
تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دورا مهما في الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه، لتصبح في عصر التكنولوجيا المتقدمة شريكا أساسيا للمؤرخين وعلماء الآثار والباحثين في هذه المهمة النبيلة، وتكون اليوم أهم شريك في حماية الإرث الإنساني من الضياع وتحقيق نقلة نوعية في طريقة فهمه ونقله للأجيال القادمة.
يؤدي دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمل مؤسسات التراث الثقافي عبر العالم إلى إحداث ثورة في طريقة حفظ التراث وكذا عرضه وتفسيره، وذلك من خلال توفير أدوات وتقنيات مبتكرة للحفظ والتوثيق والترويج، بما يضمن حماية واستدامة الموروث الثقافي للأجيال القادمة من خلال الرقمنة والحفظ الرقمي للبيانات والإتاحة الرقمية للوصول إليها، وتطوير تطبيقات الواقع المعزز الافتراضي وتصميم أنظمة ترجمة آلية متعددة اللغات من شأنها أن تعزز الوصول العالمي للتراث الجزائري.
المسح ثلاثي الأبعاد والخوارزميات ثورة التراث الثقافي
وقد ساعد الذكاء الاصطناعي منذ بداية تطبيقه في عمليات التوثيق الرقمي للمعالم والمخطوطات الأثرية الباحثين والمؤرخين، بحيث يمكن لهذه التقنيات المتقدمة كالمسح ثلاثي الأبعاد وتحليل الصور باستخدام الخوارزميات الحفاظ على تفاصيل دقيقة للآثار المعرضة للتلف أو الدمار، فضلا عن إمكانية استخدام خوارزميات التعلم العميق في استعادة الأعمال الفنية القديمة وتصيح الأضرار التي لحقت بها، مما يساعد على استعادة أجزاء من جمالها الأصلي.
كما تعتمد الكثير من المؤسسات الثقافية ومراكز البحوث على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات التاريخية، إذ تساعد تقنيات معالجة اللغة الطبيعية مثلا في قراءة وترجمة المخطوطات القديمة التي يصعب على الإنسان فهمها بسهولة نتيجة لاختلاف اللغة أو لتدهور حالتها، مما يفتح الباب أمام الباحثين لإكتشاف معلومات جديدة ومهمة عن الحضارات القديمة لأول مرة في عهد الذكاء الاصطناعي.وبالإضافة للكشف والتحليل، فإن الذكاء الإصطناعي يساهم وبشكل فعال في نشر التراث الثقافي عالميا، وذلك من خلال الواقع الإفتراضي والمعزز، بحيث يمكن اليوم للناس زيارة المتاحف الإفتراضية والتفاعل مع الموروث الثقافي من أي مكان في العالم، بفضل تقنيات العرض المتحفي المتطورة التي تعمل بالذكاء الإصطناعي، مما يحقق تكاملا لتقنياته في أنظمة العرض المتحفي لإنشاء معارض تفاعلية تلعب فيها تطبيقات الواقع الإفتراضي والواقع المعزز دورا مهما في تعزيز مشاركة الزوار وتقديم سرد قصصي يخلق تجربة تعليمية ممتعة للزوار، وهو ما يعزز الوعي الثقافي ويشجع على حماية الإرث الحضاري.
المختصة في العمارة والتراث الدكتورة أميرة زاتير
طموح الجزائر كبير في استعمال الذكاء الإصطناعي لصالح الموروث الثقافي 
أكدت الأستاذ المحاضر المؤهلة في العمارة والتراث بالمدرسة الوطنية المتعددة العلوم للهندسة المعمارية بالجزائر، الدكتورة أميرة زاتير، أن الجزائر مستعدة تماما ولديها طموح كبير لتوظيف الذكاء الإصطناعي من أجل تعزيز وبلورة التراث المحلي الثقافي والحفاظ عليه، وهو ما تبرزه العديد من التجارب الناجحة عبر مخابر البحث والجامعات والتي شرع في تبنيها خاصة في ميدان الحفظ والترميم.
وأوضحت الأخصائية أن هناك عدة تطبيقات قد استحدثت في الذكاء الإصطناعي تساعد المختصين في العمارة والتراث بشكل عام في إعادة ترميم إفتراضي، من خلال تقديم إفتراضات موضوعية وبطريقة منهجية تعيد الترميم والتأهيل الافتراضي لمدن وحضارات قديمة.
نمتلك تجارب ناجحة
وأضافت الأستاذة أن هذه التقنيات تساعد كما في العمارة مجال الألبسة التقليدية والأزياء القديمة بالنسبة لوسط ما، بحيث تعمل على إعادة تصور الحياة في تلك الفترة بطريقة ثلاثية الأبعاد، وهو ما يتم تبنيه عبر مختلف دول العالم، ومنها الجزائر التي تعتمد عليها اليوم خاصة في ميدان البحث، أين تم العمل على تطوير تقنيات ترميمية ناجحة وكذا على مستوى المتاحف، من خلال وضع جولات إفتراضية للمتاحف قصد تقريب صورة المدن القديمة للزوار والسياح وهو ما أثبت نجاحه بالفعل.
الدكتورة زاتير، التي قالت أن الجزائر تسير بوعي كبير في مجال استعمال الذكاء الإصطناعي واستغلاله من أجل عمليات الترميم الإفتراضي لتقريب صورة التراث القديم، أكدت أن هذه التقنيات تساعد في عمليات الترميم الفعلية التي يراد القيام بها، سواء تعلق الأمر بالحفريات أو بآلات المسح الضوئي ثلاثية الأبعاد، وأن الجزائر اليوم على استعداد تام لاستغلال هذه التقنيات المتطورة في التراث الثقافي، مشيرة في ذلك إلى مخابر البحث العلمية وتحديدا معهد العمارة التي تعمل على أولى الترميمات الافتراضية لمدن كانت قد اندثرت تماما أو مدن لا نعرف عنها شيء إلا ما وصلنا عن طريق كتب ومقالات.
وأوضحت الدكتورة زاتير أنه تتم ترجمة هذه الكتب والمخطوطات إلى أبعاد ورسومات معمارية تستعمل في تطبيقات الذكاء الإصطناعي لتقريب الصورة، وهذا ما نجح حسبها معهم خاصة فيما يتعلق بإعادة تأهيل المدن التي شيدت عن طريق الأمير عبد القادر أو المدن والعمارة الأميرة وهو ما أعطى نتائج مبهرة، فضلا عن مدن في العصر الوسيط بالجزائر على شاكلة عاصمة الدولة الرستمية «تيهرت» وعاصمة الدولة الزيرية «آشير» وسدراتة الدولة الرستمية في القرن الـ10، وقلعة بني حماد، قصبة وهران وقصور بالجنوب الجزائري، حيث نجحت في تقديمها عبر محاكاة بتقنيات الذكاء الإصطناعي من خلال ترميم إفتراضي يقرب الصورة الأصلية لهذه المواقع لاستعمالها كأولى فرضيات تعزز وبدقة عملية الترميم بالتشارك مع الهيئات التنفيذية الوطنية أو في وثائقيات إفتراضية أو جولات سياحية إفتراضية.
الباحثة في مخبر تهيئة الإقليم الدكتورة مريم صغيري
الذكاء الاصطناعي آداة تحويلية في مجال التراث الثقافي
وصفت الباحثة والدكتورة بمخبر تهيئة الإقليم بقسنطينة، الدكتورة مريم صغيري، الذكاء الاصطناعي بالأداة التحويلية في ميدان التراث الثقافي، وذلك من خلال نجاعتها في توفير حلول مبتكرة للتحديات المرتبطة بالحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه.
وتقول الباحثة أن حفظ التراث الثقافي يعتبر مهمة حيوية تضمن استمرارية التاريخ والتقاليد والقيم الإنسانية، ليأتي الذكاء الإصطناعي بتقنيات جد متطورة تساهم وبشكل فعال في خدمة هذا المجال عبر تطبيقات يجري استغلالها في حفظ التراث خاصة في الشق المتعلق بالرقمنة والتوثيق، بحيث تعتبر من أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على رقمنة وتوثيق القطع والمواقع التاريخية، وتتيح الرؤية الحاسوبية والتعليم الآلي كإنشاء نماذج رقمية مفصلة للقطع الأثرية الثقافية، والتي يمكن استخدامها لأغراض الحفظ والبحث والتفاعل مع الجمهور، مشيرة في ذلك إلى الأدوات المدعومة بالذكاء الإصطناعي التي تمكن من أتمتة عملية تصنيف المجموعات الكبيرة، بما يخفف العبء عن المؤسسات الثقافية ويحسن من إمكانية الوصول إليها. وأضافت المختصة أنه يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تعزز مشاركة المجتمع مع التراث الثقافي ذلك عبر توفير تجارب تفاعلية وغامرة، بحيث تسمح تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز للجمهور باستكشاف المواقع والقطع التاريخية بطريقة مشوقة وجذابة، وأضافت أنه يمكن لروبوتات المحادثة وأنظمة التوصيل المدعومة بالذكاء الإصطناعي تخصيص التجربة لتجعل التراث الثقافي أكثر سهولة ومتعة لجماهير متنوعة.
إيمان زياري