* أوتـار القيـثارة رسمت طـريقي في عالم الموسيقى والغنــاء
تتلمذ على يد كبار أعمدة المالوف، ونهل منهم قواعد الفن القسنطيني الأصيل، مكنته نشأته إلى جانب والد يتفنن في مداعبة الآلات الوترية، من صقل مهاراته وتعلم العزف على مختلف الآلات، هو أستاذ التربية الموسيقية والعازف حمزة بن قليل، المنتمي لأول دفعة تخرجت من المعهد البلدي للموسيقى بقسنطينة، درس إلى جانب فنانين كبار ككمال بودة والراحل العربي غزال، وتخرجت على يده أجيال من العازفين، خلال مشوار تعليمي يمتد 38 سنة، إلى جانب انتمائه لجوق الأشواق للفنان جميل باي، منذ ما يزيد عن 30 سنة.
يعتبر نفسه محظوظا لنشأته في وسط يتذوق الموسيقى، ونهله من كبار أعمدة الفن القسنطيني على غرار الشيخين الدرسوني والتومي، ليحظى بتأطير جيد مكنه في سنوات تكوينه الأولى من الإلمام بأبجديات الموسيقى ومداعبة عدة آلات، عاد خلال حوار جمعه بالنصر، إلى سنوات عمره الأولى، حين كان يجالس والده الذي كان عضوا رئيسا في أول جوق للحاج محمد الطاهر الفرقاني رحمه الله، وكان يضم حينها معمر براشي عازفا على آلة الدربوكة، وسيد علي بويموت على آلة الطار.
قال إن والده الفنان الراحل عبد الحميد بن قليل، كان عازفا على آلة الكمان و مختلف الآلات الموسيقية الأخرى، وقد ورث عنه شغفه بالموسيقى، بعد أن لمس فيه الاهتمام بها، فأهداه القيثارة وسنه لم يتعد 14 عاما، لترسم أوتارها طريقه في عالم العزف والغناء، حيث كان يجالس والده رحمه الله ليتعلم منه أصول العزف.
38 سنة في تعليم الموسيقى و 30 سنة في جوق الأشواق
تعلق الأستاذ حمزة بالموسيقى، جعله لا يكتفي بالنهل من والده فقط، وإنما أصر على الالتحاق بأول دفعة سجلت بالمعهد البلدي للموسيقى بقسنطينة سنة 1978، لإثراء زاده المعرفي، أين التقى بفطاحلة الغناء ككمال بودة والعربي غزال وحسان برامكي، وكان أستاذهم هو الراحل الأستاذ قدور درسوني.
تكون في المعهد طيلة 7 سنوات، ليتخرج بعدها برصيد موسيقي ثري، جعله يجيد اللحن والإيقاع ومكنه من الالتحاق بالجوق الموسيقي والعمل مع والده، كما كان دائم التردد على الفنان الراحل عبد القادر التومي، عندما كان تلميذا في ثانوية حيحي المكي، حيث يعتبره قامة موسيقية كبيرة تمتلك زادا وتتقن قواعد مختلف الطبوع القسنطينية، مشيرا إلى أنه استغل السنوات الثلاث من تعليمه الثانوي في النهل من التومي رحمه الله، والذي لم يكن يبخل على الجيل الصاعد بما في جعبته، كما كان حريصا على تقديم معارف دقيقة وصحيحة لضمان وصول رسالته.
تعلم العزف لم يتوقف عند آلة القيثارة، وإنما تعداها ليشمل آلات أخرى كالكمان والعود العربي القسنطيني، كما أهله ليصبح معلما للموسيقى، لتكون بدايته في المجال من جمعية مقام، أين درس خمسة أقسام مادة الصولفاج لمدة سنتين، وفي سنة 1984 التحق بالمعهد التكنولوجي مريم بوعتورة، بعد نجاحه في مسابقة قطاع التعليم، ليصبح أستاذا في مادة التربية الموسيقية بمتوسطة مفدي زكريا بجبل الوحش.
انتقل للتعليم في الطور الثانوي سنة 2007، بثانوية أحمد باي ثم طارق بن زياد، والتي لا يزال مدرسا بها إلى غاية اليوم، كما لا يزال وفيا لجوق الأشواق للفنان جميل باي، الذي التحق به منذ 30 سنة، علما أنه اشتغل كذلك في جوق فنانين آخرين على غرار الراحل العربي غزال والعيد فنيخ، وأحمد عوابدية، فضلا عن جوق والده، الذي يعد أول جوق التحق به حيث كان الوالد عازفا على العود و حمزة على الكمان.
يشكل التفريق بين الأنواع والطبوع الموسيقى معضلة لدى البعض حسب أستاذ الموسيقى العازف حمزة بن قليل، مقدما في هذا السياق شرحا مفصلا لموسيقى المالوف، بالقول بأن المالوف القسنطيني يقابل النوبة الأندلسية، المعروفة في تلمسان بالنوبة وفي العاصمة بالصنعة، فالكلمات ذاتها لكن الطبع الموسيقي يختلف من منطقة لأخرى.
أما موسيقى الحوزي، فقد نشأت في تلمسان حسبه، لكننا نجدها في المدارس الموسيقية للولايات الثلاث، بحيث تظل الكلمات ذاتها وتختلف الموسيقى باختلاف المدارس، فيما تعد قسنطينة مهدا للنوعين الآخرين وهما المحجوز والزجل.
أما الطبوع القسنطينية، فتشمل الرمل مايا، والمايا، والزيدان والذل والسيكة، ونوبة الرصد ونوبة السيكة، التي نجدها في قسنطينة والعاصمة والتلمسان، كما ذكر طبع الفقيرات، الذي يعتمد على الآلات الإيقاعية وهي البندير والطار والدربوكة، فيما يفضل الوصفان، آلة القمبري الوتري والبنقة والدربوكة والقرقاب.
وتحدث عن العيساوة كذلك، ومن مشايخها الذين تركوا بصمتهم ذكر الشيخ بلقاسم والشيخ سليم مزهود، ويؤدى الطبع بآلتي البندير والدربوكة وموسيقى المحجوز مع مديح ديني، فيما زهور فرقاني من أوائل من أدين طبع البنوتات، لتخلفها الأخت التوأم للحاج محمد الطاهر الفرقاني زلوخة، التي سلمت المشعل للفنانة فلة الفرقاني لتحافظ على هذا اللون الموسيقي.
مشيرا، إلى أن هذا الطبع تراجع بتراجع عدد الفرق الذي كان خمسا، ثم انحسر جدا، وقد عرفت أيضا في هذا الفن شقيقة الراحل الفنان بابا عبيد قارة بغلي.
تطرق محدثنا كذلك، إلى الانتشار الملفت للفرق الشبانية التي تؤدي الغناء القسنطيني، بعدما تراجع الاهتمام به لسنوات، وقال إنها فرق نجحت في ضخ دماء جديدة وتوسيع رقعة الاستماع لموسيقى قسنطينة، بدليل نشاطها خارج المدينة.
وقال، بأنه أمر جدير بالتثمين، خاصة وأن الموسيقى القسنطينية غابت لفترة عن المناسبات وحتى التظاهرات الفنية، مع ذلك فقد أشر إلى مشكل نقص التكوين ما يفسر الهفوات في الأداء والموسيقى حسبه، مردفا بأنها مسؤولية لا يتحملها الفنانون الشباب وحدهم وإنما تعنى بها الجهات المعنية بتوفير فضاءات التكوين فالوضع بين الأمس واليوم يختلف، بفعل غياب التأطير والنقص الفادح في مدارس تعليم الموسيقى وتراجع دور الجمعيات الفنية التي لا لم يتبق منها سوى» مقام»، الكائن مقرها بدار الشباب المنصورة.
مذكرا بأعرق الجمعيات التي ساهمت في تكوين أجيال متعاقبة وتوقف نشاطها، مثل «جمعية الفرقانية» للراحل محمد الطاهر الفرقاني و»البسطانجية» لعبد المؤمن بن طبال، جمعية «محبي الفن» للراحل الشيخ التومي، مردفا بأنه يستقبل طلبات كثيرة من تلاميذ وأولياء لتعلم الموسيقى خارج ساعات الدراسة، غير أنه يرفضها لغياب فضاءات الاستقبال.
وعن عصرنة موسيقى المالوف، وإدخال آلات حديثة، قال الفنان بأنه يرفض فكرة عصرنة الموسيقى الأندلسية، لأن ذلك يفقد القصيدة روحها، ويفضل الاكتفاء حسبه، بآلة الكمان والعود العربي والدربوكة والجواق أو الفحل، والنغرات والطار.
مردفا، بخصوص إدراج «الكلافيي» بالقول بأنه يؤثر على إيقاع الآلات الموسيقية الرئيسية ويفقد الحن روحه، مطالبا بالحفاظ على عراقة هذا الفن، وإعادة إحياء التظاهرات الغنائية القديمة كالأسبوع الثقافي القسنطيني الذي كان ينظم في شهر أفريل.
أسماء بوقرن