تثير منصة «تيك توك» الجدل مجددا، بسبب انتشار نوع من المحتوى المصنف ضمن خانة « عنيف»، و يتعلق الأمر بقصص توليدية تعيد محاكاة بعض الجرائم البشعة، من خلال سرد على لسان المجرم الذي يصف بأدق التفاصيل حيثيات جريمته وكيف ارتكبها، و تكون هذه المقاطع مشوقة و مرفقة بمؤثرات بصرية و موسيقى تسيطر على انتباه من يشهدها و يجعله الحماس يدمن مشاهدتها، وهو أمل حذر منه أخصائيون نفسانيون، خصوصا وأن هذا المحتوى غير مقنن ومتاح لمختلف المستخدمين دون ضوابط، بما في ذلك الأطفال و المراهقين.
إيناس كبير
ويقول الأخصائي النفساني حسام زرمان، بأن تأثيراته على نفسية المتلقي خطيرة، كما قد تتفاقم لتدفع به إلى ابتكار طرق جديدة في التعدي على حياة الآخرين.
تابعت النصر، لأيام محتوى قصص الجرائم التي تنشرها حسابات وهمية على «تيك توك»، وقد توصلنا إلى أن التركيز على الشخصيات يختلف باختلاف المنطقة التي وقعت فيها الحادثة، فبينما تركز النسخة العربية على إبراز قصة الضحية و التعاطف مع معاناتها أثناء الجريمة، تأتي النسخة الأجنبية على لسان المجرم، الذي يبرز الدوافع التي جعلته يتعدى على حياة الآخرين، كما يعود إلى تفاصيل من طفولته عادة.
وقد لاحظنا أيضا، أن بعض القصص تخص ضحايا من الأطفال الصغار الذين تعرضوا للعنف على أيدي أهاليهم أو أقربائهم.وتأتي العناوين التي تصف محتوى المقطع جذابة ومثيرة، كما يكون مرفقا بموسيقى تشويقية تحمس المشاهد أو تثير عاطفة معينة لديه، وأساس الفيديو هو عرض صورة تقريبية بواسطة الذكاء الاصطناعي للشخصية، إما في حالتها العادية، أو تصويرها وهي تنزف، لكنها تتحرك وتتكلم بشكل عادي، ويكون السرد بلهجات مختلفة حسب البلد.
نسب مشاهدة مثيرة
قمنا بقراءة غالبية التعليقات على مقاطعة مختلفة من هذا النوع، لنفهم سبب الاهتمام بها، خصوصا وأنها تحقق آلاف المشاهدات و تحظى بتفاعل كبير، وقد لفتتنا تبريرات لمستخدمين لنساء وفتيات كثيرات يبدين اهتماما بهذا النوع من المحتوى على غرار الرجال.
يقول أحد المستخدمين، إنه يرى هذا النوع من المحتوى جديدا وغير مألوف، كما أن الغموض الذي يكتنف سرد القصة يحرك فضوله لمعرفة تفاصيل الجريمة وخلفيات ارتكابها، معلقا: «في إحدى المرات شاهدت فيديو بطلته امرأة سافرت إلى دولة أوروبية ثم اختفت ولم يظهر أي أثر لها، وبعد سنوات وجد الرجل الذي أجرها البيت جثتها داخل حاوية في المستودع، وهو ما أثار لدي عدة استفسارات حول طريقة مقتلها ووضعها في الحاوية».
كما أرجعت مستخدمة أخرى، سبب مشاهدتها لهذه الفيديوهات، إلى شعورها بالهدوء خصوصا عندما تكون متوترة، فوضعها لتحليلات حول تفاصيل الجريمة ودوافع القتل يقلل من التفكير الزائد لديها، وأتبعت بأن «شعور القلق بسبب مشاكلها يتوقف خلال مدة القصة»، بينما علق مستخدم آخر، بأنه ما يزال متأثرا بالسلسلة الكرتونية «كونان» التي تربى عليها منذ صغره.وينجذب غيره حسب تعليقاتهم، إلى طريقة السرد التي يعتمدها «يوتيوبر» مصري في عرض الأحداث وهو ما جعلهم يدمنون متابعته سواء في السيارة أو أثناء ممارسته للرياضة، وأضاف أحدهم، بأن هذه القصص جعلته يتأكد من حقيقة أن القاتل لن يفلت من العقاب مهما طال الزمن.
شابة أخرى تقول، إن هذه الفيديوهات تساعدها على النوم خصوصا في فترات الأرق، وذلك لأنها تركز جيدا مع كل التفاصيل، ولا تشعر بنفسها إلا وهي غارقة في النوم.
بينما اعتبر معلق، أن قصص الجرائم تساعد على فهم الطبيعة البشرية والدوافع المحركة للشر بداخلها، ما يتيح له حماية نفسه في المستقبل.
محتوى مشحون بالدراما والعاطفة
يوضح الأخصائي النفساني حسام زرمان، بأن هذه النوعية من المحتوى تجعل المتلقي عاطفيا بدرجة كبيرة، حيث ربط ذلك بالأسلوب المعتمد الذي يكون سمعيا بصريا مغلفا بالدراما، ناهيك عن توظيف المؤثرات السمعية البصرية التي تزيد من تأثر الشخص بما يسمعه.وكلما كانت التفاصيل دقيقة عن كيفية ارتكاب الجريمة والتعامل مع الجثة أدى ذلك وفقا له، إلى التسبب في قلق شديد لدى المتلقين، أو تعرضهم لنوبة هلع، وأتبع زرمان، أنه يصبح هناك نوع من التساهل مع الجريمة خصوصا إذا جاء سرد القصة على لسان المجرم، ومحاولة إظهاره في صورة ضحية ظروف اجتماعية.
و يقول الأخصائي النفساني، بأن تلك المشاعر المصدرة لمستخدمي «تيك توك» تصيبهم بما يُعرف بمتلازمة «ستوكهولم» وتعني التعاطف مع المجرم، لأن التركيز يكون مع الأسباب التي جعلته يخرج عن طبيعته الإنسانية ويتحول إلى العنف، وعقب قائلا :»مثلما يحدث مع الجرائم المرتكبة في المجتمع، حيث يتعامل أفراد بطريقة شعبوية وعاطفة زائدة مع المجرم، واضعين أسبابا مغلوطة تظلم الضحية دون التحري عن صحتها».كما تحدث زرمان، عن التأثير المباشر لهذا النوع من المحتوى على فئة الأطفال والمراهقين، خصوصا وأن الإنسان في هذه المرحلة يكون مشحونا بنوع من الغضب غير المتحكم فيه، و تكون إدارته له ضعيفة نوعا ما، ويصبح كل ما هو خيالي قريب إلى الحقيقة بالنسبة إليه.
وأفاد الأخصائي النفساني، بأن العنف المكبوت بسبب هذه الفيديوهات، ناهيك عن الطريقة الخاطئة في التعامل مع المشاكل، يؤديان إلى ارتفاع منحنى الجريمة، وبالتالي يرى بأنه يجب منع الأطفال والمراهقين من التعرض لهذا المحتوى، أو سماع تفاصيل ارتكاب الجرائم.
الدفع إلى طرق جديدة وأكثر وحشية في ارتكاب الجريمة
من جانب آخر، فسر الأخصائي النفساني، بأن النفسية البشرية يمكن أن تنطوي على اختلالات أو اضطرابات تكون غير ظاهرة، ولا يشعر بها صاحبها، إنما تترجم في حالة فضول كبيرة لمتابعة هذا النوع من المحتوى، وطرح مثالا قائلا: «يمكن أن يكون شخصا ساديا، يعاني من حب التعذيب أو فرض الشيء»، فتصبح هذه الفيديوهات بمثابة توجه جديد لديه للتعبير عن هذه الرغبة. مضيفا، بأن استعراض تفاصيل وحيثيات الجريمة خصوصا من ناحية التعامل مع الجثة يسبب ترسيخ «الإجرام الخفي»، وإخراج طرق جديدة في التعدي على أمن وحياة الآخرين، وعقب زرمان: «لذلك نستغرب أحيانا من الوحشية التي مورست بها بعض حوادث القتل».وذكر محدثنا، بعض الحالات النفسية التي تجعل متلقين ينجذبون إلى مشاهدة قصص الجرائم، مثل الهروب من الواقع و المعاناة من عنف مكبوت، ورغبة في تعويض النقائص، و الخوف من تكرار الفعل والتعامل بالطريقة نفسها التي وردت في «الفيديو».وحذر الأخصائي، من بعض الخيالات التي اعتبرها خطيرة، بسبب إمكانية تحولها إلى واقع، فيصبح الفرد مهددا في بعض الظروف والحالات بأن يتحول إلى مجرم، وفي هذا السياق أفاد، بأنه استقبل في عيادته حالة توصل من خلال قراءة نصوص كتبتها، إلى أنها مليئة بميولات إجرامية تعوض من خلالها نقص الثقة الذي تعاني منه. وتطرق أيضا، للحديث عن مشاهدة هذه المقاطع ليلا، موضحا بأن مستوى العمليات الفكرية يكون مرتفعا في هذه الفترة، فالإنسان يخزن المعلومات اليومية التي يتلقاها أثناء ذلك وكل ما يشاهده يؤثر عليه، ويكون ذلك في شكل خوف، نوبات هلع أو كوابيس، فضلا عن أن الساعة البيولوجية تتعامل مع بعض الأحداث على أنها واقعية فتخزنها أيضا، لتكون مراحل التذكر، وفقا للأخصائي النفساني، قبل النوم أين يكون التركيز عال وبعض الاستيقاظ، وخلالهما يتم تثبيت الأفكار لدى الأفراد.
ويرى زرمان، أنه يجب تنويع الأبحاث عن الحالات النفسية، خصوصا بعد ظهور مدخلات جديدة جاءت مع وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على الصحة النفسية والعقلية لأفراد المجتمع ففهمها، يساعد على إيجاد حلول فعلية للاضطرابات التي يعانون منها.