تحولت وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، من أداة اتصالية وترفيهية، إلى بوصلة توجيهية تحدد أسلوب حياة الأفراد، من خلال تأثيرها على خياراتهم اليومية و قيمهم، وحتى تطلعاتهم المستقبلية بشكل مباشر وغير مباشر، وهو ما أكده مختصون للنصر، قالوا إنه يجب بناء توازن نفسي صحي بين التواجد على مواقع التواصل والحياة الواقعية، لأن ما يعرض على هذه المنصات بحسبهم، غالبا ما يكون صورة غير واقعية أو غير كاملة.
هكذا تتحكم وسائل التواصل الاجتماعي في نمط حياة الأفراد
تتحكم وسائل التواصل الاجتماعي في نمط حياة الأفراد، وتؤثر على قرارتهم اليومية من خلال استخدام خوارزميات معقدة تعتمد على اهتمامات المستخدمين، وتقدم لهم محتويات تتماشى مع سلوكهم السابق. هذا التخصيص يدفع المستخدمين إلى التفاعل مع المحتويات التي تتماشى مع ذوقهم أو تؤثر على قراراتهم اليومية، سواء كانت تتعلق بالموضة أو الطعام، أو الأماكن التي يرتادونها، أو حتى الأنشطة التي يشاركون فيها.
وعلى سبيل المثال، يُظهر المستخدمون تغييرا في أسلوب حياتهم من خلال تناول أطعمة صحية، أو اعتماد برامج رياضية معينة بعدما يتأثرون بصناع المحتوى الذين يتابعونهم.
ويلعب المؤثرون كذلك دورا كبيرا في الترويج لأنماط حياة محددة سواء من خلال الرياضة أو السفر، أو حتى نمط الحياة الصحي لملايين المتابعين الذين يمتلكونهم، ويتحولون إلى مرجعيات تؤثر في الجمهور، وتخلق معايير جديدة يتبعها المستخدمون، كتأثيرهم على عادات التسوق والاختيارات اليومية للأفراد، سواء كانوا يشترون منتجات تجميل، أو ملابس، أو حتى أجهزة إلكترونية.وحسب ما لاحظناه وأكده مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي، جمعت النصر عينة منهم، فإن المنصات الرقمية تسللت إلى كل جوانب الحياة، حيث أعادوا تشكيل سلوكياتهم وأفكارهم وحتى تطلعاتهم وفقا لما يرونه ويتفاعلون معه على هذه المنصات.
قالت مفيدة، وهي شابة في العشرينيات، بأن وسائل التواصل الاجتماعي غيرت نظرتها لذاتها بشكل جذري، بعد أن بدأت بمتابعة حسابات على منصة الإنستغرام تتعلق بالموضة والجمال، وشعرت بالضغط لمواكبة هذه المعايير، متابعة :» كنت أشعر دائما أني لا أبدو جيدة بما يكفي مقارنة بالمؤثرين الذين أتابعهم، هذا الشعور دفعني إلى إجراء تغييرات جذرية في مظهري، مثل تغيير أسلوب اللباس والاهتمام الزائد بالمظهر الخارجي». أما خالد، وهو شاب في الثلاثينيات من العمر، ويشغل منصب أستاذ مؤقت بالجامعة، فقد قرر البدء بنمط حياة صحي بعد مشاهدته لعدد من المؤثرين الرياضيين الذين يتابعهم على اليوتيوب، مشيرا إلى أن لدى هؤلاء الأشخاص قدرة على الإقناع و التحفيز، وهو ما ساعده على تحسين لياقته البدنية، فبدأ بممارسة الرياضة بانتظام و اتباع حمية صحية وذلك بفضل المحتوى الذي كانوا يشاركونه.من جهتها، أكدت ليلى وهي أم لثلاثة أطفال، بأنها شعرت بنوع من الضغط الاجتماعي بسبب منصتي «فيسبوك و إنستغرام»، خصوصا بعدما بدأت في متابعة حسابات تعرض حياة الأمهات المثاليات، معلقة بالقول:»كنت أرى صورا لأمهات يدرن حياتهن بشكل مثالي، سواء في المنزل أو مع أطفالهن، وبدأت أشعر بأنني مقصرة».
وأضافت ليلى، بأن هذا الشعور جعلها تحاول جاهدة مواكبة ما تراه على الإنترنت من خلال اضغط على نفسها وإجراء المقارنات، وهو ما أثر سلبًا على صحتها النفسية.
أما محمد وهو شاب عشريني، فقال بأنه كان يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتغيير مساره المهني، و بعد متابعة مستمرة لحسابات متخصصة في التكنولوجيا والبرمجة على يوتيوب وتويتر، قرر تعلم البرمجة والانضمام إلى هذه الصناعة. وأكد، بأنه بدأ في مشاهدة فيديوهات تعليمية وإتباع دورات عبر الإنترنت بعدما لاحظ كيف أن الناس يحققون دخلا جيدا من منازلهم بفضل هذه المهارة.
* أستاذة علم الاجتماع فوزية ورناني
مواقع التواصل تعيد تشكيل عقلية المجتمعات
بحسب الدكتورة فوزية ورناني، أستاذة علم الاجتماع، بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، بجامعة قالمة 8 ماي 1945، فإن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منصة قوية تؤثر بشكل مباشر على تشكيل الهوية والسلوكيات لدى الشباب، مما يخلف تأثيرات إيجابية وسلبية على حد سواء.
وتوضح الأستاذة، أنه يمكن من الناحية الإيجابية أن تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز الهوية الجزائرية، من خلال نشر القيم الدينية والثقافية التي تمثل المجتمع الجزائري، فعلى سبيل المثال يستخدم بعض الشباب هذه المنصات للترويج للعادات والتقاليد، مثل الملابس التقليدية و المأكولات الجزائرية و طقوس الأعراس، مما يساعد على نشر وتعزيز الوعي الثقافي بين أفراد المجتمع داخل الجزائر وخارجها.
أما الجانب السلبي، فيتمثل في انتشار القيم الدخيلة والسلوكيات الغريبة على المجتمع الجزائري، حيث تتعرض القيم المحلية أحيانًا للهجوم أو النقد من قبل فئات من المستخدمين، مما يؤدي إلى ظهور سلوكيات جديدة غير مألوفة تتناقض مع العادات والتقاليد.
ومن الأمثلة على ذلك، السخرية من الملابس التقليدية للعروس أو مقارنة نمط الحياة في الجزائر بالنمط الغربي، بطريقة تروج لفكرة أن العيش في أوروبا أو أمريكا هو النموذج الأفضل، وأن الحياة في الجزائر سلبية أو كئيبة.
هذا النوع من المقارنات يعمق بحسبها، مشاعر الإحباط لدى بعض الشباب، مما قد يدفع بهم إلى تبني قيم وأنماط غريبة عن مجتمعهم، وفي بعض الحالات، قد يروج لفكرة الهجرة غير الشرعية «الحرقة» كحل للهروب من الواقع.
وقالت الأستاذة، بأن هذا التأثير المزدوج لوسائل التواصل الاجتماعي يتطلب توازنا ووعيا مجتمعيًا، بحيث يجب أن تكون هناك جهود لتوجيه الشباب نحو الاستفادة الإيجابية من هذه المنصات، وفي الوقت نفسه تعزيز القيم الثقافية والدينية التي تبرز الهوية الوطنية، مع التحذير من التأثيرات السلبية التي قد تؤدي إلى فقدان الانتماء أو انتشار ظواهر اجتماعية غير صحية.
وأضافت المتحدثة، بأن المحتوى الرقمي الذي يشاركه المؤثرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يؤثر على الخيارات اليومية للمستخدمين، سواء في علاقاتهم أو قرارات الشراء أو نمط حياتهم، وحتى آرائهم الشخصية.
مشيرة في ذات السياق، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت في الأصل وسيلة لتسهيل التواصل بين الأفراد، لكنها أصبحت في وقتنا الحالي وسيلة للتأثير على أفكار وقرارات الأشخاص الذين يعانون من ضعفا في الشخصية فينساقون وراء كل ما هو رائج على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضحت، بأن بعض الدراسات أشارت إلى أن ارتفاع معدل الطلاق يمكن أن يكون مرتبطًا بتأثير المنصات التواصلية، مضيفة بأن مواقع التواصل الاجتماعي لا تؤثر فقط على الشباب، بل حتى على الأطفال وكبار السن، إذ صارت مرجعية لتحديد مسار حياتهم، وليست مجرد وسيلة للتواصل، كما أن الإدمان عليها أصبح ظاهرة اجتماعية تؤثر على شريحة كبيرة من الأفراد.
تولد الضغط الاجتماعي والمقارنة
وقالت فوزية ورناني، بأن وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر حياة الأفراد بشكل متسق ومثالي، وغالبا ما تكون هذه الحياة المعلن عنها مجرد جزء صغير من الواقع، مع ذلك فإنه تخلف شعورا دونيا لدى الفرد بسبب بالمقارنة الاجتماعية، إذ يبدأ المستخدمون بمقارنة حياتهم الشخصية مع الشائع على المنصات، مما قد يدفعهم إلى تغيير أسلوب حياتهم للتوافق مع المعايير التي تروج لها وسائل التواصل.
متابعة بالقول، بأن العديد من الشباب باتوا يشعرون بالضغط لإتباع نمط حياة أكثر رفاهية، أو للسفر باستمرار، أو حتى لعيش تجارب استثنائية من أجل «مواكبة» ما يشاركه الآخرون.
* الأخصائية النفسانية هدى زياد
وسائل التواصل تبني هوية مشوهة أو غير واقعية
وبحسب الأخصائية النفسانية هدى زياد، فإن وسائل التواصل الاجتماعي بمحتواها الواسع والمتنوع، أصبحت تحدد نمط حياة الأفراد وتؤثر بشكل كبير على قراراتهم وسلوكياتهم، سواء كان التأثير إيجابيا مثل تحسين نمط الحياة و الاهتمام بالصحة، أو سلبيا بفعل الضغوطات النفسية الناتجة عن المقارنة الاجتماعية، علما أنه لا يمكن إنكار التحكم المتزايد لهذه المنصات في طريقة التفكير و التصرف.
كما يخلف الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إدمانا رقميا، لا يغير فقط الروتين اليومي للأشخاص، بل يؤثر على إنتاجيتهم وجودة حياتهم، حسبما أوضحت الأخصائية، بدليل أصبح البعض يعتمدون على التحقق المستمر من حساباتهم بشكل مفرط، مما يجعلهم أقل قدرة على التركيز في أنشطتهم الأخرى أو حتى في حياتهم الاجتماعية الحقيقية.
وأضافت زياد، بأن وسائل التواصل الاجتماعي، تؤثر بشكل كبير على تقدير الذات والصحة النفسية للأفراد، وذلك من خلال العديد من الآليات النفسية والاجتماعية التي تحدث نتيجة التعرض المستمر للمحتوى الرقمي، ناهيك عن أنها قد تؤدي بالأفراد إلى بناء هوية مشوهة أو غير واقعية عن أنفسهم لتتوافق مع التوقعات الاجتماعية. وقالت، بأنه من الصعب تحديد العلامات الظاهرية التي تبين مدى المعاناة النفسية للشخص بسبب استخدامه لهذه الوسائل، وكيف صارت أنماط الحياة الشائعة عليها توجه نسبة من قراراته، بفعل شعوره المتزايد بالفشل و الاكتئاب، لذلك يجب على الإنسان كما قالت، أن يحافظ على توازنه النفسي بتقليل التعرض لها و منح مساحة أكبر لعيش الحياة الواقعية.
لينة دلول