ويبدو ذلك من خلال صراخ المصاب وفقدان السيطرة على نفسه وعدم ثقته في أي شخص يريد تقديم المساعدة، ويصل لدرجة إيذاء النفس أو الآخرين دون قصد.
هذه طرق العلاج الفردية والنفسانية
تقول الأخصائية بوغابة، بأن هناك طرق علاج فردية تنحصر في تجنب الأعراض غير المرغوب فيها، وذلك من خلال محاولة التفكير بعقلانية وبطريقة منطقية، لأن أغلب المخاوف كما أوضحت، لا تكون منطقية كأن يخاف الشخص من لعبة أو من المرور أمام حيوان مقيد، أو أن يخشى مثلا الصعود إلى مكان عال لاعتقاده أنه سينهار بمجردة بلوغه، ويصل إلى درجة طلب المساعدة من شخص قريب منه لتعريضه للشيء الذي يخاف منه شيئا فشيئا، حتى يتلاشى الخوف بالتدريج.
ويكون العلاج النفسي ضروريا حسب النفسانية، عند حدوث تعطل عام أو تدهور في حياة الشخص وأدواره ووظائفه الاعتيادية عمليا أو اجتماعيا، ناهيك عن شعوره بضيق أو معاناة نفسية لا يستطيع التعامل أو التأقلم معها داخليا، وشعوره بالخطر على نفسه أو على الآخرين، وهنا يتحتم على المصاب الخضوع لجلسات علاجية عديدة، تبدأ بتحديد السبب الرئيسي الذي أدى للإصابة بالفوبيا والعمل على تخطيه.
وذكرت الأخصائية عدة أنواع للفوبيا، منها فوبيا المرتفعات، وفوبيا العناكب، وفوبيا الطيران، وفوبيا المجتمع، زيادة على وفوبيا البرق والرعد، وفوبيا الأماكن المغلقة، وفوبيا الخلاء، وفوبيا القطط، وفوبيا الماء، وفوبيا الدم، وفوبيا المهرج، وفوبيا الضوضاء ، وفوبيا الموت، وفوبيا الساعات، إضافة إلى وفوبيا الثقوب، وفوبيا الحقن، وفوبيا البالونات، وفوبيا الحشرات، أما الأكثر انتشارا فتتمثل في فوبيا المجتمع والقطط والكلاب والحشرات والمرتفعات والدم وزيارة طبيب الأسنان والأماكن الضيقة.
وتأتي فوبيا المجتمع، كما أوضحت، على رأس القائمة من حيث الانتشار، حيث قالت بأن الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من الرهاب، يخشون بأن ينظر إليهم الآخرون على أنهم غريبون أو محرجون أو حتى مثيرون للسخرية، ويعانون من الخجل من طريقة مشيهم أو طريقة تناول الطعام والكلام، أو من علامات الخوف الواضحة عليهم كاحمرار الخدين أو التعرق أو الارتعاش. مشيرة، إلى أن الخوف يكون في كثير من الأحيان مرتبطا بالحالات التي قد يحس فيها الإنسان بأنه مراقب من طرف الآخرين أو أنه قد يتم الحكم عليه، خلال امتحانات أو أثناء التحدث أو تناول الطعام في الأماكن العامة. وقد يحدث الخوف أيضا، في الحالات التي يريد فيها المرء التواصل مع أشخاص آخرين أو يكون ملزما بذلك، مثلا في المحادثات التي يجريها مع غرباء، أو مع أشخاص من الجنس الآخر أو في التعامل مع أشخاص من ذوي النفوذ. ويحاول المصابون بفوبيا المجتمع، تجنب مثل هذه الحالات أو يتحملونها قدر الإمكان وهم في حالة خوف شديد، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى ظهور ردود فعل بدنية نتيجة الخوف مثل الخفقان الشديد والغثيان أو التوتر وتشنج العضلات، فيتفاقم الوضع ليتحول إلى نوبة هلع.
مردفة، بأن من يعاني من هذا النوع من الفوبيا قد يجد صعوبة في التقرب من شريك أو مزاولة مهنة ما دون عراقيل، وذلك بالرغم من أنه يتوفر على مؤهلات شخصية مناسبة لهذه المهنة.
العدوانية من الآثار المترتبة عنها
وتتمثل انعكاسات الفوبيا الجسدية والنفسية، حسب نوال بوغابة، في الإعاقة النفسية و عدم القدرة على ممارسة الحياة العادية أو التأقلم معها، والمعاناة من الخجل الزائد، وظهور سلوك التجنب الذي يمكن له أن يؤدي بالإنسان إلى العزلة الاجتماعية، كما يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب واضطرابات المزاج والعدوانية وتعاطي المخدرات وحتى الانتحار كذلك، وقد تظهر اضطرابات مرضية جراء التوتر المستمر والقلق الناتج عن التعرض لمسببات الفوبيا التي لم تعالج لمدة طويلة، كمرض السكري وارتفاع ضغط الدم والأمراض القلبية والاكتئاب الحاد.
* الأخصائي النفساني ماليك دريد
لا علاقة للفوبيا بالعوامل الوراثية والجينية
من جهته، ذكر الأخصائي النفساني ماليك دريد، أنواعا غريبة من الفوبيا، تتمثل في فوبيا النساء والرجال، وشرح كيفية التمييز بين الفوبيا كحالة مرضية والخوف العادي، مؤكدا بأن الرهاب اضطراب غير وراثي كما يعتقد البعض.
وقال الأخصائي للنصر، بأن الفوبيا من بين الاضطرابات النفسية المنتشرة بكثرة عالميا، حيث تعرف بأنها عبارة عن خوف غير منطقي وغير عقلاني من أمر لا يستحق الخوف، ولا بد هنا من التمييز بين الفوبيا كحالة مرضية والخوف العادي والطبيعي، فمثلا عندما يهاجم حيوان مفترس إنسانا فإنه يخاف ويهرب من أجل النجاة، وهنا يكون الخوف طبيعيا ومعقولا، لكن الخوف من أمور بسيطة مع أعراض عضوية كزيادة نبضات القلب والتعرق وأحيانا الإغماء، إضافة للسلوك التجنبي الذي نجده في بعض الأنواع من الفوبيا، كفوبيا الحديث أمام الجمهور وفوبيا المرتفعات وفوبيا الأماكن المغلقة.
ولابد من الإشارة، إلى أن الفوبيا اضطراب نفسي مكتسب في أغلب الأحيان ولا علاقة له للعوامل الوراثية والجينية، إذ ينتج عن أحداث ومواقف حصلت في الماضي، فمثلا فوبيا الحديث أمام الجمهور قد تحدث نتيجة موقف محرج تعرض له الفرد في إحدى المراحل الدراسية وبالتالي تصبح لديه توقعات وأحكام مسبقة وأفكار خاطئة عن ردة فعل الناس.
وإذا كان لهذه الأعراض تداعيات وتأثيرات كبيرة على الحياة الاجتماعية والشخصية والمهنية، فقد تصبح عائقا حقيقيا كالخوف من الزواج، إذ يرفض الشخص الزواج نهائيا نتيجة مواقف صدمية في الطفولة، كأن يكون ضحية طلاق وعنف أسري.
ويشدد المتحدث، في هذه الحالة على ضرورة العلاج لدى أخصائي نفساني، ومن بين التقنيات العلاجية، ذكر العلاجات المعرفية السلوكية لتغيير الأفكار والسلوك، لأن الفوبيا اضطراب نفسي قابل للعلاج لكن مدة العلاج وفعاليته تختلف حسب مدى تعاون الحالة، وشدة ودرجة الاضطراب، ويحتاج الأمر أحيانا إلى تدخل دوائي من طرف طبيب الأمراض العقلية لوصف مضادات القلق بالتوازي مع العلاج النفسي.
العلاج بالواقع الافتراضي من التقنيات الحديثة
ومن بين العلاجات الفعالة الحديثة للفوبيا، ذكر تقنيات حديثة تعتمد على التكنولوجيا، على غرار العلاج بالواقع المعزز، باستخدام نظارات ثلاثية الأبعاد موصولة بأجهزة تحكم، تحتوي هذه النظارات على برامج علاجية متخصصة حيث يرى المريض نفسه في الموقف المثير للخوف بشكل افتراضي في مرتفع، أوفي مكان مغلق، أوأمام الجمهور، ويتم ذلك عن طريق مجموعة من الحصص تحت إشراف الأخصائي النفساني.
أ ب